أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 2














المزيد.....

بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6571 - 2020 / 5 / 22 - 01:56
المحور: الادب والفن
    


منزل السيدة عايدة، كان على شيء من الفخامة وبغض الطرف عن قدمه وعدم ترميمه. الدور الثاني من المنزل، أجّرته لطلبة أغراب يدرسون في ثانوية التجهيز. وكان الدور الأرضيّ يكفيها وابنتها الوحيدة، بغرفه الثلاث مع صالون فسيح ذاخر بالتحف والأثاث الدمشقي الجميل. كونها عاشت مذ صغرها مع زوج يكبرها عمراً، دأبت على الشعور بالحذر تجاه الشبان؛ ومنهم بالطبع أولئك الطلبة، الذين استأجروا لديها. لكن قلبها انفتحَ لسائق السيارة، بمجرد أن عرفت أنه ابن صديق زوجها القديم. آنذاك، كانت في منتصف الحلقة الثالثة من عُمرها بينما هوَ لما يبلغ بعدُ أعوامه العشرين. أما ابنتها، ( مليحة )، فإنها كانت تصغر الشاب بخمس سنين على الأقل. أي أن أنوثتها، بحَسَب معايير ذلك الزمن، تجعلها في سن الزواج.
" لن أدعكِ تكررين مأساة أمك، فتقعين وأنت صبية بين براثن رجل في سن والدك "، كذلك قالت لها الأم أكثر من مرة وهيَ تتأمل بإعجاب جمالها المتفتح كما وردة جوري في حديقة المنزل. مليحة، كانت إذاك تضحك من التعريض الصريح بسيرة الأب الراحل، لكنها لا تعلق بشيء. كون هذا الأخير توفي وهي صغيرة، عاشت متعلقة بشدة بوالدتها، ودأبت على النظر إليها كأجمل امرأة في العالم. من ناحية أخرى، كانت على عكس الأم، الخوّافة من الشبان؛ مثلما كانت تظهره من ردة فعل، تجاه الطلبة المستأجرين. فما أن تلمح أحدهم يتلصص على صحن الدار خِلَل نافذة حجرته، إلا وترمقه بصرامة بحيث يضطر للتواري. لعبة القط والفأر هذه، كانت تثير ضحك الأم. بيد أن هذه، في المقابل، كان يملأها سعادةً أن تجد فتيان يصغرنها كثيراً وهم مفتونون بها.

***
في يوم جمعة من مبتدأ الصيف، كانت الفتاة مستلقية في سريرها وهيَ بملابس الخروج. كان يوماً كبقية الأيام، طالما أنها ليست طالبة ولا تعمل شيئاً آخر. زهدت مليحة بالدراسة منذ المرحلة الابتدائية، ولم تنفع أيضاً في مجال تعلم الخياطة. اقتنعت برأي الوالدة، أن الجميلات حظهن كبير في زواج مناسب دونَ الحاجة لإتقان شيء غير شؤون المطبخ وتدبير المنزل. لا غرو إذاً أن يحط تفكيرها عندئذٍ على صاحب السيارة الأنيقة، وكان من المفترض أن يأخذهما إلى الربوة لقضاء النهار هناك. لم تقف تقريباً عند تبرير الأم، بأن الشاب صالح هوَ ابن أعز أصدقاء الوالد الراحل، وفي التالي، كانت تتعامل معه كما لو كان قريبها: في حقيقة الحال، أنها في أعماقها كانت تميل إليه، بل وتعتقد أنه لا يقدم خدماته لوالدتها في كل مرة إلا من أجلها هيَ.
كذلك كان حالها، لما ميّزت خِلَل النافذة صوتَ سيارة الشاب في خضم الضجة، المنبعثة من الخارج. كان المنزل يطل على أحد تفرعات سوق الجمعة، الذاخر بالمحلات التجارية من كل نوع. وعادةً ما كان البائعون الشبان يُسمعونها غزلاً موارباً، فلا يفعل ذلك إلا إثارة أعصابها: " لا يوجد حولي سوى باعة تافهون أو طلبة أغرار! "، كانت تخاطب داخلها وهيَ تحدج المعنيَّ في ازدراء. لكن صوت محرك السيارة أخرجها من غمامة أفكارها، فهبت واقفة لتندفع باتجاه الصالون كي تبلغ أمها بوصول " القريب " العتيد.

***
عامان على الأثر، عندما تورطت الدولة العثمانية في الحرب العظمى، تغيّرَ الحالُ بشكل جذريّ لدى معظم سكان الشام إن كانوا فقراء أو أغنياء. في العام الأول، كانت سيرة الغلاء تطغى على كل ما عداها، لكن لم يصل الأمرُ بعد إلى حالة المجاعة العامة. آنذاك، اعتاد صالح على مد عايدة بما تحتاجه من المؤن الضرورية بعدما كاد سوق الجمعة أن يكون خاوياً منها. مع مرور الأيام، أضحى الخبز نادر الوجود بسبب احتكار الدولة للطحين من أجل جيوشها وجيوش حلفائها على جبهات الحرب. مستفيداً من سيارته، كان الشابُ يأتي في كل مرة مع كيس صغير من الطحين مع علمه بان انكشاف أمره سيعرضه للمحكمة العسكرية العرفية. الثقة فيه من جانب قريبه زعيم الحي، الحاج حسن، كان يستغلها لأجل تأمين بعض الضروريات من مخزن المؤن، التابع لمجلس الحي والموجود في منزل الحاج: " إنها لامرأة مسكينة، لديها ابنة يتيمة، سبقَ أن أوصاني المرحوم والدي بهما! "، كذلك كان يقول في كل مرة.
مع حلول الشتاء الأول للحرب، نفدت أيضاً كل أنواع مواد التدفئة وصار من النادر أن ترى مدخنة ينبعث منها الدخان في الدور الدمشقية. هنا أيضاً، كان صالح يثبت مهارته في الوصول إلى مَن يبيع الحطب وجلّه مقتطع سراً من أشجار الغوطة بشكل مخالف للقانون. لولا أن دوريات الجندرمة على رأسها غالباً ضباط من بني جلدته، لكان قد وقع حتماً في مأزق خطير لا منجاة منه في ظل الحكم العُرفيّ.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السادس
- بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الخامس
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الخامس
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الرابع
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الرابع
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 3
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الثاني
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثاني/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثاني/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقيةالفصل الأول
- بضعة أعوام ريما: الفصل الأول/ 2
- بضعةُ أعوام ريما: الفصل الأول/ 1
- حديث عن عائشة: الخاتمة


المزيد.....




- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...
- فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
- من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة ...
- إطلالة محمد رمضان في مهرجان -كوتشيلا- الموسيقي تلفت الأنظار ...
- الفنانة البريطانية ستيفنسون: لن أتوقف عن التظاهر لأجل غزة
- رحيل الكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا
- جورجينا صديقة رونالدو تستعرض مجوهراتها مع وشم دعاء باللغة ال ...
- مأساة آثار السودان.. حين عجز الملك تهارقا عن حماية منزله بمل ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 2