دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 6572 - 2020 / 5 / 24 - 17:53
المحور:
الادب والفن
عاشَ في زمنٍ، مشغول الفضاء بالملائكة والعفاريت والجن. أحد هؤلاء الأخيرين، ظهرَ له يوماً من داخل قمقم وعلى غير توقع. كان بطلُ حكايتنا حتى ذلك اليوم صياداً بسيطاً، يرمي صنارته من فوق صخرة كبيرة مشرفة على البحر ولا تبعد كثيراً عن كوخه البائس، أين يعيش وحيداً مع أمه. موجة رمت الزجاجة عند أسفل الصخرة، فلما فتحها خرج منها الجنيّ على شكل زوبعة ما لبثت أن تبددت ليبقى متجسداً مثل تمثال للرعب.
" أطلب مني ما شئتَ، مكافأةً على تخليصك لي من القمقم "، خاطبَ الجنيّ الصيادَ. عقبَ زوال لحظات الرعب، تمالك الشاب نفسه ثم فكّرَ قليلاً قبل أن يرد: " أريد الخلاصَ من الفقر ". هنا، لوّح الجنيّ بمرآة صغيرة الحجم: " ستطلب منها ما تشاء، وهيَ تنفذ. لو شئتَ التمتع الأبديّ بالشباب، ما عليك سوى النظر في المرآة ثم المسح عليها ".
انقلبَ الكوخ بلمحةٍ إلى قصر، وأضحت الأم الفقيرة أشبه بالسلطانة تحت إمرتها الخدم والحشم. مرت الأعوام، ثم ما لبثت المرأة العجوز أن رحلت عن الدنيا. عند ذلك شعر الابنُ بالوحشة، وقام بشراء المزيد من الجواري. لكنه رغب ببناء أسرة، فاتخذ من إحدى الجواري زوجة. تشكلت الأسرة رويداً، بإنجاب المرأة للولد إثر الآخر. استمرت حياة الرجل، وكان يزداد شباباً في حين أن من حوله يكبرون ويهرمون. بعدما قبرَ آخر فرد من أسرته، خشيَ من تساؤلات الناس عن سر حياته، ما دفعه للهجرة إلى بلد آخر. تكررت السيرة ذاتها في المهجر، وكان في كل مرة يغيّر البلد. في الأثناء، شهد حروباً ومجاعات وأوبئة.
إلى أن عشقَ فتاة، أعتقد أنها الأجمل على وجه الأرض. ساعدته المرآة السحرية على الظفر بها واتخاذها زوجةً. ما عتمَ أن رزق من حبيبته بالأولاد، فاعتبر نفسه أسعد شخص في العالم. غير أن لعبة الزمن لم ترحم، فخسر امرأته ومن ثم أولاده. شعر عندئذٍ بعبث العيش، وكان لا يعرف لنفسه عُمراً. ترك السنينَ تمضي دونَ أن يعود إلى مرآته السحرية، إلى أن ملأت التجاعيد وجهه. ذات صباح، صرفَ كل خدم الدار بعدما أعطى لكل منهم مكافأة مجزية. اتجه بعد ذلك إلى حجرة المكتب، فتناول من الدرج مسدسه الشخصيّ. وضع طلقتين في مخزن المسدس، ثم أخرج من درج آخر المرآة السحرية.
الجيران، الذين سمعوا صوت الطلقتين الناريتين، هُرعوا إلى المنزل. وجدوا جثة الرجل غارقة في الدم، وإلى جانبه المسدس والمرآة المهشمة. علقوا فيما بعد على الحادثة، بالقول: " بالرغم من غناه، لم يتحمل الشيخوخة فانتحر! ".
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟