|
سليم بركات يبوح بسر محمود درويش
الحسين افقير
كاتب مغربي .
(Houcine Oufkir)
الحوار المتمدن-العدد: 6591 - 2020 / 6 / 12 - 09:57
المحور:
الادب والفن
فجّر الشاعر الكردي السوري، سليم بركات، جدلاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب مقالة بعنوان "محمود درويش وأنا" في "القدس العربي"، أورد فيها أن صديقه الشاعر محمود درويش كان قد أسرّ في أذنه بأنه أبٌ وله ابنة اختار عدم التعرف عليها. وهي معلومة صادمة لقراء درويش الذين يعتبرونه أيقونة ويرفضون خدش صورته. وهذه المعلومات التي أوردها سليم بركات هي معلومة صادمة ومفاجئة لقراء درويش الكثيرين لكون هذا الأخير كان معروفا عنه عزوفه عن الإنجاب وتحمل مسؤولية الأبوة وتحفظه على التجربة الزوجية. غير أن هذه المعلومة تبقى صحتها على عهدة قائلها سليم بركات خاصة وأن المعني بالأمر رحل إلى دار البقاء. الكل يتسائل لماذا سليم بركات خرج في هذه الظرفية ونشر مؤلفة وأفشى سر صاحبه. في معرض مقالة نشرها في صحيفة “القدس العربي” السبت 6 يونيو-حزيران 2020، أن درويش كشف له خلال لقاء بينهما أنه أنجب طفلة وهي ثمرة علاقة عابرة كانت تربطه بإحدى السيدات.وأورد بركات أن هذه المعلومة وردت في سياق كانا يتحدثان فيه عن هواجس الأبوة والإنجاب وكتب ما يلي: “ألقى عليَّ، في العام 1990، في بيتي بنيقوسيا ـ قبرص، سِرًّا لا يعنيه. كلُّ سِرٍّ يعني صاحبَه، لكن ذلك السرَّ لم يكن يعني محموداً. باح به بتساهُلٍ لا تساهلَ بعده….لي طفلة. أنا أبٌ. لكن لا شيء فيَّ يشدُّني إلى “أبوَّةٍ”، قال. كنا نتبادل كشتباناتٍ من تدريب اللسان على الأبوَّةِ (مُذْ صارت زوجتي حاملاً) قبل تدريب الوجدان على الأبوَّةِ. ليس الأمر أن يكون المرءُ أباً لسليلٍ من لحمه، بل أن تكون الأبوَّةُ، ذاتُها، على قُرْبٍ لَمْساً من السَّليل. أبوَّةٌ لم تَلْمَسْ بيديِّ الجسدِ سليلَها؛ لم ترَ بعينيِّ الجسدِ سليلَها، أبوَّةٌ فكرةٌ. الغريزةُ قُرْباً، والغريزةُ لَمْساً، والغريزةُ علاقةً، هي أمُّ الأبوَّةِ، وأبوها. محمود، حين كلمني عن أبوَّتهِ المتحقِّقة إنجاباً محسوساً، كلمني عن فكرةٍ في عموم منطقها بلا تخصيصٍ. أنا لم أسأله مَنْ تكون أمُّ طفلته. امرأة متزوجةٌ، اختصاراً، أخذت منه برهة اللحم لذَّةً من لذائذ المفقود المذهل، فاحتوتها كياناً لحماً. هل ستفاتح تلك المرأة ابنتَها، في برهة من برهات نَقْرِ السرِّ بمِنْسَرهِ على اللحم، تحت الجلد، بالدم “الآخر”، فيها؟ لا أعرف إن كان محمود يتفكر في الأمر، الآن، جالساً في استراحة الرحلة إلى الأبدية، على مقعد من برهان الكلمات” وأثار مقال سليم بركات حفيظة البعض الذي اعتبرها خيانة للأمانة وإفشاء لسر خاص كان من الواجب كتمانه وصونه. ومن هؤلاء الشاعر السوري نوري الجراح الذي نشر تدوينة في حسابه بموقع فيسبوك ألقى فيها باللوم على بركات وكتب التالي: "لماذا يا سليم بركات الذي أحب؟ ... ما حاجتك إلى حكاية كهذه؟ ... استودَعَكَ وهو حي سراً، فلماذا تفشي سر الصديق، والصديق غائب وليس له لسان؟" أما الشاعرة الفلسطينية أسماء عزايزة، فقد أعربت عن امتعاضها من إقدام بركات على إفشاء "أبوة درويش السرية". وكتبت في حائطها في موقع فايسبوك: “... يأتي علينا الآن بهدوء شديد ولغة بالغة التزويقات الشاعر سليم بركات ليفشي أسرار أصدقائه الموتى. ماذا جنى من هذا "السبق"؟ مادة أخرى يتندر بها العرب ويرغون أحاديثهم؟" وعزى المغردون ومتابعو وسائل التواصل الاجتماعي الجدل إلى كون سليم بركات ومحمود درويش صديقين حميمين، وبأنه لا يمكن للصديق إفشاء أسرار صديقه، مهما مر الزمن. لا أعرفُ؛ ما الذي دفع ناقداً مرموقاً وحصيفاً ورصيناً ومحترماً مشهوداً له، من وزن فخري صالح، إلى فتح مشتمة على صفحته الفيسبوكيّة بحقّ بركات، وفي ظنّهِ أنه يردُّ عليه، ويدافع عن درويش ويردُّ عنه “الشبهات والأقاويل”؟ عيب ان نقرأ مثل هذه التعاليق من كاتب مرموق كصالح فخري "ما كتبه سليم بركات عن علاقته بمحمود درويش صادمٌ ومريب، ويشير، في الوقت الذي يدعي فيه سليم حبَّ درويش وبنوتَه له، إلى رغبة في إلحاق الأذى بالشاعر الراحل، وغيرة مستحكمة وضغينة مضمرة، وادعاء بأهمية شعرية توازي أهمية درويش، في مقالة فيها الكثير من البلاغة الممجوجة والتقعر والإغراب اللغوي، مما يثقل على النفس ويشعر القارئ بالملل والرغبة في الترك وعدم المتابعة. وما يدعيه بشأن السر، الذي استودعه إياه درويش قبل اثنين وعشرين عاماً، بأن له ابنة غير شرعية من علاقة عابرة مع امرأة متزوجة، سقطة أخلاقية غير مغتفرة وإثارة تافهة لا تليق بشاعر يدعي أنه كبير، والأفظع من ذلك أنه يعترف أن درويش عامله كابنٍ، بل ندٍّ، له. فأن يذيع الصديق سر صديقه، الذي رحل عن عالمنا، وليس في مقدوره أن يرد أو يصحح أو ينكر، يدل على انحدار القائل إلى حضيض أخلاقي تأباه الصداقة الرفيعة والمناقبية الأخلاقية. لا ندري صحة ما رواه سليم بركات عن درويش لأن الرجل لم يعد بيننا ليعترف أو ينكر صحة ما رواه لـ"صديقه سليم بركات!". لكن ما ندريه أن هذه المقالة، التي يدعي بركات أنه كتبها عام 2012، ثم نشرها عام 2020، متأخراً كل هذه السنوات (!)، سقطةٌ كنا نربأ بكاتب وشاعر نحبه ونقدره أن ينجرَّ إليها. وهناك تعليقات أعجبتني لمواقف بعض المعلقين والمعلقات "على المنشورات" وهم يؤكدون أن حبهم لمحمود درويش يدفعهم للاحتفال بابنت هتلك،ورؤيتها لعلى تعزي فقدهم لشاعر كبير بذلك يمكن ان يعتبروا ان درويش معنا بنسله ، بانتظارإعلان اسمها من قبل أمها، أومن قبلها، إن كانت على علم، متلهفين لمعرفتها، لأنها- بهذا- ستكون أحد أعظم الأعمال الإبداعية لدرويش. وذهبت العديد من المعلقين على الموضوع في وسائل التواصل الاجتماعي في الاتجاه ذاته معتبرين أن الأمر يتعلق بالحياة الشخصية للشاعر الراحل وأنه من غير اللائق إفشاء أسرار الأصدقاء، بينما اعتبر البعض الآخر أن تفاصيل حياة درويش تهمه وحده في حين يبقى تراثه الشعري وقصائده ملكا للجميع. وأكد سليم بركات في معرض الكشف عن سر درويش الكبير أنه لا يعرف شيئا عن هوية المرأة التي أنجبت هذه الطفلة لأن درويش لم يذكر أي اسم أمامه. كما أنه تساءل عما إذا كانت السيدة المعنية قد كشفت لابنتها حقيقة والدها، وهذا ما قد يفتح باب التأويلات والتخمينات على مصراعيه بين مصدق ومكذب لهذه الرواية. وربما قد تتناسل مستقبلا حكايات هنا وأخرى هناك عن سيدة تعلن أنها أم الطفلة المفترضة لصاحب “أحد عشر كوكبا”. ومن أبرز التعليقات في الفايسبوك عن "البوح الصادم". نجد تعليق الكاتب الجزائري ، والكاتب العراقي علي بدر سنعرض عليكم تعاليقهم على منصة الفايسبوك، تدوينة واسيني الأعرج . "في تحطيم أيقونة درويش وشنق سليم بركات؟ في تمجيد سيرفانتس وهنري ميلر والبير كامو... واسيني ما هذا الذي يحدث؟ من أين جاءوا؟ يشهد العالم اليوم غضبا شديدا ضد العنصرية، وتحطيما شاملا لتماثيل العار التي تمجد رواد العبودية. فجأة اكتشفنا مع سكان هذه المعمورة أن المدن الجميلة التي نسعد بها سياحيا وثقافيا، مليئة برموز الموت والعنصرية، في أوروبا وأمريكا وآسيا، في عصر حقوق الإنسان. في اللحظة نفسها، في الزمن نفسه، نغمض أعيننا ونحمل معاولنا لتحطيم أيقوناتنا ومنها درويش. السبب، أن الشاعر والروائي السوري الكردي الكبير، الذي اختار العربية وطنا له، سليم بركات، الابن الجميل لدرويش كما يصف نفسه بنفسه، كشف السر المخبوء؟ ما هو هذا السر العظيم الذي هز العالم العربي إعلاميا؟ درويش انجب بنوتة خارج علاقة الزواج من سيدة، لا احد يعرف من هي، وترك لها حرية الإفصاح. "محمود لم يسأل المرأةَ، حين انحسر اعترافُها، وانحسرتْ مبتعدةً في العلاقة العابرةِ، عن ابنته. أبوَّتُه ظلَّتْ تبليغاً موجَزاً من صوتٍ في الهاتف عن ابنةٍ لم تستطع العبورَ من صوتِ أمها إلى سمع أبيها. لذا محمود بلا أبوَّةٍ، كأنَّ الأمرَ كلَّه اعترافٌ صغيرٌ لصديقِ سنينَ طويلةٍ من عمره، بلا متْنٍ من توضيح في اللغة، أو هوامشَ إضافاتٍ، أو حواشي متجانسةٍ. أنا، نفْسِي، تلقَّفتُ اعترافَه بلا فضولٍ: لكانَ أنبَأَني من تكون المرأةُ لو كنتُ أعرفها. وها الفضولُ، خاملاً، يعبر خاطري بعد اثنتين وعشرين سنة. لابأس. أنا أُلفِّقُ لتلك الأبوَّةِ إقامةً في الكلمات، الآن، مُذْ كُنا إقامةً في الكلماتِ مُلفَّقةً بسطوةِ الشعر وبطشِهِ. لكنه التلفيقُ الأنقى مُذْ كانت الأمكنةُ ناكثةً بوعودِها ـ وعودِ الأمكنة." فجأة أصبح درويش غير مرغوب فيه، ووشاية سليم مصدر لعنة لم يبق بعدها إلا الشنق في ساحة من الساحات العامة. درويش/ سليم هما موضوع الساعة، إذ غطت قضيتهما على العنصرية العالمية، والظلم الإنساني، وكورونا فيروس. ألهذا الحد يهم فراش درويش، وعاطفته، وحياته الجنسية الأمة كلها؟ درويش إنسان كما جميع البشر، يحب ويكره، يصيب ويخطئ؟ ومثله سليم الذي لا أعتقد مطلقا أنه قصد الإساءة لوالده. في النهاية هل يؤثر ذلك كله على كون درويش شاعرا عظيما؟ أبدا. ماذا نقول عن آرثر ميلر إذن الذي نقرأه بمتعة؟ عن أناييس نين التي نمجدها فنيا ونقديا؟ كيف سيكون حكمنا على سيرفانتس إذا عرفنا أنه كانت له ابنة من غير زوجته ؟ بل ماذا نقول عن كاتب الغريب وماريا كازاريس؟ اتركوا الناس وشأنهم واهتموا بأدبهم فهو الأبقى والأجمل. سيظل درويش كما كل عظماء العصر، كبيرا، وكلما قرأناه، أصبنا بدهشة جديدة. سيرة حياته ربما ستكتب يوما عندما يقبل المثقف العربي ليس فقط بالاختلاف، ولكن أيضا بالحياة الخاصة للكاتب. ربما يكون سليم ب"زلته" الوجدانية العامرة حبا لدرويش، قد فتح صفحة أخرى في كتابة السير الخفية في عالمنا الأدبي المغلق. انتبهوا. في بلداننا توجد أيضا عنصرية رخيصة، علينا أن نتنبه لها". اما الكاتب العراقي علي بدر فقد غرد مستعرضا تاريخهما معا " عن سليم بركات ومحمود درويش زار سليم بركات بغداد في العام 1986 مدعوّاً لمهرجان المربد الشعري والذي يعدّ الأهمّ والأشهر ذلك الوقت. جاء برفقة محمود درويش، حيث كان يعمل معه محرراً في فصلية الكرمل، المجلة التي أطلقها محمود درويش في العام 1981، وعمل فيها بركات سواء في بيروت منذ انطلاقها في العام 1981 أو عند انتقالها إلى قبرص بعد أن خرجت المقاومة الفلسطينية من بيروت في العام 1982، وحتى العام 1993 حيث انتقلت المجلة إلى رام الله بعد اتفاق أوسلو بينما انتقل سليم بركات لاجئاً سياسياً إلى السويد. ورحلة درويش إلى بغداد في زمن صدام حسين، والحرب العراقية الإيرانية، ومذبحة الشيوعيين واليسار في العراق أثارت زوبعة هائلة من قبل الشعراء العراقيين وبعض اليسار العربي ومن الماركسيين تحديداً، والذين كانوا معارضين ويعيشون في المنافي ذلك الوقت، اشهرها الرسالة المفتوحة التي كتبها هادي العلوي لمحمود درويش واتهمه فيها اتهامات أخلاقية واضحة، والنقد الذي وجهه له كنعان مكية في كتابه القسوة والصمت الذي صدر بالانكليزية في العام 1993 عن دار بانتيون، حيث ركز مكية على جملة وردت في كلمة درويش في المهرجان "شكراً لقمر بغداد الليموني"، والتي فسرت على أن المقصود فيها هو صدام حسين، والردود التي وجهت الى كنعان مكية من إدوارد سعيد، فواز طرابلسي، صبحي حديدي وغيرهم. من حمل الدعوة، في ظني، إلى سليم بركات في قبرص ذلك الوقت، روائي عراقي كبير، ويقال إن سليم بركات اعتذر في البداية متعلّلاً بأنه غير معروف في بغداد وأن كتبه ممنوعة هناك، فأخرج له الروائي العراقي من جيبه مقالة صغيرة كان قد كتبها نصيف الناصري وهو أشهر شاعر سوريالي ذلك الوقت عن سليم بركات وأثره في شعراء جيله من الثمانينات، وكان الشعراء العراقيون الشباب ذلك الوقت قد قرءوا ديوانيه "الجمهرات" الذي صدر آخر العقد السبعيني، و"أبعثر موسيسانا" الذي صدر في بدايته، وكانا متوفرين في بغداد في الثمانينات حسب ما سمعت، فسرعان ما قبل سليم الدعوة وجاء إلى بغداد. كان المزاج الشعري في الثمانينات يرتكز على اللغة والغموض والتعمية والارتكاز على معجم قديم وبائد، وشعر آدونيس في المقدمة حيث أثر بطائفة كبيرة من شعراء السبعينيات والثمانيات شعريّاً وفكريّاً، وكتابه "الثابت والمتحوّل" مقدس الأجيال اللاحقة ولا سيما في الثمانيات. وأسبابه عديدة، كانت نوعاً من الهروب عن التصريح بموقف واضح من الحرب من جهة، ومن جهة أخرى من سلطة استبدادية في أعتى قوتها، ولديها ايديولوجية سياسية وثقافية راسخة. فعلى خلاف السلطات الاستبداية في العالم العربي التي كانت تعير الاهتمام فقط للمواقف السياسية وتهمل الموقف أو النص الأدبي، كانت السلطة في العراق ممثلة بشعراء وكتاب مهمين أيضاً تتدخل في شكل الكتابة، وتحاسب على النوع أو الجنس الأدبي كموقف سياسي فكان من غير الممكن في ذلك الوقت إبراز هوية سياسية أو ثقافية أو شعرية مخالفة للسائد إلا عبر لغة غامضة، واستعارية، وترميزية وبالتالي كتابة نصوص من الصعب استنطاقها وهكذا انتعش في العراق شعر بركات المتأثر أصلاً بشعر آدونيس مثل أغلب شعراء السبعينيات "قاسم حداد، زاهر الجيزاني، خزعل الماجدي، محمد بنيس". وكان آدونيس هو الذي نشر له ديوانه الأول "كل داخل سيهتف لأجلي وكل خارج أيضا" والذي صدر في العام 1973 عن مجلة مواقف. وهي المجلة التي أطلقها آدونيس بعد أن توقفت مجلة شعر التي أطلقها يوسف الخال في الستينيات وكانت أهم مجلة ثقافية وشعرية حينذاك. كما أن أغلب الشعراء الذين روجوا لشعر بركات هم من الشعراء الجنود الذي كانوا يخدمون في جبهة الحرب في الثمانينات. لذلك انتعشت كتابات سليم بركات بقوة في الجيل الذي كان يسمى المرحلة الأخيرة من جيل الثمانينات، وأغلبهم نشروا قصائدهم في مجلة الطليعة الأدبية، ومن ثم جمعت قصائدهم في كتاب انطلوجيا الموجة الجديدة الذي نشر في العام 1986 أيضاً بأشراف عرابيّ الجيل، زاهر الجيزاني وخزعل الماجدي. حين وصل بركات إلى بغداد، كان أغلب الشعراء الشباب في الجبهة، من لم يحصل على إجازة أو دعوة هرب ذلك الوقت ووصل إلى بغداد للقاء سليم بركات، بالرغم من أن عقوبة الهروب هي الإعدام والسلطة في العراق لا تمزح، لكن المغامرة واللعب مع الموت يستحقان لقاء شاعر أحدسوا أنه سيحدث زوبعة. فبركات لم تكن له الأهمية الشعرية ذاتها التي لمحمود درويش أو الفيتوري أو سركون بولص أو حسب الشيخ جعفر ممن حضر المربد ذلك العام، ولكنه قادر على إحداث مشكلة، بدفع من الشعراء المهمشين ذلك الوقت من السلطة السياسية والذين أحاطوا به كرمز أقلياتي كردي أمام سلطة قومية عربية شوفينية، وشعري يستخدم اللغة العربية استخداماً سياسيّاً مضاداً، وهو من جانبه قدّر هذه المناسبة بطريقة بالغة الذكاء، فقرأ قصيدة مهداة إلى سعدي يوسف، وما أن لفظ اسم سعدي يوسف حتى تجمدت القاعة ذعراً، فقد كان اسم سعدي يوسف من المحظورات في سلطة صدام حسين، وقد أزيل تماماً لمحو ذاكرة ثقافية كاملة. وكما أنه سيعرّض منظّمي المربد لمسائلة قاسيّة، والسؤال هو من دعا سليم بركات إلى المربد؟ فتهجم عليه بعض الشعراء والنقاد المرتبطين بالسلطة والذين ارتبكوا أمام هذا الحدث غير المتوقع، (لا أريد ذكر الأسماء)، لكن هذا جعل سليم بركات يسير وهو محاط بمريديه أشبه بالملك، كما أنه قدر ربما متأخراً ما أقدم عليه، فخشي على نفسه، فقطع الزيارة وعاد إلى قبرص، وكان عدد الكرمل الذي صدر بعد هذه الزيارة ضمّ القصائد الأشهر لنصيف الناصري، مع شعراء آخرين هم الأهمّ من جيل الثمانيات العربي مثل أمجد ناصر وغسان زقطان وغيرهم.
خرج سليم بركات من دمشق في العام 1971 إلى بيروت كان قد نشر بعض القصائد في مجلة الطليعة من بينها نقابة الأنساب التي ضمها إلى ديوانه الأول " كلّ داخلٍ سيهتف لأجلي وكلّ خارج أيضاً" والذي نشره له آدونيس في العام 1973، ومن ثم نشر له الكثير من قصائد ديوانه الثاني أبعثر موسيسانا صدر في العام 1975، ومن ثم ديوانه الثالث الأشهر "للغبار، لشمدين، لأدوار الفريسة وأدوار الممالك" الذي صدر في بيروت في العام 1977، وكانت فرادة كتابات سليم بركات حينها بعودته إلى المعجم العربي القديم في الوقت الذي أخذ فيه الشعر العربي يتجه إلى لغة يومية واضحة، مأخوذاً بشعر الماغوظ وفي ديوانه الأشهر "الفرح ليس مهنتي" والذي دفع الشعر العربي إلى منطقة جديدة تماماً. وكذلك باحتفاء سليم بركات بفضاءات الحياة اليومية الكردية التي كانت غريبة على الشعر العربي كما في قصيدته "دينوكا بريفا" التي نشرتها مواقف في العام 1972، وديلانا وديرام وغيرها من القصائد، وكان هذا النوع من الكتابة قد دشنه سركون بولص بقوّة في قصائده حيث أحيا الفضاءات الآشورية في شعره بطريقة سرديّة وقد نشرت له مجلة مواقف الكثير من هذا النوع من القصائد، وآثارها على شعر سليم بركات واضحة. ما ورد في مقالة سليم بركات الأخيرة ليس مستغرباً، فهو شاعر اعتاد إثارة الزوبعة، وهو يدرك ان حدثاً شخصياً تافهاً "البنت المزعومة لمحمود درويش" بكل المقاييس قادر على إثارة رأي عام عربي ضده، وليس ضد درويش مطلقاً، فدرويش تحول إلى أيقونة عند جيل لا يعرف تاريخ الأدب العربي ولا يفهم فيه، وربما هذه هي واحدة من الأسباب التي جعلت سليم بركات يثير هذه الزوبعة، مع أسباب عديدة، ففي الزمن الذي كان يحيا فيه درويش لم يكن هو الأهم شعرياً لا عند الشعراء ولا عند المثقفين، كانت شهرته جماهيرية فقط، كان هنالك آدونيس، عبدالصبور، سعدي يوسف، الماغوط، أنسي الحاج، وغيرهم، ولكن بعد وفاته تحول إلى أيقونة وخصوصا عند الجيل الجديد فأثار حساسية الكثير من الشعراء. من يعرف محمود درويش يعرف جيداً أنه يجيد اختراع قصص من هذا النوع للتسلية، لا أظن أن سليم بركات صدقه حينها، على الأرجح أراد تصديقها مؤخراً، فكتب مقالته وبالطريقة التي يجيد فيها أن يثير حساسية العرب أمام جهلهم بلغة بائدة وحساسيتهم الأخلاقية التي لم تتحرر من كل شيء قديم وبائد. سأتكلم لاحقاً عن علاقتي بمحمود درويش الذي تعرفت عليه قبل وفاته بعامين في سيئول في كوريا الجنوبية، وقد دخلت معه بحوارات طويلة وممتعة. وجاءت تعليقات المغردين بأن درويش بشر وليس منزها عن الإثم، رغم كونه شاعر كبير ومعروف، وليس إلها كى لا يخطئ، وأن ما فعله بركات هو الترويج فقط لسيرته الذاتية التي سوف يطرحها قريبا في كتاب، فيما اتهم آخرون الشاعر سليم بركات بأنه يحاول إعادة صياغته مرة أخرى على حساب درويش، وأوضح أخرون أن كتابته لا ترقى لأن يكون رفيقا لدرويش.وهناك من ذهب الى ابعد وشتم الكاتب سليم بركات وسبه ونقص من مرؤته ، وتعاليق فيها الكثير من التجريح بحق سليم، بسبب بوح هذا الأخير بسر درويشي قاله له.
#الحسين_افقير (هاشتاغ)
Houcine_Oufkir#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يراها
-
وانادي
-
وجع
-
الليل
-
ليلته معها
-
تساؤلات
-
رنة رسائلها
-
يتخيلها
-
ينتظر ردها
-
فاكهة اول واخر ليل
-
إقرأ فكرها
-
حاولت
-
لا تنتظر
-
سرنا
-
أيها العاشق
-
متى ؟ وكيف؟
-
قبلة
-
تراتيل
-
مساء الخير
-
غزوات العشق
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|