|
مستقبل حكومة الكاظمي بين ثنائية الفشل المؤسساتي الحكومي واضطراب الشارع العراقيِ
محمد حسين راضي
كاتب وباحث وشاعر ورياضي
(Mohammed Hussein Radhi)
الحوار المتمدن-العدد: 6561 - 2020 / 5 / 11 - 16:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بصورة عامة يقوم النظام السياسي في كل بلد على مجموعة رئيسة من المقومات تمثل جوانب قوته وديمومته، عندما يستطيع هذا النظام توفيرها على أرض الواقع بصورة واضحة، وهي بمثابة الركائز التي يستند عليها عامل الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وما يتبع كل منها، ومن الطبيعي لا يخلو أي نظام سياسي من وجود نقاط ضعف، تطفو على السطح متى ما غرق هذا النظام او ذاك في مستنقع الضعف أو الخمول، وتعتمد قدرة النظام السياسي على تحقيق حالة الاستقرار متى ما بنى منظومته السياسية على أسس صحيحة ومتوافقة مع الأهداف التي يطمح اليها، والتي تتبناها الأحزاب السياسية منفردة او متكتلة، من خلال البرنامج الحكومي الذي تم على أساسه ترشيحها لقيادة الدولة، سعياً منها لتحقيق الرضا السياسي لدى ناخبيها، ولتحقيق التنمية والتطور المنشودان في كل آن وفي كل مجتمع. وأهم مصادر قوة النظام السياسي هو تواجد عامل التوازن بين مؤسساته الداخلية والخارجية، والذي يتحقق من خلال السياسات العامة التي يعتمدها، بشرط وجود التعددية المؤسساتية، التي تسمح بفصل مؤسسات السلطة الثلاث بصورة واضحة وجلية، لتمكين النظام السياسي من تحقيق التوازن والتكامل بين هذه المؤسسات، وتغييب حالة الغلبة لأي مؤسسة على بقية المؤسسات. لكن الملاحظ إن معظم النظم السياسية، يغلب نفوذ المؤسسة التنفيذية على باقي المؤسسات، والذي يزيد من احتماليات انتاج دولة الاستبداد والدكتاتورية، ونحتاج لمنع حدوث هكذا ظاهرة الى بناء مؤسساتي يقوم على التنافس والندية ويُقوم عامل الفصل بين السلطات، بحيث يستطيع هذا البناء إن يكبح نفوذ مؤسسة على أخرى. وقد أكدت البحوث العلمية والاطاريح الاكاديمية، كما أكدته التجربة أيضاً على أهمية المؤسسة التشريعية واستقلالها وقوتها قبال المؤسسة التنفيذية، ودور الاولى في أصدار القوانين المنظمة لحياة المجتمع والدولة، فضلاً عن دورها الرقابي في متابعة تطبيق القوانين والسياسات العامة من قبل بقية المؤسسات كونها مؤسسة تمثل الإرادة الشعبية الناخبة، وكما أكدت هذه الدراسات على ضرورة قيام المؤسسة القضائية بدورها كمؤسسة مستقلة بذاتها، تعمل على أقامه العدل وتطبيق مبدأ دولة القانون دون استثناءات، وكما تم التأكيد على أهمية تفعيل استقلالية المحكمة الدستورية ودورها في المراجعة الدستورية للقوانين الصادرة من المؤسسة التشريعية. قد نحتاج لهذه المقدمة ونحن نناقش ونحلل الوضع السياسي، ومستوى الإخفاقات التي تسببت بها مؤسسات النظام السياسي القائم اليوم في العراق، دون أيكال هذا الإخفاق الى مكون معين بحد ذاته، وذلك لأن الجميع يشتركون بنفس الجرم، كون الكل يدعي الوطنية والإخلاص للشعب العراقي بكل مكوناته. ففي بداية كل دورة من الدورات الأربع للنظام السياسي في العراق ما بعد صدور الدستور العراقي لعام (2005) ينتفض الشارع العراقي ليعبر عن سخطه وعدم رضاه عن مستوى الأداء الذي يقوم به النظام السياسي العراقي بسبب تفشي البطالة، وغياب الخدمات العامة، وفساد المؤسسات الحكومية، وتسلط معظم الأحزاب السياسية من المكونات الثلاث على مقدرات الشعب العراقي، والتقاعس عن محاسبة الفاسدين ومن يقف ورائهم (بغض النظر عن ما تهدف اليه الاجندات الخارجية والداخلية المناوئة للسلطة والذي كان لها دوراً كبيراً في حركة هذه الاحتجاجات ورسم مساراتها وأهدافها)، إلا أن وتيرة هذه الاحتجاجات تصاعدت ما بعد تحرير الاراضي العراقية من إرهابي داعش في زمن حكومة السيد حيدر العبادي، حتى بلغت ذروتها في حكومة السيد عادل عبد المهدي الذي أطيح به بعد نزول المحتجين من الشباب الى الشوارع في وسط وجنوب العراق، ومبادرة الحكومة إلى قمع الاحتجاجات بدلًا من العمل على الاستماع الى مطالب المحتجين بإحداث تغييرات على المستوى الخدمي في بداية الامر، حيث تطور مع تسارع الاحداث وقسوة الردع الى المطالبة بتغييرات جوهرية على النظام السياسي ومؤسساته وتشكيلاته، ومن يجب أن يتولى السلطة في العراق. وبسبب الازمات المتلاحقة على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق، تعطل تشكيل الحكومة التي يراد لها أن تخلف حكومة السيد عادل عبد المهدي الذي قدم استقالته رسمياً في 29/11/2019 بسبب الضغوط الداخلية والخارجية الكبيرة التي مورست تجاهه، وتمت الموافقة عليها من قبل البرلمان العراقي استنقاذاً لماء وجوه أعضاءه، حيث بقي السيد عادل عبد المهدي يمارس مهامه بصفة حكومة تسيير الاعمال كل المدة المنصرمة بسبب الفشل المتكرر من قبل المؤسسة التشريعية في الاتفاق على البديل الناجح لخلافة الحكومة المستقيلة (المقالة). وبعد هذا المخاض الطويل، وبمباركة الأطراف الخارجية تم التصويت على حكومة السيد مصطفى الكاظمي، والموافقة على برنامجها الحكومي بعد أن نال ثقة مجلس النواب العراقي، والذي يتضمن ثمان نقاط لا يسع المقال ذكرها وشرحها، ولكن يحق لنا أن نتسائل عن أمكانية السيد الكاظمي وحكومته الجديدة في كسب ثقة الشارع العراقي، التي دونها يصبح هذا البرنامج حبراً على ورق، إذا ما لم يعد بالويلات على هذه الحكومة إذ تعثر تطبيقه. خصوصاً بعد اتخاذ الحكومة الجديدة قرارات سريعة، منها ما نراه جيد كمطالبة مجلس النواب استكمال التصويت على قانون الانتخابات الجديد وارساله الى رئاسة الجمهورية لغرض ادخاله حيز التنفيذ وتقديم الدعم اللوجستي وتوفير كافة الامكانات المتاحة للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات بما يمكنها من اجراء الانتخابات بعد تحديد موعدها، وأهم القرارات وهو تعديل قانون الأحزاب بما يؤدي إلى تنظيم الوضع القانوني لعمل الأحزاب على أسس وطنية ديمقراطية تضمن التعددية السياسية والتحول الديمقراطي، والذي تمنينا أن يشار في هذا القرار الى ضرورة السير نحو نظام الثنائية الحزبية للنظام الحزبي في العراق لنتخلص من الفئوية والمناطقية والطائفية وغيرها من معوقات سيادة الهوية الوطنية. وللأسف نرى إن بعض القرارات غير مدروس ويجب إعادة التفكير به ودراسته قبل الشروع بتنفيذه مثل أحالة الحكومة السابقة بكل أعضائها الى التقاعد، وهي حكومة مستقيلة ولا تشمل بقانون التقاعد، وأصلاً من المعيب شمولها بقانون التقاعد والعراق يمر بأزمات مالية خانقة، وهذا أول تجاوز على القانون، مما ينذر بمستقبل سياسي غامض لهذه الحكومة، مصحوب بتصعيد من قبل بعض الجهات المخربة (الخرجة عن التوافق الإداري والسياسي للمتظاهرين) التي تعتبر نفسها من ضمن المكونات المنظمة للتظاهرات في ساحات التظاهر، والتي خرجت عن سياقات ومفاهيم التظاهر السلمي الداعي للإصلاح، وما حصل ليلة البارحة في البصرة دليل على وجود جهات داخلية مدعومة من الخارج للإطاحة بمشروع الكاظمي. ونتمنى على حكومة السيد الكاظمي أن تزن الأمور موازينها، ويُترك للقضاء العراقي ممارسة دوره في التحقيق في ملابسات ما يجري في الساحة العراقية، دون تدخل المؤسسات الأخرى، كونه المسؤول الأول امام الله والشعب في تحديد الجهة المسؤولة عن حالات العنف والتخريب التي غالباً ما تؤدي الى حدوث حالات القتل وزعزعة الامن والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، ومحاسبة هذه الجهات.
#محمد_حسين_راضي (هاشتاغ)
Mohammed_Hussein_Radhi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسؤولية الحكومة العراقية في ظل معطيات اليوم
-
المسؤولية الاجتماعية للقرارات السياسية
-
النظام السياسي في العراق إلى أين؟؟؟
-
كيف نحافظ على نجاح الحظر وسد حاجة الكسبة
-
العدالة الاجتماعية وأثرها على الاستقرار السياسي في العراق
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|