ابراهيم زهوري
الحوار المتمدن-العدد: 6614 - 2020 / 7 / 9 - 03:22
المحور:
الادب والفن
وأنا أهذي بنصوص الكتاب مثل إلفة نباح جرو صغير ... أطارد باستقامة العجوز الهرم مستطيلات الإسمنت المرصوفة على سكة الحديد ..تغتالني شمس صباحات شهر أيار وعلى جانبي القضبان المعدنية التي تعكس أشعة براقة تؤذي حدقة العين تنساب بساتين الورد الجوري ، في اكتظاظه غواية وفي عبير عطره الآخاذ النافذ إنفعال شروق البداية.. صباح الخير أيتها الدنيا ..إنه نهار آخر من سنة أخرى ، أمضي في هذيان حروفي اللاتينية ليضحك فلاح بسيط يمتطي حمارته البيضاء ويهز رأسه متعجبا ويطرح علي السلام ... تتناثر النساء وتتكاثر في قطف التيجان الناضجة بعد قليل ستتحول كل هذة الورود المجموعة في أكياس وتباع في السوق إلى مربى عطر الورد أو يمكن له التحول أيضا إلى أساس طبيعي على يد عطار ماهر لأنواع عديدة من الروائح ... النسيم عليل والأرض موزعة بين قطرات الندى وذؤابات الطين ... ترسم العصافير خارطة اللجوء المرير لألتفت برهة نحو البيوت الجديدة التي خرجت متسارعة منهكة تقضم أطراف البساتين وتهرب من سجن المساحة الضيقة التي ورثها المخيم رغم براءة سطوته من ثكنة الجيش الفرنسي يوما ومهاجع الجنود .. أسرح بعيني قليلا في تقلبات سرب من الحمام وهو يغازل طبقات الهواء بالرقص الدائم ودوران متشعب ... يالهذا الطير السعيد يخترق السراب ويطعن بجناحيه غيمة عابرة ... أجلس قليلا على مسار القطار لأمتحن ذاكرتي المحشوة بنعمة المألوف السائد وأنسى كل ما حفظته من رباعيات شكسبير و ميلتون ..أستعيد لهاث أنفاسي وأتلهف ... أمي قد تكون الآن عادت للتو إلى البيت وحبيبات العرق تنز من على جبينها النبوي ومعها عشرة أرغفة طازجة وإبريق حليب ... يوقظني زعيق القطار الأرعن القادم من أقاصي الجزيرة السورية ويسارع للدخول إلى مدينة حلب من بوابتها التي كانت تستقبل قديما قوافل قطعان الجمال المتجهة من جنوب الشرق نحو السوق أسفل سور القلعة الشامخة .. أنزل مسرعا مهرولا وأحث خطاي نحو ظلال تيجان الياسمين المتساقطة على عتبة باب بيتنا المقهور طهارة لأجد عدة الفطور جاهزة ووجه أمي يغني أبيات العتابا وأصابعها تكتفي بتنقية حبات العدس الخضراء المجبولة بقطرات دموعها العفيفة في صينية نحاسية عليها نقوش البسملة وأدعية الرحمن تتمايل كأنها أغصان تتحرك وهي تحتضنها في حجرها .
Nürnberg
8/7/2020
#ابراهيم_زهوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟