أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - أرثر ميللر وعقدة اوديب. 2ـ كلهم ابنائي















المزيد.....


أرثر ميللر وعقدة اوديب. 2ـ كلهم ابنائي


صباح هرمز الشاني

الحوار المتمدن-العدد: 6614 - 2020 / 7 / 9 - 23:43
المحور: الادب والفن
    


أرثر ميللر وعقدة اوديب
2ـ كلهم ابنائي

عرضت مسرحية (كلهم ابنائي) في نيويورك عام 1947 . وقام باخراجها ايليا كازان، واستمر عرضها (328) يوما، اي لمدة عام تقريبا، وانشغل ميللر في كتابتها مدة عامين ، وهي اطول فترة يقضيها في كتابة هذه المسرحية قياسا بمسرحياته الاخرى. وفازت بجائزة نقاد المسرح. واخرجت للشاشه عام 1948.
استمد فكرتها من حادثة واقعية ، تحطمت جراءها اسرة كاملة ، مؤداها ان الابنة تبلغ السلطات بأرسال والدها اجزاء طائرات فاسدة الى الجيش اثناء الحرب. وتتحول في المسرحية هذه الابنة الى ابن ويدعى (كريس).
وللاب كيلر ولدان ، احدهما كريس المثالي المتحمس لمبادئه الاخلاقية والمواجه لابيه، والذي يعتزم الزواج من خطيبة شقيقه. والاخر خطيب ابنة الشريك السجين المقتول في الحرب .
وبالرغم من ان السلطات تلقي القبض على كلا الشريكين وتزجهما في السجن، الا ان (كيلر) والد كريس، استطاع بالكذبة التي اعتمدت عليها المحكمة ان يبرأ نفسه من التهمة الموجهة اليه ، بدعوى انه يوم ارسال الشحنة كان مريضا وراقدا في البيت، وان شريكه (ستيف) والد (آني) ، يتحمل هذه المسؤلية وحده، لانه كان موجوداً في المصنع ، وهو الذي اوعز بارسالها وعلى هذا الاساس نجا كيلر وحبس شريكه ، مع ان الكل كان يعرف بان كيلرهو مسؤول ايضا عن هذه الجريمة . وهكذا عاد الى مصنعه بعد تبرئته وانشأه من جديد. وابنه كريس مثل الاخرين يرتاب باشتراك والده في هذه الجريمة ، الا انه يفتقر الى الاثباتات التي تحول هذه الظنون الى حقائق دامغة، الى ان تعترف والدته بزلة لسان بعدم أصابة زوجها باي مرض لما يقارب الخمسة عشر عاما ، ووصول خطاب ابنه الذي انتحر بسبب الجريمة الذي اشترك فيها والده في قتل (21) شخصا، حيث تنجلي الحقيقة ، ويصبح امام امر الواقع ، مصرحاً بوضع قذيفة في رأسه، وهكذا فعلا ، بانتحاره تنتهي حياته.
اذا كان هذا هو الوجه الاول للمشكله القائمة في المسرحية ، فأن الوجه الثاني لها يكمن في زواج كريس بـ (آني) ابنة شريك كيلر في المصنع ، ذلك ان آني قبل ان تربط بعلاقة حب مع كريس، كانت مخطوبة لشقيقه المتوفي (لورين) ، وان والدة كريس تمنع هذا الزواج، ظنا منها بأن ابنها مايزال على قيد الحياة ، وتنتظر عودته من الحرب ، ولاتريد ان تصدق انه قد مات ، كما ان اعترافها بموته يعني اقرارها بجريمة ابيه.
هذه هي الخطوط الرئيسية للمسرحية، وتتشابك فيها جانبان وهما الجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي.
ويتفق الدكتور صفاء الشاطر والاستاذ علي شلش ، بان هذه المسرحية ليست هجوما على اخلاقيات النظام الرأسمالي ، بقدر ماهي دراما اجتماعية ودراسة كما يقول علي شلس : ( لرجل عادي ضائع حائر يدخل عالما معدوم القيم لاتوجد فيه مسؤولية لدى الانسان ازاء غيره) 1 ، انطلاقا من فهمهما ان مآساة البطل في مسرحيات ارثر ميلر وخاصة الثلاث الاولى وهي كلهم ابنائي ووفاة بائع متجول والبوتقه ، (تنشأ نيتجة لعدم معرفته لذاته ثم احتكاكه بالمجتمع سواء العائلي او الخارجي، اذ ان البطل يواجه موقفا يصعب عليه مواجهته لأنه لايعرف ذاته، ثم تتضح المأساة حين يقطع البطل صلته بمجتمع او حين يكتشف تحت ضغط الظروف المفاجئة ان هذه العلاقة بينه وبين المجتمع ، لم تكن موجودة اصلاً.....)2.
وقد اوضح ميللر ذلك في مقدمة مسرحياته ، فقال عن هذه المسرحية : (ان مشكلة كيلر لاترجع الى انه لايفرق بين الحق والباطل فحسب، بل لان تركيب عقله لايسمح له بأن يعترف بأنه شخصياً تربطه علاقة قابلة للنمو في دنياه ، مع عالمه، او مجتمعه)3.
وبمنأى عن مدى صواب ، وعدم صواب رأي الثلاثة ، مع أن رأيهم قد يكون صائباً، سأحاول مناقشة موضوعة اشكالية الاب كيلر التي تتلخص في عدم معرفته او معرفة البطل عموماً في هذه المسرحية لذاته، بهدف الخروج برأي أن هذه المسرحية ليست نوعا من انواع الدراما الاجتماعية فحسب، وانما بالاضافة الى ذلك، انموذج الهجوم على النظام الرآسمالي . فأن يكون كيلر شخصاً عاديا وهو يملك مصنعاً لقطع اجزاء الطائرات ويتعامل مع كبرى شركات الطيران الامريكية ، ولايعرف ذاته ، اي لايفرق بين الحق والباطل ، فمثل هذه الكلام بقدر ما هو غير منطقي على ارض الواقع المعاش، بنفس القدر يكاد الاينطبق مع ما في متن النص.
ان من لايفرق بين الحق والباطل هو الشخص غير السوي الأقرب الى الجهل والتخلف منهما الى الشخص العادي ، واذا لم يكن من هذا النوع ، فهو بالنقيض منه فأما ان يكون عبقريا او دكتاتوراً،وشخصية كيلر لاتنتمي الى الصفات الاربع.
ظاهراً يبدو كيلر شخصية لطيفة ومرحة، سيما في حواراته مع الطفل بيرت، اذ بالرغم من الجو الفكاهي الذي يغلف هذه الحوارات ،الا انها تحمل بين ثناياها اكثر من معنى ، ابتداءً من قراءة بيرت لدرجة حرارة الناس من الفم، ومروراً بتعيينه شرطياً من قبل كيلر، وانتهاءً بالمخبر السري، ذلك ان كل حالة من هذه الحالات ترمز الى قلق كيلر والصراع الداخلي الذي يعيشه مع نفسه، ومن لايعرف ذاته، يعيش حسب هواه عابثاً بالدنياوالحياة والناس ، وليس كما يعيش كيلر غير مستقر في لحظة من لحظاته، ولآثبات ذلك، أسوق بعض المواقف التي يمر بها كيلر وتشير الى هذا المعنى . وأبدأ بالجملة الاولى التي تعني أرتباطا بالجملة الثانية او الثالثة رغبة كيلر بمعرفة الناس باتهام والد آني في القضية وتبرئته هو منها، وهذه الرغبة للمعرفة، لاشك ناجمة بفعل القلق وعدم الاطمئنان.
كيلر:برت هنا ، انه اخذ ثرمومتر أبيه مرة اخرى.
بيرت: انه يقرأ درجة الحرارة
كريس: ماذا
بيرت: ولكن فقط من الفم
كيلر: اه حسناً ليس هناك ضرر من اخذ الحرارة من الفم ، ما الجديد هذا الصباح يابيرت؟

قد يبدو هذا الحوار عادياً للوهلة الاولى، لتجنبه طرح موضوع قلق كيلر، لكننا لو قرأناه بامعان سنجد المفردات التي تقترب من هذا المعنى ، كمفردة درجة الحرارة ومفردة الفم ، وارتباط هاتين المفرديتن بالجديد.
ان مفردة الفم ترمز الى كلام الناس ، ومفردة درجة الحرارة الى مستوى هذا الكلام وفيما اذا كان ضده او الى جانبه، والجديد الى نقل هاتين المعلومتين اليه. وتتوضح معنى هذه المفردات اكثر ، عندما يضيف كيلر قائلا : اذن لم تكن في استطاعتك ان تقوم بتفتيش كامل للحي. في بادئ الامر عندما عينتك شرطيا اول مرة كنت تأتي كل صباح بشئ جديد . الان لاشي جديد بالمرة.
ويرد عليه برت: ماعدا بعض الاطفال من شارع ثلاثين، بدؤا يرفسون علبة صفيح في الطريق، وجعلتهم يذهبون بعيداً لانك كنت نائماً. وتعطي علبة الصفيح هنا معنيين، الاول هو عبر رفسها الذي يحدث ضجيجاً، ليرمز هذا الضجيج الى حديث الناس عن جريمته ، والمعنى الثاني اتهامه المباشر بالجريمة ، وهو نائم مرتاح البال في داره، بينما شريكه داخل السجن.
ثم ترتبط كلمة المخبر السري بكلمة السجن، لتعزيز قلق كيلر، الا انه لأخفاء هذا القلق ينفي رؤية السجن ، اي انه سوف لايدخل السجن وبمعنى اوضح انه بريء.
وحيرة بيرت من طلب كيلر ان يفتح عينيه، ورداً على حيرته يصيح خلفه بعد ان يخرج مسرعاً ( السكوت هو المهم يابيرت) وعندما يسأله عن السبب يقول: (عموماً كن في غاية الحرص). وهنا يرد عليه كريس: في يوم من الايام . سيحضرون كلهم هنا ويكسرون رآسك.
قد تبدوهذه الحوارات في الظاهر مجرد دعابة او مزحة تجري بين رجل طاعن في السن وطفل صغير ، الا اننا لو نظرنا اليها من خلال الجو العام السائد في المسرحية، وهو القلق ، والانتظار، والحلم. قلق كيلر من افتضاح امره ، وانتظار الام لعودة ابنها الغائب وحلم الابن الزواج بـ آني ، اقول لو نظرنا اليها من خلال هذه الزاوية، لوجدنا ان كل كلمة تنطقها الشخصيات مدروسة بشكل جيد من قبل المؤلف ، ولم يأتِ بها كما يعتقد الدكتور صفاء الشاطر في المقدمة التي كتبها لهذه المسرحية، لابراز سلوك كيلر اللطيفة مع الاطفال وانما لاخفاء الوجه الاخر له بهدف التغطية على قلقه وانفعالاته والصراع الداخلي الذي يعيشه مع نفسه ، لمعرفته تمام المعرفة، بعدم نجاته من المحنة التي وقع فيها، واوقع شريكه فيها في المصنع . ولعل الجملة التي يقذفها ابنه في وجهه ، تمثل اصدق تعبير عن الخاتمة التي يؤول اليها، وهي انه قبل قدوم اطفال المحلة ليكسروا رأسه، يبادر هو الى كسر هذا الرأس عبر انتحاره.
والمعنى الذي ذهب اليه، في عدم لطفه ، وخبثه تحديداً ، يؤكد عليهما اكثر ابنه فرانك، عندما يقول له: (عندك موهبة في تجاهل الاشياء( وهي اشارة الى تجاهله الاتفاق مع شريكه والد آني بارسال شحنة السلندرات الفاسدة الى سلاح الطيران الجوي.
ومثلما ان جملة كريس (السبب هو ماحدث) أي زواجه بـ آني، تؤكد انه يعرف باشتراك والده في الجريمه ، كذلك فأن جملة والده ( رد جميل)، اي رد جميل على توريط والدها ، اعتراف ضمني واقرار مبدئي باشتراكه فيها.
كذلك فأن الام تعرف كل مايجري داخل البيت وخارجه، الا انها كزوجها تتجاهل ذلك ، فهي اكثر من غيرها تعرف ان زوجها اقترف جريمة وفاة واحد وعشرين شخصاً ، الا ان حفاظا على سلامته من الاعتقال تكبت هذا السر في صدرها ولاتبوح به لاحد حتى لآبنها كريس. وكما تعرف بوفاة ابنها، الا انها لاتريد ان تصدق ذلك ، وبالتالي تعرف سبب قدوم آني لزيارتهم ، غير انها تتجاهله، لأنها لاتريد ان يتم هذا الزواج ، لتجنب اثارة خلفيات الماضي ، وتخفيف الازمة بين الاسرتين بدلا من تعقيدها .اذ بظهور الطفل بيرت بعد مرور خمس عشرة صفحة تقريبا على ظهوره في الفصل الاول مع كيلر ، يبرهن عبر ترديده جملة ( القاء القبض عليه)، وتوبيخه من قبل الام الكف عن هذا : ( لايوجد سجن حقيقي هنا) وطالبة من كيلر وبغضب ايقاف مسأله السجن ، وهي تتحرك هنا وهناك في محاولة لكبح جماحها، قابضة على كلتا يديها :(لا استطيع ان اتمالك نفسي ) وقول كيلر: (ما الذي لديَ اخفيه؟) ، كل هذه العلامات توحي الى معرفة الام بجريمة زوجها, لهذا فهي خائفة عليه، عندما تذكر مفردات كالشرطة والسجن والقاء القبض، وماشابه.....

ان تحليل الدكتور صفاء الشاطر لشخصية كيلر في كونه شخصاً ناجحا ً ولطيفاً مع الاطفال، واعتبار عمله وسيلة يضمن بها الامان لعائلته والمستقبل السعيد لاولاده، ان مثل هذا الكلام يكاد ينطبق على كافة الاباء ، وهو ليس بجديد، اذا كان هذا العمل يخلو من استغلال الاخرين، ولكن اذا كان كذلك، كأستغلال كيلر لـ والد أني، والدفاع عنه، بذريعة انه لم يفكر في مغزى الوسيلة التي اتبعها لتحقيق هذا الهدف ، لان الغاية تبرر الوسيلة ، من وجهة نظره، وان هذه الغاية منبعها حبه لعائلته والحفاظ عليها ، اقول اذا كان ذلك عن طريق استغلال الاخرين ، عندها تزول كل المسوغات ، ولو كانت امور الحياة بهذا الشكل لتحولت حياة الانسان الى غابة ولاستحال علينا الفرز بين الصالح والطالح فليس من المنطق الاّيعرف من يمتلك ذهنية المؤامرة مغزى الوسيلة التي يتبعها ، ايهما اسهل على الادراك ، الوسيلة المتبعة ، ام المؤامرة؟ الاجابة واضحة.
ان من يكون من هذا النوع الذي لايترك محله دون ان يمر به ليتاكد ان الانوار كلها اطفأت ، ومن النوع الذي يعرف كم دقيقة يقضيها عماله في المراحيض يومياً كـ (كيلر) ان مثل هذا الشخص لايمكن الا ان يعرف مغزى الوسائل التي يتبعها للوصول الى غاياته ، ولايمكن في يوم من الايام ان يصبح مثل هذا الشخص طيبا ولطيفا .
ان شخصية كيلر بحبها الكبير للمال، ومصلحة افراد عائلته الصغيرة، تعبر اصدق تعبير عن الطبقة الرأسمالية الامريكية ، التي تغزو العالم بطاقة استثماراتها الهائلة، ونفوذها الاقتصادي الجبار، وكيلر ما هو الا أنموذج لهذه الطبقة الذي خان طبقته المتمثلة بشريكه والد آني، لزيادة رصيده ، لا وبل اودى بحياة ابنه من اجل ذلك، وحطم حياة اسرتين . وميللر يقدم هنا اكبر برهانا على عدم خجل وحياء الطبقة الراسمالية ، من اي شيء، وكل شيء، وحتى العهر، عندما تصل الدفاع عن مصالحها.
وهو مثله مثل اوجين اونيل في مسرحيته (وارء الافق) تفيض هذه المسرحية بالرموز ، شروعا من اول جملة تأتي فيها: (الفناء الخلفي لمنزل كيلر) لترمز الى مكان احداث المسرحية، وهو الجدار الفاصل بين مسكن عائلة (كيلر) ومسكن عائلة شريكه في المصنع والد (آني) وهذا الجدار بدوره يرمز الى المشكلة القائمة بين العائلتين ، واشجار الحور الباسقة المحيطة بخشبة المسرح يميناً ويساراً المتلاصقة والتي تضفي على الساحة جواً من العزلة ، تمنح المتلقي انطباعا بوجود مشكلة كبيرة في هذه الاسرة.
كما ان قيام جذع طوله اربعة امتار في مقدمة المسرح لشجرة تفاح نحيلة اشارة الى ان هذه الشجرة المثمرة لم تعد تعطي ثماراً ، وان استلقاء جذعها العلوي بجوارها والفاكهة على اغصانها ، توحي الى اصابة الشجرة بمرض ، وان لاعلاج لهذا المرض ، لان ثمارها غير قابلة للاكل.
كما ان تبعثر الكراسي في الحديقة ووجود وعاء للقمامة على الارض بجانب سلم الشرفة وبجواره سلة لحرق اوراق الاشجار ، كلها دلالات على الفوضى القائمة في هذا البيت ، وجو القلق السائد بين افراده .وتمتد هذه الرموز داخل النص في الحوار الدائر بين شخصيات المسرحية ، بين فرانك وكيلرمن جهة ، وبين بيرت وكيلر من جهة اخرى.
يقرأ كيلر ماهو مكتوب في الصحيفة على انها ستمطر الليلة ، وتأتي هذه الجملة على لسانه لاظهار قلقه، (وهنا تبرز هذه النزعة لديه ايضاً) بدليل ان جيم يرد عليه: اذن فهي لن تمطر ، وفرانك ، بعد ان ينظر الى السماء مفندا كلام كيلر ومعززاً كلام جيم: ولاسحابة واحدة.
وملاحظة فرانك لاصابة الشجرة ، وتحويله انتباه كيلر اليها ، اذ اصابتها الريح واتلفت فناء فرانك ايضا، وهو يذهب اليها ويقول يا خسارة ثم يلتفت الى كيلر : ماذا ستقول كيت؟
ان الشجرة رمز نجل كيلر (لورين) المتوفي في حادث سقوط طائرته او المنتحر بشكل ادق . والريح التي اصابت الشجرة هي رمز لسقوط طائرة (لورين) وانتحاره، واتلافها لفناء فرانك ايضاً اشارة واضحة الى ان الجريمة مشتركة بين الاثنين ، بين كيلر ووالد آني ،ذلك ان اسرة آني سكنت لفترة في الدار الذي يسكن فيه حاليا فرانك وجملة (ماذا ستقول كيت) وربما تعني، باعتبار ان فرانك يعمل في صحيفة طالع، هل ان والدته والدة (لورين) ارتباطا بأصابة الشجرة وسقوطها ، ستصدق بموت ابنها؟
كما ان ربط شهر ميلاده بسقوط شجرته وحضور آني واصطدامها بالقفاز الذي كان يلبسه في لعبة البيس بول ، ورؤيته في الحلم على ارتفاع ٍعال ٍ جداً في السحب، كما لو كان يبدو لها حقيقيا لدرجة انه كان بامكانها الوصول اليه ولمسه ، وفجأة بدأ يهوى.... دليل على معرفتها بذلك ، مقرونا هذا الدليل بغضبها على اندفاعهم في غرس شجرته وهي تقول :كان كل شخص يتعجل في دفنه....
ولم تقل دفنها اذا كانت تقصد الشجرة، بل قالت دفنه ، والقصد واضح هو ابنها الذي دفن وهو مايزال في ريعان شبابه ، ولعل قوله كريس لها: عن اي شيء تتكلمين امي ، ارجوك لاتعودي مرة اخرى لما حدث ، لافائدة من ذلك ، لن يؤدي الى شيء كنت افكركما تعلمين ، قد يكون من واجبنا ان نقنع انفسنا بنسيانه يعزز هذا المعنى اكثر ، سيما وبعد ان تشعر بألم برأسها ، وهكذا بالنسبة لحضور آني ، تفطن سببه، لعدم قناعتها بسفر شخص مسافة سبعمائة ميل لمجرد أن يرى شخصاً اخر، بالاضافة الى ورود كلمة (مشتاقون) في حداد كريس لها، لتأتي بصيغة الجماعة بدلاً من المفرد بشكل مصطنع، مكتفية بهز رأسها بخفة رداً على هذا التمويه وملاحظته خلسة على عدم زواجها وبشكل مباشر عندما يأتيها الجواب منه لاسباب عديدة، اي ان جواب كريس على اسئلتها القلقة، ورد فعله غير المقنع ازاءه مر بثلاث حالات، ادركت نواياه من خلالها بعدم مصداقيته.
بالرغم من آني تظهر الود تجاه اسرة كريس الا انها كخطوة التراجع على اعتبار تنتهي المسرحية بدون زواجهما لانتحار كيلر ، تبدي تذمرها مرتين من هذه الاسرة.في المرة الاولى في بداية حضورها وهي تسأل عن سبب ابعاد ارجوحتهم وفي الثانية بعدم التوقف الكلام عن ابيها.
واذا كان التذمر الاول قد جاء بفعل عدم وجود الارجوحة التي كانت تتمتع بها في طفولتها ، فأن التذمر الثاني جاء نتيجة حساسيتها المفرطة تجاه هذا الموضوع، سيما بحضور والد كريس، وتاتي اجابة كيلر عن سؤالها الاول، ان الارجوحة كسرت منذ سنتين ، وان لم تفهم مايقصد اليه، لانها تضحك ثم تعود الى الخلف تجاه فناءجيم لتقول: أه معذرة...
كأنما تسترجع طفولتها، فأنما المقصود منها تحطيم أسرتها منذ سنتين.. ويطمئنها كريس بصدد سؤالها الثاني.
ان أرتداء كريس في بداية الفصل الثاني سروالا من نوع جيد وحذاء ابيض وبدون قميص، وهو ينشر الجزء المكسور من الشجرة، تاركا الجذع بمفرده، اشارة الى موت شقيقه، وولادته هو من جديد، اذ ان الاجزاء المكسورة من الشجرة تمثل لورين، والجذع يمثل كريس، ذلك من غيرالمعقول العمل بملابس واحذية من النوع الجيد، وبالاضافة الى ذلك بدون قميص، ان عملا كهذا اقرب الى التهيئة للزفاف منه الى العمل الجدي، بدليل أن امه توبخه على العمل بهذه الملابس ، وتنظر حواليها بدون ارتياح.
ومع ان قلق الام ليس ناجماً عن عمل كريس بملابسه الجديدة بالدرجة الاولى، وانما عدم استطاعتها بمرور تجربة نظر المحكمة بقضية زوجها مرة اخرى، باستخدام المؤلف المفردة الدالة على التوتر النفسي في (الجو الخانق)، فقد استطاع من خلال التزاوج بين هذين الرمزين، رمز الزفاف ورمز التوتر النفسي ان ينأى كريس عن ابيه ، تمهيداً لنهاية المسرحية ، ويجعل كلا منهما في واد ٍ ، الابن في احلامه الزوجية ، والاب والام مع كابوس المحاكم.
الام: أكان من الضروي ان ترتدي سروالا ً انيقا وانت تقوم بهذا العمل؟
كريس: لماذا لم تغيري ملابسك؟
الام: ان الجو خانق في الطابق العلوي...
كريس: حسناً اذهبي وغيري ملابسك.لماذا ينام والدي كل هذا الوقت؟
الام: انه قلق. حينما يكون قلقاً يلجأ الى النوم ( صمت . تنظر الى عينيه) نحن سذج ياكريس. انا وابوك اغبياء لانعرف شيئاً . عليك ان تحمينا.
كريس: انت حمقاء . ماذا هناك يخشى منه؟
الام: الى اخر يوم له في المحكمة لم يتخل ستيف عن فكرته بأن اباك هو الذي دفعه الى ذلك. اذا نظروا القضية مرة اخرى فلن استطيع ان امر بهذه التجربة.
ويصب تقبيل كريس لاني في نفس المنحى، منحى الابتعاد عن هذا البيت،وهو ينظر تجاه المنزل ، ثم اليها، مرتعدا ومبتعدا عنها قائلا ً فلنذهب الى مكان اخر.
ولو اعدنا قراءة الجمل التي تطلقها الام والصمت الذي يسود حواراتها . ونظرات عينيها الى ابنها.لوجدنا انها تكذب حتى على ابنها، لا وبل انها تحاول ان تقرأ كذبتها في عينيه، وردة فعلها تجاهها، عندما تصف وزوجها بالسذج والاغبياء ، والاب هو الاخر يكذب على ابنه عندما يقول له، انه ماله مال حلال ولم يدنسه شئ ، كما ويشك بزيارة آني لبيتهم، متوقعا ً انها قد ارسلت لتكتشف شيئاً ...
ويعيب الدكتور صفاء الشاعر هذه المسرحية ضعف تركيبها (الذي اعتمد على وسائل خارجية لتحريك حوادثها مثل خطاب الابن وزلة لسان الام، وهبوطها الى مستوى المسرحية التعليمية ، لاعتمادها على الاسلوب الهادف الموجه، ولاقت كثيراً من النقد ، ولكن رغم ذلك فقد امتدحها معظم النقاد لمغزاها الانساني والاخلاقي، ووقوعها تحت تأثيرات مسرحيات ابسن واضحة، وقد اعترف ميللر بذلك فالخطايا التي يرتكبها الاباء ومدى تأثيرها على الابناء والبيت الذي يبني على الكذب والعلاقات القديمة نتائجها .. كل هذه الموضوعات التي يتناولها ابسن في مسرحياته قد دخلت في نسيج هذه المسرحية)4
من وجهة نظري ان ميللر لو كان قد انهى مسرحيته في الفصل الثاني ، وبدون الفصل الثالث ، ونجله يقول له: (لا ادري ما افعل بك) ، لكان هذا يجنبه من الاشكالين اللذين وقع فيهما، وهما انتحار الاب ، ورسالة الابن المنتحر ، ذلك ان هذه الجملة قابلة على التأويل ، وبالاخص فيما يتعلق بالاخبار عن الاب، والقائه في السجن ، كما فعلت الفتاة ، وسمعها المؤلف وقرأ عنها، لكون عملية الانتحار غير مقنعة ،لمعرفة الاب المسبقة بحجم الكارثة التي اقدم عليها، كما ان الغاء الفصل الثالث ، كان سينأيه عن رسالة ابنه المنتحر جراء ما اقترفه والده، لاقتحام هذه الرسالة الحدث من الخارج.
وبالاضافة الى ذلك، فأن عنوان المسرحية (كلهم ابنائي) ليس صحيحا كما قال احد النقاد ذلك ان هذه الجملة لم تات ِ على لسان الاب (جوكيلر) وانما على لسان ابنه المنتحر في الرسالة المبعوثة اليه، والحال هذا كان على المسرحية ان تكون بعنوان (كلنا اولادهم) ، وهذا اذا سلمنا ان ميللر لم يكن يعرف بحجم الكارثة، اما بعكس http://www.youtube.com/watch?v=1SoXbXbh2Vchttp://www.youtube.com/watch?v=1SoXbXbh2Vcذلك اي من خلال فهمي للمسرحية ، فان كلا العنوانين غير صحيحين ، والعنوان الاصح هو (كلنا ضحية).



#صباح_هرمز_الشاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أرثر ميللر وعقدة اوديب. 1 الثمن
- اوجين اونيل بين.ثلاثي . .الواقعية والرمزية والتعبيرية. 5- ور ...
- اوجين اونيل بين ثلاثي. . .الواقعية والرمزية والتعبيرية. 4-أن ...
- اوجين اونيل بين. . .الواقعية والرمزية والتعبيرية . 3- الحداد ...
- اوجين اونيل بين ثلاثي. . . الواقعية والرمزية والتعبيرية. 2 ا ...
- مسرحيات اوجين اونيل بين ثلاثي. . . الواقعية والرمزية والتعبي ...
- ذئبة الحب والكتب.. لمحسن الرملي
- الفتيت المبعثر. . لمحسن الرملي
- عمكا.. رواية قومية المكان ومنحى الميثولوجيا
- بغداد مالبورو. . بين الإيحاء والتوازن بين الشخصيات والأحداث. ...
- ملوك الرمال. . . لعلي بدر
- النوم في حقل الكرز بين التناص و الحلم . . .لأزهر جرجيس. .
- قراءة رواية (بنت دجلة) لمحسن الرملي من زاويتين مختلفتين. .
- بيريتوس. . و تقنية الإسترجاع لبلوغ الحلم
- التناص في عرس الزين ل الطيب الصالح
- أساتذة الوهم .. وبنيتها القائمة على التناقض
- الشراع و العاصفة لحنا مينا بين زوربا و الشيخ و البحر
- التناص والايحاء في رواية اطراس الكلام لعبد الخالق الركابي
- التناص في رواية الحلم العظيم
- رواية النبيذة. . . ولعبة منحى الميتا سردي


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - أرثر ميللر وعقدة اوديب. 2ـ كلهم ابنائي