أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - عادل السيوي يقدم مرثية للعمر الجميل















المزيد.....

عادل السيوي يقدم مرثية للعمر الجميل


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 1591 - 2006 / 6 / 24 - 11:41
المحور: الادب والفن
    


في معرضه رقم (20):

حيرتني ابتسامةُ "زكي رستم" في معرض "نجوم عمري" للفنان عادل السيوي. لم أفهم تحديدًا أيةَ رسالةٍ حملتها لي تلك العينان. ابتسامةٌ مستطيلة تقاربُ الضحك. أمباركةٌ هي، أم سخرية؟ هل يعتب عليّ الجَدُّ لأنني هجرتُ الهندسةَ نحو الشعر مثلما عتبت بقية أسرتي؟ أم تراه، كأحد مجانين العائلة، يبارك خطوتي ويعلم أن الشِّعرَ مُغْوٍ مثلما الفنُّ أغواه فأنساه أن يحيا؟ فعلها السيوي كذلك حين ترك الطبَّ وارتكب الفن. هل أفادتك دراستُك العلمية في رسوماتك، ولماذا التحوّل من الطب إلى الفن؟ سألته فأجاب: العلمُ يقدم نظرةً ضيقةً جدا للعالم، ولم تفدني دراستي العلمية. لم أصدقه، فدراسةُ تركيب النواة والإلكترون والبروتون تعيد ترتيب الأوراق في دماغ المرء وتعيد للأشياء الصغيرة قداستَها. دارس العلم يحترم ذرّةَ الرمل لأنها تحمل كونا كاملا بمجراته وأفلاكه. وجوه هؤلاء النجوم استغرقت سنوات أربع من عادل السيوي بدأها في 2002 ليرسم ستين لوحة تناصفتها قاعتان: جاليري "المشربية" بشارع شمبليون، و"كريم فرنسيس" بالزمالك. تعددُ الأساليب التقنية جليٌّ في لوحات توسلّت "الوسائط المختلطة" mixed media إذ تجاورَ الزيت والفحم والأكريليك والباستيل والألوان المائية والصبغات فوق فضاء من التوال أو الورق أو الخشب، وجاءت مقاساتها في متوسط 120سم x140سم. تعددت كذلك الطرائق الأسلوبية. فلوحاتٌ تحمل رمزًا معادلا لشخصية اللوحة، وأخرى يكون اللون الصريح الخالص هو البطل، فيما أخرى تشفُّ ملامحُها وتخبو كأنما وراء غلالة رقيقة من الحرير. جاء بعضها بوجهه فقط وبعضها حضر بكامل الجسد. لكن خيطًا رئيسيًّا يربط بينها جميعًا. هي تلك "النظرة" التي تحمل الكثير من الرسائل.

النظرة:
ولد عادل السيوي عام 1952 في مصر، وتخرج في كلية الطب ثم هاجر إلى إيطاليا لعشر سنوات أنجز خلالها مرحلته الفنية حول "الأمكنة والمدن". ثم عاد ليستقر في الوطن مع بداية التسعينيات. ليشرع في اقتناص الوجوه. وجوه السيوي. وجوهٌ عابرة لا تحمل ذاكرتُنا الجمعيةُ ملامحَها. لكن "نظرةً" ما تميزها. رسالة. تلك "النظرة" في عيون الكائنات ظلّت تشكّل سؤالا وجوديًّا لروح الفنان. عينا الحيوان في حوارهما الصامت مع عيني الإنسان حين يحاول كلاهما أن يستقرأ في الآخر إما الأمان وإما الخطر. العينُ تحمل كونًا من الأسرار والرموز، فنذر الرجلُ سنواتٍ عشرًا من عمره فوق أعتابها. فلماذا التحول الآن إلى وجوهٍ معلومة قارة في الذاكرة الجمعية؟ نجوم السينما المصرية تحديدًا. ولماذا خلت من وجوه عربية وغربية ألهمت مبدعين كثيرين؟ شوفينية مصرية؟ سألته. لا، لكنها الوجوه التي تركتْ أثرَها عليّ في فترة التكوين. حضورُها المكثّف على الشاشة والجرائد أوغل في عمقي وقبع ينتظر أن يخرج بفرشاة ولون. الغرب لماذا! هؤلاء هم "جماعتي". ثم هناك صباح وفايزة أحمد وفريد الأطرش وعبد السلام النابلسي. غدوا مصريين بشكل أو بآخر. ألتفتُ إلى النابلسي فأجده يشير إلى نفسه مرتبكًا ويقول: أنا؟ وقد جاوره هدهدٌ بسيقان طويلة ومنقار يتمتم. سعاد حسني لا يمكن اختصار وجهها في لوحة، ففازت بنصيب الأسد، شاردةً تارة، ضاحكة أخرى، مُغوية، بريئة، شقيّة، مغبّرة. لكنك سوف تستلُّ من ملامحها ذلك الصفاءَ وتلك الحيوية التي جعلت منها سندريللا الشرق. أزعجني بورتريه لعبد الحليم حافظ وضعه عادل السيوي ضمن كتالوج معرضه. بريشة فنان اسمه "بدر" من هؤلاء الجالسين تحت جسور القاهرة يرسمون المارة مثل رسامي باريس فوق هضبة المونمارتر. قال السيوي إنهم فنانون واختلفتُ معه. هل النقلُ فن؟ قال نعم. لكنها مجرد فوتوغرافيا دقيقة لوجه حليم! كاميرا! كتب السيوي أن هذا الرجل شرح له ما في ملامح عبد الحليم من حنان. والسيوي مدينٌ له ويرد له الجميل في شيخوخته. هل أنت ديموقراطيٌّ في الفن؟ قال: أبدًا. لكنني لا أؤمن أن الفنَّ تعلو قيمته كلما بَعُد عن الواقع، الفنُّ إحساسٌ بالهدف واختيارٌ لزاوية وضوء ونظرة عين الخ. هل ترى إذن أن الكلاسيكيةَ قدمت للفن أكثر مما قدمت ما تلتها من مدارس تشكيلية باعدت بين الهدف المرسوم وبين صورته؟ نعم، لم تأت مدرسةٌ أفضل من الكلاسيكية! ولم أصدقه أيضًا، لأنه هو ذاته غير كلاسيكي. فأم كلثوم التي صافحتُها في مرسمه ليست هي التي نعرف، بل واجهتني حافيةً متكئةً على سور شرفتها وجوارها طاووس برأسَ فتاة يابانية من الجيشا. وستيفان روستي، الداهية الأشر، حمل فوق رأسه هالةَ قديس طيب، وضوءٌ يشعُّ من كفه، ربما كمعادل مواز وتكفير عما ارتكب من آثام فوق الشاشة. إحدى عينيه في النور والأخرى أخفتها الظلال، هل يتناوشه شِقاه الطيب والشرير؟ ومحمد لطيف، المعلّق الكروي الأشهر، جاء حاملا الكرة بيسراه ويشير إليها بسبابة اليمنى، كأنه عالمُ فلك يحمل مجرّة أو ساحرٌ ينظر في بلورة كريستالية ليستقرأ مستقبل الكون. حتى إسماعيل ياسين غابت ضحكته الساذجة الشهيرة ليحل محلّها وجومٌ وحزن عميقان فيما يتأمل الحروف الهيروغلافية الملغزة. لم أحب إسماعيل ياسين أبدًا لكنني أحببته هنا. أنت لم تنقل ملامح النجوم يا سيوي، لكنك سرّبت رؤيتك العميقة لجوهرهم. وهنا يبدأ الفن. من نقطة الانحراف عن الواقع. أجابني بإصرار: نزعة الهيبر-رياليزم Hyperrealism التي أوغلت في نقل الواقع صنعت غربةً مع عين المتلقي. الفن فنٌ سواء اقترب من الواقع أو نأى عنه. طيب هل يعدُّ هذا المعرض نهايةً لمرحلة الوجوه وبداية انتقال مفصليّ نحو تجربة جديدة في مشوارك؟ ربما، لكن ثمة وجوهًا لها وقعها في نفسي سوف ترفد هذه المجموعة مثل سلوى حجازي المذيعة الشاعرة، وأمل دنقل، ونجيب سرور وسبّاح القرن عبد اللطيف أبو هيف وسيد النقشبندي الذي صوته يأتي من السماء دون استئذان. وما الجديد الذي طرحه السيوي هنا في نجوم عمره؟ تيمتان إحداهما فنية والأخرى مضمونية. ففي كل لوحة ثمة "علامات أو رموز تكرارية" مثل زهور صغيرة متشابهة، أو قلوب، أو مربعات أو مثلثات. حضور "كميّ" يوازي ذلك الحضور "النوعي" للشخصية الهدف؟ سألته فأجاب: نعم، وهو تكثيف وتكريس لفكرة الحضور. وذلك سيقودنا للتيمة المضمونية وهي "الغياب". الحضورُ يستدعي الغياب. هل يجوز أن تغيب هذه الشخوص عن عالمنا؟ أو بالأحرى هل هي غابت فعلا؟ فنانو البوب تعاملوا مع نجوم هوليوود على نحو نمطي بوصفهم أيقونات أو علامات مسجلة مستهلكة Trade marks، مارلين مونرو وألفريس بريسلي تم رسمهما قشريًّا فظهرا لنا كأفيشات عرض، غابت الروح من اللوحات. هنا محاولة مني نحو "هجرة الأسلوب". نحن العرب نتعامل مع نجومنا بتورط عاطفي. هذا التورط لابد أن يكون البطل الرئيس للعمل. نجوم اليوم لا تحمل عمقًا يستحق أن يُلتقط بعين فنان. لكن "نجوم عمري" يحملون ملمحًا بطوليًّا، لأنهم آمنوا بما يفعلون فتماهت حيواتهم مع فنِّهم في كلٍّ واحد لا ينفصم. حال نوستالجيا يا سيوي؟ مرثية للعمر الجميل؟ أبدًا، بل سؤالٌ حول الجوهر وفكرة الحضور والغياب والفقد. تركتُ كلَّ شخصية تطرح شكل حضورها الخاص على هواها، لم ألتقط لها كادرات سابقة الصنع. السؤال هو كيف تتفاعل مشاعرنا مع تعبيرات وملامح تلك الوجوه التي نعرفها، الوجوه التي تومض في ذاكراتنا ثم تختفي. هذا المعرض، عكس الشائع عن المعارض التشكيلية، حشد الجمهورَ بشقيّه، العام والنخبوي. كونها نجوما معلومة للجميع كأيقونات تشد عين المتلقي حتى إذا ما وقع في الشرك، يبدأ مرحلة التساؤل والتأمل والغور. صافحته فيما أسأله لماذا لا يخط كتابًا حول فلسفة التشكيل؟ فأجابني بأن هذا ما سيتوفر عليه الفترة القادمة. همستُ بالإنجليزية لزوجته الإيطالية الجميلة ستيفاني، فابتسمتْ وأجابتني بعربية سليمة. حين دخلت بيتي في المساء، كان في انتظاري عينا "زكي رستم"، وابتسامتُه.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع التاريخ مع المصير في رواية -ينزلون من الرحبة-
- الرهان على الشباب في صنعاء- فكرةٌ نبيلة يعوزُها شيءٌ من القس ...
- راشيل كوري في يوم المرأة العالمي بمسرح الهناجر في مصر
- اسمُك راشيل كوري
- القناعُ الرمزيّ في أعمال نوال السعدواي
- عيد ميلاد سيدة النبع
- كراسة رسم
- هولاهوب
- محمود سالم رائدٌ عربيّ للرواية البوليسية لماذا لم يُترجم للم ...
- مازن
- ضرورةُ أن تكونَ النهاياتُ حاسمة
- ما لم تحكه شهرزاد
- بيجاما
- خاتمٌ من أجل نائلة
- شهادة
- جريدة-الرأي العام- السودانية تلتقي فاطمة ناعوت
- فانتازيا التاريخ ... شعرًا - -الغرام المسلّح- لحلمي سالم
- اللغة والإنسان في تجربة الشاعر عماد أبو صالح
- استقطار الطاقة الصوفية للحرف العربيّ -لسان النار- لـ أحمد ال ...
- مجلة -آخر ساعة- المصرية تحاور فاطمة ناعوت


المزيد.....




- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - عادل السيوي يقدم مرثية للعمر الجميل