|
الحلف الاطلسي - ( الناتو )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6603 - 2020 / 6 / 27 - 13:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتكون الحلف الأطلسي ( الناتو ) من كل الدول الغربية ، وبما فيهم إسرائيل ، وتركيا الدولة المسلمة الوحيدة في الحلف .. حين كان الناتو يواجه أي استفزاز او تهديد ، من قبل دولة من خارج الاتحاد ، فان القيادة السياسية التي تتحكم في القيادة العسكرية ، كانت تتحرك دفعة واحدة ، من خلال القرار الواحد للوصول الى الهدف الواحد . لكن قرارات الحلف كانت دائما اكثر صرامة وعدوانية ، إزاء الدول العربية ، وإزاء الدول الإسلامية . فعند التهديد بمواجهة دولة من هذه الدول ، كالحالة السورية ، والعراقية عند غزو الكويت ، والافغانية ، والإيرانية ، وفي البوسنة والهرسك ، فالحلف كان يتصرف كرجل واحد ، لانّ العدو واحدا ، وهو طبعا دليل على ان الصراع الذي يخوضه الحلف ضد هذه الدول ، يكون في اصله صراعا حضاريا ، او بالوضاح يكون صراعا مسيحيا كاثوليكيا ، بروتستانيا ، يهوديا ، ضد القومية العربية التي حطّمها بغياب عبدالناصر ، وعندما قضى على آخر ما تبقى من نفحات القومية العربية ، في العراق ، وسورية ، وضد الإسلام كعقيدة لا أيديولوجية ، تتعارض مطلقا مع القيم الغربية ... فما يسمى بحوار الأديان الذي يتزعمه الفاتيكان ، مع مختلف المذاهب الإسلامية ، من سنية ، وشيعية ، هو صراع من تحْت الطاولة ، ولا علاقة له إطلاقا بالحوار بين الديانات ، لان الفاتيكان من خلال هذه اللقاءات التي تبرمجها وكلات المخابرات الغربية ، لاستكشاف الاخر ، ولحشر بعض القيم والمفاهيم ، ضمن منظومته التقليدية المرفوضة في الغرب ، او محاولة رسم خريطة طريق ، لتنظيم مواد اللقاءات القادمة ، للتحكم وضبط العالم الإسلامي من خلال ضبط مؤسساته كالأزهر مثلا ، او الحنفيات ، خير دليل على حقيقة الصراع الذي يقوده الغرب في مواجهة الآخر المعارض .. وبالنظر الى الحلف كقرارات سابقة ، سنجد ان الدول الانگلوسكاكسون الولايات المتحدة الامريكية ، بريطانيا ، استراليا ، نيوزيلندة ، كندا ، تكون اكثر اندفاعا في قراراتها ، وفي اشكال مواجهاتها ، خاصة حين تكون المواجهة تخص دولة عربية قومية ، او دولة اسلامية .... لكن هذا الاندفاع الاعمى للدول الاگلوساكسون ، يقابله ضبط وتريث في مساندة قرارات الحلف ، من قبل دول جنوب الحلف ، خاصة إيطاليا ، واسبانيا ، وفرنسا ... فإذا كان الحلف الأطلسي ( الناتو ) ، قد وقف وقفة واحدة عند غزو العراق للكويت ، فان هذا الموقف الموحّد ، سيتصدع في حرب غزو العراق ، لان فرنسا ، وايطاليا ، واسبانيا ، واليونان ، وتركيا رفضوا الغزو ، ووقفوا ضده الذي انخرطت فيه بشكل اعمى امريكا ، وبريطانيا ، واستراليا .. نلاحظ حصول نفس التناقض في قرارات الحلف عند ضرب صربيا ، حيث لم تشترك في الضربة إيطاليا ، واليونان ، وتركيا ، وألمانيا ، وهولند ، واسبانيا ، في حين شاركت في الهجوم على صربيا الولايات المتحدة الامريكية ، وبريطانيا ، ونيوزيلندا ، وأستراليا ، وكندا ، وفرنسا .. الحلف الأطلسي كدرع عسكري للغرب ، لم يكن يتأثر بتغيير شكل الأحزاب والمنظمات السياسية التي تحكم في الغرب ، فالحلف ظل هوَ هوَ مخلصا لعقيدته العسكرية الغربية ، سواء كانت بعض البلاد الغربية تحكمها أحزاب يمينية محافظة ، او أحزاب يمينية محافظة بالتحالف ما أحزاب يمينية متطرفة (النمسا ) ، او أحزاب اشتراكية ، او أحزاب اشتراكية متحالفة مع أحزاب شيوعية ( اسبانيا / فرنسا / اليونان ، او أحزاب الخضر ... فقرار الحلف يتم اتخاذه على ضور القرار السياسي للقيادة السياسية الحاكمة ، ولم يسبق للحلف ان انحاز كليا في قراراته لدولة معينة ، بل كان ينفذ قرارات القيادة السياسية التي تتحكم في القرارات العسكرية .. وهو ما جعل الحلف الأطلسي يكون اكثر انضباطا ودينامية ، بالمقارنة مع حلف وارسو الذي كان يخضع لدولة واحدة .. ان دول حلف وارسو في حقيقته ، لم يكن غير طابور يخضع ويتحكم فيه الجيش الأحمر ، وهذا ما جعل العديد من دول الحلف ، وجيوش هذه الدول داخل الحلف ، تعرف بعض التمرد كلما سنحت الظروف بذلك ، كربيع براگ بالمجر ، وبولونيا La Pologne ، وفرار افراد جيش المانيا الشرقية من الحائط الذي بناه السوفيات ... وانعزال جيش يوغوسلافيا ، ورومانيا .... ان هذا الانضباط والتراتبية التي تضبط مهام الحلف الاطلس ( الناتو ) ، ستعرف مؤخرا خروجا عن القاعدة العامة التي ضبطت سلوك الحلف ، كدرع عسكري يخضع للقرارات السياسية للدول الأعضاء في الحلف ، وذلك حين تشكت فرنسا من تحرش فرقطات عسكرية تركية ، بفرقطاتها العاملة بمياه البحر الأبيض المتوسط ... ولعمري ان ( الحادث ) الذي اثار استفسارات ، هو اول حادث يحصل بين دولتين عضوتين بحلف ( الناتو ) . والسؤال هنا انْ كان ما حصل صحيحا .. هل تتصرف الدولتين العضوين بالحلف الأطلسي ، وهما فرنسا وتركيا ، باسم الحلف المُغيّب بعد غزوة الوحش كورونا ، ام انهما رغم عضويتهما في الحلف ، فانّ تصرف جيوشهما بالبحر الأبيض المتوسط ، يجري تحت أوامر قيادة دولهما ، وليس بأوامر قيادة الحلف الأطلسي التي من المفروض ان تكون القرارات في هكذا أحوال ، قرارات موحدة نابعة من قرارات القيادة السياسية لكل دول الحلف مجتمعة .. ومما زاد حب السؤال ، هو صمت القيادة العسكرية للحلف ، وقبلها صمت القيادة السياسية ، عن التشكي الفرنسي من تحرش فرقطات عسكرية تركية ، بالفرقطات العسكرية الفرنسة . واذا كانت القاعدة العامة وسط الحلف ، هو الإسراع بالاستجابة لتشكي احد اطرافه ، كلما كان الطرف المشتكي به دولة من خارج الحلف ، فان صمت قيادة الحلف العسكري ، وصمت القيادة السياسية للدول التي تُكوّن الحلف ، اثار الاستغراب ، واثار الدهشة ، لانّ ما حصل هو حالة شاذة غير مألوفة في تاريخ مواقف الحلف .. فالدولة التي رفعت التشكي ، هي دولة مسيحية كاثوليكية عضو بارز في الحلف ، والدولة التي تم رفع التشكي ضدها هي دولة مسلمة عضو كذلك بالحلف ، ومع ذلك ظل الحلف كما ظلت القيادة السياسية للحلف يلتزمان الصمت .. فماذا يعني الصمت ؟ هل عدم اكتراث الحلف بالتشكي الفرنسي ؟ هل تفضيل الحلف الحليف التركي الذي يخدم اجندات الحلف احسن من الحليف الفرنسي ؟ هل التزام موقف الحياد من نزاع ظاهره التشكي من مناوشة او من استفزاز ، لكنه صراع يدور بارض عربية ، ولا يدور بارض فرنسية ، ولا تركية ، وان الدور التركي في النزاع الليبي اجدر واهم ، في مواجهة الخصم الكبير ، والعدو الحقيقي للحلف الذي هو روسيا فوق الأراضي الليبية ؟ ومما يدلل على الموقف الشاد للقيادة العسكرية للحل الأطلسي ، وقبلها موقف القيادة السياسية ، انّ التبرير التركي الذي قدمته وزارة الدفاع التركية الى قيادة الحلف ، لدحض وتكذيب التشكي الفرنسي ، مردود عليه ، وغير مقنع البتة ، بل انّ التبرير هذا ، هو حجة ودليل على ان التشكي الفرنسي من تحرش الفرقطات التركية بالفرقطة الفرنسية هو مؤكد وصحيح .. ان مِمّا جاء في التبرير التركي لدفع الاتهام عنه ، قوله ، انّ الفرقاطات التركية التي لم تتحرش البتة بالفرقاطة الفرنسية ، قد زودتها بالبنزين في قعر البحر .. وهنا اصل المشكل . هل يمكن تصور خروج فرقاطة من بين فرقطات الحربية ، للقيام بدوريات عسكرية بدون ملئ براميلها بالبنزين ، ومن دون التزود به ؟ وهل يعقل ان تخرج فرقطات عسكرية الى مياه البحر للقيام بدوريات عسكرية ، دون ان تكون هناك فرقاطة مرافقة ، تلعب دور خزّان / صهريج الوقود للفرقطات المفترض انهم يحتاجون الى البنزين في عرض البحر ؟ فرغم هشاشة التبرير التركي الذي هو حجة عليه ، فقيادة الحلف لزمت الصمت ، ولم تحرك ساكنا في موضوع التشكي الفرنسي الذي يثبت صحته التبرير التركي المردود عليه .. ان ما يجري اليوم من هكذا اعمال وتصرفات لم تكن متوقعة من قبْل ، من قِبلِ القيادة العسكرية للحلف ، ولا من قِبل القيادة السياسية ، هو احدى نتائج الخطيرة التي تسبب فيها الوحش كورونا ، خاصة داخل العالم الغربي ، والاتحاد الأوربي .. لقد ابان الوحش كورونا عن حقيقة الاتحاد الأوربي ، انه كان مجرد اتحادا هجينا ، ضعيفا اكثر من عش العنكبوت ، فما يوحّده ، هو افتراس ثروات الدول الضعيفة ، وامتصاص خيراتها ، وما كان ولا يزال يُفقّره ، هو قسوة تضارب مصالحه مع بعضها البعض ... لقد اظهر الوحش كورونا ان الاتحاد الأوربي كان شكليا ، وقد ظهر هذا حين طفت على سطح الاحداث ، الممارسات اللاّأخلاقية لكل دول الاتحاد ، وبما فيها الولايات المتحدة الامريكية ، حين تجاهلوا وتنكروا لإيطاليا ، ولإسبانيا ، وفرنسا ، وتركوهم يواجهون مصائب كورونا لوحدهم ، بل ستبلغ الخساسة قمتها ، حين بدأت دول كالولايات المتحدة الامريكية ، تسرق صفقات الكمامات ، وأجهزة التنفس لدول اوربية ، ودون حشمة ولا حياء ، وتعرت حقيقة الغرب العنصري اللاّحضاري ، حين فضحته احتجاجات الشعوب الغربية التي ثارت ضد العنصرية ، وضد العبودية والاستغلال ، وبدأت الأصوات تنادي بالديمقراطية الحقيقية ، التي هي ديمقراطية الشعوب التي شرَعت في تحطيم تماثيل رموز العنصرية ، والعبودية في التأريخ الأوربي والامريكي ... ان هذا التناقض الصارخ المطبوع بالأنانية ، والذاتية ، وبحب الأنا ، بين كل الأنظمة السياسية التي تحكم في العالم الغربي ، أكيد انه سيكون له تبعات على كل التنظيمات الموازية كمنظمة الحلف الأطلسي ( الناتو ) .. وصمت القيادة العسكرية ( للناتو ) ، وصمت القيادة السياسية للأنظمة التي تكوّن دول الحلف الأطلسي ، على التشكي الفرنسي من مناوشات ، واستفزاز ، وتحرش الفرقاطات التركية بالفرقطات الفرنسية ، هو اكبر دليل على الازمة الروحية ، والسياسية ، والأيديولوجية التي تضرب عمق القيادة السياسية للدول التي تشكل أعضاء بالحلف الأطلسي .. فشكرا الوحش كورونا الذي انجز في ثلاثة اشهر ، ما عجزت الإنسانية عن إنجازه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية .. حقيقةً كورونا وحش // Le monstre Corona virus .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تهديد مصر بالحرب
-
الدعوة لإستقالة الوزير مصطفى الرميد
-
دعوة الى مغادرة المغرب
-
المغرب / فرنسا
-
مصر تطرق ابواب مجلس الأن ، بعد فشل مفاوضات سد النهضة
-
إنتخابات الملك ، لإنتاج برلمان الملك ، ومنه تشكل حكومة الملك
...
-
قراءة سريعة لنتائج الاقتراع السري بالجمعية العامة للأمم المت
...
-
جبهة البوليساريو تفتري على البرلمان الاوربي
-
العقلية الانقلابية
-
حكومة تكنوقراط ، حكومة وحدة وطنية
-
من يحكم ؟
-
هل يتدارك ملك المغرب ما تبقى من الوقت الضائع .....
-
شكرا الوحش كورونا
-
المحكمة العليا الاسبانية
-
حصار قطر / حين يدعو المتورط في قتل الفلسطيني المبحوح ، ضاحي
...
-
تنافس أم صراع بين الجهاز البوليسي الفاشي ، وبين الجهاز السلط
...
-
صفات الملك الحميدة / الاستثناء
-
التغيير
-
التحضير لقرع طبول الحرب بين النظامين المغربي والجزائري
-
الجمهورية الموريتانية والجمهورية الصحراوية
المزيد.....
-
بيونسيه حققت فوزاً تاريخياً.. أبرز لحظات حفل جوائز غرامي 202
...
-
إطلالات خطفت الأنظار في حفل جوائز غرامي 2025
-
ماسك: ترامب وافق على إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية
...
-
ألق نظرة على الصور الفائزة بجائزة مصور السفر لعام 2024
-
بيسكوف: روسيا ستواصل الحوار مع السلطات السورية بشأن جميع الق
...
-
الشرع يؤدي مناسك العمرة في مكة المكرمة (صور)
-
لبنان.. -اللقاء الديمقراطي- يدعو لتسهيل مهمة رئيس الحكومة ال
...
-
إنقاذ الحديد الجريح
-
مذيعة سورية تجهش بالبكاء وتناشد الشرع الكشف عن مصير أخيها (ف
...
-
كيف يمكن استخدام اليوغا كعلاج نفسي لتحسين صحتك العقلية؟
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|