|
فلسفة مبسطة: التعددية ضرورة تاريخية لتطور الماركسية، هل تجاوزها الزمن
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 6612 - 2020 / 7 / 7 - 15:19
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
التعددية هي ضرورة تاريخية لن تتطور الماركسية ولن تصمد بدونها. وأكد ممثلو هذا التيار المنتشر أساسا بالغرب ويعرف بالماركسية الغربية تمييزا عن ماركسية الاتحاد السوفييتي آنذاك، انه من الأهمية أن تُقر التعددية كمسالة أساسية وأولى متفق عليها بدون تردد، وذلك في إطار الاشتراكية النظرية والاشتراكية التطبيقية (أي في نهج البناء الاجتماعي والقانوني للمجتمع الاشتراكي) سواء بسواء. للأسف لم تحظى التعددية بأي نصيب، وعومل كل دعاتها كأعداء، ومن طالته يد الكومنترن أو السلطة السوفيتية أعدم أو نفي أو ألقى به في السجون السيبيرية الرهيبة، وبأحسن الحالات أنهى حياته في الصمت والعزل. من المواضيع التي طرحها تيار " الماركسية الصحيحة" أو "التيار الماركسي الغربي" كما يعرف في الدراسات الأكاديمية، كان مفهوم "الثورة". إن الفهم لموضوع "الثورة" لدى النهج السوفيتي، ويشاركهم في هذا الفهم التيار الإصلاحي للاشتراكية الديمقراطية، هو أن الثورة هي مفهوم ينبع من التفسير الصحيح للفكر الماركسي. ولكن الفهم الماركسي "الصحيح" يمتد باتساع بدءا من الفهم الذي يقول إن الثورة هي عمل بروليتاري ثوري عبر إقامة وحدة بين الطبقة العاملة (البروليتاريا) مع طبقات أخرى، حتى مفهوم الثورة كحرب ضد أعداء العصرنة، وأعداء الثقافة الحديثة العصرية والإنسانية. والفهم هنا يمكن تلخيصه انه لا يوجد انتقال فوري من الهمجية إلى المدنية، تماما كما لا يمكن الانتقال من الحرب بالمقلاع إلى الحرب بالقنابل النووية بشكل فوري. إنما عبر تطور يمر بمراحل متعددة. مراجعة أدبيات الفكر الماركسي الغربي، نجد مفاهيم أو تفسيرات مختلفة، تمتد من النضال الثوري البروليتاري في طرحه الماركسي التقليدي، إلى فهم أهمية التحالف بين الطبقة العاملة وطبقات أخرى كما يطرح ذلك المفكر الايطالي انطونيو غرامشي، حتى مفاهيم الثورة التي تعني تصدير ثقافي عميق للإنسان المعاصر بروح إنسانية أي بدون عنف، كما طرح ذلك المفكر الماركسي الفرنسي روجيه غاروديه. من الواضح أيضا أن مفهوم الثورة الماركسي الرسمي المرتبط بنظرية ماركس التاريخية، المشهورة باسم الحتمية التاريخية، أي حتمية التحول إلى الاشتراكية والشيوعية، نرى أن التطور الحاصل أسقط هذه النظرية، التي لم تصمد في امتحان التاريخ، رغم أن جوانب هامة منها تعتبر فتحا فكريا فلسفيا لفهم تطور التاريخ. مثلا موضوع الثورة التي تعني استبدال تشكيلة اقتصادية اجتماعية (رأسمالية مثلا) بتشكيلة أخرى (اشتراكية مثلا)، أرقى وأفضل وأكثر عدالة، حسب المفهوم الثوري الماركسي، تحطم القديم، الاستغلالي، وتبني الجديد العادل الديمقراطي وتحدث قفزة للمجتمع والإنسان. النظرية بخير والتطبيق سقط بالأخطاء والانحرافات والفساد، والنظرية كانت في واد والتطبيق في واد آخر! بالطبع نظرية الثورة تتحدث أيضا عن تحرير العلاقات الإنتاجية من قيود تمنع تطور القوى المنتجة (البروليتاريا في النظام الرأسمالي – غني عن القول إن مفهوم البروليتاريا ظل مفهوما أوروبيا، ويمكن استعمال صيغة طبقة العمال أو الشغيلة للدقة). التطور التاريخي والاقتصادي نفى نظرية ماركس عن الثورة والتغيير. الثورات لم تقد إلى التغيير المنشود. إلا إذا اعتبرنا فقدان الحرية، والإفقار والخضوع لشبه حكم استعماري ابتزازي (حالة مجموعة الدول الاشتراكية تحت السيطرة السوفييتية بعد الحرب العالمية الثانية) هو تغيير ماركسي!! وهنا لا بد من توضيح، بأن النظام السوفييتي ابتز مليارات الدولارات من دول المجموعة الاشتراكية رغم اوضاعها الاقتصادية الصعبة بعد الحرب. وقد عانت الشعوب في هذه الدول من فاقة وفقر وبطء في التطور والرفاه الاجتماعي بالمقارنة مع الغرب استمر الفقر والعوز والقمع حتى سقوط الأنظمة (مثلا المانيا الشرقية والمانيا الغربية كنموذج). وشهد المعسكر الشرقي تبعا لذلك، ثورات في المجر وتشيكوسلوفاكيا، وابتعاد يوغوسلافيا عن المعسكر السوفييتي. ونظام روماني استبدادي ابتعد تدريجيا عن الاتحاد السوفييتي، ثم حركة نقابية ثورية في بولونيا. وعمليا بدأ انهيار المعسكر الاشتراكي. قد نجد تفسيرات وتبريرات حول الأسلوب السوفيتي في التطبيق... لا خلاف في ذلك، ولكننا أمام ظاهرة أفلاطونية حيث تحول الحزب نفسه إلى طبقة مسيطرة، سيرا على طريق "جمهورية أفلاطون"، حيث الحكماء والفلاسفة (اقرأ زعامة الحزب الشيوعي والدولة) يشكلون طبقة الحكام، وقوى الأمن هم طبقة حراس النظام، والطبقة الأخيرة هم الصناع (العبيد). للأسف هذه هي الصورة التي سادت النظام الاشتراكي. صورة نقيضة لرؤية ماركس الفلسفية والنظرية عن المجتمع الاشتراكي العادل. بدلا منه مجتمع استبدادي. النتائج في الصراع الاجتماعي والاقتصادي لم تكن لصالح النظام الاشتراكي. ما السبب؟ ماذا يهم الآن؟ النظام الرأسمالي تجاوز النظام الاشتراكي بحقوق الإنسان، بالديمقراطية، بالتطور الاجتماعي والاقتصادي، بمستوى الرفاه الاجتماعي بمستوى الخدمات، بالحقوق المدنية، بالتعددية الفكرية، وبمختلف أشكال الضمانات. لا اكتب دفاعا عن النظام الرأسمالي وشروره. ولكن المقارنة للأسف ليست لصالح النظام الاشتراكي. وهذا أضحى واضحا اليوم. اكتب ألما لضياع تجربة إنسانية عظيمة نتيجة انحرافات وتجاوزات لفكر عظيم في النظرية والتطبيق، ولا اعتقد أن الصواب والخطأ في النظرية هو السبب، إنما غياب التعددية الفكرية وحرية التفكير والنقد مما جرد الفكر الماركسي من عناصر قوته التجديدية، وحول الدولة والحزب إلى جهاز مغلق لمجموعة منتفعين، أفسدوا جهاز الدولة والحزب والمجتمع نفسه!! إذن، هل بالصدفة سقوط الاتحاد السوفيتي، لدرجة أن جيشه " الجيش الأحمر العقائدي" الخاضع للقيادات الحزبية العليا، لم يحرك ساكنا للدفاع عن دولته ونظامه وحزبه؟! ولا بد من سؤال للتفكير: هل يمكن اصلاح ما فسد، نظريا على الأقل؟
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ذكري رحيل الأديب والمحاضر الجامعي د. حبيب بولس
-
سر البيت السعيد
-
يوميات نصراوي: المعلم جمال قعوار والطالب نبيل عودة
-
*بيني موريس في كتابه -من دير ياسين الى كامب ديفيد- يصبح أكثر
...
-
-الخمس العجاف السمان- للكاتب عفيف سالم
-
من اين تجيء السعادة؟
-
عن -المبدعون والثرثارون- للأديب د. جميل الدويهي من كتابه الف
...
-
السخرية المغلّفة في قصة راوية بربارة -محاولة إقناع-
-
ملاحظات ثقافية: مفاهيمنا للنقد بعيدة عن جوهر الثقافة
-
جانيت لم تعد مجنونة
-
ازمة اليسار هي ازمة استيعاب التحولات العميقة بعالمنا المعاصر
-
نبذة عن كتابي -عرب جيدون- و-جنود الظلال- تاليف: هيلل كوهن
-
فلسفة مبسطة: فكر الشعب المميز جلب الكوارث لنفسه وللإنسانية
-
فلسفة مبسطة: راتسيوناليزم
-
جولة شعرية مع الشاعر د.فهد أبو خضرة
-
مسرحية: -الملح الفاسد-
-
الدخان بلا نار سياسة إسرائيلية بامتياز
-
صفات الشعوب
-
8 آذار يوم المرأة العالمي: رؤية متشائمة لمكانة المرأة العربي
...
-
ملاحظات: فكر الحداثة وتسخيره لثقافة ماضوية
المزيد.....
-
لا تقللوا من شأنهم أبدا.. ماذا نعلم عن جنود كوريا الشمالية ف
...
-
أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك مجددًا.. ما القصة؟
-
روسيا تعتقل شخصا بقضية اغتيال جنرالها المسؤول عن الحماية الإ
...
-
تحديد مواقعها وعدد الضحايا.. مدير المنظمة السورية للطوارئ يك
...
-
-العقيد- و100 يوم من الإبادة الجماعية!
-
محامي بدرية طلبة يعلق على مزاعم تورطها في قتل زوجها
-
زيلينسكي: ليس لدينا لا القوة ولا القدرة على استرجاع دونباس و
...
-
في اليوم العالمي للغة العربية.. ما علاقة لغة الضاد بالذكاء ا
...
-
النرويجي غير بيدرسون.. المبعوث الأممي إلى سوريا
-
الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يتخلف عن المثول أمام القضاء
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|