أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - إدريس لكريني - الصراع الهندي- الباكستاني في ضوء الحملة الأمريكية لمكافحة الإرهاب















المزيد.....


الصراع الهندي- الباكستاني في ضوء الحملة الأمريكية لمكافحة الإرهاب


إدريس لكريني
كاتب وباحث جامعي

(Driss Lagrini)


الحوار المتمدن-العدد: 1590 - 2006 / 6 / 23 - 11:03
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


منذ استقلال دولة باكستان عن الهند سنة 1947، والعلاقات بين هاتين الدولتين تعرف مسارات مضطربة ومتوترة, بفعل تباين المصالح بينهما ووجود ملفات متراكمة ظلت مستعصية الحل, أهمها ومحورها: الصراع حول إقليم كشمير الحيوي، وقد ازدادت مخاطر هذا الصراع مع دخول الجانبين في سباق نووي محموم، كاد في العديد من المناسبات أن يغرق المنطقة برمتها في حرب مباشرة وخيمة العواقب.
ومع انطلاق الحملة الأمريكية لمكافحة "الإرهاب" التي أعقبت تعرض كل من نيويورك وواشنطن لهجمات بالطائرات المدنية، تصاعدت حدة هذا الصراع بين القطبين النوويين من جديد. فما هي أسباب ومظاهر هذا الصراع ؟ وما موقف القوى الإقليمية والدولية منه قبل أحداث 11 شتنبر 2001 ؟
وكيف أثرت هذه الأحداث في الصراع ؟ وما هي الاستراتيجيات الجديدة في المنطقة، بعد سقوط نظام طالبان؟
أولا: جذور النزاع, كشمير وسباق التسلح النووي
يمتد الصراع الهندي- الباكستاني لأكثر من نصف قرن من الزمن، تورط خلاله الطرفان في ثلاثة حروب، اثنتان منها بسبب إقليم كشمير.
فالمواجهة الأولى, كانت بسبب هذا الإقليم سنة 1947، أما المواجهة الثانية فقد اندلعت سنة 1965 بفعل النزاع على هذا الإقليم أيضا, بينما اندلعت المواجهة المباشرة الثالثة بينهما في بداية السبعينيات من القرن الماضي, بعدما تدخلت خلالها الهند لدعم بنغلادش (باكستان الشرقية) عسكريا لتستقل وتنفصـل نهائيا عن باكستان سنة 1971.
وفي صيف سنة 1999 كادت الأوضاع أن تخرج عن نطاق التحكم والسيطرة, وأصبح اندلاع الحرب بين الجانبين قاب قوسين, بعد أن عبر جنود باكستانيون خط المراقبة بين البلدين, وانتهت الأزمة بإقدام "نواز الشريف" على سحب جنوده من هناك, قبل أن تتم الإطاحة بحكومته إثر انقلاب عسكري قاده الجنرال "برويز مشرف" في أكتوبر 1999.
وبالعودة إلى مشكلة كشمير- التي يتواجد بها حوالي 600 ألف جندي هندي- باعتبارها محورا مهما في الصراع بين الطرفين، نجد أن معظم الثوار الكشميريين المنادين بالانفصال عن الهند هم من خريجي المدارس الدينية الباكستانية، كما أن دولة باكستان التي تستضيف العديد من ثوار كشمير وتنشط فيها العديد من الجماعات الإسلامية المؤيدة لهذا الانفصال، أضحت تحولت إلى مصدر لكل معونة مادية وإلهام عقائدي لمختلف الحركات الانفصالية بهذا الإقليم.
وقد حاولت الهند جاهدة على امتداد عدة سنوات لتصوير حركة التحرر المحلية في كشمير على أنها حركات إرهابية, واتهام باكستان بدعمها وتأييدها واستضافتها، بل والعمل بكل الوسائل من أجل حرمان المقاومة في كشمير من قاعدة باكستانية خلفية تمدها بالدعم المالي والعسكري والبشري.
وفي الواقع, يبدو أن حركة المقاومة في كشمير هي حركة مستقلة يتزعمها سكان الإقليم, استغلتها باكستان كورقة للضغط على الهند وإعادة الاعتبار لنفسها بعد سلسلة من الهزائم التاريخية أمامها, كما أن الجزء الذي تسيطر عليه باكستان من هذا الإقليم يشكل بالنسبة إليها موردا مائيا أساسيا.
وأمام هذه المعطيات, تستبعد الهند إمكانية إجراء استفتاء شعبي في هذا الإقليم - الذي يدين معظم سكانه بالإسلام- لتمكين السكان من تقرير مصيرهم, لأنها تدرك مسبقا أن غالبيتهم تؤيد الانضمام إلى باكستان المسلمة، ولعل ذلك ما تراهن عليه باكستان في سعيها لتدويل القضية، وهو ما ترفضه الهند – طبعا - وتلح من جهتها على ضرورة حل المشكل من خلال المفاوضات الثنائية بين الطرفين.
أما بخصوص سباق التسلح النووي بين هذين القطبين الأسيويين, فإن خروج باكستان في مطالع السبعينيات منهزمة في حربها مع خصمها التاريخي الهند، وما تلاها من انفصال باكستان الشرقية عنها (بنغلادش)، ودخول الهند سنة 1974 معترك التجارب النووية دفع بها- باكستان - إلى تعزيز جهودها في سبيل امتلاك هذا السلاح الإستراتيجي لتأمين كيانها واستقلالها في مواجهة هذا الخصم العنيد واللدود في إطار سياسة الردع النووي المتبادل, وبالفعل ففي صيف سنة 1998 وبعد أن أجرت الهند خمس تجارب نووية دفعة واحدة, كرسالة منها للصين وباكستان تؤكد بها التوازن الإستراتيجي في المنطقة، والطموح لنزع اعتراف دولي يقر بها كقوة دولية كبرى جديرة بالحصول على مقعد دائم بمجلس الأمن الدولي, وكرد فعل على ذلك, خرجت باكستان من صمتها (النووي) وقامت بإجراء ست تجارب مماثلة, وهو الأمر الذي خلف مزيجا من الدهشة والترقب في أوساط المجتمع الدولي، والخوف من أن يتحول هذا السباق النووي المحموم الذي اتخذ مسار تجارب على صواريخ بعيدة المدى قادرة على نقل رؤوس نووية, إلى مواجهة مباشرة تأتي على الأخضر واليابس وتعصف بالأمن الإقليمي للمنطقة برمتها.
ثانيا: الترتيبات الإقليمية قبل أحداث 11 شتنبر 2001
بعد استقلالها بسنوات, عملت باكستان على الدخول في تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار معاهدة جنوب شرق آسيا, لكن تخلف الولايات المتحدة عن دعمها في حربها ضد الهند عام 1965 أثر سلبا على هذا التحالف.
وفي بداية الثمانينيات شكل الغزو السوفييتي لأفغانستان مناسبة أخرى لتجديد العلاقات الأمريكية- الباكستانية، إلا أن هذه المحاولات ما فتئت أن تعثرت وباءت بالفشل بعد تأكد الولايات المتحدة من دخول باكستان حقل التجارب النووية, وخاصة بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان.
أما الهند فقد تزعمت خلال فترة الحرب الباردة حركة عدم الانحياز, مع ميل طفيف إلى التعاون مع الاتحاد السوفيتي باعتباره مدعما لحركات التحرر في العالم، وذلك على خلفية مواجهة التحالف العرضي الباكستاني - الأمريكي والتعاون المتنامي بين باكستان والصين.
ومع نهاية الحرب الباردة وبحكم تطابق وانسجام المصالح الهندية والأمريكية في منطقة جنوب آسيا, عاد الدفء إلى العلاقات بينها من جديد، حيث أصبحت الولايات المتحدة تعتبر الهند بمثابة قوة إقليمية كبرى وتحفزها على مواجهة العملاق الصيني القادم والخطر الإسلامي المتنامي في المنطقة، وهذا ما شجع الهند على استثمار هذه المعطيات في تحجيم أي دور إقليمي مأمول لباكستان.
إن النزوع الباكستاني المبكر لامتلاك السلاح النووي كضمانة لاستقلال كيانه، لم يثر قلق الهند والولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل إنه خلق حالة من الفزع الشديد لدى إسرائيل التي تتطير عادة من كل الخطوات "الإسلامية والعربية" الإستراتيجية وحتى المتواضعة منها، خشية على أمنها، لذلك فقد كانت تخوفاتها جدية من إمكانيات الردع النووي الباكستاني، وقد صرحت باكستان غير ما مرة بأن الهند وإسرائيل تخططان منذ أواخر الثمانينيات من القرن الماضي لتوجيه ضربة موجعة لمفاعلها النووي في "كاهوتا"، ومركز البحوث النووي في "كويتا", بنفس السيناريو الذي تعاملت به إسرائيل مع مفاعل "تموز" العراقي في بداية الثمانينيات من القرن الماضي (للإشارة فقد سبق للطرفين الهند وباكستان أن عقدا اتفاقية سنة 1988 تم بموجبها تحريم مهاجمة المنشآت النووية للبلدين).
وفي اتجاه آخر ومنذ أواسط الستينيات من القرن المنصرم, دخلت إسرائيل في سياق تعاون كبير في مجال السلاح النووي مع الهند التي كانت تمدها بمواد من خام اليورانيوم, تلزم لمفاعلاتها النووية.
وللإشارة فقد كانت الهند من بين أولى الدول التي اعترفت بالكيان الإسرائيلي في الخمسينيات من القرن الماضي.
ومع مطلع التسعينيات من القرن الماضي الذي اتسم بدخول إسرائيل وبعض الأطراف العربية في مفاوضات "السلام" بعد انطلاق مؤتمر مدريد، تحركت هذه الدولة – إسرائيل- بفعالية على الواجهة الآسيوية التي تعرف تواجدا إسلاميا مهما, لدفع دول المنطقة إلى تبني الحياد من الصراع العربي- الإسرائيلي وخاصة في ارتباطه بقضية فلسطين، وهكذا شهدت العلاقات الهندية- الإسرائيلية تطورا كبيرا في مختلف المجالات (الأمنية، التجارية، السياسية، الاقتصادية، التقنية..).
فخلال هذه الفترة، تميزت العلاقات الهندية - الإسرائيلية بتعزيز التعاون النووي بين الطرفين بشكل علني وخاصة بعد دخولهما في علاقات ديبلوماسية رسمية عام 1992.
ومما يؤكد خطورة هذا التعاون هو امتناع الدولتين معا عن التوقيع على معاهدة انتشار الأسلحة النووية والتنصل – بالتالي - من أية مسؤولية في هذا الشأن، وقد وصل التعاون الأمني بينهما إلى درجة تلقي مائة ضابط من المخابرات الهندية لتدريبات واسعة في إسرائيل, كما سمح للمخابرات الإسرائيلية بأن تقيم مكتبا لها في ولاية كشمير بالقرب من الحدود الباكستانية, في إطار التنسيقات الاستخباراتية بين الجانبين في إطار مكافحة الحركات "الإرهابية"، هذا زيادة على عقد صفقات بيع عسكرية مهمة لصالح الهند. بل إن بعض المراقبين نبهوا إلى أن العديد من التجارب النووية التي أجريت فوق التراب الهندي تمت لحساب إسرائيل خوفا من التأثيرات السلبية السريعة المحتملة لذلك داخل الأراضي المحتلة.
وهكذا بلغ مستوى التبادل التجاري بين البلدين عام 1999 ما يناهز مليار دولار، علما أن الهند تحتضن أكثر من 150 شركة استثمارية إسرائيلية تعمل في مجالات تجارية وصناعية عدة.
والجدير بالذكر أن التعاون الهندي-الإسرائيلي يجد سنده أيضا في التقائهما معا في كبت حريات شعبين واغتصاب حقوقهما، الفلسطينيون بالنسبة لإسرائيل والكشميريون بالنسبة للهند.
ثالثا: استخدام مكافحة "الإرهاب" ذريعة لتصفية الحسابات
شكلت أحداث 11 شتنبر 2001 فرصة جيدة للولايات المتحدة لترتيب استراتيجيتها في منطقة دولية تعد من أهم المناطق حساسية وأهمية - طالما طمحت للوصول إليها -، خاصة بعد تزعمها لحلف "دولي" لمواجهة "الإرهاب".
وإذا كان انضمام الهند إلى جانب الولايات المتحدة في حربها ضد ما تسميه "إرهابا" تم بشكل سريع ودون مشاكل، بالنظر للمصالح الهندية في ضرب حركتي الطالبان والقاعدة أيضا, باعتبارهما يشكلان قاعدة خلفية لباكستان وللمقاومة الكشميرية، فإن انضمام باكستان إلى هذا الحلف الدولي المزعوم، تم بعد سلسلة من الضغوط الأمريكية: كالتلويح بعدم ضمان أمن المواقع النووية الباكستانية من مخاطر خارجية محتملة وخاصة من قبل الهند وإسرائيل، والاستمرار في فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على هذا البلد الذي يعيش مشاكل اقتصادية واجتماعية صعبة أصلا.. وإغراءات تركزت أساسا حول إلغاء أكثر من ثلاثين مليار دولار من الديون الخارجية ورفع العقوبات الاقتصادية الانفرادية الأمريكية واليابانية عن هذا البلد، وضمان أمن ترسانته النووية من المخاطر الخارجية, زيادة على انتهاج موقف إيجابي من قضية كشمير, ومن جهة أخرى وبعد أن برزت أهمية باكستان في هذه الإستراتيجية الأمريكية لمواجهة الإرهاب، وفي إطار سياسة واقعية تستحضر عوامل الربح والخسارة و تتوخى اختيار الممكن من بين عدة بدائل ولو كان سيئا, وجدت باكستان بدورها في ذلك فرصة سانحة للتقرب من الولايات المتحدة درءا للخطر الهندي ولو على حساب حليفها السابق نظام طالبان، وتعزيز مكانة "برويز مشرف" القادم للسلطة عبر انقلاب عسكري وتلميع صورته دوليا, ناهيك عن الاستفادة من مساعدات اقتصادية أمريكية وغربية سخية.
وهكذا خيمت أحداث 11 شتنبر 2001 بظلالها وتداعياتها على العلاقات الهندية-الباكستانية، فموازاة مع الحملة الأمريكية لمواجهة "الإرهاب", تصاعدت الأزمة بين الطرفين بقوة ومن جديد، خاصة بعد الهجوم الذي تعرض له البرلمان الهندي في 13 دجنبر 2001 والذي نسبته الهند للاستخبارات الباكستانية ولجماعتين انفصاليتين كشميريتين تستضيفهما باكستان وهما "عسكر طيبة" و"جيش محمد", ولذلك فقد طلبت الهند من باكستان إغلاق مكتبيهما المتواجدين في أراضيها واعتقال زعمائهما وتسليمها العديد من الأشخاص المتورطين في هذه العمليات - التي وقعت داخل التراب الهندي – وغيرها, مع اتخاذ إجراءات صارمة وعاجلة ضد المجموعات "الإرهابية" التي تستخدم الأراضي الباكستانية كمعسكرات للتدريب ولتنفيذ عملياتها المعادية للهند, معتبرة أنها لن تدخل في مناقشات جادة مع باكستان لتسوية الخلافات العالقة بينهما طالما لم تقدم هذه الأخيرة على تنفيذ هذه الإجراءات, في حين نفت باكستان أية علاقة لها بهذا الحادث وحذرت الهند من مغبة الهجوم على التراب الباكستاني, كما عملت في نفس الوقت على الزيادة في إنفاقها العسكري.
ومعلوم أن التصعيد الكلامي بين الطرفين رافقه حشد تعزيزات عسكرية على الحدود بين البلدين, بالشكل الذي أثار مخاوف إقليمية ودولية, خاصة في ظل امتلاكهما معا للسلاح النووي.
وقد استغلت الهند الظروف الدولية الناجمة عن أحداث 11 شتنبر 2001 بفطنة وذكاء لصالحها, لتعزز من ضغوطها على باكستان باسم مكافحة "الإرهاب", وخاصة بعد أن أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1373, القاضي بمواجهة "الإرهاب" بكل الوسائل الزجرية المتاحة دون تحديد لمفهوم هذا "الإرهاب".
وأمام هذا التصعيد تباينت المواقف الدولية تجاه هذه الأزمة، فمجموعة الثمانية الكبار أعربت عن قلقها من تنامي هذا التوتر مع إدانتها بشدة للإرهاب بكل أشكاله, بما في ذلك الهجوم على مبنى البرلمان الهندي، أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد أبدت على لسان وزير دفاعها خشيتها من أن يهمل الجيش الباكستاني مراقبة الفارين من حركتي طالبان وتنظيم القاعدة على طول الحدود مع أفغانستان، وحثت الطرفين على تسوية المشكل عبر الحوار, وعبرت بريطانيا عن عميق قلقها حيال هذه التطورات وطالبت باكستان بتكثيف جهودها في مواجهة المجموعات "الإرهابية".
كما أن منظمة "المؤتمر الإسلامي" أبدت قلقها الشديد إزاء التصعيد بين البلدين ودعتهما إلى ضبط النفس, فيما التزمت الصين وهي صديق قديم لباكستان - ورغم الزيارتين اللتين قام بهما الرئيس مشرف لهذه الدولة في أعقاب هذه الأزمة- الحياد من هذا الصراع ودعت الجانبين إلى تسوية خلافاتهما عبر المفاوضات.
وخشية من التحالف "الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة "الإرهاب" ومن تصاعد التوتر على الحدود مع الهند, بادرت باكستان إلى القيام بعدة خطوات وإجراءات داخلية وخارجية في سبيل تلميع صورتها أمام الولايات المتحدة, وتذليل عقوبات الحوار مع الهند وخشية مهاجمتها لها وكسر الترقب والقلق الدوليين، فعلى المستوى الداخلي, أقدمت على اعتقال العديد من النشطين الإسلاميين في مختلف المدن الباكستانية، كما قامت بتجميد الأرصدة المالية للعديد من المنظمات الإسلامية وقامت بإغلاق مكاتبها وإغلاق بعض المدارس الدينية ومنع "الإرهابيين" من اللجوء إليها, وتعزيز الرقابة على معسكرات اللاجئين حتى لا تتحول لقواعد "إرهابية", وهي الإجراءات التي كانت تطمح لها الولايات المتحدة الأمريكية أيضا كما الهند.
و في منتصف شهر مارس 2004 قامت بتدشين حملة عسكرية شرسة ضد عناصر من تنظيم القاعدة, كانت تحتضنها قبائل باكستانية على الحدود مع أفغانستان, وهو الأمر الذي رحبت به الولايات المتحدة واعتبرت حينئذ باكستان حليفا استراتيجيا لها خارج حلف شمال الأطلسي, مما أثار حفيظة الهند.
أما على المستوى الخارجي, فقد نشطت الديبلوماسية الباكستانية على المستوى الإقليمي والدولي في سبيل إبراز وجهة نظرها وسلامة مواقفها، وهكذا قامت- على سبيل المثال- بوضع تقرير أمام لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن بالأمم المتحدة يتضمن مختلف التدابير التي أقدمت عليها في إطار محاربة "الإرهاب".
ومنذ ذلك الحين والأوضاع الأمنية بين البلدين تتجه نحو التعقيد والتأزم, بفعل تزايد العمليات "الإرهابية" سواء داخل الهند أو باكستان أو بإقليم كشمير, وما تبع ذلك من تبادل للاتهامات بين الطرفين.
وخلال شهر ماي من سنة 2002 تدهور الوضع الأمني على الحدود بين البلدين من جديد, بعد إقدام الهند على اتهام باكستان بدعم حركات "إرهابية" قامت بتفجيرات في العمق الهندي, وأمام تبادل طرد سفيري البلدين بكل من نيو دلهي وإسلام أباد، وسقوط عدد كبير من القتلى في صفوف الجانبين في تبادل شبه يومي للقصف بين الطرفين على الحدود التي تعرف انتشارا عسكريا حاشدا خاصة من الجانب الهندي (ما يناهز المليون جندي), قامت باكستان بإجراء سلسلة من التجارب الخاصة بالصواريخ الاستراتيجية, وهو الأمر الذي دفع بالعديد من الدول إلى الإسراع نحو تطويق الوضع واحتوائه مخافة تطوره إلى مواجهة نووية بين الخصمين الجارين.
رابعا: سقوط نظام "الطالبان" والإستراتيجيات الجديدة في المنطقة
حينما دعت الولايات المتحدة أطراف المجتمع الدولي للدخول إلى جانبها في حرب بلا هوادة ضد ما تسميه إرهابا، أسرعت العديد من القوى الإقليمية (المعادية لنظام الطالبان) إلى تلبية هذا المطلب ليس تكريما ومجاملة لأمريكا ولكن تحقيقا لأغراض وأهداف استراتيجية طالما طمحت إلى تحقيقها، فالهند التي قدمت مساعدات لوجيستية ومخابراتية مهمة للولايات المتحدة في هذا الشأن, شكل لها ذلك مناسبة لدحر القاعدة الإستراتيجية الخلفية لباكستان (حركة طالبان) والملهمة للجهاد في كشمير, خاصة مع تبنيها للمفهوم الأمريكي للإرهاب والذي لا يميز بين العنف المحظور والمقاومة المشروعة, علما أن الحكومة الانتقالية الأفغانية التي جاءت بعد زوال نظام الطالبان تضم في صفوفها نسبة هامة من عناصر تحالف الشمال الموالي للهند، هذا بالإضافة إلى تقاسم الامتيازات والمساعدات الأمريكية مع جارتها باكستان.
أما روسيا فقد عمدت إلى تأييد الولايات المتحدة، والسماح لها بالتنسيق الأمني مع بعض الجمهوريات السوفيتية المستقلة, بغرض الانتقام من تلك الحركات التي أرغمت الاتحاد السوفيتي (السابق) على الانسحاب منهزما من أفغانستان في أواخر الثمانينيات, وضمان التأييد الأمريكي لممارساتها العنيفة في مواجهة المقاومة في الشيشان.
أما إسرائيل التي صرح وزير خارجيتها بتاريخ 7 يناير 2002 أن: "العالم لم يعد مقسما إلى شرق وغرب، وإنما إلى دول تأوي الإرهابيين وأخرى تحاربهم"، فقد استغلت هذه الأحداث ( 11 شتنبر 2001) وما تلاها من عمليات عسكرية في أفغانستان لتعزيز تعاونها الأمني مع الهند، حيث أعلن هذا المسؤول الإسرائيلي في أعقاب زيارته للهند بتاريخ 8 يناير 2002 أن إسرائيل تستهدف خلق تحالف ضد الإرهاب مع الهند يستهدف بصورة خاصة إيران, متناسيا أن بلاده تمارس أرقى مظاهر الإرهاب في مواجهة الشعب الفلسطيني المناضل، وتنطوي هذه التحركات الإسرائيلية على خلفيات عدائية لباكستان المسلمة والمالكة للسلاح النووي الذي يضايقها كما الهند.
وإذا كان هذا الكيان الإسرائيلي قد استفاد استراتيجيا من الأوضاع التي خلفتها حرب الخليج الثانية خاصة على مستوى لعب أدوار إقليمية وإعادة ترتيب التوازنات بعد تكسير شوكة العراق ونهج تنسيق أمني مع تركيا، فإن أحداث 11 شتنبر 2001 أتاحت له مرة أخرى توطيد علاقاته الأمنية مع قوة إقليمية أخرى - في إطار تبادل المصالح – هي: الهند.
إن دخول باكستان إلى التحالف الأمريكي لمواجهة "الإرهاب" وذلك من خلال تقديم مساعدات أمنية استخباراتية ولوجيستية للولايات المتحدة خلال عملياتها العسكرية ضد نظام الطالبان حليفها – الباكستان – السابق, جعلها تفقد عمقها الإستراتيجي في مواجهة الهند، بل أكثر من ذلك أصبح "برويز مشرف" يجد نفسه محاطا بضغوط إقليمية وأمريكية للتبرأ من قضية كشمير, بعدما تمكنت الهند من تبني النظرة الأمريكية لمواجهة "الإرهاب" بكل أشكاله واعتبارها الانفصاليين الكشميريين مجرد "إرهابيين", ولعل هذا ما يبين أن انضمام الطرفين: الهندي والباكستاني إلى التحالف الأمريكي لمواجهة "الإرهاب" جاء في صالح الطرف الأول وضد مصالح الطرف الثاني، خاصة وأن الولايات المتحدة تعتبر الهند بلدا ديموقراطيا وأهلا للثقة وشريكا مناسبا يقدس الحريات والاتجاهات العلمانية، زيادة على قدرته الفائقة في المحافظة على التوازن الاستراتيجي الإقليمي في مواجهة الصين, فيما تصنف باكستان التي يسيطر فيها "انقلابي عسكري" على السلطة كمجرد دولة هشة البنيان ترزح تحت ظل المفاهيم "الثيوقراطية".
ولعل هذا ما يدفعنا إلى القول بأن مشاركة باكستان في هذا التحالف لا يضمن سلامتها من الخطر الهندي أو الإسرائيلي أو الأمريكي ذاته، خاصة وأن واقع الممارسات الأمريكية دوليا يثبت أن هذه الدولة وفي سبيل مصالحها المتقلبة تتنكر لأصدقائها وتسيء إليهم وتتحالف مع أعدائها بكل برودة وبساطة, وفي سياق التحامل الأمريكي على هذا البلد الإسلامي وتصعيد نزاعه مع الهند وتحريضها عليه, أشار "بروس ريدل" وهو مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق "بيل كلينتون" أن الولايات المتحدة كانت تملك الدليل على أن العسكريين الباكستانيين كانوا بصدد الإعداد لهجوم نووي كاسح على الهند سنة 1999 بسبب مشكل كشمير (جريدة القدس العربي-لندن- بتاريخ 16 ماي 2002 ع 4042).
إن سقوط نظام طالبان وتعزيز التواجد الأمريكي في المنطقة أتاح لها – أمريكا- بلورة استراتيجية طالما هدفت إليها, ذلك أنها أضحت تعتمد على الحليف الهندي لمواجهة الخطر الأصولي المتنامي في المنطقة والحد من أي دور استراتيجي قد تسعى الصين إلى بلورته في المنطقة, وكذا الضغط على باكستان وتعزيز الرقابة على ترسانتها النووية مخافة سقوطها في أيدي "الإرهابيين", ثم التموقع في منطقة حساسة تمكنها من محاصرة إيران والعراق والصين ذلك القطب الغامض, والتموقع أيضا قرب روسيا، وإيجاد موطئ قدم قرب أكبر مخزون للنفط لم يستغل بعد في بحر قزوين.
والواضح أن الولايات المتحدة لا تعير اهتماما كبيرا للقضية الكشميرية التي ستنتهي في كل الأحوال بإجراء استفتاء شعبي يتم بموجبه الانضمام إلى الهند أو باكستان أو بمنح الإقليم حكما ذاتيا لكل شطر منه على حدى أو منحه استقلالا كاملا عن الدولتين, في حين تتخوف كثيرا من سباق التسلح النووي بين الطرفين, فهي لا تحبذ نشوب حرب بين الجارتين: الهند وباكستان، حرصا على مصالحها الحيوية في المنطقة, لكن السباق النووي المحموم بين هذين القطبين يثير قلقها وقلق إسرائيل أيضا, ذلك أن ترك حبل هذا السباق على الغارب من شأنه أن يجعل الأمور تخرج عن نطاق السيطرة والتحكم عبر تحفيزهما على بلورة سياسة عسكرية جد متطورة كما وكيفا, ويمكن دولة إسلامية- باكستان- من تجسيد توازن إستراتيجي مهم في المنطقة, ولذلك نرى أن الولايات المتحدة التي عززت علاقاتها مع الهند بعد أن تم رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ 1998 في أعقاب قيامها بإجراء تجارب نووية ودخولها في التحضير لصفقات عسكرية تستفيد بموجبها الهند من تقنيات عسكرية أمريكية متطورة، تحاول إيقاف هذا السباق النووي بين الطرفين أو التحكم في مجراه على الأقل من خلال إجبار أحدهما وخاصة باكستان على التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.



#إدريس_لكريني (هاشتاغ)       Driss_Lagrini#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إدارة مجلس الأمن للأزمات العربية في التسعينيات: أزمة لوكربي ...
- بعد هزيمة الأقطاب الدولية الكبرى في معركة العراق, هل سيكون م ...
- تطور السياسة الخارجية المغربية إزاء قضية الصحراء
- الإسلام والغرب: بين نظريات الصدام وواقع الفهم الملتبس
- القضية الفلسطينية والمحيط الدولي المتغير
- الهاجس البيئي: من العلم إلى السياسة
- حقوق الإنسان في أعقاب الحملة الأمريكية لمكافحة -الإرهاب-
- الزعامة الأمريكية في عالم يتغير: مقومات الريادة وإكراهات الت ...
- مكافحة -الإرهاب- الدولي: بين تحديات المخاطر الجماعية وواقع ا ...
- في ذكرى أحداث 16 مايو: الحاجة إلى مجتمع مدني فاعل
- الإصلاحات المغيبة ضمن المشاريع الأمريكية لمكافحة الإرهاب
- الجامعة العربية في زمن التحديات
- الأمم المتحدة في مفترق الطرق
- العالم بين واقع الفوضى ووهم النظام
- المهاجرون المغاربيون في أوربا وسؤال الاندماج
- بعد احتلال العراق, الولايات المتحدة في مواجهة آخر جيوب
- حماس وتحديات الداخل والمحيط
- المغرب وتجربة الإنصاف والمصالحة


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - إدريس لكريني - الصراع الهندي- الباكستاني في ضوء الحملة الأمريكية لمكافحة الإرهاب