|
رئيس من العالم الثالث في البيت الأبيض
فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي
(Fuad Alsalahi)
الحوار المتمدن-العدد: 6580 - 2020 / 6 / 1 - 02:50
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
منذ مرحلة المعركة الانتخابية للرئيس ترامب وحتى اليوم وهو يمارس اسلوبا استفزازيا ضد معاونيه وخصومه وضد الصحافة اضافة الى ممارسات اثارة السخرية عليه ومنها حديثه بتناول ديتول -الكلور كشراب لتنظيف المعدة من الفيروسات ثم دأبه رفض استخدام الكمامات باعتباره قدوة للشعب الذي اقرت ادارته وجوب الكمامات لكل مواطن ..وزاد في الامر صراخه مع الصحفيين واتهامهم بالكذب وصولا الى تغريدته يوم امس الاول بالتهديد بإغلاق منصة تويتر امام الامريكيين .. وقبل هذا ومعه اتهامه للصين بانها سبب كورونا (حتى لوكان التهمة صحيحة الاولى به ان يقدم العلاج واللقاح وتعميم الخدمات الطبية لشعبية وجعل قضية الصين مسألة سياسية واعلامية ). وما برحت المعارضة من الحزب الديمقراطي من توجيه اتهامات متعددة معها استدعى الامر جلسات مطولة تستهدف مساءلته واجباره على الاستقالة .. وهذا كله لم يحدث مع اي رئيس سابق خلال 46 رئيس تعاقبوا على البيت الابيض ..ربما تهمة واحدة كانت كفيلة باستقالة الرئيس او محاكته مثل كلينتون وقبله نيكسون وغيرهما بدرجات اقل .. وللعلم كل هذه الموجة من التهديدات ضد الصحافة وخصومه داخليا والصين وروسيا انما تعكس قلقه الشديد من عدم نجاحه في الانتخابات القادمة خاصة وانه مع حلفائه في الكارتل الصناعي العسكري يرغبون في تجديد ولايته لأربع سنوات ..ولكن ما سيذكره التاريخ وما تتضمنه الصحافة ووسائط التواصل الاجتماعي ان رئيسهم لا يتصف بالسلوك الدبلوماسي المناط بمنصبه الكبير ، وتقلبه في مواقفه داخليا وخارجيا خاصة وان عدد كبير من معاونيه تم تغييرهم دون مبرر مقنع للراي العام ..اظهر ترامب ان الانتخابات الامريكية لعبة يتدخل فيها الخارج الدولي والاشارة الى روسيا والصين وهذا امر يقلل كثيرا من اهمية الانتخابات الرئاسية في امريكا ومن اهمية الدولة الامريكية ومؤسساتها بتقاليدها الراسخة ..الديمقراطية الغربية تقبل المعارضة وحرية الصحافة ..هذا واضح .. لكن ..لا رئيس اخر في الغرب الليبرالي له مسلك ترامب ..وحده انفرد بنزق سياسي واثارة عواصف متعددة في الداخل والخارج ..ومعه تكاد تقاليد السياسة والدبلوماسية تغيب ربما ظهرت بعض هذه الصفات قليلا مع بوش الابن واختلاقه جملة الاكاذيب التي فضحتها الصحف الامريكية قبل غيرها حول ضرب العراق واكذوبة اسلحة الدمار .. اليوم الادارة الامريكية محل نقد من داخل اوروبا ومن غيرها ومن الداخل الامريكي وخارجه . وما انسحاب ترامب من اهم الاتفاقيات الدولية الا دليل على السلوك السياسي المضطرب وغير المتوافق مع الاسرة الدولية في قضايا لا مجال للاختلاف حولها مثل مسألة البيئة والمناخ واتفاقيات عدم التسلح تعزيزا للاستقرار العالمي .. وهي اتفاقيات اقرتها الادارات الامريكية السابقة بل وفاخرت بإنجازها .. في عهد ترامب تزايدت الاعمال العنصرية ضد السود من افراد شرطة بيض دون مبرر وفي اكثر من مدينة وولاية مع ما تثيره من ثورات غضب تتبلور في مظاهرات بعضها في حديقة البيت الابيض وهو مع كل هذه الممارسات المعلنة ينكرها او يقلل من اهميتها واثارها .. يبدو ان ازمة كورنا و مخاطرها المتزايدة في امريكا ومشكلاتها الاقتصادية المتصاعدة مع تزايد معدلات العاطلين ومن تقدموا بطلب دعم اجتماعي كلها تقلل فرص فوز ترامب في الانتخابات القادمة الا اذا تم حصوله على دعم مالي كبير من بعض اصدقائه الذين مدحوه سابقا نصف ترليون دولار لتنشيط الاقتصاد الداخلي وتحريك العجلة الاقتصادية تمكنه من استخدامها للدعاية الانتخابية . مع العلم ان السلوك الانتخابي لا تتحكم به قرارات رشيدة دائما بل يكون تحت تأثير المتغيرات السيكولوجية اللحظية التي تحركها وسائل الاعلام واثارة الخوف من قضايا غير واضحة تستهدف حشد اليمين السياسي حولها ومن ثم حول من يمثلها وهنا تكون الممارسات الشعبوية ذات حضور في الشارع الامريكي وحشد الراي العام ..؟ في هذا السياق يمكن القول ان ازمة كورونا تفضح النظم الرأسمالية سياسيا واجتماعيا في أمريكا واوروبا وتظهر طبيعتها الحقيقية .فأزمة كورونا لا تقف عند تصاعد معدلات الاصابات والوفيات وهي مؤشرات خطيرة بل تجاوزت ذلك الى بنية النظام الرأسمالي نفسه الذي اظهرت الازمة عيوبه ونواقصه التي كان يتم اخفائها وراء ستار النمو الاقتصادي ومظاهر الحريات والاستهلاك . اليوم تظهر الازمة عجز في المؤسسات الطبية (كوادر، معدات ، حتى كمامات ...) واظهرت تزايد الاصابات في مناطق الفقراء والعشوائيات اكثر من المناطق والاحياء الراقية رغم ان الاصابات تلحق بالأغنياء والفقراء على السواء لكن حجم ومعدل الاصابات يفرق كثيرا بين الدول المتقدمة والمتخلفة وداخل الدول المتقدمة تحديدا بين مدينة واخرى ،حي سكني واخر .. زد في ذلك ان فرص التطبيب ورفع جاهزية الاهتمام بالأثرياء اكثر من الاهتمام بالأقل ثراء .وهنا ظهرت الحاجة موضوعيا الى دولة لها توجه اجتماعي اقتصادي يرسم سياسات للغالبية من السكان ويلتزم نحوهم بتقديم الخدمات اللازمة ..ومعنى ذلك ان الدولة الحارسة كما نادى بها رموز الليبرالية الكلاسيكية وحاليا اليمين السياسي والنيوليبرالزم لم تعد تفي بالغرض وفق الجائحة التي تهز المجتمع الرأسمالي كله بنظامه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي (بل والعالم كله ) واثرت في مسارات الاندماج العام في المجتمع (الاندماج مشكلة لها مظاهر سلبية في كل المجتمعات ) خاصة المجتمع الامريكي والاوربي الذي يتشكل في مجموعه من خليط من الافراد بتعدد القوميات والأديان والاعراق . في هذا السياق تتجدد الازمات الاجتماعية والحقوقية والاقتصادية جميعها تظهر للسطح بين الحين والاخر ويتم تغطيتها بطرق شتى لكن هناك مؤشر ثابت يظهر ويختفي تباعا لمتغيرات أخرى وهو استمرار النعرات العنصرية التي توجه للأمريكان من اصول افريقية واخرها ما حصل في منيا بوليس ضد جورج فلويد وما اعقب ذلك من مظاهرات احتجاج عمت اكثر من مدينة امريكية بل وخرجت مظاهرات دعم وتنديد في مدن اوربية مثل لندن وبرلين وغيرها وربما تتسع وتنتشر الى حدود تنذر بعواقب وخيمة على النظام الامريكي وادارة ترامب تحديدا ان لم تتحول الى حركات احتجاج شعبية واسعة في عموم اوروبا وامريكا ضد النظام الرأسمالي بصورته المعولمة التي لاتزال تستند في ركائزها على الصورة الكولونيالية السابقة .. إدارة ترامب عززت من الخطاب السياسي نحو تحشيد اليمين المتطرف وغالبيته من البيض فتزايدت النعرة العرقية والعنصرية علما ان هناك سوابق متعددة تتكرر كل عام في اكثر من مدينة امريكية ..وهكذا نكون الإدارة الامريكية امام ازمات صحية وحقوقية وسياسية جميعها تتطلب بالضرورة تجديد دور الدولة وتجديد في بنية النظام الرأسمالي نحو اعتماد توجهات اقتصادية تهتم لأمر المجتمع صحيا وتعليميا وحقوقيا والتزام سياسي يعزز من المساواة ومحاربة العنصرية وتحقيق العدالة والانصاف .. المثير للسخرية هنا ان خطاب الادارة الامريكية ينزلق نحو تمثل لخطابات رؤساء العالم الثالث الذي يقرر بان الازمات الاجتماعية والسياسية والمظاهرات وراها مؤامرات واعداء النظام والدولة وليست تعبيرا عن ازمات داخلية تعكس ممارسات سياسية و اقتصادية تتضمن تمييزا تجاه بعض المواطنين وفق خلفياتهم العرقية والثقافية ..ورغم تعدد الازمات في ادارة ترامب الا انه بنزعته الشعبوية يراهن على قوة اليمين السياسي وتحشيده مدعوما بذلك التيار المنظم الذي يتضمن نخبة الاقتصاد والإدارة مع بعض رجال الدين الذين يبررون استمرار التمييز العنصري .. اوروبا كما امريكا تعاني من مشكلات التمييز العنصري لان مجتمعاتها تتضمن تشكيلات واسعة من المهاجرين وما يرافق ذلك من انحياز السياسات الاقتصادية للأغنياء دون الطبقة المتوسطة والطبقة العمالية وكل المهاجرين الذين يعيش الكثير منهم بظروف بائسة وقد ذهب منظرو الإدارة الامريكية الى التعبير بالقول ان المهاجرين يهددون هوية المجتمع كما في تعبير صوميل هنتجتون وهو تعبير زائف بل وكاذب فالمجتمع الأمريكي هويته الأساسية انه مجتمع مهاجرين جميعهم صنعوا دولة ومجتمع له حضوره الراهن . وللعلم مسألة التمييز العنصري لها حضور في كل المجتمعات ومنها مجتمعاتنا العربية بشكل او باخر وكان الامل ولايزال بالانفتاح السياسي والممارسة الديمقراطية في اطار دولة مدنية تعزز من الحريات العامة والمساواة والانصاف وهو مطلب سياسي اقتصادي لايزال محل اهتمام علمي واكاديمي واهتمام المجتمع المدني في جميع ارجاء المعمورة . صفوة القول ان الازمات الراهنة التي تواجهها الإدارة الامريكية هي ذاتها أزمات اوروبا (وبدرجات مختلفة في كثير من المجتمعات ) لا ترتبط فقط بالتمييز العنصري بل بالتحيز السياسي الاقتصادي الذي يهمش قطاعات واسعة من المجتمع ومن هنا تكون الحاجة الى إعادة النظر في مفهوم الدولة ودورها فلا مجال لدولة ضعيفة امام تغول الشركات الرأسمالية او جماعات وأحزاب التطرف السياسي والديني ولا دولة متغولة امنيا وعسكريا تغيب معها حريات الافراد وحقوقهم الأساسية بل دولة ذات توجه اجتماعي اقتصادي نحو غالية افراد المجتمع وظيفتها تحقيق الاستقرار والعدالة والمساواة في اطار نصوص دستورية وقانونية تعزز من مظاهر الدولة المدنية بفلسفتها وخطابها و مرجعياتها . بكلمة واحدة الادارة الامريكية لابد وان تعيد النظر في دور الدولة وقوانينها والتزاماتها السياسية والاجتماعية تجاه كل مواطنيها ومحاربة كل اشكال التمييز العنصري ودون ذلك ستتعرض لازمات متعددة قد تعصف باستقرارها وقتا طويلا وما ينجم عن ذلك من اضرار بالاقتصاد والمجتمع .
#فؤاد_الصلاحي (هاشتاغ)
Fuad__Alsalahi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاقتصاد السياسي مدخل لفهم وتحليل الازمات الراهنة
-
العالم غدا ...!
-
العولمة اعلى مراحل الرأسمالية
-
ما بعد الجائحة كورونا
-
خمس ملاحظات في ازمة كورونا وتداعياتها في الواقع العربي
-
نحو تعديل النهج الاقتصادي للرأسمالية المعولمة
-
مقدمة في تحليل الازمات الراهنة
-
جائحة وبائية واستغلال سياسي
-
كورونا ..الخوف والتحدي في آن واحد
-
مع الحراك الشعبي في نقد ورفض البنى المنتجة للازمات السياسية
-
امريكا وزلزال سياسي في المنطقة
-
الشعبوية ..تعبير خطابي وتوجه سياسي
-
ايران وامريكا ...من التهيؤ للحرب الى الحوار
-
مخاطر اليمين السياسي في امريكا واوربا
-
ازمات المجتمع العربي وعجز العلوم الاجتماعية
-
الدولة العميقة والمتخيل السياسي
-
ممكنات التغيير السياسي ومعوقاته
-
عن اليسار العربي مرة اخرى ..!
-
السعودية في عين العاصفة الامريكية
-
في معنى ودلالات مظاهرات باريس -قراءة اولية -
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|