|
النظرية السياسية هي من ترسم طريق انتصار الانتفاضة
جلال الصباغ
الحوار المتمدن-العدد: 6587 - 2020 / 6 / 8 - 20:40
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
هل يمكن لأي حركة احتجاجية او انتفاضة او ثورة ان تحقق أهدافها دون نظرية سياسية؟ وهل بإمكان هذه النظرية ان تكون البوصلة والموجه للحركات الاحتجاجية والثورية دون وجود قوى سياسية وأحزاب منظمة على أرض الواقع ومشاركة في هذه الانتفاضة؟ وأية نظرية سياسية هي الأصلح والأقدر على تمثيل الجماهير، وعكس حاجاتها ببرنامج عملي قادر على تحقيق هذه الحاجات؟ التاريخ هو المدرسة التي تتعلم منها الجماهير وتخطط لتغيير واقعها، مع الأخذ بالحسبان عدم وجود اي تجربة في اي زمان او مكان متطابقة بشكل كامل مع تجربة أخرى، بسبب المتغيرات الكثيرة التي ترافق اي حركة ثورية وتحدد شكل النضال وآلياته. الإجابة عن الأسئلة أعلاه تكمن في انتفاضة أكتوبر بحد ذاتها، في مراحلها المختلفة التي مرت بها منذ انطلاقها وحتى الآن، فالعفوية التي انطلقت بها الانتفاضة النابعة من حاجات حقيقية بالنسبة للجماهير، شكلت نقطة "اعتزاز"، حاولت فئات متعددة داخل الانتفاضة وحتى من قوى ضدها، التمسك بها عن طريق ديمومة هذه العفوية، والتي تعني بالمحصلة الأخيرة تخبط الانتفاضة وضياعها، رغم ما تمتلكه من تأييد ومشاركة منقطعة النظير من شرائح وقوى مجتمعية كانت مجمدة ومدجنة لصالح النظام كما لم يحصل في اي حركة احتجاجية في تاريخ العراق الحديث. بالتأكيد هنالك العديد من القوى السياسية المنظمة كانت ولا تزال داخل الانتفاضة، والتي تمتلك بشكل او بأخر نظرية سياسية تسير في ضوئها من اجل تحقيق ما تدعوا له، ومن هذه القوى هي القوى الإصلاحية المنخرطة بالسلطة وتحاول أن تستغل تاريخها من اجل فرض نوع من الإصلاحات داخل النظام دون المطالبة بإسقاطه، وهنالك قوى الثورة المضادة التي تحاول القضاء على الانتفاضة بشتى الوسائل والطرق كالجهات التي ركبت موجة الانتفاضة وهي معرفة للجميع ولهذه القوى أجندتها السياسية الواضحة، كما أن هنالك القوى الليبرالية والقومية والعلمانية الساعية وفق رؤيتها لإزالة الأحزاب الإسلامية وإبقاء النظام الاقتصادي كما هو خاضع لشروط القوى الإمبريالية ومؤسساتها كصندوق النقد والبنك الدوليين على مقدرات الدولة. كل هذه القوى ساهمت مساهمة حقيقية في قتل الانتفاضة من داخلها عبر دعواتها المستهلكة الساعية في أغلبها لإجراء تغييرات شكلية، مع اختلافات في منهجية وسياسة كل جهة من هذه الجهات. بالمقابل فإن هنالك قوى ومنظمات ثورية جذرية تعمل على إيصال رؤاها في السير بالانتفاضة إلى نهايتها التي تخدم الجماهير وتلبي احتياجاتها في العدالة والعمل والمساواة والصحة والسكن والتعليم لجميع الشرائح الاجتماعية بشكل لائق ومجاني، قائم على أساس النظرية الاشتراكية المؤمنة بإلغاء الفوارق الطبقية، وأن تحكم الجماهير نفسها دون الرجوع إلى أساليب الديمقراطيات التي جلبت للجماهير اللصوص والقتلة والمليشيات، كما هي تجربة ما بعد ألفين وثلاثة. العنصر الأهم في جميع هذه الأطراف هي الجماهير المنتفضة ذاتها التي كانت بفعل تأثير الإعلام الحزبي والقتل والخطف والترهيب الممارس من قبل السلطة، وبسبب تاريخ من الخيبات والكذب الذي مارسته الأحزاب في السلطة وحتى أحزاب اليسار الإصلاحية وجوقات المثقفين المطبلين، كل هذه العوامل وما يماثلها جعلت الوعي الجماهيري بعيدا عن التنظيم ورافضا لأية نظرية سياسية تطرحها القوى التقدمية او غير متبني لأطروحاتها، ما شكل عائقا جديا أمام تطور الحراك الثوري وجعله غير قادر على التحرك إلى الأمام. إن أية حركة ثورية ليس بإمكانها تحقيق أهدافها بطريقة عفوية ودون وجود حزب او قوى ثورية تتبنى رؤية سياسية واضحة تحمل في طياتها خارطة طريق وإجابة عن المعضلات التي تواجه الجماهير ولديها رؤية سياسية واضحة وواقعية لوضع الحلول في مرحلة الانتفاضة وما بعدها، وأن تعمل مع قوى الانتفاضة الرئيسية من العمال والطلبة والنساء والمعطلين عن العمل وغيرهم في رسم شكل المرحلة المقبلة، وتوحيد الجهود وتنسيقها من اجل عدم السماح للعفوية والفوضوية وقوى الإصلاح وقوى الثورة المضادة السيطرة على مسار الانتفاضة. لا تزال الفرصة قائمة ومستمرة ما دامت الظروف باقية ذاتها، خصوصا مع سوء الأوضاع المعيشية بشكل اكبر وبقاء قوى المحاصصة الطائفية والقومية متحكمة بثروات البلاد في ظل أزمة جديدة فرضتها جائحة كورونا، وتزامن ذلك مع انطلاق احتجاجات واسعة في إقليم كردستان، ما يعمق من أزمة نظام المحاصصة الغارق أصلا في صراعاته ومصالح القوى الرئيسية فيه.
على كل القوى التقدمية والتحررية أن تعمل على تسليح الجماهير بوعي سياسي ناضج، تستطيع من خلاله وعن طريقه القيام بدور طليعي في قيادة الانتفاضة وتستطيع بواسطته تفسير الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والعمل النضالي على تغيير هذا الواقع وفق مصالح الجماهير وتطلعاتها في الحرية والعدالة والحياة الكريمة.
#جلال_الصباغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلنا لا نستطيع التنفس
-
أينما يكون الفقر والقمع تكون الانتفاضات والثورات
-
في التعويل على الموقف الأمريكي
-
حملات التشويه ضد رموز الانتفاضة
-
الانتفاضة في زمن الكاظمي
-
دروع من البراميل
-
الشيوعي العراقي _ ستة وثمانون عاما على التأسيس
-
مواقف الشيوعي العراقي وفق التفسير المادي لعلم النفس
-
حول مستقبل الانتفاضة
-
مرحلة جديدة للانتفاضة
-
مئة وخمسون عاما على ولادة لينين
-
أنا وجدتي وكورونا
-
مصير الانتفاضة بعد نهاية الحظر الوقائي
-
الأيديولوجيا الرأسمالية بوصفها أداة للهيمنة
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|