|
القيصر الروسي والحل في سورية
نصر حسن
الحوار المتمدن-العدد: 6580 - 2020 / 6 / 1 - 17:47
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
القيصر الروسي والحل في سورية ...!. (1) يرى بوتين أنه دخل قويا إلى سورية ، ويصرعلى أن يبقى قويا ، ويرى أن بقاء قوته مرهون كليا بنجاحه في فرض حل نهائي للحرب في سورية ، الحرب المجنونة التي أكلت أخضرها ويابسها ،وشردت شعبها ودمرت عمرانها وأرجعتها عشرات السنين إلى الوراء. نعم يبحث بوتين عن الحل المفقود لتسع سنوات وألة الحرب الجهنمية الأسدية الإيرانية الروسية منفلتة من كل ضابط تفتك بالمدنيين بضوء أخضر دولي دون سقف زمني وغياب أمريكي وعربي ودولي عن محنة المدنيين السورين . والجميع يدرك أن الحل الروسي المقصود هو الذي اشتغل عليه بوتين عبر الإلتفاف على القرار الأممي 2254 وتميعه وتأجيل تنفيذه حتى يطبخه على ناره هو وتهيئة ظروف جديدة تساعده عل فرضه ، هذا الحل الروسي يرتكز على هدفين اثنين ، أولهما هو العمل الحثيث على إعادة الدور الدولي القيصري لروسيا عبر البوابة السورية وفرض شراكته في رسم صورة العالم من جديد ، وثانيها رغبته في إعادة تقاسم النفوذ بين غرب متفكك مرتبك ،وبين محور روسي صيني والدول المحسوبة عليهم ،وسورية تقع في خانتهم منذ زمن طويل ، وأما كيف وبماذا يفكر بشار أسد فهذا يدركه بوتين جيدا وهو بقائه في الحكم والباقي تفاصيل. تفاصيل يفهمها جيدا بوتين وله رأي فيها ،وما بين تقاطع المصالح الدولية على الساحة السورية دخل بوتين بخريطة طريق متنها عسكري خشن جدا لإعادة رسم موازين القوى على الأرض بعد أن عجز جيش النظام وميليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني وعشرات الميليشيات العسكرية الطائفية من هزيمة الثورة السورية وتحقيق النصر على الشعب السوري ، والحال كذلك التقط بوتين الفرصة ودخل سورية بكامل جيشه وسلاحه بضوء أخضر أمريكي دولي ، ولخمس سنوات مستعملاً سياسة الأرض المحروقة بمنتهى الهمجية والوحشية ، وباستخدام كل صنوف السلاح الروسي وحتى الاستراتيجي منها متوازيا مع هجوم جيش النظام وعصاباته واستخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين في أكثر من مكان ولعدة مرات ،وعبر التدمير الشامل و تهجير ملايين السوريين تمكن من تصغير جغرافية الثورة بالتهجير القسري لحاضنتها إلى الشمال السوري . واستطاع بوتين التحكم عسكريا بخيوط الحرب السورية وأيضا سياسيا عبر تجاوز مؤقت للقرار 2254 بموافقة أمريكية وفتح مسار أستانة وسوتشي لغربلة قوى الثورة ببطء متسلسل والضغط عليها بمساعدة السعودية ليصل إلى توافق روسي تركي أيراني على تكسير مسار الثورة عبر فرض سياسة مناطق خفض التصعيد والمصالحات واختراق بعض قوى المعارضة لتكتمل الصورة بتوقيع الهدنة في ادلب مع الطرف التركي هادفا إلى طي صفحة العمل العسكري والانتقال إلى الحل السياسي . لاشك أن بوتين نحج عسكريا باستخدام مفرط لقوته العسكرية واتباع سياسة الأرض المحروقة وانعدام أي توازن بين جيوش دول عظمى وميليشيات عسكرية مدججة بالسلاح والمال والحقد وجيش حر لا يملك سوى بسيط للغاية، فحقق نجاحا مدروسا على الساحة العسكرية ، وبقيت ادلب ومحيطها وشمالها الساحة الأخيرة للثورة والمعارضة ، والجدير ذكره أن المعارضة السورية قدمت الكثير من التنازلات في مسرحية أستانة وسوتشي والرياض ،في حين راوغ كالعادة النظام حول مجمل الحلول المطروحة ، وبقي متمترسا في موقفه الرافض لأي حوار مع المعارضة أو الاعتراف بها ، ورفضه أيضا للقرار 2254 وأي مبادرة دولية للبدء بالحل السياسي. فهم بوتين رجل المخابرات المتمرس بخبرته الطويلة، أن بشار يلعب ويكذب ويماطل لكسب الوقت ولن يغير موقفه سوى بطريقة جديدة من التعامل الخشن والمهين ليفرض عليه القبول بالحل الروسي ، وبسرعة أقر صيغة جديدة بالتعامل مع بشار ومن معه وبدأها بسلسة من اللقاءات المهينة والمذلة له ونشرها عبر الأعلام وأوعز لطاقمه السياسي والعسكري والدبلوماسي والإعلامي القيام بحملة إعلامية منظمة والضغط الكبير المهين على بشار من خلال شحنه تكرارا وحيدا إلى موسكو وقاعدة حميميم ووضعه بالتدريج في صورة الحل وضرورة القبول بالحل الروسي ، بخلاف ذلك سوف تتطور الأمور كلها في صالح المعارضة لأنك غير قادر من الدفاع عن نفسك ، لكن بشار استمر في اللعب على الحبال واهما الاستمرار على هامش الخلاف الروسي الإيراني الخفي وطمعا في تمييع التحركات الروسية والدولية لحين الإقرار ببقائه كرئيس سورية الشرعي . يدرك بوتين جيدا أن قوة وشعبية بشار أسد محصورة بشكل أساسي في القوى الأمنية والمخابرات وبقايا الجيش بحكم بنيتها العلوية العامة ، وعمل منذ دخوله إلى سورية وأقنع بشار أسد بإعادة هيكلة هذه الأجهزة جميعها بتسلسل عبر تسريحات وتغييرات وتغييب الكثير من قياداتها القديمة وربط معظمها في قاعدة حميميم العسكرية ووكالة المخابرات الروسية واستطاع اختراقها واحكام السيطرة عليها وربطها في استراتيجيته . على الطرف الأخر تعامل بشار أسد مع بوتين بشكل كلاسيكي مبنيا على علاقات سورية مع الاتحاد السوفياتي وعلى تقييم قديم مضى لتقنيات وأليات عمل قيادة الاتحاد السوفيتي القديمة المنهارة ، ولم يقف طويلا وينتبه أن بوتين خريج تلك المدرسة ومنها لكنة يملك تفكير جدية كفوء متسلح بقوة خبرة طويلة لقطب كان له مكانته الكبيرة في السياسة الدولية ومختلف عنه ومتجاوزا له في فهم عوامل القوة ودورها في عالم دولي جديد محكوم كليا بالمال والقوة ،ولاقيمة عنده للشعارات والنهج الإيديولجي الخشبي القديم ، باختصار بوتين يمثل التزاوج القوي الخطير بين السياسة والاقتصاد ،ويهدف أساسا إلى الربح والربح فقط , وأن السياسة المجانية الشعاراتية لاقيمة لها وأن دخول سورية كتكرارا لدخول أفغانستان سابقا مستوعبه جيدا وغير وارده في تفكيره نهائيا ، وعليه إن الربح الذي يفهمه من دخوله إلى سورية ذو شقين متكاملين عسكري سياسي وإقتصادي بالمحصلة يمكنه من السيطرة على مفاصل ثروة جديدة وأيضا يساعده في رسم الشرق الأوسط كمنطقة نفوذ روسية بموافقة ومشاركة أمريكية في نهاية المطاف. إذن دخل بوتين إلى الساحة الدولية عبر سورية محكوما بعقلية عمل المافيا المدججة بالسلاح والخبرات والهادفة إلى الربح المادي البحت المفتوح ،الربح المادي الذي يراه بوتين أنه هو المفتاح الوحيد لفتح كل الأبواب المغلقة والدخل النشط إلى بورصة السياسة الدولي وتثبت سياسته ونهجه على المستويين الداخلي والخارجي . ولاشك أن الخلاف والاختلاف النوعي الكبير بين بوتين وبشار على المستوى العقلي والسياسي والنفسي هو اختلاف كبير أشبه بالاختلاف بين زعيم مافيا ذو شخصية قوية ذكي حاد ديناميكي ومخضرم ، ولص غبي ضعيف الشخصية في دائرة سيطرته، هذا الفرق استغله بوتين ببراعة لأضعاف بشار أسد علنيا برميه بسهام الحملات الإعلامية المتعددة حول دور روسيا في حماية بشار وإنقاذه من السقوط ووصفه بالضعيف غير المسيطر على الوضع والذي لا يتمتع سوى بنسبة بسيطة من التأييد الشعبي في سورية و وانعدام فرصته في النجاح بانتخابات قادمة في سورية . وبشار أسد بحكم شخصيته التافهة السطحية نسي أو تناسى أن بوتين استخدم حق النقض الفيتو 12 مرة في مجلس الأمن لوقف خطة إسقاطه الدولية ، فهمه على أساس أن بوتين معجبا بشخصيته وطوله وعرضه وفلسفته الغوغائية ، ولم يستوعب أبدا أن بوتين أراد تأجيل إسقاطه لقبض كاش ثمن دعمه له في سورية . وبشار أسد الذي يسمع بشدة وإعجاب إلى هذيان عسكر إيران وحرسها الثوري وملاليها بإمكانية الضغط على بوتين بوهم إغراقه في سورية ،لم يستوعب أبدا أن بوتين يسبح في دماء السوريين بكل خبث ومكر ومهارة ،وأن صور تدمير سورية بمن فيها هي عمل مدروس لعرضها أشلاء للبيع والشراء والتأجير في المزاد الدولي . بقي أن نقول بأن الحل الروسي هو الذي سيتم تنفيذه مع بقاء بشار أسد أو بدونه ولكل سيناريو تفاصيله وخطة تطبيقه وهو خلاصة توافق روسي أمريكي إسرائيلي دولي متفق عليه بكل تفاصيله وجدوله الزمني ،وأن ما يراه البعض من غياب أمريكي دولي هو غير صحيح ،بل هو توكيل لبوتين بكامل الصلاحية وإغرائه بذلك لأن أمريكا والديمقراطيات الغربية لا تتحمل التبعات الأخلاقية والقانونية لجرائم الحرب التي هي جرائم ضد الإنسانية وأنها تحترم الرأي العام لشعوبها . إنها لعبة الأمم الحقيرة أيها الطاغية الأحمق المبنية على الربح ولا صلة لها البتة بالأخلاق والمبادئ واحترام حرية الشعوب . في الجزء الثاني سنناقش الحل من وجهة نظر الثورة والمعارضة السورية ....
#نصر_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سورية بين مؤتمرات ومجازر...
-
جرائم الحولة...وحشية بلا حدود
-
الاستعصاء السوري !.
-
حماه في شباطها الثلاثين...عبور إلى الحرية والكرامة
-
البيان الختامي لاجتماع الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية
-
بشار أسد وخطاب المؤامرة!
-
الجامعة العربية والملف السوري ..أبعد من فشل!.
-
الاستعصاء السوري !
-
الدم السوري المباح بين مهلة وأخرى!
-
بيان التيار القومي العربي حول بيان الدكتور برهان غليون
-
بيان التيار القومي العربي
-
التمو البطل ...مشعل الحرية مضيئاً أبدا
-
مبروك كبيرة ..تشكيل المجلس الوطني السوري
-
مامعنى لاءات مؤتمر هيئة التنسيق الوطنية
-
سموها جمعة البطل المقدم حسين هرموش
-
في تكاثر المؤتمرات !
-
مؤتمرات ولجان وخيام ... ونظام يذبح حماه ثانية ً!
-
ثلاثة أشهر دامية ..وبشار ضاحكا ً...متى تعقل أيها الرئيس؟!
-
النظام المقاوم يرتكب جرائم إبادة جماعية في جسر الشغور !.
-
جرائم الكراهية في سورية !
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|