أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد علي شاحوذ - الموت الذي اضحك الجمع














المزيد.....


الموت الذي اضحك الجمع


محمد علي شاحوذ

الحوار المتمدن-العدد: 6587 - 2020 / 6 / 8 - 00:19
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


الموت الذي أضحك الجميع
كنتُ في السادسة من عمري وبالكاد اميز الابيض من الاسود, وعلى غير العادة انطلقت أصواتُ صرخات من أحد البيوتات في منطقتنا لتكسر حاجز السكون, وكعادة الناس ركض الكل باتجاه مصدر الصوت وخرجت اتبعهم, لِاستكشاف الأمر, وصلت أحد البيوت ودلف الجميع في فناءه وبالكاد تمكنت من احتلال موطئ قدم في الصفوف الامامية المزدحمة, لأشاهد امرأة مُسجات على أريكة دون حراك, وثمة نسوة تجمعن عند رأسها يتسابقن في نثر شعرِهنّ والضرب على صدورهنّ وخمشِ خدودهنَ, وفي غضون لحظات تجمهر كلُ أهالي الحي والاحياء المجاورة, فقد كان الموت آنذاك نادرا وله هيبة و وقارا, وكان أشد المتأثرين بموتها هو أحد أبنائها, الذي فقد السيطرة على رباطة جأشه وراح يضرب ويكسٍر كل ما يصادفه في طريقه حتى حاول كل رجال الحي السيطرة عليه ولكنهم فشلوا بعد أن أشبعهم ضربا وعضا وهو يصرخ : ماتت أمي ..ماتت أمي.., كان المشهد حزينا ومؤلما للغاية, فليس هناك فاجعة اكبر من فاجعة موت الام. بالكاد أمسك به بضعة رجال أقوياء وأسقطوه أرضا, سيطر أحدهم على يديه وأخر جثم على صدره, واخرين جلسوا فوق رجليه, وتوقع الجميع أنّ ثورة غضبه انتهت وأنّ قواه قد خارت, ولكنه أنتفض فجأة من بين أيديهم وبدا كثور هائج في حظيرة أفلت من الذبح, ونهض بكل عزيمة بعد أن نفض الرجال من حوله, وحولهم الى عصافير طائرة, وراح يركض بكل الاتجاهات وكرشه يركض أمامه فقد كان صاحب كرش كبير, والرجالُ يركضون خلفه للحاق به, وأخيرا اتجه الى السُلّم الذي يقود الى سطح البيت, وفي هذه اللحظة صاح رجلُ طاعنُ بالسن وهو يراقب المشهد: يا جماعة, أتركوه يُعبِرُ عن حزنه ليرتاح, وفعلا توقف الرجال عن ملاحقته, وأكتفوا بالتفرج عليه, وصارت عيون الجميع تراقب أفعاله.
وصل الرجل الى السطح ووقف على حافته مُشرِفا على الحديقة, كان ما يزال يصرخ :أمي ... أمي .. انتظرَ أن يصعد إليه أحدهم ويُنزلهُ بأمان إلى الاسفل, كانت عيونه تستصرخ متوسلة عيون الناس أن ينقذوه من الموقف الصعب لكن دون جدوى, وهنا صاح به ذات الرجل المٌسِن : أرِنا ماذا تريد أن تفعل إن كنت رجلا, ولن يمنعك احد منا !!, وهنا أحسّ بحجم المأزق الذي وضع نفسه فيه وهو يقف على حافة السطح مُكابرا, كان جسمه يرتجف وبدا عليه التعب, وبالكاد تحمله قدميه.
ولكنه صار في موقف محرج, وعليه حسمه, فأما التراجع وتحمل الفشل أمام عيون أهل الحي, وأما المكابرة والقفز للأسفل حفظا لماء الوجه, وتحمل النتائج التي قد تكون وخيمة !!.
ساد الصمت المطبق المكان بعد أن توقفت النساء عن العويل والصراخ, وحبس الجميع أنفاسهم وهم يراقبون حتى حركات رموش عينيه, وصار هو يتلفتّ الى الاسفل كمن يبحث عن مخرج للمأزق الذي وضع نفسه فيه, وأخيرا لمح في الاسفل زيرا فخاريا كبيرا مَمْلُوءً بالماء, حيث لم تكن كل البيوت عرفت الثلاجات بعد, مشى على حافة السطح بخوف وحذر كمن يمشي على حبل رفيع مشدود بين ضفتي نهر, وأسفله تسبح تماسيح جائعة, ثم وصلَ الى نقطة على حافة الشرفة مكنتهُ من الوقوف فوق الزير مباشرة, نظر في وجوهنا كأنهُ يودعنا, وقفز الى الأسفل قفزة رشيقة تشبه قفزات لاعبي الفريق الأولمبي الصيني للقفز الى الماء, وقع الرجل بوسط الزير, دون أن يصاب بأي أذى, وقف مجددا والماء ينزُ من كل جسمه وصاح بالحاضرين: كان عليكم أن تمنعوني من القفز, ولكنكم تركتوني لتتفرجوا عليّ وأنا أموت !!, وهنا انطلقت ضحكات الجميع, وتحول موت المرأة من مناسبة للحزن الى لقاء للفرح, فأي روح طيبة تلك التي غمرت الحاضرين وحلت عليهم, وهي تصعد الى بارئها راضية مرضية؟؟.



#محمد_علي_شاحوذ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكرسي والطلي


المزيد.....




- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
- تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل ...
- في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو ...
- التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل ...
- السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي ...
- الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو ...
- بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
- محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان ...
- المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
- القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟ ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد علي شاحوذ - الموت الذي اضحك الجمع