|
لأنّ اللهَ أخذه
حسيب شحادة
الحوار المتمدن-العدد: 6598 - 2020 / 6 / 21 - 19:12
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
Because God Took Him ترجمة ب. حسيب شحادة جامعة هلسنكي
في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي كتبها الكاهن يعقوب بن شفيق (عزّي) (١٨٩٩١٩٨٧، كاهن أكبر ١٩٨٤١٩٨٧، رجل حكيم متنوّر، مُحدِّث حاذق؛ مراسل لصحف عبرية في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين) للكاتب اليهودي مناحم كاپیليوك والصحفي في جريدة داڤار في خلال عشرينات وحتى سبعينات القرن العشرين وهو الذي تولّى كتابة القصّة بالعبرية (ليس واضحًا في ما إذا كانت القصّة في الأصل بالعربية ونقلها كاپليوك إلى العبرية أم كُتبت بالعبرية في الأصل ونقّحها كاپليوك؛ في رسالة إلكترونية جوابية يخبرني الصديق بنياميم صدقة بأنّ الكاهن يعقوب كتب القصّة بالعربية ونقلها كاپليوك إلى العبرية، تاريخ الرسالة ٢٤ كانون الأوّل ٢٠١٨). نشرت القصّة في الدورية السامرية أ. ب.- أخبار السامرة، عدد ١٢٥٠، ١٥ أيلول ٢٠١٧، ص.٣٢٣٤. هذه الدورية التي تصدُر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية والبرتغالية) بالخطّ اللاتيني.
بدأت هذه الدورية السامرية في الصُّدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري من المائة والستّين بيتًا في نابلس وحولون، قُرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّةً تُرزق، لا بل تتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن، الشقيقَين، الأمين وحُسني (بِنْياميم ويفت)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).
[تزخر كُتب التفاسير التأويلية (الوعظية) والتاريخ السامرية بقِصص ليست في متناول الجميع، لأنّها دُوّنت بالآرامية أو بالعربية الوسطى في القرون الوسطى وهي تختلف عن العربية المعاصرة].
هذه القصّة يحكيها شيوخ الطائفة السامرية، والدموع تترقرق في عيونهم، وأفواههم مُفعمة بأنّات شديدة على آخر كاهن من نسل فنحاس بن إلعزر بن أهرون الكاهن، شقيق سيّدنا موسى، عليه السلام - إنّه شلميه بن فنحاس الذي اختفى فجأة عن أعين الطائفة ورحل عن الدنيا عام ١٦٢٤م.
كان السامريّون في عهد معلّمنا الكاهن الأكبر شلمية بن فنحاس أشرارًا جدّا؛ أهملوا الفرائض وازدروا عائلات الكهنة المتمسّكين بالتوراة ومرشدي الشعب. كان الرجل طاهرًا مستقيمًا، قضى حياته في عبادة الباري في بيته المنفرد الذي أقامه.
ذات يوم نفد الزيت الذي أنار غرفته. وقف الكاهن في مدخل بيته ولوّح بيده نحو المارّين ليبيعوه بعض الزيت. لم يستجب له أحد لأنّ سامريي نابلس كانوا أشرارًا مثل أهل سدوم وعمورة.
آنذاك كان تعداد الطائفة السامرية كبيرًا وتوزّعوا بالآلاف في كافّة أرجاء البلاد وفي خارجها، في سوريا ومصر، ولكن أمجادهم أخذت بالتلاشي بسبب كثرة خطاياهم وفسادهم. استولى عليهم ملوك ووزراء فأخضوعهم واستعبدوهم.
انقطع الصدّيق الكاهن الأكبر عن مغادرة بيته المنفرد إلّا عند الضرورة، تأدية إحدى الفرائض العظيمة مثل تلاوة البركة الكبيرة على جبل جريزيم في الأعياد المركزية. في يوم أحد الأعياد، حينما جاء دور شلمية الكاهن لتلاوة البركة، أُشير له من السماء بألّا يتلوها على أبناء الطائفة لأنّّهم لا يستحقّونها لكثرة آثامهم. وقف الكاهن في مكانه حائرًا ولم ينبس ببنت شفة، لأنّه لم يُرِد أن يكشف لهم الأمر الذي حلّ عليه من الأعالي. وهكذا استمرّ الوضع زمنًا طويلا، وعندها قام أبناء الطائفة ورفعوا أصواتهم بالصراخ والزعيق وطبّقت الضوضاء الأفاق.
نزل الكاهن الأكبر شلمية من على چڤعات عولام (تلّة العالَم) إثر سماعه لصوت الصياح والضحك وكلام استهزاء الجمهور، رفع عقيرته وبكى. عاد إلى بيته متألمًا مكتئبًا، ووقف يصلّي ويتوسّل لله كيما يخلّصه من هذه الطائفة الشرّيرة الآثمة. وبعد الانتهاء من صلاته عزم على مغادرة نابلس والتوجّه إلى أحد الأماكن القريبة، حيث يقطُن سامريون.
صادف قافلة جِمال إسماعيلية (عربية) خارج المدينة؛ سأل ما وُِجهتها؟ وجاء الجواب وجهتنا إلى غزّة. وفي تلك الفترة كانت غزّة تعجّ بالسامريين ولذلك قرّر الكاهن الأكبر شلمية مرافقة القافلة.
وعندما خيّم الظلام وصلت القافلة مكانًا اسمه ”وادي النمل“. وكان شلمية على علم بوجود قبور لصدّيقين وأبرار من نسل آباء آبائه الكهنة الكبار. سار في الوادي، رأى تلّة صغيرة وصعد عليها. وقف مستشرفًا محيطها.
شعر الكاهن الأكبر شلمية بالجوع والظمأ والتعب. طرأت على باله ذكرى حالته والمتاعب التي حلّت به والمصائب التي ستهبط عليه. بدأ يبكي بكاء مرّا. صلّى الكاهن الأكبر صلاة نقيّة صافية وصرخ من قلب منكسر متوجّع. إنّّه صرخ: ”نِسّي، نِسّي، نِسّي!“ وهذا اسم أحد الملائكة الكبار المسؤولين عن شؤون هذا العالَم.
سمع الكاهن الأكبر شلمية صوتًا من الأعالي يقول: ”ها أنا ذا، ها أنا ذا، ها أنا ذا“. التفت رجال القافلة صوبَ الصوت ورأوْا الكاهن الأكبر شلمية يرتفع في الجوّ، يعلو ويعلو إلى السماء ثم اختفى عن العين. ارتعب الإسماعيليون جدًّا، خافوا وقالوا: ها هو نبي يأخذه الله إليه.
يضيف محرّر أ. ب. أخبار السامرة الأمين (بنياميم) صدقة هذه الملاحظات:
أ) من الواضح أنّه ليس كلّ السامريين في بداية القرن السابع عشر تصرّفوا بقساوة قلب، ولكن من الممكن أن قسمًا من القيادة الطبيعية كان كذلك؛ كما جرى بعد ذلك بقرن من الزمان تقريبًا مع الكاهن الأكبر غزال (طبيه) الذي اغترب في غزّة مدّة أربع سنوات. ب) وصل عدد السامريين في القرن السابع عشر في نابلس والقاهرة وغزة ويافا وفي القرى بضع مئات فقط، كما يتبيّن من تعداد رسمي عثماني للسكّان السامريين في غزّة ونابلس في منتصف القرن السادس عشر. ت) على ضوء شَهادة مدوّنة للحكيم الشاعر مفرج (مرحيب) بن يعقوب تحمل السنة ١٦٧٢ نرى أنّ الكاهن الأخير من بيت فنحاس، شلمية بن فنحاس مات موتا طبيعيا. ث) يمكن القول بصورة عامّة، هذا هو الفرق بين حقائق ممحّصة وبين قصص شعبية يسمعها السامعون ويقرؤها القارؤون بحماس.
#حسيب_شحادة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب جدير بالقراءة
-
أمر مرسل في حلم رسول
-
عيّنة من معجم لهجة آزِخ العربية
-
الموسمية اللاذعة
-
إلى متى انتهاك قواعد العربية والاستخفاف بها؟
-
جيبة خاوية وبجانبها أجر
-
تتمة: نظرة على اللهجة الماردلية
-
نظرة على اللهجة الماردلية العربية
-
النصّ الكامل لمقالي: نظرة على اللهجة الماردلية العربية
-
فقدانات ولَقايا
-
لمحة عن الكتابة لدى الشعوب السامية
-
ويكون إذ يصرُخ إليّ فأسمع
-
تدحرجات الساعة
-
مملحة ومبهرة
-
من هم الأغيار الذين قال عنهم حكماء اليهود
-
عندما طلب أبو حفظي طبقًا ثانيًا ٱنهار عفيف
-
حكمة التجارة وأجرُها
-
عيّنة من عبرية الجيش الإسرائيلي العامّيّة
-
ذكريات دوّنها الكاهن الأكب يعقوب بن عزّي عن جدّه ورحلة والده
...
-
تتمّة تاريخ أبي الفتح السامري
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|