|
شبكات التواصل الاجتماعي: هل عقلنتها ممكنة؟!
حمّودة البريني
كاتب
(Brini Hamouda)
الحوار المتمدن-العدد: 6590 - 2020 / 6 / 11 - 10:02
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
لا يختلف اثنان، حول ماهية شبكات التواصل الاجتماعي منذ مبعثها الأول، من حيث مشروعيتها والدافع إليها والغاية منها، إضافة إلى ما تحتكم إليه من آليات و"ميكانيزمات" داخلية تنظم عملها.وهو موضوع دراسة ليس هذا مجالها. و إنه لمن دواعي التبسيط، أن ننطلق من تعريف لغوي أساسه ما تحوزه من حقل دلالي واسع يمكن أن نختصره في وظيفتها المعلنة لفظا وهي: " التواصل الاجتماعي". إن هذه الضرورة الاجتماعية " التواصل" جاءت لتجيب عن حاجة انسانية ملحه من دونها لن تكتمل انسانية الانسان باعتباره كائنا اجتماعيا ومدنيا بطبعه..ومن هذا المنطلق اتخذ من هذا الفضاء مجالا خصبا لتطارح الأفكار قصد مناقشتها ونقدها إثراء وتعديلا وتطويرا ومن ثمة اعتناقها أو دحضها.. وهو طريق إلى الإنماء و الرقي محوره الانسان في البدأ والمنتهى. تنحت على دربها الأفكار وتصقل حتى ترتقي إلى مستوى المبادىء والمقاييس فتعتمد.
إنها لمن الغايات السامية والنبيله وستظل كذلك..لكن شيئا من الخوف والقلق يظل يساورنا في حضور عديد المحاذير التي باتت تحف بهذه الفضاءات..حتى نالت من سمعتها ولم تبق على رصيدها الذي حظيت به وهي لا تزال تخطو خطاها الأولى..وحتى يكون استخدامنا لهذه الفضاءات استخداما مدركا و واعيا لا يجب أن نغفل ولا أن نتساهل مع هذه المحاذير: * إذا كانت شبكات التواصل الاجتماعي فضاء عاما يشبه كل الفضاءات العامه التي يشغلها كل البشر..على اختلافاتهم في الدوافع والمنطلقات و الميول والمناحي والأهواء والغايات..و ومن ثمة لا بد أن ننتبه إلى أن هؤلاء يقتحمون هذا الفضاء محملين بمآثرهم الخاصة و نقاط قوتهم ونقاط ضعفهم ليبثوا فيه جل تناقضاتهم وحتى أمراضهم..ومن هنا قد يتحول هذا الفضاء إلى فضاء موبوء تتسمم فيه الأفكار وتعتقل فيه الإرادات بعد ما تتعرض له الأدمغة من غسيل وهي وظيفة انتبهت إليها التيارات الإرهابية وشبكات الإجرام ورواد الجريمة المنظمه و تجار الممنوعات والمهربين..فلم تتردد في استغلالها من أجل تجنيد عملائها والاستثمار فيهم. و هذا أخطر المآخذ باعتباره مهددا مباشرا لأمن الأفراد والمجتمعات و وجودها. * إذا كان اختطاف الفكر والتحليق به في عالم الإرهاب والجريمه المنظمة والاتجار الممنوع والتهريب يشكل تهديدا مباشرا للأفراد فإن تسطيح الفكر والنزول به إلى القاع لهو أشد خطر كذلك، فالابتذال والتفاهة عاملان كفيلان بشحوب الفكر البشري وضحالته إلى حد تلاشيه فهل ثمة ما يفقد الانسان شخصيته وانسانيته أكثر من فقدانه لعقله و فكره..؟فإن تتحول فضاءات التواصل الاجتماعي إلى فرص مبتذلة يخبر فيها عن مسائل خصوصية وشخصية كإشهار لطبق أكل تم إعداده أو إشهار غرض شخصي كلباس أو قطعة أثاث تم اقتناؤه أو التبليغ عن نشاط ما وهي كلها مسائل لا تهم الآخرين في شيء سوى أنها مجاراة لبعض الأمراض والعقد النفسية ربما الغاية منها حب الظهور أو التعويض عن نقص ما كشكل مشوه من أشكال إثبات الذات. إن سلمنا بهكذا تطارح لسهولة تمثله واستيعابه..والعقل البشري سرعان ما يصيبه الخمول والكسل فهو ميال بطبيعته لكل ما هو سهل فإن الضمور والتلاشي مآل محتوم في هذه الحالة حيث ستعم التفاهة ويفقد الإنسان إرادته على التفكير الجاد والبناء في علاقة بقضاياه الملحه والمطروحه بإلحاح. * إذا كان الناس لم يستفيقوا بعد من صدمةالثورة المعلوماتية التي أوجبتها محركات البحث النفاثة من "غوغل" إلى "فايرفوكس" إلى "أمازون" ..وغيرها عديد و هي كلها في الحقيقة واجهات لشركات مالية بعثت لتستثمر في هذا المجال ..صدمة أملاها التدفق المعلوماتي عالي الجهد حتى انجر عنه فقدان الانسان لحريته في الفرز والتنقية والاختيار كما يفقد في بعض الأحيان حاسة الشم أو التذوق - وهي حالة مرضية بالطبع- مازال الناس لم يستفيقوا من هذا الدوار..حتى تأخذهم شبكات التواصل الاجتماعي هذه في منحى تفاعلي تواصلي لا يكتفي بتقديم المعلومة فقط بل قد يلح عليها بشتى الوسائط معتمدا آخر تقنيات الإشهار والدعاية من اللون والصورة و الضوء والخطوط والتقديم والتأخير والإخراج..وهو علم مستقل يدرس في حد ذاته. غايته تعليب الأفكار ومصادرة حق الانسان في الاختيار بحرية و وعي. ومن ثمة مصادرة انسانيته كإنسان في عالم متبدل متغير معولم امحت فيه الخصوصية والتمايز وبات الفرد متقبلا سلبيا سليب الإرادة والفعل من دون هوية ولا ماهية وسط سوق مفتوح كل شيء فيه ليس سوى سلعة،استبدلت فيه العلاقات الانسانية المباشرة بأخرى رقمية تفاعلية مختصرة في الزمان والمكان إنها العولمة يا سادتي.
إنه ولا شك منحى تصاعدي عبر الزمن ليست من الممكن إطلاقا العودة فيه إلى الوراء..و مع ذلك يحق لنا أن نتساءل من باب التنبيه بالشيء: إذا كانت السباحة عبر شبكات التواصل الاجتماعي أمرا محتوما قد أملتها ضرورة مسايرة نسق العصر فهل من الممكن عقلنتها من أجل التحكم بها حتى لا ندعها تتحكم فينا.
#حمّودة_البريني (هاشتاغ)
Brini_Hamouda#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حالة وعي.. وبعد؟
-
ارفعوا أياديكم عن الرّجل.
-
كلام يجب أن يقال.. في زمن العتمة هذا..
-
حمار للبيع
-
رسالة إلى بلعيد..ذاك الجبل الشّاهق.
-
حزب حركة- النّهضة- في تونس: بين وهم الشّرعيّة وفواجع الشّارع
...
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|