|
العنصرية والتمييز العرقي جريمة مريعة بحق البشرية!
كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 6592 - 2020 / 6 / 13 - 14:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"العنصرية اليوم ليست أسوأ من ذي قبل، لكنها تصور الآن فقط".
هذا القول المعبر بوعي وقوة لواحد من المناضلين ضد العرقية والفصل والتمييز العرقيين يحمل في ثناياه آلام القرون المنصرمة، التي عانى منها الأجداد والجدات لأجيال كثيرة، وكذلك الآباء والأمهات، والأبناء والبنات حتى الآن، والتي تتجلى في ثلاث حقائق جوهرية: اولاً- إن العنصرية والتمييز والفصل العرقيين لم ينقطعا يوما، فقد كانا وما زالا مستمرين على مدى أربعة قرون؛ ثانياً- وان هذه العنصرية وكذا التمييز والفصل العرقيين، كانت وما تزال مقترنة بالفصل والعنف العنصريين. ثالثاً- وان الفارق الوحيد بين الماضي والحاضر هو ان العنصرية والعنف العرقي يتم اليوم تصويرهما ونشرهما على نطاق واسع. لم يكن قتل المواطن الأمريكي من اصول افريقية جديداً ولا غريباً على جهاز الشرطة الأمريكي، فعدد الذين قتلوا من المواطنين السود خلال عام 2019 وحده على أيدي الشرطة الأمريكية بلغ 1014 ضحية [جورج فلويد: 11 وفاة أشعلت احتجاجات ضد "وحشية" الشرطة الأمريكية، موقع بي بي سي نيوز،News BBC بتاريخ 09/05/2020.]، ولم يتوقف في عام 2020، كما لم يكن في السنين المنصرمة أقل من ذلك. ولكن الجديد في القتل المتعمد هذه المرة يبرز في الطريقة الوحشية البشعة التي مارسها الشرطي الأبيض في قطع انفاس الضحية وببطءٍ شديد استمر طوال 8:46 دقيقة من خلال الضغط الشديد والمركز بركبته على رقبة الضحية غير القادر على الحركة والمُمسك من قدميه وساقيه من شرطيين آخرين، في حين وقف شرطي رابع يراقب عملية القتل بدم بارد وسبق إصرار. لم تشفع عند الشرطي العنصري استغاثة المواطن الضحية جورج فلويد المكررة "لا أستطيع التنفس!"، ولا حشرجة صوته وهو يستغيث بأمه "ماما!". هذه الجريمة الجديدة شكلاً ومضموناً هزّت ضمير وحركت شعوب العالم غير الملوثة بالعنصرية والتمييز العرقي وأججت النشطاء المناهضين للفصل والتمييز العرقيين، فكانت المظاهرات في عدد متزايد من دول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى في العالم وحفزت على النقاش حول هذه المسألة التي تحصل في حضارة القرن الحادي والعشرين وفي دولة تعتبر نفسها حامية حقوق الإنسان، وهي تضحك، برئيسها النرجسي الملوث بالعنصرية، على ذقون شعوب العالم كلها! وبدأت القوى المناهضة تتحرك لمواجهة العنصرية والتمييز العنصري ضد السود أو الأجانب عموماً في بلدانها، لاسيما في دول الاتحاد الأوروبي حالياً. من المعروف أن الشخص الملوث بالعنصرية والتمييز العرقي والمشحون بالعداء العرقي ضد الإنسان الآخر، سواء أكان بسبب ما يسمى خطأ بـ "العرق" الآخر، إذ ليست هناك أعراق بالمرة فهي بدعة ونظرية خرافية وأسطورة خرقاء، أو بسبب اللون الآخر أو الدين الآخر او المذهب الآخر أو الجنس الآخر، يمكن في كل لحظة ان يمارس العنف ضد الآخر حين تحين له فرصة ممارسة ذلك، وحين يعتقد أو يدرك جازماً بان النظام القائم سوف يحميه من العقاب لأن النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم في الولايات المتحدة مبني في بنيته الأساسية والمؤسساتية على العنصرية والتمييز والفصل العرقيين. فالعنصرية والتمييز والفصل العنصريين لها تاريخ حافل وتقاليد تصل الى حدود أربعة قرون خلت في الولايات المتحدة الأمريكية أسسها الغزاة الأوروبيون ابتداءً من التجار الاسبان والبرتغاليين ومرورا بالإيرلنديين والإنجليز والهولنديين والالمان والايطاليين..، وجمهرة كبيرة من شذاذ الافاق والعاطلين والفقراء الذين رحلوا الى هناك للبحث عن الذهب والاغتناء، فأصبحوا "أصحاب الدار!!!" بعد كسر شوكة أبناء وبنات الوطن الاصليين، الهنود الحمر، ثم ممارسة التجارة التي عمل فيها الاسبان والبرتغاليون في اصطياد المزيد من الناس الافارقة من القارة الأفريقية ونقلهم عنوة وتحت حراب وتعذيب المستعمرين الأوباش وبيعهم في سوق النخاسة الى الأوربيين المهاجرين الجدد ليستعبدوهم ويحققوا الأرباح على حساب عذابات وآلام وأحزان وموت الملايين منهم خلال القرون المنصرمة. إن الحركة الشعبية المتصاعدة ضد العنصرية والتمييز العنصري في الولايات المتحدة في أعقاب مقتل جورج فلويد لن تتوقف وينبغي لها أن تتعاظم وتتسع بمشاركة المواطنات والمواطنين الأمريكيين البيض فيها، بما يسمح بإجراء تغييرات جدية ليس في قوات الشرطة فحسب، بل وفي النظام المؤسسي الأمريكي المبني على الأسس والذهنية العنصرية والتمييز العنصري. إنها اللحظة المناسبة في أن تنهض شعوب العالم لتندد بالعنصرية والتمييز العنصري وبجميع اشكال ومظاهر التمييز على أساس اللون أو "الأثنية" أو القومية أو الدين أو المذهب أو الجنس. إنها لحظة التضامن الذي يمكنه أن يحرك ويقضي على عبء القرون المنصرمة من معاناة لا حصر لها. وأكرر هنا قول الشاعر الفقيد كاظم السماوي: وإذا تكاتفت الأكف فأي كف يقطعون! وإذا تعانقت الشعوب فأي درب يسلكون! وشعبنا العراقي يدرك أهمية التضامن مع المواطنات والمواطنين السود في الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه هو أيضا يعاني من التمييز العنصري والديني والمذهبي والفكري، وهو المنتفض حالياً في مواجهة شجاعة وباسلة ضد النظام المحاصصي الطائفي الفاسد، وضد كل العنصريين والطائفيين والساعين إلى تكريس جميع أشكال التمييز في المجتمع العراقي، بما فيه التمييز ضد المرأة.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل من أمل واقعي في إقامة دولة فلسطينية مستقلة؟
-
عزيز محمد والأخطاء القاتلة في تجارب بناء الاشتراكية - [في ال
...
-
الشيخ الحيدري والسقوط المدوي لقوى الاسلام السياسي العراقية
-
هل قادة حزب الدعوة إرهابيون ماضياً وحاضرا؟
-
التمادي في نهب موارد الدولة من سلطات الدولة ذاتها والشعب يتض
...
-
متى تعود وحدة النضال العربي-الكردي إلى سابق عهدها؟
-
الثقة إن وجدت بالحكومة جيدة، الرقابة على أفعالها هي الأجود!
-
الولادة العسيرة لحكومة الكاظمي والمسيرة المطلوبة
-
يجب ألَّا ينجو حكام العراق من أقصى العقوبات!
-
تحية نضالية لعمال العراق والعالم في الذكر السنوية لعيد الأول
...
-
هل من سبيل للخروج من الأزمة السياسية العراقية؟
-
الرأسمالية العالمية قبل وبعد كورونا!
-
مستقبل العراق بين حمق وجور الأحزاب الطائفية الفاسدة والانتفا
...
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
-
النظام الرأسمالي ما بعد كورونا، هل من جديد؟ في ضوء مقال السي
...
-
مصطفى الكاظمي والدولة العميقة
-
كيف التعامل مع -شعار وطن حر وشعب سعيد-؟
-
الماضي هو الحاضر في زمان الأوبئة والانحطاط في العراق!
-
العراق بؤرة خطرة للصراع الإيراني – الأمريكي
-
وباء كورونا والأوبئة الأخطر في العراق!
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|