|
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الخامس هل سيصبح التراث الثقافي في الشرق الاوسط تركيبً للحضارة الجديدة ..؟ 1-1
عبدالله اوجلان
الحوار المتمدن-العدد: 1590 - 2006 / 6 / 23 - 10:46
المحور:
القضية الكردية
الفصل الخامس
هل سيصبح التراث الثقافي في الشرق الأوسط تركيباً للحضارة الجديدة.. ؟
إن التحدث عن الدور التاريخي للشرق الأوسط كأرضية لظروف جغرافية خلقت الحضارة في المرحلة المقبلة لن يكون واقعياً. بل على العكس فمن المتوقع أن تصل إلى وضع غير ملائم بسبب زيادة التصحر وارتفاع الحرارة وشحة المياه، وقد لعبت ثروة النفط دوراً سلبياً في الآونة الأخيرة بسبب الحروب والانقسامات التي نجمت عنها، هذه الثروة التي لا تمتلك أية قيمة سوى إشباع الرغبات الاستهلاكية لحفنة من الأغنياء البعيدين عن الخلاقية والإبداع، ناهيك عن أن نفاذ عروق النفط في وقت لاحق أمر لا مفر منه.أما الأنهار التي خلقت الحضارة كالفرات ودجلة والنيل، فإنها على الأغلب ستؤدي إلى اضطرابات، ويمكن أن تتطور الزراعة المستندة إلى الري على أساس التقنية الجديدة. ولكن لا يمكن للموارد الطبيعية المشابهة أن تلعب دور العنصر الأساسي من أجل المهمة التاريخية للمنطقة. من هذا المنطلق فان أغلب مناطق العالم محظوظة أكثر من الشرق الأوسط. وباختصار فإن تركيبة المرحلة التاريخية المقبلة للإنسانية، لن تحمل فيها الظروف الجغرافية تأثيرات مصيرية. فالحضارة الرأسمالية الأوروبية هي الحضارة الأخيرة التي لعبت فيها الجغرافيا دوراً مصيرياً. لقد تحولت عوامل التحديد إلى عوامل أخرى بعد هذه المرحلة. كما لا يمكن للتقنية العلمية أن تحدد تركيب الحضارة الأساسي لوحدها، فإن قوة الوصول الى التقنية والعلم قد تخطت أن تكون امتيازاً . ولن تشكل سوى الأرضية المادية المؤهلة للولادات الجديدة، حيث انها في وضع يمكنها من لعب هذا الدور، وبإمكان كل مجتمع الوصول إليها ولا يمكن إبعاد منطقة أو مجتمع عنها؛ إذ ان تقنية الاتصال والمعلوماتية بحد ذاتها لا تسمح بذلك. وكل ما تستطيع عمله هو نقل الخلق والإبداع الجديد الى أبعاد العولمة بشكل سريع ومتوازن. لقد تم شرح طابع الحضارة الديمقراطية ودورها الأساسي، حيث ستواصل هذه الحضارة انتشارها عرضاً وعمقاً في العالم في القرن الواحد والعشرين، ولا مفر من معايشة الإنسانية هذه الحضارة بشمولية، ويمكن أن يتوخى منها ان تظهر تقدماً من الأشكال الادارية والحياتية إلى أشكال أغنى واكثر نضجاً، لكنها لا تشكل تركبية لوحدها، بل هي الشكل والإطار الذي يخلق التركيب، ولا شك أنه يوجد تكامل ديالكتيكي بين الشكل والجوهر، ورؤيتهما كأمر واحد يعني الجنوح إلى الميتافيزيقيا، لذلك يجب البحث عن تراكيب دائمة للإنسانية في ظواهر أخرى. لقد تم التأكيد على المرحلة التي نعيشها بأنها مرحلة البحث الشامل والجذري، فالحزم ومنذ الآن في النتيجة في هذه المرحلة لن يكون ابعد من موقف كهنوتي، وإن القيام بذلك يعني الوقوع في الدوغمائية واليوتوبيا التي لا أساس لها، لكن لا يمكن أن تبقى استقصاءاتنا بدون نتيجة، ولا مفر من مواصلة الديالكتيك لحكمه طالما تتواصل الحياة. إن الشيء المهم هو التوقع حول ماهية التراكمات التي سيستند عليها الميلاد الجديد. لقد رأينا عند تقييمنا للمراكز الأكثر أهمية في العالم، أنها رسمت مسارها للقرن الواحد والعشرين على الأقل، حيث لا يمكن أن تبتعد عن ذلك إلا إذا تشكلت ظروف غير طبيعية، ومن المحتمل أن تعيش من خلال توسيع الأنظمة الديمقراطية وتعميقها في الاتجاه المنتظر والمتوقع وبانحرافات طفيفة. يحتل الشرق الأوسط وضعاً مميزاً في ظل هذا العالم ووفق منظور العصر، وإذا كنا قد أكدنا أن ذلك لا يمكن أن يتحقق ارتباطاً بالجغرافيا. فإذاً ما هي العوامل الأساسية التي تحدد هذا التمييز..؟، من الصواب البحث عن الجواب في التراث الثقافي، حيث إن التأثير المحتمل للجغرافيا لن يكون ذو معنى، إلا إذا وجد انعكاسه في الثقافة، حينها تصبح أهمية ظروف المحيط الخارجي في الدرجة الثانية بعد تشكل الثقافة، ويدخل عاملها المصيري إلى الديناميكيات الجوهرية، وهناك إجماع على أن تاريخ الحضارة هو تاريخ التراكمات والتطورات الثقافية، فتعريف الثقافة وموقعها الخاص في التطور الحضاري ينطوي على أهمية، ويتم تسليط الضوء على مكانة الشرق الأوسط في تاريخ الحضارة يوماً بعد يوم من خلال الأبحاث التي تجري بهذا الصدد، حيث منح العصر النيوليثي دور الولادة لهذه الجغرافية لما يقارب العشرة آلاف سنة، والأمر الذي لا يقبل النقاش هو أن جميع الحضارات مدينة للعصر النيوليثي، وتستند الحضارتان السومرية والمصرية واللتان تعتبران أولى الحضارات على الاختراعات النيوليثية في المنطقة التي نسميها بالهلال الخصيب. حاولنا إظهار كيفية تأثير ذلك إلى يومنا هذا من خلال تفاعل تسلسلي في كافة فصول تقييماتنا هذه، كما حاولنا أن نبين بأن منطقة الشرق الأوسط قد دخلت في أزمة عميقة بين القرنين العاشر والخامس عشر بعد الميلاد، واستمرت الأزمة وتعمقت منذ تلك المرحلة. إن الانحلال في الشرق الأوسط لن يشبه الانحلال في أية منطقة أخرى من العالم نظراً لخصوصية المنطقة، هذه المنطقة التي لعبت دوراً منجباً في تطور الإنسانية على مدى ما يقارب الـ 15 ألف سنة، فإنها ومع مرحلة التفسخ تستمد خصائصها المختلفة عن كافة بقاع العالم من هذه النوعية التاريخية الطويلة والمصيرية، بهذا المعنى فإن الشرق الأوسط يمثل شخصية متميزة، وإذا حاولنا تعريف ذلك بشمولية فأنها شخصية جعلت تطورها التاريخي ملكاً لكل البشرية، ولا يمكن قول نفس الشيء عن المناطق الأخرى في العالم. فمثلاً إن الصين والهند وروسيا وأمريكا اللاتينية وحتى أوروبا وأتباعها، يمكن أن تبدّل أنظمة مختلفة لتحاول تطبيقها على هويتها كما يغير الشخص ملابسه، فذلك يعني أن الأنظمة الحضارية بالنسبة لهم كالملابس يجب تغييرها بين الحين والآخر، ولن يشكل تغييرها أية مشكلة عندما تصبح بالية أو يظهر ما هو أفضل منها، لأنها لم ترسخ تلك الأنظمة الحضارية في أعماقها. اما بالنسبة لشخصية الشرق الأوسط فالحضارة لا تشكل رداءاً وإنما بل هي الحياة ذاتها، وقد تلاحمت مع الحضارة التي عايشتها كتلاحم الظفر باللحم، وجسدتها حتى دخلت ضمن جيناتها الوراثية، لذا لا يمكن أن ترمي ما عاشته جانباً مثل الألبسة، إذ لم تشهد أية منطقة من العالم الوضع المذكور ولم ترسخه في ذاتها كما رسخها الشرق الأوسط. لقد خلقت الثقافة والتاريخ والحضارة والحياة في الشرق الأوسط، مجتمعات وشخصيات مميزة لا تشبه أي مكان آخر، فخلقت ثقافتها الزراعية التي يبلغ عمرها آلاف السنين مورثاتها الاجتماعية الخاصة بها، وعاشت أشكال الفكر الميثولوجي والديني آلاف السنين في الذاكرة الاجتماعية، كما أصبحت الدوغمائية والقدرية جزءاً لا يتجزأ من حياتها، ونام الفكر الأصيل الخلاّق فترة طويلة. وما وصل إليه اللاهوت هو فقط من أجل الإيمان دون شك كمحرمات مقدسة، ويعتبر الخروج عما تقوله الكتب المقدسة أكبر ذنب، حتى تحولت القصص التي كانت تروى كالأقاويل في عصر الميثولوجيات وأصبحت قواعد عقائدية صلبة؛ إلى دين وإله أسر تصورات الذين خلقوا الحضارة وأحلامهم وذكرياتهم. لم يفهم البشر كيف وقعوا في أول أكبر حالة اغتراب في التاريخ، عندما أصبحوا أسرى لما خلقوه، حيث تكونت ثقافة وصلت إلى درجة جعلت من الخالق مخلوقاً والمخلوق خالقاً، وتم جعل ذلك موضوعاً أساسياً للفكر والإيمان، وحتى أنهم جعلوا العبودية لهذا النظام وعبادته أفضل هوية للإنسان، واعتبروا الشك بالمعبودات أكبر أثم يمكن أن يقترف، من جهة أخرى تم ولأول مرة تحويل الميثولوجيات الشعبية والعقائد إلى صفة إلهية لصالح الحكام وذلك بالقوة النابعة عن تشكل الدولة، لتصبح سلاحاً في يد الحكام. في الواقع يكون مجتمع الشرق الأوسط بذلك قد ضحى بنفسه باسم الإنسانية جمعاء عندما جعل نفسه أسيراً، وبعد تحويل ما خلقه إلى أضداد في كلا الساحتين المادية والمعنوية، إذ خلقت هذه الحضارة التي نشأت على الاغتراب المذكور تأثيراً بالغاً في العصور الأولى والوسطى إلى درجة لا يمكن لأي منطقة من العالم أن تنجو منه، هذه هي الظاهرة التي نسميها بـ الشخصية التاريخية، ويمكن فهم ما جرى بشكل أفضل من عدة مقارنات، تتحقق شخصية وموت الأم عن طريق ما تلده. وتكبر الشجرة وتموت بعد أن ترمي بذورها في محيطها لتملأه بأشجار مماثلة، فالموت هو ضرورة للتكاثر. وإن شجرة ثقافة الشرق الأوسط ظاهرة من هذا النوع، إنها شجرة متجذرة؛ نشرت بذورها في أطراف العالم الأربعة، هذه الشجرة تشبه شجرة السنديان التي تريد أن تعيش بالتبرعم الزائد فوق جذورها كلما انقطع جذعها وأغصانها، حيث تعتبر من أولى أشجار الثقافة في الشرق الأوسط. لقد فقدت ثقافة الشرق الأوسط أصالتها بعد دخولها في مرحلة الانهيار بين أعوام 1000 ـ 1500 م. والصواب أنها تشبه شجرة السنديان التي تم تدريجياً قص أغصانها وساقها حتى الجذور. وبمعنى آخر كأنها تحولت إلى مقبرة قديمة للإنسانية التي خلقتها، مقبرة كبيرة تماماً مثل الأهرامات والزيكورات..! إن ما يحدث منذ ما يقارب الألف سنة لا يعني سوى صمت الأموات، فليس لهذه الثقافة القدرة على خطو خطوة خلاّقة بسبب الترهل الكبير الذي نجم من كثرة الولادة، وعصر الحكم العثماني هو عبارة عن حراسة المقبرة، وكان دوره الرئيسي هو تحقيق موت جديد بشكل دائم والعيش على صداقاتها، أما الدين والآذان والصلوات المليئة بالحزن، فليس لها أي هدف سوى انها رسائل النداء من أجل الموت، فاصبح التخويف بالموت والإعداد له برسائل الجنة والجحيم، الشكل الحضاري للعصر الأخير، وتم ترك العلم والتقنية منذ زمن بعيد، ويتكرر المجتمع والسياسة كالقوالب الجامدة منذ الأزل، وكان يعتبر مثال الثور الذي يدير دولاب الماء قدراً وتعجز العقول عن التفكير بأي شكل آخر من المسير، إن تربع هذا الكم من الدوغمائية وشبكة القدرية المترسخة على حضارة كبيرة ومبدعة سيؤدي الى الأزمة والانهيار. هذه اللوحة تعبر عن واقع تشرح قصة الشرق الأوسط، واحتراق كل قصة حب في الشرق الأوسط وتحولها إلى رماد له علاقة بهذا الواقع. منذ خمسة عشرة ألف سنة تقوم بدور الأم وتخلق كل شيء للإنسانية، ومن ثم تقع في وضع عبد لا حول له ولا قوة..! وتكون الوطن الذي خلقت فيه أولى الإلهات، وتخلق كل ما يلزم الإنسانية ثم يتم رميك في زاوية كقطعة قماش مستعملة..! تخلق جميع الآلهة والعظماء، ثم تصبح عبداً لا حول ولا قوة لك تجاه هذه الآلهة..! وتخلق جميع المهن التي تشبع العالم، وتبقى جائعاً فيما بعد..! وتبني البيوت في كل مكان، وتبقى بدون مأوى فيما بعد..! تكون شمعة تنير درب الجميع، ولا تنجو من الظلمة فيما بعد..! تكون صوتاً من أجل كل الناس وتؤلف الشعر والموسيقى، ثم تصبح صم بكم..! تخلق العلم والتقنية والاحترام من أجل الجميع وتبقى جاهلاً فيما بعد..! تبنى القصور والخانات للجميع وتحتاج إلى شبر من الأرض فيما بعد..! فحضارة الشرق الأوسط هي اسم لهذا التناقض المأساوي والكبير، ويكمن سر احتراق الحب وتحويله إلى رماد في هذه التناقضات. تنمو على هذه القيم ومن ثم تتحول إلى قزم..! لا يمكن تطهير ذلك إلا بالاحتراق. تخلق لقاء الإله ـ الآلهة لأول مرة ومن ثم تصبح أحط رجل وامرأةً بموقع المتسولين، ولا يمكن أن يطهر ذلك إلا الاحتراق. تبكي شعوب الشرق الأوسط كثيراً، بلا ريب لابد ان تبكي بعد فقدانها جميع القيم التي خلقتها. ففي الألفية الأخيرة بشكل خاص والشرق الأوسط يبكي على صمت الأموات، فإن الآذان والأغاني والآلات الموسيقية مفعمة بالحزن وتنادي بالموت، وكل ذلك ليس صدفة؛ لأنه يعبر عما جرى، ولو تم القيام بعكس ذلك لكانت ستعتبر بدون معنى. وبات مفهوماً بشكل أفضل لماذا لم يؤثر ما جرى في العالم على هذه المنطقة، فالذين تكون أسسهم وقبورهم كبيرة وعميقة لهذه الدرجة، لا يمكنهم أن يفهموا الآخرين. هم دائماً سكارى بدون شراب أو كالموتى عند ولادتهم. ولا يمكن العفو عن هكذا ماض، وسبب ذلك واضح، إذ لا يمكن ترك هذه الحضارة على هذا الشكل في أي مكان. فالذين يتركونها يرتكبون خيانة كبيرة، ولا يمكن العفو عن الذين يرتكبون هذه الخيانة،ان خيانة الحضارة شيء كبير وهناك الكثير ممن خانوها. لذلك فإن حركات الانتقام كثيرة وكبيرة، لكن ماذا بوسعها ان تنقذ..؟ متَ وأَمت لن يؤدي ذلك سوى إلى توسيع المقابر؟! يتم سفك الدماء في الشرق الأوسط نتيجة الصراعات الدينية والأسرية و قضايا الشرف والممتلكات لأتفه الأسباب. فكل ذلك صحيح؛ بينما تكمن الخسارات والخيانات في أساس سفك الدماء، إذ إن الميراث الانتقامي ليس سهلاً، لأنه يمتد إلى ماض كهذا، يستمد منه أساسه. فكانت تسود الجرائم الناجمة عن العادات والتقاليد بكثرة. إن أساسها ايضاً هو التاريخ الملعون. لقد تم الاستيلاء على جميع قيم الحضارة وهتكت أعراضها كما هي في الكثير من الأمور، فهذه الحقيقة تجد تعبيرها في الفتاة والمرأة كرمز. أي إذا ما أصاب الرمز شيء ما حينها تعتبر القدسية الكبيرة قد تلطخت، وتكون عقوبتها قاسية جداً، ومن هذا التاريخ تستمد المأساة جذورها. قبر داخل قبر، وعقدة فوق عقدة، هذا هو الشرق الأوسط، لا يتغير رغم تغير العالم، مجبر على ان يبقى كما هو. إنه شجرة سنديان يتضخم جذعها بشكل دائم، حتى وإن قلمت أغصانها يبقى جذعها ولا ينقطع الأمل من اخضرارها مجدداً. الشرق الأوسط هو ديار الأمل، حيث لم يبقَ في حوزته سواه. ففي الوقت الذي يكون التراث ساحقاً وعديم الرحمة يغدو الأمل كشجرة سنديان تنتظر التبرعم والاخضرار، وهكذا ظلت الحياة أملاً كبيراً، فعدم انسلاخه عن التراث نابع من قوته، لكن عدم تحديد نفسه يزيد من تفسخه. ففي الوقت الذي تحدد جميع مناطق العالم مسار تطورها فإن محافظة الشرق الأوسط على خصائصه وأصالته يعود إلى التأثير العميق لماضيه الحضاري، وهذا الوضع ناتج عن عدم التجسيد الناجح للتطورات المعاصرة، حيث تدخل آثار الحضارة القديمة التي لا تزال موجودة في صراع مع الحضارة الحديثة أو بمعنى آخر تظهر ضرورة التركيبة الجديدة. أما بالنسبة للهند وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ناهيك عن تكوينها لتركيبة جديدة فإنها تتطور على أساس البنية الرأسمالية. إن مرحلة التجسيد سارية المفعول أكثر من المقاومة، كما إن الوضع في المناطق الأخرى من العالم أيضاً مشابه لهذا الوضع، ولا توجد أرضية ثقافية قوية تقتضي صراعاً أو تركيباً جديداً، وحتى لو كانت موجودة فانه يتم تذويبها أو تحويلها من قبل الثقافة المهيمنة الجديدة بسهولة، اما في الشرق الأوسط فلا يتم التحول أو الانصهار بسهولة، حيث تتخلى الطاقة الكامنة للإبداع بأهمية اكبر عوضاً عن قوة التراث الثقافي والتحول والانصهار السهل. ورغم بلوغ المشاكل الأثنية والدينية والقومية المتشابهة الى حل في كافة بقاع العالم بأي بوسائل مختلفة، الا ان الشرق الأوسط يظهر تمايزه في هذا الأمر أيضاً،فالمقاومة العنيدة للتمييز الثقافي العميق هي الحقيقة التي تكمن وراء عدم حل المشاكل بسبلٍ حضارية حديثة. يجب ألا نقيم هذا الواقع بشكل سلبي، بل من الأصح أن نقيمه كإمكانية من أجل الخروج من الأزمة الرأسمالية التي أصبحت شاملة ودائمة، التناقض هنا يكمن في عدم تحديث التراث الثقافي في الشرق الأوسط عبر تحليل نفسه؛ إذ تحول بعض العوامل الداخلية والخارجية دون تفعيل القوة الكامنة، لكن الجذور القوية تمنع الاحتواء الخارجي، وتكون النتيجة تعمق المشكلة وتشابكها ودخولها في مأزق. لقد تعمقت واستمرت هذه المرحلة بين عامي 1500 ـ 2000 م. وكان التوازن والتفوق حتى عام 1500 لصالح ثقافة الشرق الأوسط التي كان عمرها خمسة عشر ألف سنة، وأدى التفوق المادي والمعنوي في كافة مؤسسات البنية التحتية والفوقية للمجتمع إلى الثقة الزائدة بنفسها، حتى أعتقد أنه مركز العالم، ولم يكن يعتقد بإمكانية تطور عالم حضاري يتفوق عليه، إذ يعتبر نفسه العالم كله والآخرين غرباء وكفار. ولم تكف الخمسمائة سنة الماضية لتحطيم هذه الدوغمائية، إنه يرى تفوق الحضارة الغربية ويشعر بقوتها المادية والمعنوية لكنه لا يعترف بذلك بصدق ولا يحاول تجسيدها، وأصبح الفرز الطبقي الجديد الذي تشكل حول رأس المال مؤثراً هنا؛ حيث تم إدراك هذه التكوينات على أنها مصطنعة، فلا هو قادر على التعمق ومحاسبة أسسه التاريخية أو حتى رفضها، ولا على تحليلها ليجعل منها خامات لتركيب جديد لأنه يشكل امتداداً بسيطاً للخارج، بل حتى يمنع مثل هذه التكوينات من التحول إلى قوة محلية.
#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث
...
-
من دولة الرهبان السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثال
...
-
من دولة الرهبان السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثال
...
-
من دولة الرهبان السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثال
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث
...
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
هآرتس: ربع الأسرى الفلسطينيين في سجون -اسرائيل- اصيبوا بمرض
...
-
اللاجئون السودانيون في تشاد ـ إرادة البقاء في ظل البؤس
-
الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
-
الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف
...
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
منظمة حقوقية يمنية بريطانيا تحمل سلطات التحالف السعودي الإما
...
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|