|
الطفل المغربي و رقمنة التعليم ، وقفة تأمل
رجاء قيباش
الحوار المتمدن-العدد: 6595 - 2020 / 6 / 17 - 17:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الطفل المغربي و رقمنة التعليم وقفة تأمل
أحدثت جائحة كوفيد 19 تغيّرًا في أنماط سلوك الأفراد والجماعات ، فالعقلانية التي كانت توجه السلوك في مسار الحياة اليومية ، و إن كانت نسبية تعرضت للارتباك خلال وقت قصير . هذا المخاض تولد عنه غضب ذاتي أفرز شعورا بالخوف والقلق ، و الذي بقدر ما هو إحساس مشروع و مشترك بين الجميع، لكن تبقى له خصوصية نفسية ذاتية ، و لعل القراءة الموضوعية لهذا الأمر لا تتوقف بنا فقط عند الكبار ، بل تمس الأطفال الذين يعيشون حاليا وضعا نفسيا مقلقا و مضطربا بسبب تداعيات الحجر الصحي ، فكلماتٌ مثل «الخوف» و«القلق» و«التوتر» ، ليست سوى عناوين بارزة لمكنونات الحالة النفسية الشخصية لكل طفل مع اختلاف بيئته الاجتماعية و فئئته العمرية و انتمائه السيكولوجي، فتصبح بمثابة سياج مهترئ نطوق به أهم أمراض الجسم الاجتماعي ، و ذلك من خلال بروز مجموعة من السرديات الرامية إلى تغيير رؤيتنا المعيارية السائدة فيما يخص الصحة النفسية لأطفالنا ، و أبعد من ذلك ، قد تكون سببا في عدة معضلات اجتماعية جد حادة أساسها حالة الانغلاق النفسي لديهم المفضي إلى تعميق درجة الانكسار الذاتي و تقوية الاحساس بالضعف و عدم السيطرة على السلوك ، و بالتالي العجز عن إيجاد حلول للتأقلم و لكسر الحواجز المختلفة للتفاوت بشتى شواخصه في ظروف استثنائية فرضها علينا تفشي الوباء . و حيث أن البشرية أضحت مرغمة على التعايش مع أحد أخطر فيروسات الألفية الثالثة ،تم تشديد حزمة تدابير احترازية لضمان الأمن الوجودي لكل الشرائح العمرية و خصوصا الأطفال ، حيث تم تعليق الدراسة في مختلف الدول . في هذا السياق كشفت منظمة اليونسكو عن تأثر مليار و نصف مليار طالب عبر أنحاء العالم بسبب الجائحة ، حينما توجهت المؤسسات التعليمية إلى التعليم عن بعد كبديل (ظرفي) للدروس الحضورية، و ذلك من خلال تعويض الفصل الدراسي بنظيره الافتراضي ، حيث أصبح لأولياء الأمور دور رابع استثنائي في المثلث البيداغوجي الذي يوجه العملية التعليمية ، هذه الأخيرة التي كانت تقتصر على ثلاث عناصر أساسية يتمحور حولها الفعل التربوي ، حيث تنشأ من خلالها مجموعة من العلاقات التفاعلية المتداخلة بين أطرافها ، المتعلم الذي يعتبر الركن الأساسي في العملية التربوية ، المعلم و المشترط فيه التخطيط و قابلية التجديد بعيدا عن منطق الحشو و التلقين ،ثم المادة المعرفية التي يستلزم أن تتميز بالتدرج و التلاؤم مع معايير محددة ، هذه الأطراف يحكمها عقد ديداكتيكي يحدد موقع و مسؤولية كل طرف على حدة ، بهدف تثبيت أو تغيير تمثلات المتعلمين حول المعرفة و ذلك من خلال نموذج تفاعلي عرف تغييرا جذريا من خلال طرق النقل الديداكتيكي التي فرضها علينا التعلم عن بعد و التي تعتمد بالأساس على تشجيع التعلم الذاتي . في هذا السياق تنوعت الآراء حول التغييرات التي طرأت على التعليم خلال الزمن الكوروني و اختلفت بين الرفض القسري و القبول الاضطراري بغية التصدي للتحديات الناجمة عنه من تكلفة اقتصادية باهضة، إلزام الطلبة بوقت زمني محدد لضمان استكمال البرنامج الدراسي ، صعوبة تدريب المدرسين على إدماج تكنولولجيا الإعلام و الإتصال في العملية التعليمية التعلمية ، صعوبة توفير البنية التكنولوجية التحتية لكل الطلبة على حد سواء مما يؤدي إلى عدم استيفاء مبدأ تكافؤ الفرص ، الافتقار إلى الكوادر المؤهلة لتصميم الموارد التعليمية الرقمية و جعلها في متناول الجميع . وفي هذا الصدد ينص الفصل 31 من الدستور على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة، والتكوين المهني، والاستفادة من التربية البدنية والفنية". وأكد القانون المنظم للتعليم في المغرب، والذي جاء بعد الرؤية الإستراتيجية للتربية والتعليم 2015-2030، ضرورة تنمية وتطوير التعلم عن بعد باعتباره مكملا للتعلم الحضوري من جهة ، و من جهة ثانية أكد القانون الإطار على أهمية تنويع أساليب التكوين والدعم الموازية للتربية المدرسية المساعدة لها ، معلنا أنه سيتم إدماج التعليم الإلكتروني تدريجيا في أفق تعميمه . خلال هذه المرحلة عرف العالم الأكاديمي والتربوي مقاومة تحد قوي يتمثل بالأساس في تكييف التعليم مع حالات الطوارئ مما شكل نقلة نوعية كبيرة للأطفال لتنمية العمليات المعرفية والحركية والتنفيذية من أجل تحقيق أهداف معرفية و وجدانية و مهارية ، فمع تغيير الركائز التي بنيت عليها المجتمعات في زمن الجائحة و فرض العزلة الاجتماعية ، الأطفال خصوصا يعانون من أقسى تبعاتها و هي الحرمان من الولوج إلى الفصول الدراسية . فمع توالي أيام الإقامة الجبرية الآثار المترتبة عن تعليق الدراسة لدى الطفل تتجاوز الملل إلى المعاناة من آثار سلبية وخيمة على قدراته الإدراكية والمعرفية وعلى مشاعره مما يؤدي إلى هوة بينه و بين باقي أفراد أسرته و انفصال وجداني تام عن عالمه الخارجي . نخلص مما سبق عرضه و كدا من تناسل الدراسات التي تناولت الصحة النفسية للأطفال خلال فترة العزلة ، مراعية عدة عوامل تتراوح بين ما هو ذاتي موضوعي ، و ما هو كوني خارجي ، أن هناك ردود أفعال للأطفال صارت مثيرة للجدل من أعراض مزاجية كأن يصبح الطفل أكثر عصبية أو أسرع استثارة أو يغلب عليه الحديث عن الخوف. ، مع نقص الانتباه وضعف التركيز وسهولة التشتت مما يفضي إلى تغيرات سلوكية واضحة كزيادة الحركة أو نقصانها، زيادة التعلق بالوالدين ،اضطرابات النوم ، سمات عُصابية مثل قضم الأظافر ومص الإبهام وغيرها . و ذلك يختلف من طفل لآخر حسب عوامل عدة ، كمدى درجة تقييم شدة أو ضعف الحدث ، الدعم النفسي الذي يحصل عليه من الآخرين ، الصحة الجسدية و النفسية للطفل ، تاريخه النفسي و الأسري بخصوص الاضطرابات النفسية ، الثقافة الأسرية السائدة ، السن . الوقوع تحت وطأة كل هذه التشنجات ، يفرض على أولياء الأمور محاولة تجاوز هذا الوضع المقلق و ذلك بجعل عملية التعليم المنزلي أكثر سلاسة وإمتاعاً للأطفال وذويهم من خلال تهيئتهم نفسياً و إقناعهم بأن الدراسة مستمرة ولو عن بعد عن طريق الالتزام قدر المستطاع بروتين شبيه بذلك الذي كان متبعاً أيام الدوام المدرسي ، إذ لا بد أن يحاول أولياء الأمور قدر المستطاع تأمين جو أسري صحو للطفل من أجل المحافظة على تركيزه.، تنظيم وقته والاهتمام بصحته البدنية والنفسية. هكذا نستخلص أن استراتيجيات الحجر الصحي و خصوصا تعليق الدراسة مع معاناة البقاء في البيت و التي تختلف حسب الانتماء الطبقي قد تؤدي إلى انهيارات نفسية لذا علينا أن نجعل من الزمن الكوروني تجربة مشتركة تغتني بفضلها البشرية على الصعيد الروحي و الوجداني ، نحن على يقين أنه من الصعب التنبؤ بما سيكون عليه جيل الشباب في مجتمع الغد، ومع ذلك، يمكن القول إن عوالمهم ستتغير، لأن عوالم الكبار ستتغير بلا شك. فهل يمكن اعتبار جائحة كورورنا محكا لتحول تربوي و تعليمي عميق ممتد في الزمن ؟ وهل لنا الحق في وصف برامج التعليم الافتراضي بطوق نجاة المنظومة التربوية من الانهيار ؟ أم أنه مجرد زخم تعلم إلكتروني ديمومته فقط وجهة نظر و سينتهي بانتهاء الجائحة التي ولد من رحمها ؟ - الأستاذة رجاء قيباش / كاتبة / باحثة في علم الاجتماع / إعلامية / كوتش أسري و تربوي و مدربة معتمدة في التنمية ذاتية / المغرب .
#رجاء_قيباش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا سيد زماني
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|