أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريدة حسين - النملة العظمى والحزب الديناصور... المتحف أو المزبلة؟















المزيد.....


النملة العظمى والحزب الديناصور... المتحف أو المزبلة؟


فريدة حسين

الحوار المتمدن-العدد: 6599 - 2020 / 6 / 22 - 15:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يشكّل الحزب السياسي التاريخي قوة لامتناهية في عزّ جبروته وتحكّمه في المشهد السياسي العام باستحواذه على مفاتيح حل الأزمات طيلة مسار وحدته مع السلطة والنظام الحاكم في أي دولة من الدول - وعبر التاريخ - إذ تقدّم له صورة الحزب الديناصور الذي يتأقلم مع المستجدات، ليكون قادرا على تقديم الحلول وتشكيل التوافقات لإنهاء أي صراع مهما كان عصيا. لكن المفارقة أنه بقدر قوة البداية تكون شدة وقع النهاية، فمصير أي حزب تاريخي غالبا ما يصنع الجدل حول طريقة خروجه أو إخراجه من الساحة السياسية بشرف، وتبقى - لحد الآن - أنجع طريقة هي إدخاله للمتحف ليبقى محفوظا في ذاكرة الشعب خير من المماطلة التي تؤدي حتما إلى إفراغه في مزبلة التاريخ... إن فن السياسة يقتضي أيضا إتقان الانسحاب بشرف وإخلاء الساحة في الوقت المناسب.
قدمت تجارب الأحزاب التاريخية عبر التاريخ - في عديد من الدول -نماذج لمصير أي حزب تاريخي انتهى عهده وولّى لاعتبارات مختلفة ومتراكمة أدت إلى بلوغ النهاية، وهي الحتمية التي تنتظر أي حزب سياسي باختلاف المدة الزمنية التي يتطلبها هذا المصير وحسب قدرة الحزب على العيش والتحكم في استمراريته، لكن الذي لا إشكال حوله هو أن ترسيم هذه النهاية غالبا ما يشكل صداعا في الوسط السياسي وحتى الشعبي، بحكم القاعدة الجماهيرية التي يحظى بها هذا الحزب، وهو الأمر الذي يصعّب إيجاد مخرج توافقي، فبين من يرى إدخاله إلى المتحف ليبقى مصونا في الذاكرة التاريخية والرمزية لنضالات وتضحيات الشعب (وهذا التيار غالبا ما يكون من المناصرين أو المنخرطين والمناضلين) وبين الراغبين في إفراغه بمزبلة التاريخ كغيره من الأشياء البالية التي انتهت صلاحيتها (معظم هؤلاء من الناقمين على الوضع المكرس خلال فترة حكم هذه الأحزاب ) وبين طرف آخر لا يحبّذ كثيرا طي الصفحة والمضي قدما، فتجده يطالب بتفعيل هذه التشكيلة السياسية بضخ دماء جديدة في جسدها الهرم الوهن، وذلك بما أطلقوا عليها حركة التشبيب. وهو الحل الأكثر بعدا عن الواقع بعد ذلك المقترح بتغيير اسم الحزب مع الحفاظ على عقيدته في الممارسة السياسية لإبقائه في الساحة وتجنب التخلص منه في الذاكرة (متحف أو مزبلة) ... الوضع لا يختلف كثيرا.


خفافيش العتمة تعجّل النهاية

لعل أهم ما يعجّل نهاية أي حزب سياسي تاريخي صنع لنفسه مجدا في حضن السلطة والنظام بقدرته على تشييد الأساس الصلب لاستراتيجية الاستمرارية والمواصلة لعقود من الزمن، هو حجم التعفن الذي وصل إليه عبر الانتهاك الشامل والكامل لمكون الحزب السياسي في نشاطه وممارسته إلى درجة الخلل الجوهري في الممارسة الحزبية، التي أصبحت تتعارض مع القانون والأخلاق والمصلحة العامة للوطن والمواطن. وقد بلغ التعفن في بعض الدول إنشاء جهاز قمعي خارج القانون والشرعية يشتغل في الخفاء وكأنه أسّس دولة موازية خفية تسيّر شؤون الفساد والخراب الاجتماعي الاقتصادي الأخلاقي والثقافي.
وبدأت ملامح انهيار هذه الأحزاب وهلاكها، بعد تآكلها من الداخل بسبب الانشقاقات والانقسامات، التي مهدت لاختراقها من قبل المال الفاسد والريعان السياسي، في مشاهد أخيرة لمسرحية السقوط الحر، التي أخرجها الصراع الذي خرج للعلن بين أطراف المال والقوى وأجنحة الخفافيش التي تنشط في العتمة.



النهاية الفعلية حتمية الانتحار الروحي

النهاية الفعلية تكون حتمية الانتحار الروحي الذي يعتبر مصيرا لتماهي الحزب في تمييع عمله الحزبي وإفراغه من محتواه، فالحزب الذي يقضي على مكوّنه الحزبي والسياسي بدخوله غمار السلطة والمال وحسابات التموقع، يسبح في فلك المغامرة والمقامرة، فلا شيء مضمون مهما تكن قدرته على الاستشراف وقراءة المستقبل باستخدام الدجالين والعرافين السياسيين – وما أكثرهم-
وغالبا ما يسبق النهاية الفعلية مجموعة من الظواهر التي تظهر على الحزب تدريجيا تمهيدا للإعلان الرسمي عن الوهن والعجز الكامل والكلي. والشرارة الأولى لا تكون من داخل البيت بل تأتي من الخارج أو ما يعرف بالمحيط العام من خلال غياب التأثير الشعبي ومحاولات التنسيق مع التيارات الأخرى - سواء المتحالفة أو المعارضة- وهي المرحلة التي تأذن بنهاية الزعامة، وما يأتي بعدها صعب. فلا قدرة على خلق التحالفات للاستمرار، ولا الوضع يسمح بالانفصال عن التيارات الأخرى. لذلك تلجأ بعض القيادات إلى المغامرة بتحركات فاترة بائسة ويائسة من أجل الظهور المجتمعي إما بالعمل مع فعاليات المجتمع المدني الأخرى، لا سيما الجمعيات، أو بالتوجه إلى استقطاب شخصيات وطنية أو ذات شهرة في سبيل معالجة الوضع المتأزم، وتلميع الصورة قبل اللجوء إلى فتح الأبواب التي كانت موصدة لسنوات وسنوات أمام الشباب أغلبهم متسلّقين وانتهازيين يطمعون في بلوغ منصب بأقل جهد ووقت.


الإنذار بالفناء القريب


ووسط محيط من الأمراض السياسية المتنوعة تجد الأحزاب التاريخية نفسها غير قادرة على التحمل أكثر، وكأن شريانها أصيب بانسداد حقيقي ينذرها بالفناء القريب، إما بأزمة قلبية تقضي عليه في لحظته، أو بإدخاله في العناية المركزة، فلا هو ميت ولا هو حي، لكن الأكيد أن الاستفاقة مستبعدة لأنه فقد كل مقوماته للعيش والحياة، فقد القيادات والإطارات والخطاب والرؤية والبرنامج. ماذا بقي من مقومات الحزب إذا؟


لا يمكن الاستمرار في بناء مدن النمل


هل للبروباغندا السياسية حيلة للتحايل على الشعب من أجل إقناعه بخرافة رؤية الديناصور من خلال ظل النملة العظمى؟ لا يمكن لهذه الأحزاب الاستمرار في بناء مدن النمل، واللعب لعبة الظل والنور بطرق قمعية حاصرت العقول وحجبت الرؤية بسبب تغييب النخبة السياسية الفعلية العقلانية والواقعية التي أدت على استفحال ظاهرة أزلام السلطة، لا سيّما بعد نجاح هذا الجهاز في إضعاف وتشويه التقاليد السياسية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وتكريس الشرعية المتراكمة المؤدية إلى فكرة الحزب الواحد والحزبية الضيقة التي تشكلت في الصراع من أجل التقرب للسلطة والارتماء في حضن النظام الحاكم.


الاكتئاب السياسي.... النملة العظمى تخيّر

يعتبر الاكتئاب السياسي اهم إشارة لسقوط الحزب السياسي التاريخي، وهي أصعب مرحلة بالنظر إلى انعدام الحلول الممكنة لمواجهتها، باعتبار أن بلوغها يعني الوقوع في السلبية والقطيعة بين والحزب وقواعده وجماهيره من جهة، وبينه وبين الأحزاب المنافسة من جهة أخرى، وبالتالي فالترقيع مستحيل في ظل غياب الاستقرار والتكامل السياسي، والانفصال بين الحاكم والمحكومين، وانعدام المشاركة السياسية والعزوف عن العملية الانتخابية، كنوع من الاحتجاج على المصدر التقليدي للشرعية الذي يعكس ضعف الولاء للدولة والمجتمع، ويظهر جليا في تفضيل المال والسلطة على خدمة الشأن العام.
وفي ظل كل هذه التجاذبات تجد الأحزاب التاريخية نفسها عاجزة عن الحفاظ على راهنها، فلا هي قادرة على الاصطفاف مع مطالب الشعب ولا هي تملك مقومات الاقتراب من الحكم، فهي غالبا ما تقف بين الشعب والنظام، فلا هي كسبت ثقة الأول ولا هي ظفرت بالحكم مع الثاني.
إن الراهن الوحيد القديم الجديد والمتجدد هو أن السلطة تستعمل الأحزاب التاريخية وتجعل منها جدارا سميكا بينها وبين المجتمع لتجنب الهزات السياسية والحركات الاجتماعية، إما عبر إشراكها في الحكم بصورة محدودة، او قمعها بصورة شرسة بمجرد انتهاء مهامها وفعاليتها وتأثيرها في القاعدة الشعبية، حيث تستغل السلطة الحزب الواحد مثلا في قتل الأحزاب الأخرى، خاصة المعارضة، لأنه السلاح الأهم في يد النظام.
وتُرسّم النهاية بالنسبة للحزب التاريخي بمجرد خسارته التحدي المزدوج المتمثل في البقاء والتعايش مع نظام الحكم، أو إقناع الشعب بالاستمرارية والمواصلة. فإذا تجلى واحد من الاثنين فإن النملة العظمى تخيّر حتما بين المتحف أو مزبلة التاريخ... فريدة حسين



#فريدة_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- هل ستلحق المسلسلات السورية موسم رمضان المقبل؟.. المُنتِج صلا ...
- صبي يخضع لعملية في القلب بعدما صدمته طائرة درون هوت في عرض ض ...
- -صحة غزة- تتهم الجيش الإسرائيلي بوضع روبوتات متفجرة على بواب ...
- اكتشاف نادر في أسيوط: مقبرة الكاهنة -إيدي- تكشف أسرار الحياة ...
- بزشكيان خلال لقائه نائب رئيس الوزراء الروسي: الحكومة عازمة ع ...
- مصر تؤكد احترام سيادة الصومال والحفاظ على وحدة وسلامة أراضيه ...
- الدوحة تكشف تفاصيل لقاء وفد قطري برئاسة الوزير الخليفي مع قا ...
- حداد وطني في فرنسا تضامنا مع ضحايا الكارثة
- استعادة الجيش قاعدة الزُرق بدارفور تحول إستراتيجي بالحرب
- عاجل | مصادر للجزيرة: فصائل فلسطينية سلمت مصر قائمة بأسماء ا ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريدة حسين - النملة العظمى والحزب الديناصور... المتحف أو المزبلة؟