|
سلطة الله وسلطة الحاكم
رمزي عودة
الحوار المتمدن-العدد: 6582 - 2020 / 6 / 3 - 01:39
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تقديم: فكرة الخلافة فكرة جدلية وجدليتها تنيع من اشكالية مفهوم النظام السياسي الاسلامي في الفكر السياسي الاسلامي . ومن الواضح ان المفاهيم السياسية المرتبطة بالفكر السياسي الاسلامي مثل البيعة والشورى والمشاركة والخلافة كلها مفاهيم جدلية اشكالية الطابع وهي في مجملها لم يتم التوافق عليها .
وفي السياق ذاته، فان فكرة الخلافة بحد ذاتها اعتبرت في نظر غالبية المفكرين السياسيين الاسلاميين وباجماع الفقه الاسلامي واجبة شرعية . بالمقابل، فقد ظهرت اتجاهات حداثية في الفكر السياسي الاسلامي تعتبر الاسلام دينا بلا دولة، وهي النتيجة الرئيسية التي وصل اليها الدكتور الشيخ على عبد الرازق في مطلع القرن الماضي، وأثار بحثه الموسوم بنظام الحكم في الاسلام جدلا كبيرا استمرت ارهاصاته الى هذا الحين. وقد جادل الشيخ علي عبد الرازق بأن كل الايات القرآنية والاحاديث النبوية لا تقدم دليلا على أن الخلافة هي النظام الشرعي في الحكم في الاسلام.
ويرى عبد الرازق بأن مطالبة القرآن الكريم بطاعة آولي الامر يعني اقرارا بوجود ولاة الامر، وهذا الاقرار لا يمكن اعتباره مطالبة من الشرع للمسلمين بأن يختاروا ولاة أمر لهم، ويدلل على وجهة نظره هذه بأمر الله تعالى للمسلمين بتحرير العبيد فان ذلك لا يشير الى أمره تعالى بلزوم أن يكون عند المسلمين عبيدا، وانما يشير الى اقراره تعالى واعترافه بنظام الرق كنظام اجتماعي واقتصادي كان سائدا عند العرب.
وبالرغم من اشكالية الموقف تجاه الخلافة بين السلفيين والحداثيين، فانني أطرح تساؤلا مختلفا في هذه الورقة، فالتساؤل ليس ان كانت الخلافة تمثل طبيعة النظام السياسي الاسلامي ومنهجه، وانما التساؤل في هذا المقام يكمن في طبيعة نظام الخلافة الذي أقره الموروث الاسلامي بعد وفاة الرسول . بكلمات أخرى، هل كانت طبيعة الخلافة المقرة في هذا الموروث ذات طبيعة سياسية أم ذا طبيعة دينية ؟
يقول جرمي جونز في تحليله للاثار المكنشفة في الاسلام المبكر "إن ندرة الدليل المادي على الدين الإسلامي خلال السبعين عاما الأولى للهجرة (622-692) قد استُخدمت للهجوم على الرواية التقليدية الإيجابية الطابع حول ظهور الإسلام".
في هذه الورقة أجادل بأن هنالك اثنتي عشر دليلا تشير الى ان طبيعة الخلافة الراشدة كانت ذات طبيعة دينية وليست ذات طبيعة سياسية . وان هذه الخلافة الراشدة كانت تمثل السلطة الدينية للدولة الاسلامية في مراحل تطورها الاولى (الاسلام المبكر ) في الوقت الذي كانت تمثل فيه الدولة الاموية السفيانية السلطة السياسية. هذه الادلة هي:
1- التأثر بالمسيحية أ- فكرة دع ما لقيصر وما لله لله ، وهي فكرة مسيحية بالاساس تشير الى الفصل ما بين السلطة الومنية والسلطة الدينية. والاسلام لم يبتعد كثيرا عن المسيحية . بل ان الفكرة العامة للاديان السماوية اجمالا لم تتحدث عن سلطة سياسية وانما سلطة دينية. والذي يقوي هذا الفرضية هي ان الامويين في نظر العديد من التاريخيين هم احد الطوائف المسيحية (النسطورية). وهو ما اشار اليه هشام حتاته وغيره من الباحثين في الاسلام المبكر. ب- كان الامويين المنشقين عن الامبراطوية البيزنطية وكنيستها بحاجة الى "دين"، وقد وفرت الدعوة المحمدية مثل هذه الحاجة. وهذا يفسر تأخر ظهور عبارة الاسلام أو محمد في اركيولوجيات الاسلام المبكلر كما يقول روبرت هولاند. وهذا ايضا يبرر ابتعاد القرأن عن ذكر ملامح واضحة للنظام السياسي الاسلامي او حتى لعملية تداول السلطة. 2- رمزية المعارضة السفيانية. لم يكن المرورث الاسلامي صريحا بما فيه الكفاية لتوضيح العلاقة بين ابي سفيان والدعوة المحمدية. كانت هنالك "رمزية" واضحة في هذا الموروث لتوضيح ان السفيانيين بزعامة ابو سفيان كان معارضا في البداية ثم رضي على مضض بهذه الدعوة ضمن اطار تحالفي . وسرعان ما انتقل هذا التحالف بين السلطة الدينية (محمد) والسلطة السياسية (ابو سفيان) الى نوع من الصراع بعد مقتل عثمان الاموي والصراع بين علي ومعاوية.
3- الصراع "الديني ضد السياسي". الموروث الاسلامي تحدث عن صراع سياسي بين ابو سفيان ومحمد ثم انتقل وتحدث عن صراع بين علي ومعاوية ثم انتقل ليتحدث عن صراع بين عبد الملك وابن الزبير. واذا تمعنا في طبيعة هذه الصراعات الكبرى في التاريخ الاسلامي المبكر نجدها تتحدث عن صراع بين المؤسسة الدينية وبين المؤسسة السياسية . ابوسفيان كان يمثل زعيم قريش ومحمد كان رجل الدين الجديد. وبنفس الصيغة تكررت فكرة الصراع بين معاوية الزعيم السياسي في الشام وبين علي ابن ابي طالب وريث المؤسسة الدينية . وتكررت نفس المسألة في الصراع بين ابن الزبير وعاصمته مكة المقدسة وبين عبد الملك قائد الشام. من الواضح ان هذه الصراعات هي التي شكلت الطبيعة السياسية للاسلام المبكر وأدت جميعها الى استقرار السلطة السياسية ومنع السلطة الدينية من توسيع نفوذها واستقلالها.
4- الطبيعة الدينية للخلافة. تشير تفسير بعض النصوص الدينية في الموروث الاسلامي الى نوع من المجازية الذي يشير الى وجود سلطتين دينية وسياسية، وان هذه العلاقة بين المؤسستين لم تكن دائما مستقرة . ومن هذه النصوص حديث الرسول " لا اشبع الله بطن معاوية" وقصة عمر ومعاوية. وامتعاض عمر من زي الملوك وظهور الترف على معاوية في الوقت الذي يعاني فيه عمر وسكان المدينة من الفقر . ونفس القصة تكررت مع عمر في علاقته مع ابو هريرة عندما اتهمه عمر بالسرقة حينما كان واليا . وتكررت هذه المسألة في الصراع الذي حدث بين علي ابن ابي طالب وعبد الله بن عباس في العراق. وقد اعتبر عبد الرازق أن خلافة الرسول من قبل الخلفاء الراشدين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب جاءت من منطلق دعوي اجتماعي من أجل ارشاد المسلمين والحفاظ على دينهم ولم تأتي هذه الخلافة انطلاقا من منطلق سسياسي في الحكم لان فكرة الدولة كانت فكرة غائبة في الموروث الشرعي الاسلامي .
5- التركيز على الجزية والجهاد (الغنائم) في الوقت الذي غابت المفاهيم السياسية في القرآن والسنة مع تحفظي على فكرة السنة، وجدنا ان مفهومي الجزية والجهاد من المفاهيم المتكرسة في القران والسنة . وهذا يشير الى : أ- طبيعة العقلية العربية الثقافية القائمة على فكرة الغنيمة كما وصفها الجابري في كتابة نقد العقل العربي. ب- طبيعة التحالف بين المؤسسة الدينية المتمركز في الجزيرة العربية الفقيرة وبين المؤسسة السياسية المتمركز في بلاد الشام وهي التي تعتمد على توسيع حدود الدولة بعد انحسار الامبراطورية الرومانية . 6- الاثار أ- الاثار الاركيولوجية لم تشر الى الخلافة، فالمسكوكات النقدية والاثار تحدثت عن معاوية بوصفة أول امير المؤمنين وهي لفظ مسيحي في الاصل . والعملات اظهرته وهو بيده الصليب. وقد وجدت كتابات كثيرة في الاسلام المبكر وصفت الحكام بعبد الله وامير المؤمنين وفي عهد متأخر بخليفة الله وليس خليفة المسلمين . وبالضرورة ففكرة الخلافة تتطورت في العصر العباسي وليس في الاسلام المبكر . ب- لا توجد اثار للخلافة الراشدة نهائيا وبالتالي نحن كتاريخيين لا يمكن ان نقرها، وربما يعود السبب في ذلك الى الوهابيين وتحالف السعوديين معهم منذ الدولة السعودية الاولى (انظر اسهامات باتريشا كرون ومايكل كوك "الهاجريين" وغيرهما)
7- الموروث الاسلامي نفسه تحدث عن الامويين بطريقة تخالف الشرع – وصف الخلافة – بل وكانهم غير مسلمين ( معاوية مات وهو يلبس الصليب، يزيد وهو يشرب الخمر وكذلك عن الوليد بن عبد الملك)
8- الوثائق التاريخية غير الاسلامية مثل الحوليات المارونية اظهرت معاوية بانه اكثر التصاقا بالمسيحيين منه بالاسلامين مثل نقش حمامات شمال فلسطين. انظر النقش ادناه " اجتمع العديد من العرب في أورشليم ونصبوا معاوية ملكا.... ففي حزيران من العام نفسه اجتمع الأمراء والعديد من العرب وبايعوا معاوية. ثم أن أمرا صدر بإعلانه ملكا في جميع القرى والمدن الخاضعة لسلطته وبأن عليهم أن يشهروا بيعتهم له وتوسلهم إلى مقامه. كما أنه ضرب الذهب والفضة , إلا أنها لم تُقبل لأنها لم تحمل صورة الصليب. بالإضافة إلى ذلك, لم يضع معاوية تاجا كغيره من ملوك العالم. لقد جعل مقر عرشه في دمشق ورفض الذهاب إلى مقر محمد".
9- فارق القوى بين الشام والحجاز أ- هل حدثت هذه الفتوحات فعلا ؟ وهل كانت هي فتوحات بالمعنى الذي ورد في الموروث الاسلامي ام ان العملية ليست سوى انسحاب هيرقل من المنطقة واعتماده على حكم معاوية ؟ ب- هل يستطيع الحجازيون ان يقوموا بهذه الفتوحات ان حدثت فعلا وان يكونوا هم انفسهم طبقة الحكام . من الواضح ان الاجابة هي لا بسبب ضعف المنطقة الحجازية وضعف مقدراتها. وها يعطي افضلية لاهل الشام بقيادة معاوية على الحكم السياسي فيما تركت امور الدين بيد الطبقة الدينية في الحجاز.
10- تأويل بعض الاحاديث والايات القرانية التي تشير الى تمركز القوة السياسية في بلاد الشام وهنا، فانني سأعتمد على بعض مغامرات جيبسون التاريخية عندما أثار مسألة الموضع الذي تمركزت ونشأت فيه الديانة الاسلامية، وهو يجادل بأن عاصمة الدولة الاسلامية ربما تكون البترا في الاردن، واعتمد على ذلك على تفسير لتاريخية بعض النصوص الدينية والقرانية . وقد غفل جيبسون نفسه على ان القران يمكن ان يكون قد كتب في اكثر من مرحلة وفي اكثر من مكان (انظر كتاب مصداقية وسلامة القرلآن لوليم غولدساك) وربما احد الاماكن التي قد يكون كتب بعض اجزائه تكون بلاد الشام مقر السلطة السياسية . بمعنى اخر، قد يفسر هذه التناقض محاولات السلطة السياسيىة المتمركزة في بلاد الشام من ان تؤثر على الديانة الجديدة بطريقة تخدم مصالحها، وهذا الامر يتضح بصورة اكبر في الاحايث النبوية لاسيما تلك التي يسندها الزهري. 11- وهمية فكرة الخلافة عند المارودي في كتابة الاحكام السلطانية، فهو وان حاول ان يوضح معنى وشرط الخلافة في وقت متاخر من الاسلام المبكر، الا انه بعمله في بلاط السلطان ناقض شروط الخلافة نفسها التي وضعها، أو كأنه اشار الى تطابقها مع الخليفة العباسي وهو الامر الذي يشير الى تناقض مهم في فكرة الخلافة. بمعنى أخر انه نفي شروط الخلافة نفسها التي كتبها.
12- اجماع الامة على فصل السلطتين
صحيح انه هنالك اجماع عند غالبية الفقه الاسلامي على قبول الخلافة، وهذا يدين فكرة الخلافة نفسها . بمعني اخر، فان غالبية فقهاء ومفكري الفقه الاسلامي اقروا بالخلفاء الموجودين منذ عهد معاوية وقبلوا بها وهذا يشير الى قبولهم لفكرة الفصل ما بين السلطيتين الدينية والسياسية، لانه ببساطة لا تنطبق شروط الخلافة على حكمهم.
13- كتابة التاريخ الاسلامي في عهد العباسيين ان كل المرورث الاسلامي كتب في عهد العباسيين وكتب ايضا لصالحهم . والعباسييون الذين كانوا يمقتون الامويين لدرجة انهم نبشوا قبورهم، قد اشاروا في هذا الموروث الى عدم شرعية الحكم الاموي لانه يخالف الشرع . وابتدعوا فكرة الخلافة الراشدة ليشيروا الى عدم شرعية الحكم الاموي.
النتائج: 1- ان الخلافة في المرحلة الاولى من الاسلام المبكر (الخلفاء الثلاثة الراشدين ابو بكر وعمر وعثمان) لم تكن تمثل سوى السلطة أو الطبقة الدينية. 2- في فتره خلافة علي ظهرت رغبة المؤسسة الدينية في السيطرة على المؤسسة السياسية الحاكمة وتحسين طبيعة العلاقة بين المؤسستين لصالح المؤسسة الدينية، واستمر هذا الصراع حتى استقرت السيطرة لصالح المؤسسة السياسية في العهد المرواني. 3- عندما سيطر العباسيون على الحكم عدلوا فكرة الخلافة لتجمع بين السلطيتين الدينية والسياسية في شخص الحاكم وذلك لهدفين الاول اضفاء عدم الشرعية على حكم الامويين والهدف الثاني هو تقليص دور المؤسسة الدينية ونفوذها.
#رمزي_عودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كورونا، حداثة ما بعد الحداثة
-
معضلة حماس في اجراء الانتخابات
-
الحياد ليس هو المطلوب أمام الازمة القطرية
-
-تحدّي ترامب- فهل ينجح بالمرور؟
-
القائمة المفتوحة فوضى أم تنظيم لصفوف فتح!
-
مؤتمر باريس .. قراءة في النتائج واستراتيجيات الدبلوماسية الف
...
-
التوافقية وليس المصالحة هي المطلوبة
-
الخيارات العسكرية المتاحة امام دولة فلسطين
-
الشباب والتحول الديمقراطي في اعقاب الربيع العربي
-
موعدنا مع ايلول ..الدولة ام الاستقالة؟!
-
الحل ليس حل السلطة !
-
يا ابيض يا اسود .. في سبتمر المقبل
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|