|
ذكرى انتفاضة ماي 1968
حسن أحراث
الحوار المتمدن-العدد: 6574 - 2020 / 5 / 26 - 00:49
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
كل انتفاضة أو ثورة، "وحنا دايما فرحانين"، وفقط "فرحانين"...!!
تمر التجارب في صمت، ومنها الأقرب الينا من حبل الوريد (تجارب شعبنا الغنية)، و"تموت" الدروس والعبر. والنتيجة مراكمة الفشل وتكرار الأخطاء وبصيغة أسوأ. واستحضار بعض التجارب الناجحة، كثيرا ما تم بصيغة الافتخار وتأكيد الانتماء اليها؛ أما التجارب الفاشلة فتم تناولها بقلم الحسرة والأسف، وإن بروح الوفاء ورد الاعتبار. وهكذا دواليك.. وحتى في حالة بلورة بعض الخلاصات، لا يتم الاشتغال على ترجمتها في الممارسة السياسة، وتبقى شعارات تتردد في كل مناسبة كنوع من العزاء وطمأنة الذات. ومن الغباء المسيطر على أذهاننا الاحتماء بالتجارب السابقة، سواء الفاشلة أو الناجحة، والدوران بالتالي في الحلقات المفرغة. بالفعل، نستمد القوة والمشروعية من الانتماء الى التاريخ المشرق للشعوب المضطهدة وفي مقدمتها الطبقة العاملة، لكن الواجب النضالي يفرض تشريف ذلك الرصيد النضالي وتطويره فكرا وممارسة على قاعدة التحليل الملموس للواقع الملموس، وليس فقط "تقديسه" أو ترديده ليل نهار، كما هي حال القوى الظلامية مع مراجعها الصفراء. التاريخ مليء بالتجارب القيمة قبل انتفاضة ماي 1968 بفرنسا وبعدها. لقد كانت إحدى المحطات المتميزة التي حفزت الى جانب انتفاضة 23 مارس 1965 وهزيمة 1967 وانبثاق اليسار الجديد بمناطق عدة من العالم و(...)، على النهوض بالمشروع التاريخي الذي جسدته الحركة الماركسية اللينينية المغربية (الحملم). طبعا ليس كانتفاضة طلابية فقط بقيادة الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا (UNEF)، بل كانتفاضة استقطبت العمال وفئات شعبية عريضة لمواجهة الاستغلال والاضطهاد الرأسماليين. وهو ما تحيل عليه أيضا انتفاضة 23 مارس 1965. ويكفي الانتباه الى ما بعدها، أي المسافة التي تفصلنا عنها، لندرك مدى تخلفنا عن استدراك الزمن الضائع والتقاط الإشارات المطلوبة في الزمن والمكان المناسبين. فكلما ازدادت الامبريالية وعملاؤها من رجعية وصهيونية تحكما في رقاب الشعوب، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، كلما تقهقرت حركات التحرر الوطني، وتراجع المد النضالي رغم التضحيات السخية المقدمة. انطلقت انتفاضة ماي 1968 قبل شهر ماي واستمرت بعد ذلك. كانت المحطة التمهيدية الأبرز في 22 مارس 1968 بجامعة نانتير تنديدا بالقمع الذي طال المسيرة المنظمة بباريس المناهضة لحرب فيتنام. تواصلت الاحتجاجات، خاصة بعد الهجوم القمعي على جامعة السربون. ونظمت بعد ذلك مسيرة نحو الجامعة الأخيرة يوم 06 ماي، شارك فيها الى جانب الطلبة المثقفون والأساتذة مطالبين بإطلاق سراح الطلبة المعتقلين وإخلاء الجامعة من الأجهزة القمعية. تصاعدت المسيرات حتى 10 ماي مقاومة شراسة القمع الذي حول الحي اللاتيني (الحي الطلابي) الى ساحة حرب. وتوجت تلك الدينامية النضالية بالإضراب العام ليوم 13 ماي بمشاركة غفيرة للتلاميذ وعمال CGT غير الخاضعين للبيروقراطية النقابية والمواقف المتخاذلة للحزب الشيوعي الفرنسي المتحالف حينذاك مع الحزب الاشتراكي، وبتنظيم مسيرة بباريس فاق عدد المشاركين فيها المليون؛ وانخرط فيها، أي في الدينامية النضالية المتفجرة، الى حدود 16 ماي عمال المصانع والمناجم والموانئ والمطارات وغيرهم، وهو ما دفع الى الدعوة لإقامة المجالس العمالية والاعتصام بالمصانع... ولمعرفة التفاصيل والخلفيات التاريخية والفلسفية لابد من العودة الى الموضوع من زوايا التوثيق المختلفة. لأن هذه اللمحة الخاطفة جرد كرونولوجي لا غير. شكلت الانتفاضة حينه حلما جميلا اخترق كل أرجاء فرنسا والعالم، رغم تهم "التمرد" و"العفوية" وبعض الشعارات غير الدقيقة المراهنة على الطلبة والشباب عموما. انخرطت فيه أسماء معروفة من مجالات الثقافة والفن مثل سارتر ودي بوفوار ودولوز وغودار... ولم تسلم بلادنا من سحره (سلبا وإيجابا)، خاصة والزخم النضالي للحركة الطلابية أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي، في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. وقد شكل ميلاد الحملم تجاوبا مبدعا مع روح الانتفاضة في الشق المتعلق بتجاوز القوى السياسية التقليدية، حزب التحرر والاشتراكية والاتحاد الوطني للقوات الشعبية؛ تماما كما تجاوزت "قيادة" الانتفاضة الحزب الشيوعي الفرنسي، ودون أن يجنب ذلك بعض مكوناتها تكرار بعض أخطاء الانتفاضة الباريسية، ومنها على الخصوص شعار "الشبيبة التعليمية طليعة تكتيكية" الذي رفع في ظرفية عابرة ومحدودة. لا مجال للحديث هنا عن فشل الانتفاضة أو نجاحها. لقد خمد لهيبها بعد تشاور الحكومة مع بعض الأحزاب السياسية الموالية/المتواطئة في أواخر ماي والإعلان عن تنظيم الانتخابات البرلمانية في شهر يونيو 1968 والزيادة في الأجور وعن بعض الإصلاحات الإدارية (خطة الاحتواء). بدون شك لم تنجح في تحقيق أهدافها كاملة رغم سقفها المحدود وفي غياب قيادة عمالية منظمة وببرنامج مضبوط، وسيادة الحماس والعفوية اللذين لا يمكن إغفالهما. لكنها، أي الانتفاضة، خلخلت البرك الراكدة وطرحت الأسئلة المستفزة على كاهل القوى السياسية الثورية التواقة الى المساهمة في تحرر وانعتاق شعوبها بقيادة أحزاب الطبقة العاملة. والغرابة تكمن في الفوز العريض لحزب الدفاع عن الجمهورية الديغولي (نسبة الى شارل ديغول، الرئيس الفرنسي آنذاك) في الانتخابات البرلمانية (الجولة الثانية) ومعه مرشحي جيسكار ديستان المستقلين (اشتراط 21 سنة بالنسبة للناخبين، شرط إقصائي للشباب). أليس في الأمر ما يثير شهية البحث، ليس فقط لفهم ما جرى، بل لتفادي تكراره وبأكثر مأساوية؟ ولمكر الزمن، ماذا حصل بعد انتفاضة ودينامية 20 فبراير 2011 ببلادنا؟ تضحيات مشهودة ومعارك ضارية، والنتيجة انتخابات تشريعية مؤطرة بدستور ممنوح وفوز حزب العدالة والتنمية وأحزاب ناهضت 20 فبراير، انتفاضة وحركة.. إنه فوز النظام في آخر المطاف... مشكلتنا أننا نتيه في اللحظة ونردد الشعارات دون العمل على تنزيلها. كثيرا ما نؤدي ثمن أخطائنا غاليا. إما قمعا وتنكيلا وإما غرقا "مريحا" في الهامش وفي أتون الحروب الصغيرة.. كانت انتفاضة ماي 1968، وتلتها انتفاضات وأخرى بالمغرب وخارج المغرب... وكل انتفاضة أو ثورة، "وحنا دايما فرحانين"، وفقط "فرحانين"...وأي فرح!!
#حسن_أحراث (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجبهة الحاضرة/الغائبة
-
الإضراب عن الطعام..
-
باقة ورد ممنوع
-
دوائر الممنوع..
-
رمضان ومعركة الشهيدين..
-
يعرفوننا أكثر مما نعرفهم..
-
فاتح ماي في عام كورونا
-
في ذكرى الشهيد محمد كرينة
-
الصمود أو الانهيار
-
بعض مضحكات ومبكيات السجن..
-
رسالة مفتوحة الى الميلودي موخاريق
-
كفى من الفرص الضائعة!!
-
الصمت
-
شيء عن الحجر القمعي سنة 1984
-
المناضل اليوم..
-
عمال -أمانور- بطنجة وتطوان والرباط
-
أن نتذكر في بحر النسيان بعمق -CORONA VIRS-..
-
رضوان العيروكي: رفيق آخر يرحل..
-
تحية الى مناضل صنديد
-
ماذا في -قبك سخون-؟
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|