هاجر الصبيري
باحثة لسانية في سلك الدكتوراه و أستاذة اللغة العربية بالسلك الثانوي
(Hajar Essabiri)
الحوار المتمدن-العدد: 6598 - 2020 / 6 / 21 - 17:02
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تتميز اللغة؛ كونها ظاهرة اجتماعية تواصلية؛ بالتطور والنمو، وهذا راجع إلى التقدم الحضاري والثقافي، والاحتكاك الاجتماعي بين مختلف الأفراد الذين يمتلكون أكثر من لغة واحدة، فإما أن يكونوا ثنائيي اللغة أو متعددين اللغات، مما يضعنا أمام تداخل لغوي في مستويات مختلفة. وفي هذا الصدد سنقوم بدراسة هذه الظاهرة اللغوية بين لغتين مختلفتين، باعتبار اللغة الأم هي اللغة العربية والتي سنرمز لها ب (أ)، واللغة الثانية المتَعَلَّمة وهي اللغة الفرنسية، والتي سيرمز لها ب (ب). قبل الشروع في ذلك يجب تحديد مفهوم التداخل اللغوي لغة واصطلاحا، وتحديد مستويات التداخل بين اللغتين، ثم أسباب وجود هذا النوع من الظواهر اللغوية ؟
1 – تعريف التداخل اللغوي :
أ – لغة :
جاء في معجم الوسيط على أن التداخل هو: " تداخلت الأشياء، مداخلة وإدخالا، دخل بعضها في بعض، وتداخلت الأشياء، داخلت والأمور التبست وتشابهت، والدخيل من دخل في قوم وانتسب إليهم وليس منهم"(1)
وفي لسان العرب لابن منظور، جاء التداخل على أنه: " الالتباس والتشابه، ودخول الأمور في بعضها البعض"(2)
ومنه فإن التداخل، هو ما التبس وتشابه من الأمر، وتداخل فيما بينها.
ب – اصطلاحا:
يعرف الحاج صالح عبد الرحمن التداخل ب " دخول الجمل في بعضها البعض، أو تفرع جملة عن جملة أخرى"(3)، أي أن التداخل عبارة عن دخول واندماج جملة مع جمل أخرى، أو مجموعة من الجمل مع بعضها البعض، أو وجود جملة فرعية من جملة أصلية .
في حين يعرفه Uriel Weineich " على أنه انحراف عن قواعد إحدى اللغتين اللتين يتحدث بهما ثنائيو اللغة نتيجة للاتصال الحاصل بين اللغتين " ( Weineich 1953 , p1) . هنا نجد شرط مهم، ألا وهو وجود أشخاص ثنائيي اللغة، أي أنهم يمتلكون أكثر من لغة واحدة، مما يؤدي إلى تداخل قواعد اللغتين فيما بينهما، نتيجة للاتصال الموجود بين كل من اللغتين.
كخلاصة، يمكننا القول بأن التداخل؛ ظاهرة لغوية، ناتجة عن احتكاك لغتين أو أكثر مع بعضها البعض، مما ينتج عنه تداخل جمل وكلمات اللغة الأولى مع اللغة الثانية، ويكون ذلك على مجموعة من المستويات المختلفة، فعندما يريد المرء تعلم لغة أخرى (ب)، وهو يمتلك اللغة الأم (أ)، يبدل عناصر اللغة(ب)، بعناصر اللغة(أ) عن قصد أو عن غير قصد، مما يجعل المتعلم يقع في الخطأ.
2 – مستويات التداخل اللغوي :
أ – التداخل الصوتي :
يقع هذا النوع من التداخل على المستوى الصوتي للغة، والذي يميز بين نوعين من الأصوات:
1- أصوات صامتة ( وهو الصوت الذي يكون خلال تأديته انغلاق تام في نقطة أو نقط متعددة من جهاز النطق عند مرور الهواء).
2- أصوات صائتة ( وهو الصوت الذي يمر الهواء عند النطق به بحرية على الجهاز الصوتي).
- صوامت اللغة العربية (أ) : وهي الحروف التالية ( ب، ت، ث، ج، ح، خ، د، ذ، ر، ز، س، ش، ص، ض، ط، ظ، ع، غ، ف، ق، ك، ل، م، ن، ه، و، ي، ء ).
- صوائت اللغة العربية (ب): وهي الحركات القصيرة من فتحة وضمة وكسرة، ومدودها من حركات طويلة (فتحة طويلة، ضمة طويلة، والكسرة الطويلة).
- صوامت اللغة الفرنسية (ب): وهي : ( B, C, D, F, G, H, J, K, L, M, N, P, Q, R, S, T, V, W, X, Z )
- صوائت اللغة الفرنسية (ب): وهي : ( A, E, I, O, U, Y)
في هذا المستوى يقع التداخل النطقي بين اللغتين، أي بين اللغة الأم (أ)، واللغة المتعلمة(ب)، حيث أن المتعلم ينطق أصوات اللغة الفرنسية (ب) كما يتم نطقها في اللغة العربية (أ)، والعكس صحيح. فعلى سبيل المثال؛ الصامت /T/في الفرنسية (ب)، قد ينطقه أحد المتعلمين والممتلكين للغة العربية(أ) باستخدامه الصامت /ت/، الموجود في اللغة (أ)، وذلك لتقراب المخارج بينهما، وهذا ما يجعله يقع في الخطأ، وأيضا صعوبة تمييز المتعلم بين /P/ و /B/ واستبدالهما ب /ب/، كأن ينطق المتعلم كلمة Problème ب /B/ بدل /P/، وذلك نتيجة التداخل الحاصل بين /ب/ و /P/ و /B/ .
ولا ننسى أن اللغة الفرنسية (ب) منعدمة من الصوائت الطويلة، فهي عكس اللغة العربية (أ)، مما يجعل المتعلم يقع في التباس، كأن يعتبر الصائت /OU/ صائت طويل مكون من ضمتين فيقرأ كلمة Beaucoup بالمد وهذا أمر خاطئ، بالإضافة إلى الوقوع في أخطاء إملائية، ومن الأمثلة الكثير.
ب – التداخل الصرفي :
يقع هذا النوع من التداخل على المستوى الصرفي، حيت يتداخل صرف اللغة (أ) مع صرف اللغة (ب). وذلك في الأسماء والأفعال والتذكير والتأنيث وما إلى ذلك من صرف. سنأخذ على سبيل المثال الأمثلة التالية:
1- على مستوى الضمائر :
أ- ضمائر الخطاب :
في اللغة العربية (أ)، 5 ضمائر وهي : أنتَ، أنتِ، أنتما، أنتم.
في اللغة الفرنسية (ب)، نجد فقط ضميران هما : Tu et Vous .
ب- ضمائر الغائب :
في اللغة العربية (أ) ، نملك 6 ضمائر: هوَ، هيَ، هما، هم، هن.
في الفرنسية، فقط 4 ضمائر، وهي : Il, Elle, Ils, Elles .
مما يجعلنا نلاحظ التعقيد الموجود في اللغة العربية (أ)، مقارنة مع اللغة الفرنسية (ب)، فهي غنية من حيث الضمائر.
2- الأفعال، والإفراد والجمع والتأنيث والتذكير :
تصرف الأفعال في اللغة العربية (أ) بين ماض ومضارع وأمر ك (لَعِبَ، يَلْعَبُ، اِلْعَبْ)، بالإضافة إلى تغيرها حسب جنس الفاعل وعدده، فنجد ( تَلْعَبُ للمؤنث، و يَلْعَبُ للمذكر، يَلْعَبانِ للمثنى، يَلْعَبْنَ للجمع المؤنث، يَلْعَبُونَ للجمع المذكر .. ).
أما اللغة الفرنسية (ب)، فيتميز الفعل بالتصريف الزمني لكنه يرتبط أكثر بالجنس والعدد، إذ يتم التفريق بين المفرد (s) والجمع (ons)، أو (ez)، ولا يميز بين مذكر أو مؤنث إلا في الغائب، على سبيل المثال فعل (لَعِبَ = jouer )،ويتم تصريف هذا الفعل في المخاطب المذكر أو المخاطب المؤنث بطريقة واحدة وهي : Tu joues. أما في العربية فنقول للمخاطب المذكر: أنتَ تَلْعَبُ، وللمخاطب المؤنث: أنتِ تَلْعَبينَ .
بالنسبة للعدد فاللغة الفرنسية (ب)، لا تميز بين المثنى والجمع، نقول في اللغة العربية (أ): أنتُما تَلعَبَانِ، أنْتُم تَلْعَبُونَ. أما في اللغة الفرنسية (ب)، نستعمل فقط Vous jouez.
إلا في الضمير الغائب حيث نجد Il للمفرد المذكر و Elle للمفرد المؤنث . أما Ils و Elles فهما لجمع الغائب.
هوَ يَلْعَبُ Il joue
هيَ تَلْعَبُ Elle joue
هُمْ يَلْعَبُونَ Iles joues
هُنَّ يَلْعَبْنَ Elles joues
3- الأسماء، والتذكير والتأنيث :
يختلف التذكير والتأنيث في كل من اللغة العربية (أ)، والفرنسية (ب)، ما يضع المتعلم أمام تداخل والتباس، فليس كل ما هو مذكر في اللغة العربية (أ)، مذكرا في اللغة الفرنسية (ب)، والأمر يخص التأنيث أيضا، مثلا :
نجد في اللغة العربية (أ) : قبعة ( وهي مؤنثة )، أما في اللغة الفرنسية (ب) فهي Le chapeau( تحولت الكلمة للمذكر).
قدم ( مؤنثة) في اللغة العربية (أ)، تتحول للمذكر في اللغة الفرنسية (ب)، Le pied .
نستنتج من خلال هذه المقارنة، أن معظم الأخطاء التي قد يقع فيها متعلم للغة (ب)، بسبب محاولة تطبيق القواعد الصرفية التي تخص اللغة العربية (أ)، على اللغة الفرنسية (ب)، جاهلا الفروقات الواقعة بينهما.
ج – التداخل التركيبي :
ويتمثل في تنظيم بنية الجملة في اللغة المُتَعَلَّمة (ب)، وفقا لما يتطلبه تنظيم الجملة في اللغة الأم (أ)، مما يضع المتعلم أما أخطاء، فيكون جمل لاحنة تركيبيا، مثلا :
نجد في اللغة العربية (أ) تنظيم الجملة يكون على الشكل التالي :
- ذهب الولد . ( الفعل ثم الفاعل )
والتي سيترجمها المتعلم للغة الفرنسية (ب)، ب ( Parti le garçon* )، إذ ترجم ذهب ب Parti، والولد ب Garçon، الترجمة صحيحة لكن بناء الجملة تم بطريقة لاحنة، وهو ما تسبب في خطأ المتعلم ، فالصحيح أن نقول في اللغة الفرنسية (ب) :
- Le garçon est parti . ( الفاعل ثم فعل مساعد ثم الفعل الرئيسي ).
د – التداخل المعجمي :
يتم التداخل هنا على مستوى الكلمات، فهناك كلمات في اللغة (أ)، تكون معانيها واحدة أو مختلفة في اللغة (ب)، ك كلمة Oncle في اللغة الفرنسية (ب)، والتي يتم استخدامها ك ترجمة ل عم و خال في اللغة العربية (أ).
3- أسباب التداخل اللغوي :
تتعدد أسباب وعوامل التداخل اللغوي نتيجة تأثير وتأثر لغتيتن ببعضهما البعض، لكن يبقى من الممكن حصرها على الشكل التالي :
-الهجرة والاستعمار.
- وجود صراح وحروب بين بلدين مختلفين .
- الاحتكاك بلغة أخرى .
بعدما وضحنا وبينا مفهوم التداخل اللغوي لغة واصطلاحا، وتحديد مستوياته المختلفة، مع ذكر بعض الأسباب الرئيسية، يجب أن نذكر أن هذا النوع من الظواهر اللغوية له جانب سلبي على اللغة الأم، حيث يقع المتعلم – خصوصا الأطفال – في اضطراب صوتي أو صرفي أو تركيبي أو معجم – فلا يملك الكفاءة والمهارات الكافية للتمييز بين هاته المستويات الخاصة بكل لغة، كما قد يؤدي إلى وقوع المتكلمين في اختلاط والتباس أثناء استعمالهم لأحد اللغتين.
قائمة المصادر والمراجع :
1- معجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مطابع دار المعارف، مصر، دت، ج1، 257.
2- ابن منظور، لسان العرب، دار الجيل، بيروت 1988م، ج2، ص 957.
3- عبد الرحمان الحاج صالح – مدخل إلى علم اللسان الحديث، مجلة اللسانيات، الجزائر، العدد الرابع، 2003م، ص40 .
#هاجر_الصبيري (هاشتاغ)
Hajar_Essabiri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟