أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وسيم بنيان - موسيقى الحلم















المزيد.....

موسيقى الحلم


وسيم بنيان

الحوار المتمدن-العدد: 6603 - 2020 / 6 / 26 - 15:38
المحور: الادب والفن
    


تلقى دعوة لعشاء فاخر وحفلة صاخبة من أحد المعجبين،استلمها للتو من ساعي البريد. ابتسم وهو يقرأ سطور الدعوة التي نمت عن حماسة مرسلها.أعادها إلى الظرف وألقى بها في الدرج، وعاد أدراجه نحو حديقته  المسورة بالزرع، وقد ملأت العصافير أجوائها تغريدا لا يفتر.شرع من أيام خلت  في استجمام غرائبي خاص،يريح به اعصابه ويفرغ رأسه من صراع الافكار و النوتات.اذ افرط مؤخرا في تأليف الالحان،كما انه ألقى دروسا موسيقية على تلامذته تتعلق بأربع آلات.وبعد أن استشعر تعبا وضغطا ذهنيا،قرر الانصراف إلى عالم خال من أي تركيز أو  تحليل.ورغم شعوره بفراغ رصيده اللحني في داخل بنك مخيلته الموسيقية وحتى أيام تالية،لكنه شعر بارتياح،حيث استرخى بكل يسر وسهولة ولن يضطر للانزعاج من الأنغام الهابطة عليه من عالم مجهول في اليقظة والنوم،فعن له ان يمنح نفسه فرصة للتأمل. اعد لنفسه كوبا من عصير البرتقال البارد، وجلس في جنينته يتنسم الروا ئح ويستظل بالاشجار. أطلق العنان لنفسه في أن تعب من هذا العالم المتحرك في عمق السكون.استلقى فوق السرير الصيفي بجانب البحيرة، التي اشرف على انجازها  بنفسه، سابحا برذاذ الشمس. حلق بنظره إلى تخوم السماء، وبدت العريشة فوقه كسماء خضراء تبرق نجومها في وضح النهار.تستفزه لرحلة سماوية متلألئة الانواء، ظل مهاجرا فيها وخطر له إنها لم تنته ابدا.
تقافزت العصافير مبتهجة بالأغاريد،وأخذت الطيور تنشر ريشها المبلول على صخر الضفة. وارتفع هدير الرياح المنسابة ببطء،مراقصة   الأغصان والماء،ففتن بالقسطلة واصاخ اليها،وكأنه في وجد صوفي.انقلب على جانبه الأيمن والتقط الاناء النحاسي وراح يغرف الماء ويسقطه في البحيرة مجددا.ظل يملأ ويفرغ لمرات، واخير تركه في مكانه ونهض بعد أن تمسك بالأغصان المتدلية قريبا من رأسه،واتجه نحو الازهار،سحب البساط البلاستيكي المسدل تحتها،وسحله راجعا. استلقى ثم مجددا، وقبض على حفنة من   الوريقات واخذ يطوح بها ببطء بعد أن رفع يده إلى الأعلى،فتهاوت على جسده العاري، كرر الامر مرارا حتى تغطى جسده تماما.صار الآن يستنشق عطرا زهريا اندس في ندى النسيم.ومع اكتمال القميص الزهري لفه خدرا سيطر على مملكة وعيه، ورويدا رويدا أطاح به النعاس في أحضان إغفاءة خفيفة،مع أول لحظاتها ولج في عالم الاحلام.نتأت تضاريس حلمه كغابة سحرية مختلفة  الأشجار والنبات شغلتها كل الحيوانات الوحشية والاليفة.و رغم التناقضات الواضحة التي تعج بها ارض الغابة، شعر بتوافق خفي يلف ويجمع تلك التناقضات بشكل عصي على التفسير. رأى حتى الغيلان التي تزأر بصوت قاس ومخيف، تترك نغماتها الصاخبة انطباعا لابد منه في أوركسترا اللحن السريالي،الذي بدأته عصافير وبتلات مشاركة مع عدة اصوات اخر،فكونت تلك الاصوات مجتمعة موسيقى عميقة الجذور.ظل يتابع تصاعد الألحان وانحدارها، وفوجئ بأن الألوان أيضا تأخذ بعدا موسيقيا من خلال تحولها إلى نغم مسموع.رأى حمرة الورد تنساب كضربات وترية تشبه أنغام القيثارة. اما الأشجار النافخة بفحيحها مع حركة الرياح كان لها بعدا صوتيا مختلفا، يتصاعد من خضار أوراقها وهو يختلف عن حركة الأوراق بمعزل عن اللون.راحت الانغام تدب في كل ثنايا الغابة محدثة الحانا لونية غريبة،لم يسمع مثلها في أي يوم من أيام حياته.وتجلى له كذلك بعدا لحنيا آخر،خارج بروفا الألوان.إذ ارتفعت أصوات جديدة تشكلت من ريش الطيور وجلود الأفاعي ومن الفراء والقرون.تتعالى الأصوات الفرائية وتلتف مع أصوات القرون متسارعة،لتهبط بانسياب مع نغمات الريش.فتخلف اثر صوتيا يكاد أن يكون مجسدا وملموسا،مع تصاعد نقرات طبول ترابية من عمق أرضية الغابة الشاسعة.استغرب في حلمه من كونه لا يستطيع أن يتحكم أو يتصرف بأي شيء يخص هذه السمفونية الفريدة.بدا له وكأن كل شيء خارج سيطرته تماما.هاجت فجأة رياح عاصفة دفعت به عنوة نحو أحد الزوايا، وجد هناك طاولة أنيقة مجهزة بوجبة غذائية خفيفة،امتلأت  بالصحون وأكواب مشروبات مختلفة الانواع. وما أن شغلها صامتا، شعر بجوع حاد. فراح يلقم بنهم ويشرب من كل المشروبات المتنوعة،وحينما يحمل قدحا ما بيده تصدر منه أصواتا زجاجية تثور من الملامسة مباشرة،ومع رفعه إلى فمه تثور باقي الأقداح متراقصة فوق المنضدة.وكذلك حينما يمسك الشوكة والسكين،تتعالى أنغام معدنية،ويمتلئ الطقس بذبذبات وشحنات كهربائية ذات احتكاك خفي المصدر.لم يعد باستطاعته أن يمسك أي شيء بيده، بل راحت الأقداح، والصحون والشوك والملاعق والسكاكين، ترتفع طائرة وتقترب بالتتابع من فمه حسب حاجته.مصدرة أصواتا لحنية مختلفة بشكل منسجم ما يلبث أن يتخالف حيث تبارز الملعقة الشوكة وتدخل السكين بينهما ثم يتصادمن بالأقداح ويرتطمن بالتالي على شرشف المائدة لاهثات ليعاودن التحليق من جديد. لم تخطأ كل الأشياء في أداء دورها رغم ذلك، فهي ما زالت تتابع عملية إطعامه وسقيه، حتى وان التفت إلى باقي الجهات. أتاح له ذلك الدور المتقن للوظائف الشيئية،أن يراقب باقي الأشياء من حوله.تمعن في باقي ألتفاصيل، وكانت هي الأخرى قد دخلت في تحالفات وصراعات جديدة. تطاير بعض الريش ليرصع مساحات فرائية من أجساد الثعالب.وكذلك حلقت خصلات فرائية وغطت اجنحة العناكب.كما قفزت قرون من الظباء لتحط على رؤوس العصافير.تداخلت الأشياء فيما بينها  رمت الأشجار ثمارها على الزهور، بينما شُجرت الأزهار بالأغصان الكثيرة. ومن بحيرة الغابة الملونة تقافزت الأسماك لاهثة فوق الساحل بعد أن أصبحت مجنحة من عقيق الفيلة. وتحولت مساحات كبيرة من الأرض إلى تكتلات جليدية ،تزحلقت فوقها الحشرات والزواحف.وبدأت الجذوع تنز عسلا مصفى بدون عوائق شمعية،فتجمع حولها فصيل من دببة زرق راحت تلعق منها بشراهة،بينما حطت بعض الضباع على اكتافها. واستلقت القرود هادئة تراقب رقص الضفادع على سطح البحيرة، التي تضاجع بالقرب منها غزالة مراهقة مع نمر ذو فرو زاه. وسط تشجيع الأسود التي تجمعت فوق هضبة مرتفعة   لتصفق بحماس.وجموع الحمير الوحشية قصت الاشرطة السود من جلدها وصيرتها  كحبال تتنقل بها من شجرة لأخرى.كان كل شيء يضج بالحركة والنغم دون استثناء في لحن حياة مموسقة بالكامل استفاق من نومه منتشيا.كان الليل قد اسدل ظلامه وتلامعت نجومه مضيئة عبق المكان. نظر حوله ببطء شديد دون أن يتحرك من مكانه،شعر بسكون وصفاء باطني لم يرغب أن يتعكر صفوه، استدار أخيرا إلى جهة اليسار وعاد يكمل تفاصيل حلم آخر.....


(زفارتة راوتر- لاهاي)



#وسيم_بنيان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نصف روزنامة لحبيبتي
- خريف الرسام
- غثاء
- ثغثغة
- هواجس
- خياطة
- غراب وردي
- موج القطرة
- مفارقات: نحو محراب علي
- حمى باردة
- شاعر
- برزخ الصمت والبوح
- معزوفة لكوفيد
- مصيرنا: بين محرقتين
- شفرة حزب الله
- العراق و معنى الدولة
- اردوغان : خطوة قبل الهاوية
- قد وارامكو والكارثة العرببة
- ملاحظتان عاجلتان
- سؤال العيد للصهاينة العرب*


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وسيم بنيان - موسيقى الحلم