|
عام على تواري الطائر عقيل علي
شيرين يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1592 - 2006 / 6 / 25 - 09:16
المحور:
الادب والفن
في العام 1951 اهتزت أرض الناصرية و تحرك نجم في سمائها إيذاناً بميلاد شاعر أقلق العراق و عالم الشعر بأكمله، شاعر أينما حل أثار زوبعة من المتناقضات و حملات من التشكيك في أغلى ما يمتلك_قصائده_التي كتبها بماء عينيه و مداد حزنه، شاعر أكمل مسيرة عبد الأمير الحصري و أدم حاتم و حيدر صالح و محمود البريكان وجان دمو وغيرهم من الشعراء الصعاليك الذين عاشوا في ظروف قاسية و جاء موتهم شرسا ً، النائمين على فقر و المستيقظين على حزن و ريق جاف يشرخ الحلق و يزيد مرارة الأيام ليحكي مآسي الاستيقاظ على رصيف الفقر: على مدى سبيلي مرارة طعم الريق صراخها لا يحد وحريقها يشوي القلب لحد يتعرى التابوت من كفن الحقيقة . على مدى طريقي جراحاتي تنزع عظامها من لغز قناعاتها . جاء عقيل على فقيرا ً كما رحل فقيرا ،ظل حلم العاصمة يراوده حتى بلغ بغداد في بداية التسعينات و تابع تسكعه بين الفنادق و الأرصفة حتى عثر على فرصة عمل في أحد المخابز ، و لأنه مثل فراشة حزينة تعشق التنقل ما بين المصابيح لم يمكث طويلا ً في أي عمل عشق جيفارا و كاسترو و النفري و الحلاج و محمد بن الزند و الكتب المقدسة و خصوصا ً ما قرأه عن القرامطة ، نشرت أول قصائده "الجثة" في جريدة الراصد و التي أهداها إلى والت ويتمان الذي يمكن اعتباره من فجر هذا الينبوع الشعري لدى عقيل ،أحب الترجمات اللبنانية للقصائد الأجنبية و بهره "سليم بركات"الذي عشقه دون أن يراه و قرأ كل أعماله و أهداه عقيل قصيدة "على البعاد": طائر أسد أم قبضة ريح نحاسية أنت أيها الرخ مساحتك الجفن و صحراءك الإغماضة و روحك مزامير الرمل لا يأويك ظلام الغابات و لا شمس المفارقة و لا حتى جبل كقرن غيمه أصمد .. فنحن معك نمسك أرغفة الخبز و أطالس القرية الفينيقية اصمد فكل آري معك.
قال عن القصيدة :- في العدد الخامس من مجلة الكلمة الصادر في بغداد عام 1974 قال عقيل: لا أتوق إلى محاولة تفسير الشعر.. ولا امنهج القصيدة.. ولا أمنحها الحدود.. ثمة مخاوف عديدة وأحزان لها أن تنفجر لتكون قصيدة أو دموعاً.. هذه هي الحكاية.. زمن القصيدة، حجمها.. يلدان بتلقائية ولا موعد مسبق.. لا أتعاطف مع الكثير مما يخرج هذه الأيام، ثمة محاولات عديدة تجري لتجعل الشعر عقيماً.. أكثر الشعر لدينا جسد زنخ بثياب نظيفة. وقصيدة النثر خصوصاً حوصرت بمرارة ونجاحها رهين بإخلاص شعرائها لها.. لا أرى أن محمد الماغوط منحها الكثير.. كان لي في فترة قصيرة أن أطلع على نماذج من كتابات متباينة لعلها هي الأساس المتواضع في أدبي.. بعدها بدأتُ أنسج دروبي بصبر وأحياناً بعبثية... سُحرتُ أولاً بنداء رجل (الانتحار تتويج لكل الملذّات) ، لم أسعَ إلى محاكاته لكنني أجده يثيرني.. وأنتظر... في ذي قار صلبتُ عشرين عاماً ويزيد على عتبة الألم.. من هنا تولدت رغبة عميقة في الهرب.. مم؟.. وإلى أين؟ لعل في القصيدة عوالم وألواناً شفيفة أو براقة.. ولهذا أكتب.. هل قلتُ شيئاً مهماً ؟ لا أدري. ولا أطمح في ذلك.. وأخيراً.. من أول النهار عبرت شتيمة الأيام.. مكتظاً بالخوف.. وأنا يحتسيني ضيوف العائلة.. وفوانيس شبابي.. وأنا العنق.. أغتصبُ بودّ في سجن النبي.. أسحبُ رأسي من مياه القبيلة.. متوهجاً كالغضب.. و زنخاً كالنذالة..
الطائر الذي يتواري في جنائن آدم:- صدر لعقيل على مجموعتين شعريتين كانتا بمثابة علامة فارقه في تاريخ القصيدة النثرية العراقية ، على الرغم من مكوثهم بعيدا ً عن أجواء النقد و لقد أشار كاظم جهاد في مقاله "عقيل علي و الشعر الإستراتيجي"المنشور في صحيفة السفير بتاريخ 30/5/2005 إلى إصداره للديوانين بقوله: تمثل "جنائن آدم" و "طائر آخر يتواري"في الواقع عملا ًواحداً مكتملا ً،قصائد متلاحمة كتبها عقيل في موجه من الهوس المبارك دام سنتين هما 1978-1979 ، تفضيل الناشرين مجموعات مقتصدة في الحجم هو ما دفعني إلى تجزئة القصائد إلى مجموعتين ، و سيكون طيبا ً أن تصدر القصائد في مجلد واحد ،متبوعة بقصائده الجديدة غير المنشورة و التي تحمل عنوان "فيما مضى"و هذا ما تـُعد (دار الجمل)بتحقيقه في الأشهر المقبلة .
في المجموعة الشعرية (جنائن آدم) والتي قام الشاعر العراقي المقيم بباريس كاظم جهاد بنشرها في العام 1990 عبر دار النشر توبقال المغربية بعد أن تسلمها من عقيل على أواخر الثمانينات ،نرى أن قصائد تلك المجموعة تمثل ملخصا ً وافيا ً لتجربة عقيل على الإنسانية من خلال نظرة فلسفية للعزلة و الغربة و الوحدة و الضياع و الألم الوجودي الذي يعتصر رجلا ً عانى من كل الفقر و التشرد و الضياع في متاهة الزمن و دوامة المدينة،من خلال سلامة الدلالة و قدرة التعبير ،فهو شاعر يجيد التعايش و التفاعل مع قصيدته التي يبكيها بالكلمات على صفحات تئن ،في جمل شديدة الكثافة و الاختزال تلك الجملة الشعرية التي تخشع نبرتها في صوفية واضحة محكومة بموسيقى العبارة ،و من خلال التحليق في فضاءات اللغة تسبح المترادفات و المتضادات و المعنى الإيحائي للكلمة في سماء البلاغة اللغوية التي تميز قصائد عقيل في غموض جميل يشحذ ذهن القارئ و يبعد عنه الملل ، تلخص هذه المجموعة حكايات من العلاقات الإنسانية الطبيعية بين عقيل الإنسان البسيط في مشوار الحياة المتعرج: كنت تحبهم بكل يأسك هم الذين يقفون الآن مثل جدار أمامك انهم لا يريدون فكاكا ً من حقيقة انهم قد امتلكوك إلى الأبد يضم أحزان العالم في صرة ثقيلة تجهد كاهله : أنت وحدك من علمني أن أغترف بيدي أغصان المعرفة و باليد الأخرى هشيمها ربما اجعل أحلامي محطات اذهب إليها و على كتفي جهات أربع و ما أكثر السؤال عند عقيل: الآن ترى ماذا بقى غير أسئلة مجدبة لدهشة عاشق غير نواح شفيف و مفاتيح الإسطبلات ؟ و في موضع آخر : أتكون لنار القصيدة أم لرمادها ؟ نرى في "جنائن آدم" نوعا ً متطورا ً من الحداثة التي قد يراها البعض نوعا ً من التطرف و البعد عن التراث العربي في محاولة مقاربة للشعر المترجم إلا أن عقيل تمكن من الفكاك من فخ هذه التهمة و هذا التلميح من خلال لغته العربية الزاخرة و الغنية.
في مجموعته الشعرية (طائر آخر يتواري) و التي صدرت عام 1992 يقودنا العنوان إلى عقيل ذلك الحزين الغريب في أرضه و المقيم في مدينة تنسحب من تحت قدميه يبحث عنها و يحبها رغم كل شيء حين يمسي الوطن منفى : فأنت البلاد التي نعرف وحدك البلاد التي نعرف و أنت بعد كل هذا نجمة يبدأ أفولها نرى في قصيدة "أحلام" براءة طفل يتراقص بين كلمات عقيل من فرط الوجع إنه عقيل الطفل اليتيم الباحث عن دميته و براءة وجهه: أتذكّر العابَ أبي تتراشقُ فيها الأبواب" لم يكن ذلك الفضاءُ صباحاً دائماً كان علينا أن نرتفعَ بعمق فهذه ليست الشمسُ كلّها. و يرى قدوم أغاني الموت و حديث المآتم حين تفل البراءة فنقرأ في قصيدته " مطارق السبات": أشير بالضحكة المأتمية بعدما البراءة الناجعة أدبرتْ وأُسْدِلَ الغناء النديّ. يبكى عزلته و عدم إمكانية ذوبانه في هذا العالم الغريب عن قلب شاعر يحيا من أجل القصيدة و يلتحف بالكلمات في برد الوحدة و يتوسد السؤال يقول في قصيدة "نشيد العزلة": كيف ألقاكِ أيتها العزلة بكرم اللصوص ؟ ماذا أفعل بهفواتك ؟ أنت يا رحِمَ الأحجار ، ماذا افعل بكِ ، أنت يا قامة الميت ؟ ها أنا ألقاكِ تتخفين بالأنامل ، برماد اللعبة ذاتها و ها أنتِ تلقينني أسحبُ يدي ، جاعلاً من كل شيءٍ ذكرى حسناً كان ما صنعتُ ، حسناً كانَ حين أعطيتُ للغرباء خلوتي في تلك المجموعة يعبر عقيل عن إدراكه لكل ما يحيط به من مهلكات ، و يدرك فناءه الأكيد و ضياعه و رغم ذلك يصمم على العيش و متابعة دربه المفروش بالفخاخ و العقبات كما في قصيدة "مطارق السبات": اذهبْ وحيداً ولا تحترسْ يا من تنتظر ، لقد تحدثت كيف تنطق القلوبُ الوحيدة ها أنا أدمدم بالبساطة.. أتهجى الفصولَ البائدة.. يحول ألمه الشخصي إلى وجع إنساني كما في قصيدته "أيام مضيئة .. أيام آتية": انظري كيف انتهيت إلى أثواب الوحوش انظري كيف تنتهي السلالات و كيف تبدأ كان الشاعر خالد المعالي و الذي ورد ذكره في قصيدة عقيل " ثنيَّة ما ستعلم" : قديماً هبطتْ ليالٍ، وأشعلَتْ { مصباحَ البدايات} في صريفةٍ تحت جسرِ النصر بدأت أولى { اللمات } كاظم جهاد __ عقيل علي هو في القلب (أحمد أمير) من البصرة يأتينا حسين عبد اللطيف من صحراءِ السلمان يأتي خالد المعالي يهبطُ علينا من الشطرةِ مساحُ البياض { حنتوش } وحتى يصيحَ الديكُ كنا نسهرُ على إملاقٍ من طرازٍ خاص كانت الناصرية. قد أودع عقيل على مجموعة شعرية لديه ليتولى نشرها و هي تلك التي حملت عنوان " فيما مضى" و قد عرض الشاعر خالد المعالي قصيدة من بينها في مقاله (عقيل علي ..طائر آخر يتواري)المنشور بصحيفة الحياة بتاريخ 18/5/2005: عندما يشع الأحفاد المرايا واحدة و الأيام واحدة أيضاً هذا ما قاله الصبي حين تهشمت لعبته و حار بترتيب أيامه تعال أيها الصبي كي نتعلم أشياء جديدة فليس من السهل أن نقول كل ما نريد قوله حياتك إلتفاته للنور كذلك إطراقتك ابق ذاك النبيل و لا تنثن . و كذلك قصيدة "أرق الرغبة": على مدى طريق الشمس التي تهمس للتراب … ترابها الذي هو روحي المؤرقة، .. روحي التي يؤمها الهواء .. الهواء الذي يترنح مثقل الرأس تحت وطأت غيوم، أعشابها تفوح بانين اضطجاع شجرة يتيمة . و قصيدة "شتاء النقود ": أعرفك أيها الأكثر انخفاضا من المراقد، والأكثر انخفاضا من النظرة المتخفية بالوصايا .. أيها المقشعر من أنين الرمال ومن الهبوب الذي يلاحق النورس المرابط. على مداخل صحراء هي سوق للغجر، تقرأ فيه الأحلام ما قد رأته كنا نصنع حصنا للوردة المرحبة بأناشيدنا، وبأعيادها التي تشهد على المرارة الحية و كان خالد المعالي قد حرص على تزيين أولى مجموعاته الشعرية "لمن أعلن دفتري" عام 1978 بقصيدة لعقيل علي تنتهي بهذا البيت : أيها المخلص ما أشد انخفاض الأمل رغم كل الألم الذي يعتصره لا يساوم عقيل على أحلامه البسيطة بل يحياها نائما ً أو يقظا ً: أحلم ولو مرة بلمسة تحنو على تراب بيتك احلم فهذا الهمس الذي يوقظنا من أحلامنا صعب عد أعضائه لأنه اليقظة الدائمة يكفي أن تلامس تراب بيتك، وتقبله يكفي أن تحنو عليه يكفي أن تغني له بنعم ويكفي أن تغني له بلا كما يقوم الناقد "حاتم العقيلي" بالإعداد لإصدار مجموعة شعرية أخرى لعقيل على تحمل عنوان "دم نيئ".
سفر عبر الحدود و القصيدة:- في السبعينيات حاول عقيل السفر إلى الكويت دون أوراق ثبوتيه برفقة صديق له، يتخفيان في ظلام الليل و يختبئان من حرس الحدود و الكلاب الضالة ،إلا أن أمرهم فضح و تم القبض عليهما و ترحيلهما إلى العراق ، بعدها تم تجنيده في الجيش العراقي ليخدم في كردستان و ينضم للحرب العراقية العراقية إلا أنه طرد من الحرب بعلة "أسباب عصبية" و كان لتجربة الجيش لونا ً خاصا ً ظهر جليا ً في لوحاته الشعرية: أسمعُ معك : الحربُ هي الأخرى تضليل لطيران الأطفال فأتذكر : ..وهذا دائماً.. حريةَ أن نختار كان لهذا الطائر الذي ظل يتواري خجلا ً من قبح الواقع الكثير من الأعداء الذين اتهموه بنقل الشعر حيث اعتبروا كونه خبازا ً ينفي عنه الشاعرية أو الاهتمام بالثقافة فمنهم من كان تابعاً لصحف و مجلات النظام السياسي البائد في العراق بينما عقيل يسير في الطرقات حاملا ً لهجته الشعبية الفجة و قصيدته الجريحة و منهم من حقد على ما وصل إليه عقيل من امتلاك زمام القصيدة النثرية، ربما كان صمت عقيل الدائم و امتناعه عن الدخول في مناقشات شعرية خلال تواجده بالمقاهي التي كان يؤمها شعراء العراق كمقهى الشابندر أو مقهى حسن عجمي الأثر في تعزيز الفكرة لديهم ، سافر عقيل إلى الأردن بعد حرب الخليج الثانية و أمضى بها عدة شهور ثم عاد مستوحشا ً إلى عراقه التي عشق،و حين سقطت عاصمة الرشيد تحت نير الاحتلال سقط عقيل تحت نير الضياع حيث امتنع عن أداء أي عمل و ظل هائما ً على وجهه في أرض العراق ينام فوق الأرصفة و تحت مظلات الحافلات و ممرات مستشفى مدينة الطب و في النهار يواصل تسكعه ما بين مقهى و آخر يؤمه الشعراء العراقيون الذين كانوا يساعدونه في سد الرمق ، إلا أن هذيانه قد بلغ مداه في آخر سنوات حياته و ظل مشرداً مريضا ً مدمنا ً للخمر وحيدا ً إلا من حزنه و بعض رفاق الحلم من شعراء العراق .
قبل أن يتواري الطائر :- يذكر (أثير محمد شهاب) في مقاله"رحل الشريد الذي شغل الآخرين بصعلكته "في صحيفة الشرق الأوسط في عددها 9668 الصادر بتاريخ 18/5/2005 أنه قابل عقيل علي قبل وفاته بأيام في شارع المتنبي بينما كان يظهر في زي صوفي عتيق و حين سأله عن سبب ظهوره بزي الصوفي قال انه مولع بالصوفيين لأنهم أداروا ظهورهم للدنيا و طلقوها ، كما يري أن الصوفية لابد أن تنبع من التعايش الروحي قبل المظهر الخارجي ، و ذكر أنه لم يختر حياة الصعلكة التي لحقت هي به ، و اختتم حديثه بعبارة لخصت كل ما يعتصره من مرارة "لا أقسى من غربة الوطن ،كل الذين في المنافي لم يعانوا مثلما عانينا،غربة الداخل أقسى ..عشنا المنفى في الداخل .. فأنا لاجئ في وطني"... تابعت صحة عقيل علي تدهورها إلى أن وصلت ذروتها في أيامه الأخيرة التي أمضاها تحت مظلة الحافلات قرب كلية الهندسة بمنطقة الكرنتينه في الباب المعظم ببغداد، يسير برفقته مرضه و فقره ووحدته إلى مقهى التجمع في باب المعظم ،لم يحظ عقيل بأي مساعدة إلا من أصدقائه رفاق الشعر و الوجع العراقي حيث أرسل الشاعر العراقي حسن النواب المغترب في استراليا مبلغ مائة دولار إلى الشاعر "وجيه عباس" الذي ذهب إلى عقيل بمقره الأخير مظلة بالكرنتينه و حاول ترميم ما تبقى من آدمية عقيل بعد أن قام أحد المواقع الإلكترونية بتشويه صورته و ثار الشاعر "كمال سبتي" المهاجر في هولندا و أشعل الشارع الشعري العراقي من أجل ذلك الطائر الذي حاولوا قصقصة أجنحته الهزيلة ،فأرسل عقيل رسالة إليه ليخبره بأخر أخباره"الليلة الماضية كنت مع وجيه عباس حيث اتصلت بحسن النواب و لا أريد سوى سلامتكم أما زعيم نصار فيتفقدني يومياً و يتفقد وضعي الصحي السيئ ،لقد أخبرني الأخ زعيم نصار أنك تطلب مني رسالة بخط يدي و سوف أكتب لك هذه الرسالة ، أنام اليوم في بيت زعيم في الوزيرية و قد ارتديت ملابس جديده من كل شيء" ، و في بيت زعيم نصار كتب عقيل على أخر قصائده تحت عنوان (غسق مخرب) و كان الإهداء إلى حسن النواب ووجيه عباس وزعيم النصار و هي القصيدة التي أثارت زوبعة شديدة في الوسط الشعري العراقي ، حيث أنكر البعض نسب هذه القصيدة لعقيل ، ظل التدهور يلاحق عقيل علي إلى أن وجد في صباح الأحد 15/5/2005 و الدم ينزف من فمه و وجهه و رفضت سيارة الإسعاف حمله إلى المشفى لشكوكهم في كونه إرهابيا ً !! ، إلى أن أغمض الجفن لأخر مرة و بين عشرات الجثث في ثلاجة موتى مستشفى مدينة الطب رقدت جثة عقيل علي و قد علق عليها (مجهول الهوية) و قد عثر الشاعر وجيه عباس في جيب بنطال جثة عقيل على أخر قصيدة كتبها على كارت لدخول شعبة الطوارئ في مدينة الطب تحمل عنوان " ريح الجمرة": أغمضت المقلتين ومضيت بعد إنطفائها مازال الانتظار مرتحلٌ والذي لايجيء قبضُ رمادْ فالتجيء له وأهجر الجدار وسادتك الرصيف وطعامك بقايا فضلات المزابل التوجس والدهشة والحيرة وأيام اللاجدوى فراشك وغطاؤك وزادك دوما فأغمض المقلتين كذلك أنت إلى الأبد مازلت مرتحلا وستظل، داخل روحك فإلى متى ياعقيل علي مامن خلاص؟ أهذه مايسمى حياة كلا، أنه الموت في الحياة كل رمشة جفن أنه إذن ماتبقى من مامحسوب عليك حياة بيديك وكفى كفى. و بعد كفاح مع الإجراءات المعقدة الروتينية تم التصريح بدفن الطائر الذي توارى في صباح الثلاثاء 17/5/2005 بمقبرة النجف بعد جنازة ضمت عدداً من الشعراء و الأدباء العراقيين يتقدمهم شقيق عقيل محمد و وجيه عباس و زعيم نصار وثائر القيسي و كاظم المزري و علي دنيف و عقيل الربيعي و عادل مصلاوي و سلوان الجبوري و بعض الباعة كانوا متواجدين أمام موقف الحافلات بباب المعظم ،كانت حياة عقيل على تتلخص في عبارته "لا مكان للقصيدة بين المتسولين". و بعد أن تواري :- كما كانت حياة عقيل صاخبة تسير بمحاذاة الفقر و التشرد ، جاء موته بصخب القصائد التي نزفها شعراء العراق ممن عاصروا عقيل و أحبوه و على رأسهم كمال سبتي الذي بكاه قائلا ً: لم تمتْ في النّاصريةْ أيها الخَبّازُ في أفرانِها والشّاعرُ الموعودُ بالغربِ قريبا فكرةً كانتْ ، نصيبا فكرةً كانتْ ونُكْتةْ منذ أنْ أوصدتَ باباً .. منذ أنْ غيَّرتَ نُكْتةْ فيكون الأملُ الشّعريُّ بغدادَ ويا ما قلتُ : بغدادُ نذالةْ أوَ لم تذكُرْ نذالةْ في قصيدة ؟ يا لنِسيانِكَ..قد غيَّرتَها لم ترَ اللهَ وأبطالَ الرّواياتِ ولم تعملْ مصوِّرْ يا مصوِّرْ مهنة أحببتَها يا لنِسيانِكَ..قد غيَّرتَها و في سماء طارق حربي سطع (عقيل علي) قمر الشعلة و شمس الخبازين: ياقمر الشعلة وياشمس الخبازين رغيفك بارد في موقف باص الكرنتينة قصائدك ساخنة في مشرحة الطب العدليِّ ببغداد وإذ أقف مذهولا بينهما أسمع صرخة إدوارد مونك النرويجي فتختلط السموات مع الأرضِ و كانت قيامة عقيل علي الوحيد في قصيدة سعد جاسم: حينما ....... أَحسَّ الوحيدُ برغبةِ الفاتكِ المخلبِ وأَعني : السيدَ الموتَ أَطلقَ طاقةَ التحليقِ لأَجنحةِ روحهِ فأَومضتْ طائر ضوءٍ راحَ يصعدُ يضئُ ويصعدُ مثلما كوكبٍ هوَ أو هوَ فرقدُ مات عقيل علي تاركا ً خلفه الباب مفتوحا ً لمزيد من الشعراء الصعاليك ليمارسوا فقرهم و يتابعوا جوعهم و جنون القصيدة .
#شيرين_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أفتخر كثيرا ً بما فعلت
-
قصيدة صهيونية تدعى -بياليك-
-
مسافر إلى السماء
-
ماريونيت
-
كل عام و أنتم عرب
-
جون لينون و 25 عاما ً من الحيرة
-
أبتاه فلتبق قريبا ً
-
حول ما كتبه إبراهيم محمود - بؤس الأدب الكردي في بئس النظرة ا
...
-
عصفور بلا أجنحة
-
سيلويت
-
الرقص على قدم واحدة
-
الدمعة العاشرة في عيون سربرينتشا
-
قبل أن تظلمنا بريطانيا
-
سأرتاح قليلا ً
-
القدس ترقد فى البكاء المريمي
-
نافذة على الأدب الإسرائيلي
-
الرواية كان إسمها زينب
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|