أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - محمد البوزيدي - حوار صحفي مع الفاعل الجمعوي محمد بلمو















المزيد.....


حوار صحفي مع الفاعل الجمعوي محمد بلمو


محمد البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1588 - 2006 / 6 / 21 - 08:24
المحور: مقابلات و حوارات
    



محمد بلمو إنسان هادئ ،حيوي، يعمل في صمت دون سعي لنجومية زائفة كعملة طيعة يحاول البعض في هذا الزمن الرديء التملي والانتشاء بها .
إنه "يكره المسوخ الكافكاوية التي تملأ الدنيا ضجيجا.. ويكتب سير المعذبين في متاهات الانحناء " كما شهد بذلك صديقه الحميم عبد الرحيم العطري ،وبعزم لا يكل يواصل الإنصات لنبضات الفقراء، ومداواة جراح الأماكن المنسية والمهمشة من هذا الوطن ضدا على الذين يستغلون بهرجة المدن الإعلامية لإكتساح مساحات فارغة ،أملا في استرجاع بسمات للأطفال والشباب خاصة والساكنة عامة خطفت غفلة في مخططات* تنموية* لا يراها الفقراء المكتوون بنار التهميش إلا في التلفزة.
في قصبة بني عمار القرية الجبلية الجميلة في نواحي مكناس كرس مع زملائه في جمعية قدماء تلاميذ بني عمار عملا جمعويا هادفا ،ورصيدا تنمويا هائلا ضدا على من أرادوا إخراس أصواتهم فترة من الزمن الحافي أوائل الثمانينات مما أهلهم لإبرام شراكات ونسج علاقات واسعة ومتميزة كما و كيفا مع فاعلين وطنيين ودوليين .
في هذا الحوار الشيق نحاول التوغل مع الشاعر بلمو لنعرف آراءه ووجهة نظره في قضايا جمعوية مغربية .

1*بطاقة تقنية عن جمعية قدماء تلاميذ بني عمار؟
* تأسست جمعية قدماء تلاميذ بني عمار زرهون بتاريخ 28 دجنبر من سنة 1978 بقصبة بني عمار من خلال جمع تأسيسي حضره جمع غفير من أطر القصبة المقيمين بمختلف مدن المغرب بالإضافة إلى الطلبة والتجار والفلاحين. كانت أول جمعية ثقافية تأسست خارج المدن في محيط يفتقد لأغلب التجهيزات التحتية خصوصا الثقافية منها والرياضية. مرت تجربتها بأربع مراحل:
الأولى من 1978 إلى 1985 وتميزت بالعمل على مستوى الدراسة والتقوية وتنظيم أسابيع ثقافية ورياضية بالإضافة إلى العمل الداخلي في المقر. المرحلة الثانية ما بين 1985 و1994 وهي الفترة التي تميزت بالشلل التام الذي أصاب الجمعية بسبب الحظر العملي الذي فرض عليها وبسبب محاولة الزج بها في الصراعات السياسية والإيديوليجية.
المرحلة الثالثة من 1994 سنة عقد جمع عام استثنائي والانطلاق في أنشطة مكثفة تضمنت أياما دراسية وثقافية ودوريات رياضية وأنشطة تربوية إلى سنة 2000 حيث كانت المرحلة الجديدة قد حققت أهدافها واستنفدت وسائلها بحيث تمكنت الجمعية من امتلاك مقر وتنظيم مخيمات صيفية وتوزيع معدات مدرسية وتنظيم حملات صحية وتحسيسية والانفتاح على جهات أخرى عوض تجربتها الماضية المنغلقة على الذات والمحيط.
المرحلة الرابعة تبدأ من سنة 2001 إلى يومنا هذا وتتميز بالانتقال إلى تنظيم مهرجان ربيع بني عمار وتحقيق شراكات متعددة سواء مع جمعيات ومنظمات أجنبية مثل المركز الثقافي العربي الفارابي بهولاندا أو مغربية مثل الجمعية المغربية للصحة والتنمية وجمعية الرفق بالحيوان، أو مع مؤسسات حكومية مثل وزارة الثقافة التي تجمعنا وإياها اتفاقيتين: واحدة حول الخزانة المتعددة الوسائط والثانية حول المهرجان الذي ننظم هذه السنة دورته السادسة تحت شعار "تواصل أجيال وتراث"، أو المركز السينمائي المغربي بالنسبة لملتقى سينما القرية الذي نظمنا في ابريل الماضي دورته الثانية.
وما هو مهم في المرحلة الرابعة هاته أن الجمعية تهدف إلى جعل الثقافة جسر للتنمية الحقيقية، بمعنى أن يكون للمهرجان وملتقى السينما مفعولا تنمويا مباشرا على السكان سواء من خلال فرص الشغل التي يتم خلقها للعاطلين من الأطر والعمال الموسميين أو من خلال الرواج الذي يحدث في النقل والتجارة وكراء البيوت، وكذلك من خلال الجوائز المالية والعينية التي يستفيد منها مباشرة سكان قرويون من أبناء الفلاحين والتجار الصغار، بالإضافة إلى ما يحققه ثقافيا وفنيا من احتكاك بين الطاقات المحلية الواعدة مع فنانين معروفين في المسرح والسينما والأدب والتشكيل والموسيقى والغناء، وتمكينهم من خلال ورشات تكوينية تحقيق ذواتهم واختيار مستقبلهم.
هذه باختصار شديد لمحة أرجو أن تكون مفيدة حول جمعيتنا.

2*آخر الإحصائيات الصادرة تحدثت عن تجاوز عدد الجمعيات على الصعيد الوطني لرقم 30000 جمعية ،هل في نظركم مازال الحقل الجمعوي بالمغرب يحتمل المزيد من تأسيس الجمعيات؟

في نظري المتواضع ليس المشكل في عدد الجمعيات ولكن في طبيعتها وطرق تأسيسها وأساليب تسييرها ودرجة الالتزام بتحقيق أهدافها المسطرة.
صحيح أن الانفتاح الذي عرفته بلادنا على الجمعيات والحظوة التي أصبحت لبعضها والإغراءات الخاصة بالتمويل الأجنبي قد دفعت بعدد من الانتهازيين وصيادي المصالح الشخصية لركوب الموجة وتأسيس جمعيات مفبركة. وهذا يطرح عدة مشاكل ويشوش على الجمعيات الجادة التي تعمل بشكل ديموقراطي وفي جو من الشفافية وضمن القانون وتراهن على استقلاليتها.

3 *مع كل سنة تتكرر نفس الأنشطة من طرف أكثر من جمعية و داخل المدينة الواحدة ويتم الاحتفال بنفس المناسبات داخل بهرجة خاصة قد تتخذ صبغة المنافسة أكثر من النشاط في حد ذاته، هل هذا في نظركم يساهم في تطور مشوه للمجتمع المغربي ؟ ألا يدفع هذا البعض خاصة الشباب للعزوف عن العمل الجمعوي عكس المأمول؟

هذا مشكل مطروح بحدة، فبعض الفترات من السنة تمر فارغة من أي أنشطة وفي فترات أخرى تتزاحم الجمعيات والأنشطة بدون تدبير عقلاني للزمان والمكان والمواضيع. ومن أسباب ذلك في نظري تبعية بعض الجمعيات لأحزاب وتيارات سياسية وإيديولوجية تحول تلك الجمعيات إلى مجرد أدوات لتصريف تكتيكاتها السياسية وإيديولوجياتها المحنطة وتصفية حساباتها مع الخصوم. وهذا يحول العديد من الجمعيات الهشة إلى ساحة للصراعات مما يدفع بالعديد من أعضائها خصوصا في أوساط الشباب إلى هجرها.
هناك مشكل آخر على مستوى التسيير ويمكن تلخيصه في ضعف وأحيانا انعدام التربية الديموقراطية. فالكثير من النماذج يسود فيها احتكار القرار من فرد أو عدة أفراد في الأجهزة المسيرة مما يؤدي من جهة إلى اتخاذ قرارات متسرعة وغير فعالة بسبب عدم تدبيرها من طرف أكبر عدد من الأعضاء ومن ناحية ثانية يؤدي إلى انسحاب الذين لا يجدون أنفسهم في ذلك الإطار ولا يسمح لهم بالمشاركة في القرار. وينتج أيضا عن غياب ثقافة ديموقراطية ما يمكن أن نسميه بتقسيم العمل بين من يفضل أن يأتي كعضو في جهاز تسييري دون حتى أن يلتزم بأجندة اجتماعات ذلك الجهاز ليقوم بما يحلو له من تنظير محددا ما يجب وما لا يجب قبل أن يذهب إلى حال سبيله لمباشرة حياته الخاصة تاركا مسؤولية التنفيذ للآخرين؟ وكأن الآخرين لا شغل لهم ولا التزامات، مع أنهم مجرد متطوعين، ومثل هؤلاء موجودين بكثرة في الجمعيات كما في النقابات والأحزاب يكرسون تقسيم الناس إلى أسياد ينظرون ويفكرون ويقررون وعبيد ينفذون ويقومون بالمجهود العضلي. وهذا شيء غير مقبول، فالذي يساهم في صناعة القرار الجمعوي عليه أن يكون عضوا فاعلا وليس منظرا يطل من أبراجه متوهما أنه يملك الحقيقة وأن رأيه هو الصواب عينه ولا صواب غيره، هذا نوع من الفكر الديكتاتوري الذي يؤدي إلى موت وتشتيت وتفريخ العديد من الجمعيات.

4* هل تعاني الجمعيات فعلا أزمة إبداع ؟ وماهو الحل في نظركم ؟

هناك جمعيات كثيرة تعاني من أزمة إبداع، لذلك تلاحظ هذه النمطية في الأنشطة والبرامج وحتى الشعارات. لقد كانت هذه النمطية سائدة منذ سبعينات القرن الماضي وأساسها عدم الثقة في النفس والانبهار بالآخر وتتفيه الطاقات المحلية والإمكانيات الهائلة للأدب الشعبي أو حتى نعثها بالتخلف والرجعية. وطبعا مثل هذا المناخ يعادي الإبداع كإمكانية للفعل الذاتي وينتصر للنمطية والسطحية والجاهز.

5*بدون شك ستكون قد ساهمت في تأطير تداريب وتكوينات محلية وجهوية ووطنية بل ودولية وفيها يطرح إشكال التتبع والتقويم،ألا ترى أن بعض المجهودات تذهب سدى دون نتيجة تذكر ،ومن هنا ألا يمكن الحديث عن هدر جمعوي إسوة بالهدر المدرسي ؟وكيف يمكن معالجته ؟

الواقع أن العمل الجمعوي يعيش منذ عدة سنوات في مفترق طرق. لقد كان يعتمد في الغالب الأعم على الوقت الثالث وآلية التطوع. وهذا مقبول إلى حد ما بالنسبة للجمعيات التربوية الصغيرة التي تقتصر أنشطتها على العطل. أما الجمعيات التي توسعت قاعدتها واهتماماتها وبرامجها وشراكاتها فلم يعد ممكنا أن تتابع عملها وتنفذ برامجها والتزاماتها اعتمادا على العمل خلال الوقت الثالث وعلى آلية التطوع وحدها، لأن العمل الجمعوي أصبح عملا يوميا يتطلب تسييرا إداريا وتفرغا وتكوينا يرقى إلى المستوى المؤسساتي. فالتكوين أساسي في هذا المجال لمعالجة إشكال التتبع والتقويم ولكن ذلك يكون صعبا إذا لم يتم في إطار مأسسة للعمل الجمعوي تضمن انتظاما واستمرارية وفاعلية يومية من خلال طاقم إداري وفريق ميداني يتم تعويضهما على قيامهما بهذا العمل. لأنه ليس من المعقول أن نحمل أناسا مسؤولية تتطلب مجهودا وعملا يوميا ونقول لهم قوموا بذلك بدون مقابل حتى لو كانوا عاطلين وليس لهم دخل. لذلك فالهدر الجمعوي يكون نتيجة هذه المراوحة بين العمل الجمعوي المتقطع التطوعي والوقت ثالثي إن جاز القول وبين العمل المؤسساتي اليومي والمتواصل. فلا يمكن أبدا أن نقوم بالنوع الثاني بأدوات وعقلية النوع الأول. وحين نحاول ذلك يكون الهدر هو النتيجة المنطقية.





6*جرى الحديث مؤخرا في الصحافة أن هناك جمعيات عديدة تتاجر بقضايا سامية كالطفولة ومعاناة المرأة القروية والمعاقين وملفات صحية متنوعة وتتخذها مطية لإستجلاب دعم أجنبي من منظمات دولية مما أدى لصراعات عديدة بين لوبيات مختلفة داخلها كما حدث مؤخرا داخل الإطارات المهتمة بالسيدا بل إن بعض أعضاء منتدى المواطنة قدموا استقالاتهم للممول الأجنبي عوض المكتب المسؤول للضغط من اجل وقف الدعم، ألا ترى ضرورة سن ميثاق شرف أخلاق يحدد العلاقات مع الممولين؟ مادام أن العقدة قد لايتم احترامها بشكل كبير.

سبق أن قلت بأن العديد من الناس الذين لم تكن لهم أي علاقة أو ميل إلى العمل الجمعوي تسارعوا إلى تأسيس جمعيات تتناغم مع القطاعات التي يعطيها الدعم الأجنبي الأسبقية. وطبعا فإن عددا منها يحصل على دعم كبير دون أن تكون هناك مردودية في المستوى، في المقابل بقيت العديد من الجمعيات لا تستفيد من مثل هذا الدعم لأنها إما جمعيات قروية بعيدة عن المركز ولا تدخل في لوبي من اللوبيات التي ظهرت في الميدان، أو لأنها لم تستعد على مستوى إدارتها من أجل استقبال أموال تتطلب مسؤولية كبيرة ومتابعة ومراقبة حتى لا يتم هدرها.

7* ألا ترى أن التقييم الذي طرحه تقرير التنمية الأخير حول أن الإحساس بالإفلات من العقاب شجع على التلاعب بالمال العمومي، ودفع إلى تكرار الأخطاء أو التهاون، علاوة على منح مكافأة غير مستحقة للعديد من الأشخاص المفتقرين للكفاءة.ينطبق على العمل الجمعوي بشكل كبير ؟ وهل التدخل لوقف النزيف من مسؤولية الدولة وسن تشريعات للمحاسبة حتى على الجمعيات التي لا تتصف بصفة النفع العام أضحى عملية لا تحتمل التأجيل.

الواقع أن المشكل أصبح مطروحا بإلحاح ويتطلب بدون شك تقنينا وتنظيما ليس فقط لضمان مراقبة تلك الأموال والمشاريع التي خصصت لها ولكن أيضا من أجل ألا تحتكر جمعيات بعينها قد لا يكون مر على تأسيسها بضعة أشهر وتحرم منها جمعيات عريقة تعمل منذ سنوات طويلة وراكمت تجارب محترمة ولها قاعدة اجتماعية محترمة.
8* لوحظ تقلص ملحوظ في حيوية وفعالية الفضاء الجمعوي مقارنة بالسنوات الماضية أين يكمن السبب ؟

لا استطيع أن أجيبك عن هذا السؤال فأهل الفضاء الجمعوي أدرى بشعابه.

9*طرح تقرير التنمية المغربي الصادر مؤخرا أن بعض مخططات ومشاريع التنمية اتسمت، في بعض الأحيان، بطموحها المفرط وطابعها التجزيئي أو بعدم مراعاة الشروط الكفيلة بجعلها قابلة للتطبيق، ومندرجة في مدى زمني عميق هل تتفق مع هذا التقييم وأين يتجلى ذلك؟

هذا صحيح إلى حد كبير، فقد لاحظنا في تجربتنا المحلية أن السلطات العمومية تتعامل في مثل هذه المشاريع مع الجمعيات وكأنها تجهل حقيقة إمكانياتها الذاتية، ولا يتعلق الأمر بالطابع التجزيئي فقط بل الطابع الانتقائي والاعتماد على مؤشرات غير دقيقة وأحيانا غير معقولة ولا علاقة لها بالحكامة الرشيدة.


10*هل تتفقون مع بعض الرؤى التي بدأت تنادي وطنيا بسن ضوابط لتأسيس الجمعيات، سعيا لإيقاف نزيف تفريخ الجمعيات الذي تعرفه الساحة ،بل أحيانا أصبح العمل الجمعوي مهنة من لامهنة له ؟وإذا كنتم لاتتفقون مع سن تشريعات مقننة على غرار قانون تأسيس الأحزاب كيف نحد من التمييع الذي تعرض له الحقل الجمعوي خاصة التنموي والثقافي ؟

لا أعتقد أن سن ضوابط جديدة لتأسيس الجمعيات سيحل المشكل المرتبط من جهة بغياب الديموقراطية في العديد من الجمعيات التي يتم تأسيسها، ومن جهة ثانية بوجود انتهازيين يمتطون العمل الجمعوي لتحقيق مصالح ذاتية ضيقة. المشكل أعمق من مجرد سن ضوابط ولكن توسيع النقاش حوله قد يصل إلى بلورة مخارج مقبولة وفعالة.
11* كيف يمكن لتنمية الثقافة المجتمعية أن تكون أساسا وركيزة لثقافة التنمية داخل المجتمع المغربي الذي يبدو أنه مازال عليه قطع أشواط لاستيعاب مفاهيم التنمية المأمولة ؟

* بالنسبة لهذا الموضوع تمتلك جمعيتنا تجربة طويلة في خوضه تنظيرا وممارسة. فعندما انطلقت الجمعية سنة 78 اهتمت بالعمل الثقافي وضمنه التربية والتعليم بالإضافة إلى الرياضة بحكم غياب أدنى تجهيزات أو مؤسسات تهتم بالرياضة في قصبة كان يسكنها 3000 نسمة أغلبهم من الشباب. كان العمل يتمحور إذن على ما هو ثقافي بالدرجة الأولى، فتراكمت تجربة وأعراف وتقاليد أصبحت مع مرور الوقت مرجعا للعمل داخل الجمعية، ومن ذلك كله اكتسبت تجربتنا فرادتها في الحقل الجمعوي رغم أن الباحثين في الحقل لم يقفوا عندها على حد علمي ربما لأنها تجربة تتبلور في الهامش وليس في المركز. طبعا لم يكن الهم التنموي غائبا، فقد تشكلت لجان منذ التأسيس لمعالجة الشأن الفلاحي والاجتماعي والصحي ولم تخل عشرات الأسابيع الثقافية والأيام الدراسية والمهرجانات من فعاليات صحية وبيئية واجتماعية. لم يكن بإمكان جمعيتنا والحال هاته أن تنفض ما راكمته وما أسسته لتتحول إلى جمعية تنموية وفق الموضة التي انتشرت في السنوات الأخيرة، أي أنها لا يمكن أن تتحول إلى مجرد مربي للأرانب أوالنحل أو أي مشروع من تلك المشاريع التي يراد لها الرفع من مردودية ومدخول قطاع من سكان الهوامش والقرى والبوادي، فقط لأن بعض الجهات الممولة أو الحكومية تشترط ذلك.
أكثر من هذا لقد حاولت بعض الجمعيات الصديقة في جبل زرهون دعمنا تأسيسها أن تنطلق على هذا الأساس واستطاعت في فترة وجيزة تحقيق الكثير من المكاسب المادية الملموسة لسكان تلك القرية لكنها وجدت صعوبة في تأطيرهم وانتهت إلى التجميد لأنها ببساطة أهملت الجانب الثقافي كمرتكز أساسي. فلا يمكن أن نؤطر قرويين وفق تنظيمات وأساليب حديثة دون التركيز على تطوير ثقافتهم ومعارفهم وبالتالي تأهيلهم نفسيا وفكريا وتفجير إمكانياتهم الفنية وطاقاتهم الإبداعية وتقوية عنصر الثقة في الذات وفي التعاون والشراكة.
بالنسبة لجمعيتنا حاولنا المراهنة على الثقافة لتحقيق تنمية حقيقية، وقد كان هذا شعار الدورة الثالثة لمهرجان ربيع بني عمار لسنة 2003. فآلية المهرجان تحقق الكثير من المكاسب: توسيع إشعاع القصبة والمنطقة دوليا وليس فقط وطنيا وهذا العنصر يشجع على خلق مشاريع وبنيات استقبال في مجال السياحة الثقافية والجبلية والقروية، أيضا تحقق تنشيطا مباشرا للحركة التجارية والنقل وفرص شغل، وتوفر كذلك فرصا لا تعوض للقاء سكان القصبة بعائلاتهم المستقرة في باقي مناطق البلاد وفي الخارج، توفر أيضا وأيضا لطاقاتهم الحرفية والفنية والإبداعية فضاء لتقديم منتوجاتهم وللاحتكاك والتعارف والتواصل وتبادل التجارب والخبرات مع القدمين من مختلف الجهات والمهن والتجارب.

إذن لا يمكن لأية تنمية أن تتحقق إذا انطلق مهندسوها من الاستخفاف بالعنصر الثقافي أو الاستمرار في الاعتقاد بأن الثقافة مجرد "خضرة فوق طعام". نحن نقول علينا أن نحول العمل الثقافي إلى عمل تنموي وهذا ما نحاوله من خلال مهرجان ربيع بني عمار وملتقى سينما القرية الذي نراهن فيه على جلب الصناعة السينمائية إلى المنطقة فضلا عن نشر الثقافة السينمائية فيها.

12*ماهي رسالتكم من وراء تنظيم عرف وطني استثنائي بالوطن العربي وهو المعروف ب "كرنفال الحمير"؟

* تحدثنا سابقا عن أزمة إبداع في العمل الجمعوي ببلادنا، ونحن نعتقد في جمعيتنا أن إعادة إنتاج تجارب الآخرين والارتهان بالأحكام والقيم والمواقف الجاهزة والمسبقة لن يساعدنا كثيرا في تحقيق أهداف التنمية الشاملة. وكما تعرف فالإبداع هو الانطلاق مما يوفر الفضاء من إمكانيات لأن المثل يقول "الحاجة أم الاختراع". ولكي نبدع علينا أن نستفز الجاهز والنمطي والمبتذل والمكرور، وننزح الغشاوة التي تغطي أعيننا كلما تعاملنا مع فضائنا الخاص. فالحمار بالنسبة لجمعيتنا يشكل عنصرا أساسيا في الفضاء الذي نشتغل عليه، إنه "سيد المدينة" بالفعل كما سماه أحد الأشرطة الوثائقية التي صورت أخيرا بفاس. لذلك فالاهتمام به وجعله محور أحد أنشطة جمعيتنا لا يثير بالنسبة لنا أي حرج على عكس الذين لا زالوا ينظرون إليه بعماهم كنموذج للحقارة والبلادة ومضرب المثل فيهما.
رسالة جمعيتنا من وراء كرنفال الحمير المنظم ضمن فعاليات مهرجان ربيع بني عمار تستهدف من جهة استفزاز الأحكام الجاهزة والسطحية والمتجنية في حق هذا الكائن رمز الصبر والعمل والذكاء أيضا، كما تستهدف منح التميز لمهرجان ربيع بني عمار والقدرة على الإشعاع المتواصل وجلب المحتضنين وأيضا وهذا هو المهم خلق فرص شغل ودخل لفئات اجتماعية مقصية وفي وضعية صعبة.

13*كلمة أخيرة حول العمل الجمعوي بالمغرب؟

يلعب العمل الجمعوي بمختلف أنواعه دورا أساسيا في الدينامية التي تعرفها بلادنا ويتحمل المسؤولية كذلك في تكريس التحول والديموقراطية والعدالة. ولأنه بهذا المعنى فإن ما ينتظره من تحديات ورهانات يتطلب منه الكثير من التفكير والعمل الجماعيين طبعا لأنه "لا عمل جمعوي بدون مشاركة جماعية" كما كنا نقول في جمعيتنا منذ بداية الثمانينات.
لمزيد من المعلومات عن جمعيتنا المرجو زيارة موقعها الذي يتضمن العديد من الوثائق والصور والمعلومات التي قد تفيدكم على العنوان التالي: http://www.beniammar.blogspot.com
كما يمكنكم زيارة أرشيف موقع مجلة الإنسان الجديد لمزيد من التفاصيل عن كرنفال الحمير: http://www.newmanmag.net.

أجرى الحوار :محمد البوزيدي



#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغتراب الغربة 8/15
- الهجرة إلى............... 2* هوامش من دفاتر الأحزان
- اغتراب الغربة 7/15
- هوامش من دفاتر الأحزان
- حوار مع المبدع المغربي أحمد الكبيري
- اغتراب الغربة 6/15
- قراءة في رواية المبدع المصري -بورتريه لجسد محترق-2/2
- تيهان
- قراءة في رواية المبدع المصري -بورتريه لجسد محترق-1/2
- 4/15اغتراب الغربة
- اغتراب الغربة
- في ذكرى النكبة
- اغتراب الغربة 2/15
- اغتراب الغربة 1/15
- الخريطة الدينية بالمغرب من خلال صناعة النخبة بالمغرب
- نخبة النخبة بالمغرب
- العطب المدني والثقافي في المجتمع المغربي من خلال صناعة النخب ...
- الأحزاب المغربية ومتاهات السياسة من خلال كتاب صناعة النخبة ب ...
- البدون التائه
- قراءة في كتاب صناعة النخبة بالمغرب للكاتب عبد الرحيم العطري


المزيد.....




- -نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح ...
- الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف ...
- حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف ...
- محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
- لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...
- عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - محمد البوزيدي - حوار صحفي مع الفاعل الجمعوي محمد بلمو