|
الخطاب والخطيب والمخاطب في الآيات القرآنية
الحايل عبد الفتاح
الحوار المتمدن-العدد: 6598 - 2020 / 6 / 20 - 05:19
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
هو دراسة شخصية تهذف ما امكن للتدقيق اللغوي والمعنوي والتاريخي في الخطاب والخطيب والمخاطب في القرآن الكريم. وهو موضوع شائك وشاسع واسع، ولا يمكن الإحاطة بكل الأفكار الأساسية والفرعية المتصلة به من كل جانب. فهو فقط نظرة شمولية للإحاطة، قدر المستطاع، بما يشوب الفكر الإسلامي من فهم فردي أو جمعي مغلوط أو صحيح. الهذف منه هو معرفة شخص وهوية الخاطب أو الخطيب والمخاطب...لفرز كل واحد بينهما عن الآخر... هو دراسة تفهم للقارئ للقرآن كيف يحمل المعنى في النص هوية الخاطب أو الخطيب وموضوع الخطاب والمقصود منه... هو بحث تطلب سنوات من الدرس والبحث بمقدرات محدودة ومجهود شخصي منفردي. لكنه عمل غير مكتمل ويحتاج لوقت وإمكانيات ومتخصصين ودارسين ومهتمين آخرين ليكتمل وينتج نتائجه.
الفهم العام الفردي والجمعي للنص القرآني : لفهم الخطاب القرآني لابد من إحاطة القارئ بعدة معلومات أولية متفق عليها ومجتمع على صحتها... فالمسلمون يعتبرون أن القرآن كلام الله الذي لا يناقش ولا يأتيه الباطل. وهو فوق ذلك في لوح محفوظ... دراسة معنى الخطيب والخاطب والمخاطب لغويا : خطب يخطب خطابا...فهو خطيب وخاطب...
الخاطب أو المتكلم في بعض الآيات القرآنية :
نأخذ مثالا على المخاطب والخاطب، أي المتحدث إليه والمحدث من سورة البقرة. وهي سورة يتضح فيها هي أيضا من يتكلم. فتارة سيتكلم الله عز وجل وتارة أخرة بتكلم سيدنا محمد. سورة البقرة المدنية ( إلا الآية...): الٓمٓ (1) ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ (2) ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ (3) وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ في هذا المقطع من هو المتكلم أو الخطيب ؟ نفترض أن الله هو المتكلم وهو يتحدث عن المؤمنين. وهذا لا يستقيم، لأن تتمة الآية تممها محمد حين قال : (4) وْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ (5. فمحمد يعتبر هؤلاء المتحدث عنهم في البداية هم من يؤمنون بالله وبربهم. فلو كان الله هو المتكلم لقال: أولائك على هذا "مني" وأولائك هم المفلحون. لكن وضوح الخطاب يفيذ ان الآياة التالية، واردة على لسان الرسول لا على لسان محمد. فهو يقول : إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ (6) خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٞۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ (7) فالمتكلم هنا عن ختم القلوب من طرف الله هو الرسول وليس الله. فلو كان الله هو المتكلم لقال : خَتَمت ( أنا الله َ) عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٞۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ (7) ويعود سيدنا محمد ليتمم الحديث عن أنواع الناس قائلا: وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ (8) يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ (11) أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ كَمَآ ءَامَنَ ٱلسُّفَهَآءُۗ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَٰكِن لَّا يَعۡلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ (14) ٱللَّهُ يَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ وَيَمُدُّهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ (15) أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ (16) مَثَلُهُمۡ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسۡتَوۡقَدَ نَارٗا فَلَمَّآ أَضَآءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ وَتَرَكَهُمۡ فِي ظُلُمَٰتٖ لَّا يُبۡصِرُونَ (17) صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ (18) أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ (19) يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ (20) يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ (21) ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (22)
كل ما جاء في هذه الفقرة هو من الخطاب الذي وجهه محمد لعشيرته وأهله والناس من حوله. فالمتكلم هو الرسول محمد. فهو ليس كلام الله. لكن بعد هذا المقطع يصبح الكتكلم هو الله. والدليل هو : وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ وبعدها يرجع الكلام وينسب للرسول محمد حين يقول: وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (23) فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ وَلَن تَفۡعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ (24) وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنۡهَا مِن ثَمَرَةٖ رِّزۡقٗا قَالُواْ هَٰذَا ٱلَّذِي رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَٰبِهٗاۖ وَلَهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞۖ وَهُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ (25) ۞إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا مَّا بَعُوضَةٗ فَمَا فَوۡقَهَاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرٗا وَيَهۡدِي بِهِۦ كَثِيرٗاۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ (26) ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ (27) كَيۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمۡ أَمۡوَٰتٗا فَأَحۡيَٰكُمۡۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ (28) هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ (29) فمحمد هو من تكلم في هذا المقطع... في المقطع التالي سنفهم أن محمدا نقل لنا السيناريو الذي وقع بين الله والملائكة حين قرر خلق البشر. وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ : " إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ " قَالُوٓا أي الملائكة ْ: " أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ" قَالَ (هو أي الله) : ـ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ (30) وهنا ينقل لنا الرسول محمد ماذا حدث بين الله وآدم: وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ فَقَالَ ( أي الله): ـ أَنۢبُِٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (31) قَالُواْ ( أي الملائكة) : ـ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ (32) قَالَ ( أي الله) : ـ يَٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡۖ يتدخل محمد ليشرح مزيدا من محتوى الحوار الدائر بين الله والملائكة، فقال : فَلَمَّآ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡ قَالَ ( أي الله) : ـ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ (33) الآية التالية يصبح المتكلم هو الله سبحانه الذي قال : ـ وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ . هي تعليق صادرة من الله. ـ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكافِرِينَ 34) . وهذا تعليق من الله على الحذث. وَقُلۡنَا ( نحن الله): يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ (35) الآية التالية لا نعرف هل محمد أو الله هو المتكلم. لنفترض ذلك من أي مخاطب. المهم هو أنها تشرح ماذا فعل الشيطان بآدم وحواء. فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ وَقُلۡنَا ( أي الله) : ـ ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ (36) التعليق التالي يفهم منه أن الرسول محمد هو المتكلم : فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (37) قُلۡنَا ( الله ): ـ ٱهۡبِطُواْ مِنۡهَا جَمِيعٗاۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (38) وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ 39 .
بعد هذا ننتقل بفهمنا إلى موضوع آخر نفقه ونفهم منه أن الله يوجه خطابا خاصا لبني إسرائيل حين قال : ياَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ (40) وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ بَِٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ (41) وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (42) وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ (43) ۞أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ (44) فبعد تذكير الله لبني إسرائيل بنعمه، ينتقل من المآخذة عليهم إلى نصحهم بأن يستعينوا بالصبر والصلاة قائلا: وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ (45) وقد يفهم من الآية أنها موجهة لكل المؤمنين، سواء من بني إسرائيل أو غيرهم، وذلك حين قال عز وجل: وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ (45) المهم هنا هو أن الله هو المحاور والمتحث. فهو ينصح ب : " وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ (45)... لكن في الآية التالية يتضح أن المتكلم هو الرسول محمد وليس هو الله. فهو يقول : ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ 46) فلو كان الله هو المتكلم لقال : الذين يظنون أنهم ملاقوني وأنهم إلي راجعون. ثم يعود الله ليحاور بني إسرائيل قائلا : يَٰا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ (47) وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ (48) وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ (49) وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ (50) وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (52) وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ (53) فالمتكلم هنا هو الله بدليا فوله كمتكلم : " أنعمت عليكم" و" وأني فضلتكم على العالمين" و " وإذ نجيناكم من آل فرعون..." و " وإذ فرقنا بكم البحر" و " فأنجيناكم" و " ,انتم تنظرون" و " وأغرقنا.." و " عفونا عنكم ". كلها جمل واردة بصيغة المتكلم مع بني إسرائيل. فالله هو المنعم والمفضل لبني إسرائيل وهو المنجيهم من فرعون، والمفرق بهم البحر، والمنجيهم والمغرق لفرعون وجنده و هو الذي عفا عن بني إسرائيل...يذكرهم بتاريخهم في عهد الفراعنة حين كانوا مستضعفين ومقهورين بالعبودية ةالظلم. وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ هنا يبدأ منلوك وحوار آخر بين موسى وبني إسرائيل مفاده الحوار التالي : ـ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ وبعد خطاب موسى لبني غسرائيل ينتقل الخطيب قائلا : فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (54) المتكلم هنا هو الرسول محمد الذي يعلق على ما قاله موسى، وردة فعل الله نحو بني إسرائيل. فالله رغم كل هذا تاب عن بني إسرائيل أي غفر لهم وسامحهم. الرسول محمد يذكر بني إسرائيل المتواجدين بمكة بالحوار التاريخي الذي قالوه لموسى: "وَإِذۡ قُلۡتُم" هي جملة تفسر ما سيأتي من حوار. فهم قالوا لسيدنا موسى : ـ ۡ يَاٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ" فعلق سيدنا محمد أو الله سبحانه عن قولهم هذا قائلا : أَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ (55) بعد هذا الحوار والتعليق والخطاب من سيدنا محمد لبني إسرائيل، يعود الله هو الآخر ليخاطب بني إسرائيل قائلا : ثُمَّ بَعَثۡنَٰاكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (56) وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ (57) فالآية تدل دلالة واضحة أن المتكلم هنا هو الله، الباعث والمظلل بالغمام، والمنزل للأمن والرازق لا غيره. ومن صيغة الجملة فلا شك أن المتكلم هو الله. ويستمر الله في تذكير بني إسرائيل قائلا : وَإِذۡ قُلۡنَا ( أي نحن الله) : ـ ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (58) فالله هو المتكلم لأنه هو الغافر للخطايا.
وهكذا دواليك.
الخلاصة الأولية :
نستخلص مما سبق أن الله يتكلم تارة، وأن محمد ( صلعم) يتكلم تارة أخرى. وان كلاهما خطابه الخاص وكلريقة تكلمه ومحتوى خطابه. فتارة يتكم الله مباشرة عن محمد (صلعم) وعن الناس وعن بني إسرائيل؛ وتارة اخرى يتكلم محمد عن الله وعن الناس وعن بني إسرائيل الذين كانوا حوله بمكة أنذاك. فالحوار إما ثنائي أو ثلاثي أو رباعي. فالحوار الثنائي نجده مثلا في حوار الله لبني إسرائيل. إذ قال " يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي..." والحوار الثلاثي هو الصادر عن محمد. ومثله : " فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (54 ". فمحمد يتحدث عن الحوار الذي جرى بين الله والملائكة. ومثال الحوار الرباعي أيضا ما جاء على لسان محمد حين قال : "وَإِذۡ قُلۡتُم" : يَاٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ. " فأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ ". فبنو إسرائيل يتكلمون، وموسى يتكلم ومحمد ( صلعم) يتكلم وقريش موضوع الخطاب الذي يتحدث به لقومه. كل محاور ومتحاور له زمان تكلمه ومناسبة تكلمه. المخاطبون لهم أيضا زمانهم وخطابهم والمقصود بالتكلم والخطاب: ـ موسى كخطيب على بني إسرائيل ـ بنو إسرائيل محاورين لموسى ـ ومحمد يذكر بالسيناريو الذي وقع بين موسى وبني إسرائيل. ـ المخاطبون هم سكان مكة من الإسرائليين. فالحدث الذي يخبر به محمد كان في الماضي التاريخي لبني إسرائيل... البحث والكتابة مستمرين في نفس الموضوع إن سمح الوقت والظروف بذلك... الحايل عبد الفتاح، الرباط، 18 يونيو 2020.
#الحايل_عبد_الفتاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يكفي ؟
-
رسالة مفتوحة لهشام نوستيك الكافر المغربي
-
رواية - ناقصة عقل -، قرأتها لي ولكم.
-
رواية - ناقصة عقل -
-
رواية -محاولة عيش- للكاتب المغربي محمد زفزاف قرأتها لي ولكم
...
-
كتاب -تاريخ المغرب الحديث والمعاصر- قرأته لي ولكم (5)
-
قرأت لي ولكم كتاب (رقم 4) - سفراء مغاربة في أوروبا- للمؤلف ا
...
-
قرأت لي ولكم كتاب (رقم 3) - غبار حشيش- للكاتب المغربي ماحي ب
...
-
قرأت لي ولكم كتابا 1
-
قرأت لي ولكم كتابا 2
-
تحرير المسلمين من بعض فقهاء الدين
-
التضخم الديني
-
أدعوا الجميع بإلحاح للإطلاع على أو لدراسة -علم الفلك-
-
الشعب يريد تثبيت النظام الديمقراطي
-
حقوق جنس على حساب الآخر مرفوض
-
العلمانية حل دائم أو مؤقت ضد الإرهابيين أيضا
-
مرحلة شقية من تاريخ البشرية
-
هل اللغة العربية مغلوطة وخداعة ومشكوك في صلاحيتها ؟
-
فقط للمسلمين الجاهلين للعقيدة المسيحية
-
انقلاب عسكر مصر غير مجرى التاريخ
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|