أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كفاح الزهاوي - الاحزان اللا مرئية














المزيد.....

الاحزان اللا مرئية


كفاح الزهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6615 - 2020 / 7 / 11 - 14:52
المحور: الادب والفن
    


لست متشائماً، رغم الحزن يضيق صدري. ما اشد مفاجآت الدنيا، عندما تكون، عنيفة، مضنية، تثير سأم الروح، وهدم الكيان، لحظات الصمت والانتظار ثم الموت.
كان أول نهار من أيام شهر أيار، يوم ربيعي عذب. كانت السماء صافية والطقس مشمس. الأرض الندية راحت تتخلص من بخر رطوبة الشتاء المتراكمة فيها، وما زالت أوراق الأشجار تتلألأ بندى الليل.
خرجت من البيت لامشي تحت الشمس الدافئة في الممرات الضيقة بين الحشائش المرقطة بالزهور البرية الصفراء والأشجار الباسقة، المتشابكة على الجانبين، فتشكل مظلة من خضرة، للقيام ببعض التمارين اليومية التي تعودت على ممارستها للاسترخاء من التوترات العضلية وكوابيس الأحلام. ولان الوقت كان ساعة عمل، تشعر بأن الهدوء يفرض سلطته على فضاء الكون، حتى يكاد الطريق المخصص للمارّة خاليا من الناس، ماعدا احيانا يظهر في الأبعاد ثمة رجل طاعن في السن يمشي مع كلبه. وارى على مرمى النظر امرأة مسنة: عبارة عن مخلوقة متوسطة القامة، شاحبة الوجه، ضامرة الجسم تخترق الطرقات بخطوات متسارعة متحديةً قساوة الزمن لتؤجل وداعها الى العالم الاخر من خلال رفع رصيدها رقماً إضافياً، فتنفخ ببالون الحياة، لتملأها ديمومة النشاط.
كان هدير خطواتي يتناغم مع كل وطأة قدم تلامس الأرض، فتبدو الحياة كقوس قزح ينشر ألوانه في الفضاء الرحيب.
تمعنت بتجمعات الطيور بأشكالها المتنوعة وألوانها المختلفة وهم ينقرون الاسفلت ويبحثون بين حنايا الحشائش الندية عن الطعام أو الدود. وهناك عصفورة جميلة، مبتهجة التقطت بمنقارها الصغير قطعة من الخبز وانطلقت بها محلقة كالطائرة عند لحظة إقلاعها نحو الشجرة العالية حيث عشها الذي اكبر من حجمها بمرات، قد بنته بجهد جهيد وهي تحمل الغصن بعد الغصن المتراكم كفرش منبسط على الأرض، وتحلق به لتبني بيتا لها و لصغارها. وفي كثير من المرات كان يسقط الغصن من منقارها، فتهبط ثانية بخفة ودون جلجلة أو الشعور بالعناء لجلبه. وحال ان تصل الى العش تسمع زقزقات افراخها فاتحةً أفواهها لاستقبال الطعام وبينما تشرع الام بتمضيغ الطعام وتدس في فمهم بالتناوب حتى يشعر الجميع بالاكتفاء، ويملأ العش انسجام رائع.
كنت اراقب سير العمل بشغف لامحدود لاكون شاهدا على استيعاب هذه العصفورة الصغيرة التي تخزن في جسدها الصغير فيض من الطاقة والصبر، يتجسد في قدرة اعضاءها على أداء هذه المهمة الشاقة، بل حبها فوق التصورات لأفراخها رغم انها تحمل قلبا ليس إلا بحجم حصوة صغيرة جدا. كنت سارحا بل مذهولا امام هذه القوة الخارقة. كنت أتساءل ما هي أحلامها وطموحاتها وكفاحها في سبيل ديمومة حياتها وأطفالها. تنثر الفرح والبهجة وتخلق جوا من الأمل. تبني لهم عشا أوسع بعد ان كبر حجم العائلة ومتطلباتها.
بعد لحظات غادرت عشها وراحت تسبح في دنيا الفضاء مع صمت الريح المفاجيء، تتنفس نسائم الهواء، فتنعش زهرة الحياة بعيدةً، غارقةً في أحلامها. حدث ذلك بعد إتمام عملها وتوفير المستلزمات الضرورية من الراحة والأمان لصغارها.
ما ان عادت العصفورة الى عشها، خيم صمت طويل وقاسٍ. أصابتها شرارة الحزن، فقد خُمِدتْ فجأة، جمرة الحياة.
كان قد اقتحم طير جارح عشهم الهاديء في غيابها لتهدم تعب الزمان. لَمحتُ العصفورة وهي تغادر عشها نحو الشمس الساطعة، وإذا بأشعة الشمس تلفح عينيّ فتؤلمها، بحيث عجزتُ عن متابعة العصفورة التي كانت تحلق نحو المجهول. رحلة حياتها البهيجة تنتهي هناك.
انتابني شعور غامض يُحوِّط هواجسي، دون ان تظهر معالمه على قسمات وجهي. عدت ادراجي الى البيت دون ان افهم ماذا حدث لي؟.



#كفاح_الزهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص قصيرة جدا
- النور المخادع
- الرسالة التي كشفت ظلّ امرأتي
- غارق في الظلام
- استنفاد
- ذكرى من صمغ
- هواجس في يقظة الحالم
- العهد لم ينقض
- مرثية لوشاح الفرح
- خفافيش اخر الليل
- آثار من ذكريات الماضي
- صراع مع النفس
- حكايتي مع شجرة البلوط
- الهزيع الأول من الليل
- منعطف الرحلة في الزمن الصعب
- غريب منسيٌ
- دهاليز الذاكرة
- حلم في عالم الامل
- الحزن
- النسمة العابرة


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كفاح الزهاوي - الاحزان اللا مرئية