|
محطات من ذاكرة عقيل الخزاعي (ابوذر) : الجزء الاول
باسل محمد عبد الكريم
الحوار المتمدن-العدد: 6587 - 2020 / 6 / 8 - 02:59
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الدراسة نشرت في صحيفة الاخبار البصرية بتاريخ 10/ايلول/2005 ، العدد 105 الى كل القراء والاصدقاء ، انها شهادة للتاريخ لها ما لها وعليها ما عليها ، كما اشكر الاستاذ ياسر جاسم قاسم الذي اعاد لها الحياة الكترونيا ، مع مودتي
باسل محمد عبدالكريم بغداد في 8/6/2020
طيلة سنوات الفاشية البغضية التي خيمت على العراق لأكثر من ثلاثة عقود ، كان جنديا مثابرا مجهولا ، يتحرك بين الاخرين وفي قاع المدينة ، يتحرى خفاياها ونسغها السري ، يديم الصلة بالناس الطيبين ، يمرر لهم زادهم الذي لم ينقطع طيلة تلك السنين ، حاملا (عليجته) ومعتمرا سدارته (الفيصلية ) لايثنيه شتاؤنا القارس البرودة ولا حرارة صيفنا القائظ ولاعيون المتلصصين ذيول الاجهزة الامنية العفنة ، يتسربل بهدوئه ولثغته الاليفة وعنفوانه الذي يتقاطع مع طبيعة الرجل المصاب بانسداد بعض شرايين القلب واستشراء داء السكري اللعين في جسده الذي يدب في طرقات المدينة المنهكة والمذعورة طيلة عهود، قريبا من نسيجها الحي وحياتها التي لا تتوقف، مقاهيها جوامعها، ونادرا ما افراحها، قريبا من مناسبات الجميع، مثقفوها وفنانوها وصعاليكها ومترفوها ،سياسيون منزوون في (درابينها) الموحلة ،يساريون واسلاميون ،صابئة مندائيون ومسيحيون، قرروا البقاء في الداخل ولم يهاجروا ،قريبا منهم جميعا الا ان خطوته لوحده..!! ذاك هو أبو ذر الخزاعي. يمتلك ثروة لا يطالها احد، الا وهي طيبته وعطاؤه الذي لا ينضب يقتطع من داخله المتواضع ليطبع منشورا للمعارضة الوطنية او يروج لمذكرات اقطابها وعلى حسابه الخاص ، كان نسغ اليسار في الشارع العراقي المغيب والمهمش، كان حزبا لوحده، كل ادبيات ومنشورات المعارضة الوطنية وخصوصا اليسراية خرجت من معطفه طيلة اكثر من عشرين عاما خلت تحت ظلال الفاشست، لعله اشهر مروج لثقافة الاستنساخ في العراق، غير ابه بمخاطر هذه المغامرة ،في الوقت الذي انقطعت فيه اغلب الحركات السياسية المعارضة في الخارج عن التواصل مع الداخل، الذي يئن تحت كابوس الفاشية ، الا ان افرادا قلائل في الداخل اشتغلوا على هذا الغياب وحولوه الى تواصل ، فكانت صحف المعارضة وادبياتها في متناول الطيبين الخائفين المنزوين في ثنايا الوطن المحتل ، نعم المحتل، من قبائل البدو الهمجية ، انهم مغول العصر الحديث...! ابن محلة المنصورية الكرخية جوار قبر ابي المغيث الحلاج المتصوف البغدادي الشهيد، كان والده صديقا للحركة الوطنية وقد التقى القائد الشيوعي فهد عن طريق ابن عم فهد وصديقه الياس نانو في محلة الحاج فتحي في شارع الرشيد بداية الاربعينات من القرن المنصرم. عمل في اتحاد الطلبة العام ومرشحا عماليا على قائمة كفاح العمال حيث كان اصغر مرشح فيها ،تلك القائمة العمالية التي تمثل القيادة المرزكية للحزب الشيوعي العراقي والحركة الاشتراكية العربية اواخر الستينات. يقول ابو ذر:" بعد استشهاد خالد احمد زكي وانهيار عزيز الحاج وضرب قواعد القيادة المركزية ، ارتأت كوكبة من قواعد وكوادر القيادة العمل ضمن صفوف المقاومة الفلسطينية ، كان ذلك اواخر عام 1969 ، أي قبل حوادث ايلول الاسود بعدة شهور ، ساهمنا مع المقاومة في اغوار الاردن وفي اربد التي كانت مسيجة بالالغام واثناء مجزرة ايلول الاسود كان من المفترض ان يقدم الجيش العراقي الذي كان موجودا خارج اربد اسنادا للمقاومة الفلسطينية لكنه انسحب وخذل المقاومة ،غير ان اللواء (70) السوري بقيادة عزت جديد هو الذي بادر لانقاذ الومقف في ابد ،لكن انقلاب حافظ اسد هو الذي اوقف هذا الامداد ، وبالرغم من ذلك فان الجيش الاردني لم يستطع دخول اربد.." (وهنا لابد لي ان اتحدث عن مجزرة الكفارات التي ارتكبها الجيش الاردني بحق بعض فصائل المقاومة الفلسطينية ، والكفارات منطقة قريبة من الحدود السورية كانت فيها قواعد للمقاومة الفلسطينية ، تلك المجزرة التي تمثلت في قتل مناضلي المقاومة الفلسطينية وتقطيع اعضائهم التناسلية والتمثيل بهم ..!وعلى اثر ذلك شكلت لجنة مشتركة من الجيش الاردني وبعض قادة حركة فتح لتقصي الحقائق وزيارة المنطقة ميدانيا ، حيث اطلعت على الفظائع الوحشية واقرت بها غير انها لم تتخذ أي اجراء..!!). حدثني عقيل مرة ،قال:" انه في امسية من اماسي تشرين أول عام 1981 ونحن في احراش جرش في الاردن، وقد حوصرت المقاومة هناك بعد احداث ايلول الاسود وما فعلته قوات البدو (الهجانة) الاردنية من ذبح ومجازر بحق المقاومة الفلسطينية ، سلمت الرفيق ابو علي مصطفى (وحينها كان نائب الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) كتابا عزيزا علي وهو ( متى يطلع الفجر يارفيق) لم ينم تلك الليلة حتى اتمه مطلع الصباح) . قام بالمساهمة في سلسلة الاضرابات العمالية في اربد بين صفوف العمال الذين كانوا يعيشون اوضاعا صعبة ومتردية على المستوى المعاشي ن حينها كان مسؤول المكتب العراقي علي حسين العبادي. قاد اضرابات عمال الخدمات البلدية في اربد الذين كانوا يعملون بالسخرة لدى بعض القيادات الفلسطينية المتنفذة واستطاع الاضراب ان يحقق بعض مطاليبهم كان ذلك بمساندة رفيق دربه رياضل البكري. يقول ابوذر :" بعد ان نجح الاضراب قمنا، بتشكيل لجنة نقابية من عمال الخدمات البلدية عن طريق الانتخاب ورشح النقابي العمالي ابو فضيل ليكون سكرتيرا لها وهو من الكادحين الفلسطينيين الذين يسكنون اكواخ الصفيح الفقيرة على مشارف المدينة، قلم لهم (الفكرة بوصلة ، والجيش لايتحرك بدون قائد) ورددنا الشعار (وحدتنا وحدة عمال لا رجعية ولا استغلال) ، هذا الشعار الذي صاغه رياض البكري ن وقد نشرت مجلة (الهدف) تغطية لهذ الاضراب الناجح ، وحينما علم بذلك الرفيق جورج حبش قال(هذا عمل الشيوعيين....!!).
***
يقول ابو ذر :" عملنا في البداية مع الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، وعندما صاغت الديمقراطية نظامها الداخلي في التحول الى حزب كان من ضمن بنود النظام الداخلي (لايمنح غير الفلسطينيين عضوية كاملة في الحزب) مما ادى ذلك الى خروجنا من (الديموقراطية) والذهاب الى (الشعبية) كما انه كان انعكاسا للانشقاق الذي حصل في صفوف القيادة المركزي في العراق بعد انهيار عزيز الحاج، كان الانشقاق بين مجموعة (مصلح مصطفى)التي انظمت الى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومجموعة (ابراهيم علاوي – نجم) التي بقيت مع الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين". (كان معي من رفاق القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الشاعر رياض البكري (نضال) ، رديف الداغستاني (أبو رائد) ، مطر لازم(أبو الفهود) والفقيد علي سهر (أبو مصطفى ) الذي عذب من قبل جلاوزة النظام البعثي السابق وفقد عقله الى ان مات، وعبدالله شهواز وصبيح راهي وعامر الداغستاني(ابو حازم)ويعقوب زامل (أبو مهران) والشهيد محمد كريم ورشيد عبود (أبو العيس) وكذلك كان معنا سعدون الهاشمي (سمير) وشقيقه الشهيد سامي الهاشمي ، والفنان بيمان محمد سعيد (أبو أوراس) وخليل العاني من العمارة ، والشهيد محسن حمادي الربيعي (أبو هاشم) من عمال النسيج في الحلة وانخرط في صفوف الحزب الشيوعي منذ فترة الخمسينيات واستشهد عند حاجز كتائبي في منطقة الكحالة في بيروت عام 1975م، وخليل ابراهيم الغزالي (سعود) وكان حينها في الصف المنتهي من الكلية الطبية في بغداد وبقي في الجبهة الديمقراطية بخلاف مجموعتنا التي انتقلت الى الشعبية) . يقول الشاعر خلدون جاويد :" كنت في نهاية 1969 او بداية 1970 لا اتذكر ، قد رثيت الدكتور مصطفى جواد بقصيدة في قاعة ساطع الحصري في كلية التربية ، سمع بصداها رياض البكري فقصدني الى الكلية .. كان معه (ابو شاكر) رديف الداغستاني و (عقيل فلثفة) (أبو ذر فيما بعد) والذي كان ينطق السين ثاء وهو ديناصور لسان حاله يقول (اذا احببت العالم فيجب ان تطلع على ما عنده وتتعرف على اجزائه)، كان هو الاخر على درجة من الجدية بحيث لا مجال معها للطرافة القديمة التي كنت اوجهها له ، وهي بالحقيقة بيتان جميلان للعباس بن الاحنف:
(وشادن قلت له ما أسمك فقال لي باللثغ :عباث. فصرت من لثغته ألثغا أقول أين الطاث والكاث ) (عن الحوار المتمدن العدد 1189 في 6/5/2005م).
.....
ومن ضمن القوى والاحزاب السياسية العراقية التي يذكرها عقيل، والتي ساهمت في معارك جرش وضمن صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، كان حزب العمل العربي الاشتراكي ومنهم ناظم نوري (أنمار) وجعفر الباججي (ثائر) وحبيب جلال ، اما منسق حزب العمل، حينها ، مع جورج حبش فكان عبدالرزاق الاسدي (أبو عمار) وهو من قياديي حركة القوميين العرب القدامى في العراق، اما بالنسبة للاحزاب الشيوعية العربية فقد قررت المشاركة ضمن صفوف المقاومة الفلسطينية وبشكل متاخر ، حيث تشكلت منظمة الانصار ومن ابرز وجوه العراقيين الذين عملوا فيها الشهيد كاظم علي الخفاجي (صارم) الذي استشهد في معركة عين المريسة في بيروت اثناء الحرب الاهلية في 15/12/1975، وقاسم زيارة (حازم) وعلي رحيم.
وهو يتحدث عن لقائه الاخير بالشاعر الشهيد رياض البكري بعد عودته من المقاومة الفلسطينية ، يقول الشاعر خلدون جاويد(حدثني عن استشهاد مطر لازم(ابو الفهود) في حرب النضال ، عن بطولة (عقيل فلثفة) الذي كان يقاتل حتى انسحاب اخر رفيق من رفاقه، يشهد على ذلك قادة فلسطينيون كبار عندما كانوا يضطرون للانسحاب وينتظرون من يتعوق من رفاقهم ، كان يبرز لهم عقيل خارجا من سحابة دخانية حاملا رشاشته ملتحقا بهم ... كان لايريد ان ينسحب...) عن الحوار المتمدن العدد 1189 في 6/5/2005.
#باسل_محمد_عبد_الكريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خالد احمد زكي - شهيد الغموكه
المزيد.....
-
«المحكمة العسكرية» تحبس 62 من أهالي سيناء لمطالبتهم بـ«حق ال
...
-
منظمات دولية تدعو السلطات المصرية للإفراج عن أشرف عمر
-
متضامنون مع الصيادين في «البرلس» و«عزبة البرج» الممنوعون من
...
-
تأييد حكم حبس الطنطاوي وأبو الديار عقابًا على منافسة السيسي
...
-
متضامنون مع “رشا عزب”.. لا للتهديدات الأمنية.. لا لترهيب الص
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
المزيد.....
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|