المهدي بوتمزين
كاتب مغربي
(Elmahdi Boutoumzine)
الحوار المتمدن-العدد: 6591 - 2020 / 6 / 12 - 03:19
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
تحل الذكرى السادسة لوفاة المفكر المناضل و عالم المستقبليات البروفيسور المهدي المنجرة, لتؤكد على صدقية كتاباته و اَرائه التي وَجدت موقعا ساميا لها في دول العالم . فهو المفكر الذي سبق و اعتبر أن إنتفاضة شاملة ستقع في العالم العربي و أن الشعوب لا يمكن أن تستمر في قبول الذل و الإهانة المنبثقة من الدول و المنتظم الدولي و من الحكومات الوطنية و الأخرى التي تَبرز بسبب قبول الإهانة و عدم القيام برد فعل اتجاه ذلك.
اعتبر المهدي المنجرة أن إشكالية العالم العربي هي إشكالية أخلاقية بالدرجة الأولى , فلدينا مسؤولون باعوا أنفسهم في سوق البورصة و قبلوا أن يكونوا أدوات تحت تصرف الاَخر . و هكذا ضاعت المدافعة و المناصرة لقضايا وطنية و قومية و تم التَبلُّغ بأوامر الدول صاحبة الوصاية , ما أحدث هوة عميقة بين قرارات الحكومات و مواقف الشعوب .
القضية الأبرز في هذا السياق تتعلق بالقضية الفلسطينية على اعتبار مقامها الديني و التاريخي , فالشعوب ترفض أية تغييرات في الجينات الهوياتية لهذا البلد , لكن الحكومات بما فيها السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح تعتمد في برنامجها السياسي قبول طرح الدولة الفلسطينية المكونة من الضفة و غزة و القدس الشرقية .
موقف الجامعة العربية ظل يكتفي بإقامة الولائم ثم التنديد بخطابات دبلوماسية مبتذلة , بما يشبه حبكة جيدة لسيناريو و إخراج فيلم كوميدي لعادل إمام . في كتاب الإهانة في عهد الميغاإمبريالية خلص الأستاذ المنجرة إلى ما فحواه أن الجامعة العربية بدأت كاَلة للإستعمار و لا تزال , وقد أصبحت مكينة للإستعمار الجديد, و البون بين الإستعمار القديم و الجديد هو أنه في هذا الأخير أصبحت القيادات العربية نفسها مستعمرة . الإدارة الأميركية و الغربية تملك اليد الطولى في العالم العربي من خلال قواعدها العسكرية و جيوش استخباراتها و الهيئات الرسمية و غير الرسمية و الأنظمة البيحكومية و صندوق النقذ و البنك الدولي . فواشنطن لا يهمها ما سيتفق عليه الأطراف في الجامعة العربية لأن الأمر يماثل عقد الإجتماع في البيت الأبيض أو الإليزييه ؛ و ما قد يبدو انتصارا للجامعة العربية لا يعدو في الأمر الواقع كونه تراجيكوميديا و فوزا صوريا يخفي وراءه حقيقة استفادة الطرف الاَخر و إجحافا في حق الذات , إنه انتصار يماثل اتفاقية كامب ديفيد و أوسلو التي تسلم فلسطين و تنزع سلاح الفلسطنيين و تقيد الشعب عن الإنتفاضة بسبب اتفاقية سميت بالسلام .
نعيش اليوم أزمة حقيقية بسبب الوضع المأساوي في العراق مثلا , هذا البلد الذي كان من طلائع البلدان , أضحى اليوم ثقلا على كاهل الجسم العربي بسبب ما يسمى الإرهاب . و الذريعة لغزو هذا البلد كانت بحجة امتلاكه أسلحة نووية أو منعه من ذلك , ثم كشفت التقارير أن الأمر كان خطأ و سوء تقدير و تسرعا سيئا في هذا الباب , دفعت برئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير إلى تقديم اعتذاره فقط . فهل يكفي الإعتذار من الشعب العراقي الذي دُمر بلده عن بكر أبيه و أصبح يتذيل اقتصادات العالم و أصبح جواز السفر العراقي يشبه بطاقة سوابق سوداء مثخنة بجرائم الإرهاب و التطرف و البربرية .
ثم لماذا لا يخرج الرئيس الأميركي أو الناطق باسم البيت الأبيض ليقدم اعتذارا رسميا للشعب العراقي و تقدم التعويضات لهذا البلد العربي ؟ لماذا رفض البرلمان التونسي مؤخرا – أو الإدارة الفرنسية في تونس- مشروع قانون يروم إلى دفع فرنسا لتقديم اعتذار للشعب التونسي عن فترة استعمارها لهذا البلد ؟
و في مقابل ذلك مازلت الإدارة الأميركية تعد قانون جاستا أو العدالة ضد رعاة الإرهاب الذي يهدف إلى تعديل قانون حصانات السيادة الأجنبية , و بموجبه ستتمكن أسر ضحايا أحداث 11 سبتمبر من مقاضاة دول عربية من بينها السعودية و التي قد تُفرغ خزيتنها بسبب ذلك . نحن ضد العنف و لكن لابد من دمقرطة العنف ليصير حقا شخصيا للجميع , أما ممارسة العنف على الفلسطيني و العراقي و المسلم و العربي و الإفريقي مجانا و علنا فهذا ضرب من العبث السياسي و القانوني .
إن الدول العربية تقبل الإهانة ومن رفض ذلك دفع الثمن كاملا , لقد أضاع العالم العربي المبادرات الحقيقية للتغيير كتوحيد العملة و الإستغناء عن الأورو و الدولار الأميركي و إلغاء الحدود البرية بين العالم العربي و ربط متين بين دول المشرق و المغرب و الخليج و الإعتماد على الذات في التسليح و التعليم و البحث العلمي و الإهتمام باللغة العربية و الثقافة و الموروث المشترك بين الجميع , ولمنع قيام صرح هذا الإتحاد زُرعت إسرائيل كدركي أو شرطي مراقبة في المنطقة و بدأ تقسيم و تمزيق الجسم العربي بمؤتمرات و اتفاقيات الخيانة و الحرب بالوكالة و تطعيم الخلاف السني الشيعي و العربي الأمازيغي و بين الفرق الإسلامية و هلم جرا .
ألم يدرك العالم العربي بعد أن الرهان على النموذج و الخطة الغربية لا يوافق تطلعاته و خلفياته الدينية و الثقافية و تاريخه المشترك ؟
يذكر الشاعر الهندي طاغور في سيرته الذاتية, أنه خلال زيارته لمدينة برلين إلتقى بعالم الرياضيات ألبيرت إينشتاين , فأعرب طاغور عن ولعه و حبه للموسيقى الكلاسيكية الغربية كونها تحمل خيالا و روحا عمييقين , فكان رد إينشتاين صادقا و جافا حيث رد أنه لا يفهم الموسيقى الهندية و يصعب عليه التعامل مع أحكامها .
في معرض جوابه عن أحد الأسئلة قال المهدي المنجرة أن الخروج من الحالة المزرية للعالم العربي يقوم على احتمالين : إما تحصيل حد أقصى من الوعي و الصبر للشروع في التغيير التدريجي و هذا أمر غير وارد في الحالة العربية, لكون السلطة الحاكمة ترفض أية مبادارت شعبية و لإتساع الهوة بين الشعوب و حكوماتها , و الإحتمال الثاني هو انتظار إنتفاضات يفرضها زمن الذلقراطية و ليس الديمقراطية .
أننا نحيي ذكرى رحيل البروفيسور المنجرة و نحن نرى انتفاضات عربية و ثورات مضادة و إعادة رسم خارطة العالم العربي , لنتساءل عن دور المثقفين و المفكرين و المجتمع المدني و الأحزاب السياسية و الإعلام في توعية الشعوب و مواكبة و سبر أغوار مشاكله العميقة بدل تمييع المواقف و الأخذ بما يطفو على النهر فقط .
إنه بفقدنا للأستاذ المنجرة نكون قد أضعنا بوصلة صادقة لمعرفة الذات و الاَخر و التخلص من مركب النقص و التوهم أن الاَخر أفضل , لنشرع في تقليده في لسانه و ملبسه و حركاته و سكناته و اَرائه .
رحم الله الأستاذ المهدي المنجرة و السلام على روحه الطاهرة .
#المهدي_بوتمزين (هاشتاغ)
Elmahdi_Boutoumzine#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟