|
هل صار لباس المرأة يُمثل سبباً للتحرش!
بكر محي طه
مدون حر
(Bakr Muhi Taha)
الحوار المتمدن-العدد: 6612 - 2020 / 7 / 7 - 20:23
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
في كل حقبةٍ تظهر موجةٌ من الإنتقادات اللاذعة للنساء بسبب نوعٍ معين من الملابس، فبعضها يتجه الى إنتقاد الحجاب والنقاب ويدعو الى خلعه، والبعض الاخر يتوجه بالأنتقاد نحو اللبس القصير أو (المني جوب)، على إعتبار أنه خادش للحياء!، ولايجوز لبسهُ وخاصة في المجتمعات الشرقية ذات الطبقتين الاجتماعية متباينة الافكار المتمثلة بمن يرتديه ولايهمهُ كلام الناس الذي لايقدم ولا يؤخر من جهة، ومن يرفض أصلاً النقاش بمثل هكذا لبس فما بالك بأن يلبسه من جهةٍ أخرى، وهذا التباين لم يأتي من فراغ أو بسبب البيئة -شعبية أو راقية- وإنما جاء بسبب تضارب الافكار والقيم الاجتماعية والاقتصادية وحتى الانسانية جمعاً مع بعضها البعض، فعرض أفلاماً سينمائية أو مسلسلات وخاصة التركية منها وفيها مشاهد بالملابس القصيرة ومشاهد الحب وكيف الفتاة خطفت قلب الشاب أو جعلت الرجال يجرون خلفها.. الخ... كل هذا يعرض أمام فئاتٍ كبيرة من الناس وخاصة الفتياة المراهقات أو ما بعد سن المراهقة وكذلك الشبان وبصورة متكررة ولمدة 24 ساعة متواصلة، الامر الذي شكل لديهم إنطباعاً بأن مايشاهدوه هو واقع الحال الأصح ويجب أن يتماشوا معه، وهنا نوع نمط التربية ومنظومة الاخلاق المجتمعية التراكمية (دين - فئة -منطقة) والشدة والعصبية في تعامل الاهل مع الابناء، كلها عوامل تحدد نتاج الشخصية التي ستبنى لديهم مستقبلاً سواء كانوا متشددين جداً او منفتحين، إذ لامكان للوسطية في المجتمع الشرقي أما يمين وإما يسار. إن التضارب الحاصل في القيم والعادات والمفاهيم الحياتية سببهُ الرئيسي هو صنع إطار حياةٍ نمطي لكل إنسان سواء من خلال المجتمع أو الانسان بنفسه، هذا النمط (برستيج) هو الظاهر أمام الناس في حين هناك شخص أخر يقبع خلف هذا البرستيج، لكن الخوف من الكلام والإنتقاد هو مايجعله يعيش بكاركترات متعددة لإرضاء البيئة المحيطة به أو حتى إرضاءً لنفسه كونهُ يلبس على الموضة، فمثلاً في فترة الستينيات والسبعينيات كانت موضة الملابس القصيرة -والتي يعتبرها البعض قميص نوم في زمننا اليوم- تغزو المجتمع إذ لاتجد فتاة محجبة أو حتى تلبس العباءة إلا ما رحم ربي، إذ تعتبر حالة شاذة في وقتها كون الأغلبية من الفتيات يلبسن ملابس وفساتين قصيرة، فكانت من ترتدي الحجاب يُنظر إليها بإستغراب بسيط. لكن مايُميز هذه الفترة هو برغم كل هذا اللباس العاري والكاشف للسيقان والأكتاف إلا إنها تكادُ تخلو من التنمر ضد المحجبات والأهم هو التحرش!، أجل التحرش شبه معدوم بوجود شرطة مُتخصصة بمكافحة التحرش والمضايقة للنساء، كذلك الثورة الفكرية التي تفجرت وجعلت الجميع يحمل كتاباً ويقرأ ليصبح الانسان عميقاً أكثر في الحياة ويبحث عن التنوع والتجدد، لا يهمهُ من المرأة جسدها بقدر أفكارها وطموحها للمستقبل. ما نعيشهُ اليوم من جهلٍ وتجهيلٍ مُتعمد لدور المرأة المهم والأساس في بناء أي مجتمعٍ وحضارة، وحصر وجودها للجنس والتكاثر فقط، هو سببهُ التخبط بالآراء والإنتكاسة الفكرية والفقر المدقع، كلها عوامل نتجت من أثار الحروب والتدخلات في شؤون الغير والتي شهدتها المنطقة خلال القرن المنصرم ومازالت أثارها الى الان لم تمحى، حيث ضربت المجتمع الشرقي وفككت تلاحمهُ وشتتها بإتجاهات أخرى باتت تفرض نفسها على أرض الواقع من قومية وعرقية ومذهبية وحتى دينية والتي صارت تلعب اليوم الدور الاساسي في تحريك ألوف مؤلفة بل ملايين من الناس تحت تفسيراتٍ وتأويلاتٍ بعضها بات يأخذ طابعاً وإجتهاداً شخصياً لايعتمد على أي مصدرٍ أو مرجع مجرد تفسيراتٍ هوائية تتناسب مع مصلحة شخصية لغرض الشهرة مثلاً أو مع مصلحة لمجموعة محظية لتبرير فعلٍ معين. أخرها الظهور المتكرر لرجال دينٍ كُثر يبررون فعل التحرش بسبب لبس المرأة الضيق أو القصير أو حتى طريقة تعاملها الإجتماعية مع الناس حيث ينظر لها على إنها رخص وضوء أخضر للتحرش وقد يصل الامر الى الإغتصاب من باب إنها سهلة المنال!، ليبروا ساحة المتحرش والمغتصب ويلقوا الملامة على المرأة، لأنها لمحت هي بذلك بسبب ضحكة أو نكتة أو لباس معين أو تصرفٍ قد يكون غير مقصودٍ منها، والكارثة هناك من يُبرر من النساء ويقف الى جانب المتحرش والمغتصب ضد الضحية بأنها لم تصن نفسها ويقع كل اللوم عليها، بسبب تبرجها ولبسها إذاً هي تستحق ذلك لتكون عبرةً لغيرها!. كل هذا وغيره من الظواهر السلبية التي باتت تعصف بمجتمعنا وتنخر به بسبب حالة الفراغ والتكاسل المعرفي بأبسط الامور فالكل ينتظر من يأتي ويفسر له لا أحد يريد أن يشغل عقلهُ ويفكر بمنطق ولو قليلاً، وهنا يأتي دور البعض مِمن يُحسبون على رجال الدين ليصنعوا سحابة كبيرة حبلى بالمغالطات والآراء المتطرفة من علوم دينهم -أو يتقصدون ذلك!- تُخيم على المجتمع وكل فترة تزخُ موجةً جديدة من التطرف والإشكالات الدينية التي لاتتماشى مع الحياة اليوم، لدرجة إن أغلب الناس نفرت عن الدين بسبب من يفسروهُ. إن لبس المراة لايحدد توجهاتها أو ما تؤمن به فهو شيء لا يدعو الى الاهتمام والتعمق الى هذا الحد، بقدر الإهتمام بما تعانيه من إقصاء وتحرش وإغتصاب وظلم وتجويع وتجهيل والاهم أن تجلس بالمنزل كون وضيفتها الاساسية الجنس والتكاثر لا البناء والمشاركة ولاحتى الحصول على أبسط حقوقها (التعليم!). أكادُ أجزم بأن أغلب النساء اللاتي يرتدين الملابس القصيرة والضيقة لم يُفكرن ولو للحظة في إغراء أو جذب إنتباه الرجال، بقدر ما هو مجرد لباس تظهر به أنوثتها أمام أقرانها النساء كونها الاجمل وشيك بهذا اللباس، بل المفارقة المضحكة المبكية فأن أغلبهن غير مرتبط ولاتفكر سوى بالطموح والمستقبل عكس الصورة النمطية المغلوطة التي رسمها المجتمع المتحفظ شكلياً فقط كونهُ برستيج، فبسبب لباسها المُغري للناس إذاً فهي (زيرة رجال!).
#بكر_محي_طه (هاشتاغ)
Bakr_Muhi_Taha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثلية الجنسية من زاويةٍ أُخرى
-
ما الذي يجعلُ السلبية الفكرية تُخيم على عُقول الناسِ!
-
آثار التباينُ الفكري والثقافي الذي طرأ على المُجتمع العراقي
...
-
جدليةُ الفلم ال (documentary) القصير، هل هو وثائقي أم تسجيلي
...
-
جائحةُ كُورونا وتداعياتها على الأُسرةِ حول العالم!
-
الدور الفعال للنقابات والإتحادات في مواجهة أزمة كورونا!
-
كورونا أعاد الإنسان إلى وضعهِ الطبيعي في هرم الحياة!
-
عالم المُوضة مُتجرد الإحساس كونهُ حولَ تسمية المرأة المُكتنز
...
-
أهميةُ الفن في حياة الإنسان
-
المرأة ودورها البناء في المجتمع المتحضر
-
قلة العلاقات الاجتماعية لاتعني بالضرورة بأن الإنسان معقد!
-
الخبرةُ البشرية... مابين الواقع والتطبيق
-
بينما كورنا يتفشى بالصين... واو يتفشى بالشرق الأوسط
المزيد.....
-
جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
-
-مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
-
اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|