|
مكافحة التطرف والطائفية بين البحث عن الأسباب والمعالجة الواقعية
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6614 - 2020 / 7 / 9 - 11:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تشكل مهمة مكافحة التطرف بشقيه الديني والأجتماعي وما يتوالد عنه مهمة وطنية وإنسانية بالدرجة الأولى وحجر أساس وركيزة مهمة في بناء دولة الإنسان الدولة التي تحتكم بمبادئ أخلاقية محورها الأساسي ونواتها التي تدور في فلكه هو قيمة وكرامة وحرية الفرد المصونة والتي تحميها فكرة المجتمع بالإنسان وليس العكس ، هذه المهمة لا تقل أهمية ولا أثار عن حماية المجتمع من عدوان وجودي يستهدفه وتستهدف أسسه المادية والحضارية وأسباب بقاءه فضلا عن أسباب وجوده . التطرف لا يخرج من فراغ وليس نتاج عرضي لممارسة أجتماعية أو تطور حضاري أو سياسي ، التطرف مرض أجتماعي ينشأ بأسبابه وعلاته وعوامل تساعد على أنتشاره كما تساعد على بلورة ضرره وخطورته تمتد على قاعدة عريضة من الأفكار والممارسات والرؤى والتصورات السلوكية والتمهدية تبدأ من العامل الديني الناتج عن قراءات غير منضبطة مع روح الرسالة مرورا بالعامل الأقتصادي والأجتماعي والتربوي وأنتهاء بالعوامل النفسية التي تجر بأعتلالاتها الفرد ليكون فيروس ناقل للمرض وفي ذات الوقت مسببا للأذى الفردي والجماعي ، لذا المهمة التي يواجهها المجتمع تبدأ من الفرد وتنتهي به أي أن أساليب المكافحة تتخذ من الفرد هدف وأداة ونتيجة . من أولى الخطوات الإعدادية التي بها يمكن للمجتمع أن ينتشل واقعه من السقوط في لمزيد من الضرر والتهديد أن يفهم لماذا أنتشر التطرف والإرهاب والكراهية وما نسميها مجملا بالطائفية في هذا الوقت وفي هذه الظروف وما هي المؤديات الفاعلة بقوة والتي أنتجت حدة وتشخيص لمظاهر هذا المرض من ناحيتي الزمان والمكان ، الأسباب والعلات تختلف من مجتمع لمجتمع من حيث الشدة والفعل ، ففي المجتمعات الفقيرة والمنغلقة فكريا ودينيا التي تشهد تفاوت حاد في توزيع الثروة ليست ذات الأسباب التي تشهدها مجتمعات عاشت في جو ليبرالي أكثر تحررا وفي وضع أقتصادي قريب من التوازن . التشخيص الدقيق والنقد الموضوع الذي يمارس بتجرد ومسئولية يكشف الميل الأساسي والمنحنى الذي سلكه هذا التطرف متصلا من نقاط الحث الأولى وأنتهاء بنشوئه كظاهرة لا يمكن السيطرة على حركتها وأتجاهات السير التي تسير فيها ، ومن هنا فالتحليل السيكولوجي والسيسيولوجيي له دور في تشخيص الكثير من الوسائل المضادة التي ستكون عوامل مساعدة في المكافحة وأساليب ناجحة في تحييد شرائح مهمة يمكن إنقاذها من التلوث بالمرض ومن ثم المباشرة بالمرحلة الثانية وهي محاصرة الوباء ومحاولة تحجيم تأثيراته ونفوذه وصولا إلى حصره في زوايا مميتة يمكن من خلالها توجيه ضربات تعقيمية قد تقضي على الفيروس العنفي أو إفقاده القدرة نهائيا على التحرك والفعل . من جملة الوسائل والإجراءات التي يمكن أن يلجأ إليها المجتمع لمواجهة طاعون العنف الديني والأجتماعي محاربة العنف بالعنف القانوني وليس بوسائل المرض ذاته ، فالحلول العسكرية والأمنية قد تنفع في مفاصل محددة من طريق المعالجة وفي أوقات لازمة ولكن تبقى مكافحة السلوكيات الناتجة عنه أحدى أم المسائل المهمة في المواجهة وأقصد بها الوسائل السلبية والإيجابية القانونية ، ففي المجموعة الأولى هناك إجراءات قانونية وقضائية ذات فهم أجتماعي ونفسي تعامل المتطرف كأنه عضو أجتماعي مصاب بحاجة ماسة للمعالجة كي لا يخسر المجتمع فردا مهما من أفراده وما يشكله من نزيف حقيقي ،وأقصد هنا مجموعة القوانين الإصلاحية التي تتم بوسيلة الضبط ثم الحكم ثم العفو وفق برنامج إصلاحي تهذيبي يعيد دمج الفرد في المجتمع بعد دراسة الماهيات الدافعة لفعله الإنحرافي وبالتالي يؤدي هذا الأسلوب إلى تحييد الكثير من القواعد البشرية التي يعتمد عليها الإرهاب ويخرجها من دائرته . في موازاة ذلك لا بد أن يشرع المجتمع قانون مكافحة الكراهية والعنف الديني والأجتماعي ليشمل في مداه التحريض والتشجيع والتأسيس والتربية والدعم والترويج وهي طائفة غير قليلة من العناصر التي يستهدفها القانون ويهدف من ورائها إلى نتائج كثيرة أهمها قطع الطريق أمام الأسباب الدعائية والتحريضية والتربية الفكرية الممهدة والناشرة لفكر التطرف ، هذه المجموعة القانونية تهدم الجو والمجال الحيوي الذي يعزز من وجود القوى العنفية ويعطيها المبررات فيحولها وتحت سطوة القانون إلى العمل السري الذي نفع معه هنا الوسائل الأمنية في التقصي والكشف والقضاء ويمكن أن تجعل من الدعوة لتشدد والعنف عار شخصي قبال الدعوة إلى المواطنة المسئولة والحرية الأجتماعية . المعالجة القانونية هي معالجة نتائج أما معالجة الأسباب فلابد أن تستند إلى تثبيط الفواعل والمفاعلات الأساسية للعنف والتي تتركز على التربية والدعوة الدينية والعوامل الأقتصادية والأجتماعية المحرضة للعنف والتي تتخلص في ظاهرة التفاوت النسبي بين الطبقات وانعدام فرص العمل والفقر البنيوي الأجتماعي عندما لا يملك المجتمع القدرة على توفير فرص عمل وزج الطاقات وخاصة الشابة منها في معمعة العمل وإحساس الفرد في الغربة والتغريب داخل إطاره الأجتماعي لغياب العدالة الأجتماعية وأنتهاك فرص المساواة وأنتهاك قانون التناسب بين القدرات والمؤهلات من جهة وبين المواقع والمستويات التشغيلية ،هذا الشرخ الأجتماعي والأقتصادي يحتاج إلى سعي وطني للتصحيح والترتيب وإعادة الحيوية للحركة والتنقل بين القطاعات وتبادل المواقع حسب الكفاءات وأعتبار الفرص الممنوحة فرص متساوية خارج القيود الفردية والمصالح الفئوية . العمل السياسي المسئول والوطني لا بد أن يوجه نحو قاعدة حماية حق المواطنة الفردية وتعزيز روح الأنتماء للمجتمع وجعل الهدف من العمل السياسي ليس بناء مصالح فئوية قبالة مصالح فئوية أخرى وإنما رؤية وطنية مقابل رؤية وطنية ، هذا التعدد والنوع في الرؤى لا يفسد مفهوم الوطنية والمواطنة ولكن يعزز من روح الأنتماء عكس العمل السياسي الذي يميل إلى تمثيل مصالح ورؤية جزئية التي ستجر إلى ردة فعل مقابلة وبنفس المستوى من التفكير الخاسر النهائي سيكون المواطن والوطن والفئة أيضا لأنها ستكون وبلا شك ضحية صراعات مستمرة تستنزف قدرتها وتخرجها من أطارها الحقيقي إلى أطار مشبوه .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الزمن مدار من مدارات البحث عن الوجودية ح1
-
الزمن مدار من مدارات البحث عن الوجودية ح2
-
رسالتي للرب... عبر صندوق بريد السفارة
-
النفط وكورونا والنصف الثاني من عام 2020.
-
في فهم المعنى أولا
-
أين يبدأ الوعي الإيماني وأين ينتهي؟.
-
كونية المستقبل من خلال الأجتماعية التاريخية الجدلية
-
فرض السلام بداية تأسيس عالم كوني جديد
-
حكاية مع جدتي
-
حين أمسكت شيئا على قارعة الطريق.... قصة تشبه حدوته
-
دين الفقراء
-
في معنى العلم وماهيته كنطاق معرفي؟ ح1
-
في معنى العلم وماهيته كنطاق معرفي؟ ح2
-
الخلود وسقوط فكرة الزمن
-
محاولات فهم الخلود بين الفلسفة والدين
-
حتمية الموت وعلاقته بالاستحقاق الحتمي
-
نظرية الأنا والأخر _ بحث في معنى التفريق والتميز
-
المدنية وضمان الممارسة الديمقراطية
-
المدنية والإسلام السياسي
-
يوم كنا واحد.....
المزيد.....
-
-غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق
...
-
بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين
...
-
تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف
...
-
مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو
...
-
تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات
...
-
يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض
...
-
الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع
...
-
قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
-
ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
-
ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|