كلكامش نبيل
الحوار المتمدن-العدد: 6580 - 2020 / 6 / 1 - 22:48
المحور:
الادب والفن
منذ عشر سنوات، وبسبب شغفي بباليه بحيرة البجع (الذي حضرته مرتين في دار الأوبرا في القاهرة)، كنتُ أرغب بمشاهدة فيلم "البجعة السوداء" ولكنني لم أفعل. ليلة البارحة، قررتُ أخيرًا مشاهدة الفيلم المنُتج عام 2010. الفيلم من إخراج دارين أرنوفسكي وبطولة ناتالي بورتمان (التي جسدت دور نينا) وميلا كونيس (التي جسدت دور أوديل أو ليلي) وفنسنت كاسيل (الذي لعب دور المدرّب توماس). تقييم الفيلم عالي بنسبة 85 في المائة على موقع روتين توميتو و8 من 10 على موقع قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت IMDb.
على الرغم من أجواء الفيلم الموسيقية الجميلة وعروض وتدريبات الباليه الرائعة، إلا أنه فيلم ثقيل من الناحية النفسية مع كل الضغوطات التي تواجهها نينا من أجل الحصول على دور ملكة البجع ومن أجل اتقان الدور حتى الكمال. يصرّ المدرب على أن الدقّة في الاداء لا تحقق الكمال إذا ما خلت من الشغف والعاطفة وتقمّص الدور. يمدح المدرّب أداء البديلة المحتملة ليلي ويرى أن أداءها عفوي وغير دقيق ولكنه مذهل. تُصاب راقصة الباليه نينا بالقلق وتتأزم نفسيا لدرجة أنها تحكّ جلدها وتجرحها وتقوم والدتها - المتسلطة بعض الشيء والتي تذكرها على الدوام بأنها ضحكت بمهنتها في ذات المجال من أجل أن تربيها – بقص أظافرها بشكل مستمر لمنعها من جرح نفسها. تصاب نينا بهلاوس مرعبة تتقمص فيها دور البجعة السوداء، فيما يحاول المخرج إثارتها، ولكنها لا تشعر بشيء. يركز الفيلم على فقرة نبذ راقصات الباليه عندما يتقدمن في السن، ومسألة استغلال المخرجين للفنانات والراقصات جنسيا، ومسألة أن يكون الرقص مثير للغرائز، فضلاً عن الصعوبات الجسدية والألم الذي تتحمله راقصات الباليه في سبيل اتقان عملهن.
يصبح التنافس بين الفتاتين مدمّرًا لنينا من الناحية النفسية في غمرة خوفها من خسارة الدور لصالح ليلي. تزداد الهلاوس وتتصور والدتها مقتولة وتارة تتصور نفسها قد قتلت ليلي. يعيش المشاهد كل ذلك ويصدّق أنه قد حصل قبل أن يكتشف العكس ليضيع الحد الفاصل بين الواقع والخيال. تحاول ليلي دفع نينا للتمرّد على والدتها التي تعاملها كطفلة وبالتالي نلاحظ تمرّد على الأم لإثبات العكس أمام الصديقة التي تريد لها الشر وتشتيت انتباهها قبل يوم العرض المرتقب. يشير تخلص نينا من كل الدببة المحشوة بالقطن في غرفتها في رغبتها لقتل الطفلة والتغير، وتتداخل الهلاوس لدرجة لا يمكننا معرفة إن كانت نينا قد ضاجعت ليلي أو أنها كانت تتخيّل ذلك.
في يوم العرض، تزداد الهلاوس لدرجة أنها تتقمص دور البجعة السوداء – التي كان المدرب توماس يشكك في قدرتها على تجسيدها – لدرجة أنها تتصوّر نمو ريش أسود على جسدها. الفيلم مرعب أحيانًا ومرهق. تسقط نينا على الأرض وسط العرض الأول ويتلافون ذلك فيما بعد، وتواصل العرض الثاني وهي خائفة من الفشل، في حين يكرّر المدرّب أن العقبة الوحيدة أمام نجاها هي نفسها وليس أحدٌ آخر. في النهاية تصل إلى الكمال بتقمّص البجعة السوداء وقتل ذاتها. نهاية الفيلم وتساقط الريش الأبيض والأسود جميل للغاية. الفيلم جميل ولكنه مرهق نفسيًا وتتخلله لحظات هلوسة مرعبة.
#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟