|
استهلال كتاب -The Enigma of Capital and The Crisis of Capitalism- -ديفيد هارفي
علاء سند بريك هنيدي
الحوار المتمدن-العدد: 6559 - 2020 / 5 / 9 - 11:05
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
هذه ترجمة لاستهلال الكتاب المذكور في العنوان، ونرى ترجمته إلى "أحجية رأس المال وأزمة الرأسمالية". بالرغم من مرور أكثر من عقد على صدور هذا الكتاب (يُذكَر أنَّ الكتاب لم يترجم إلى العربية لغاية تاريخه) إلا أنَّ راهنيته تترسخ مجددًا بفعل الطابع المأزوم للرأسمالية، وكذا فإنَّ موضوعه ذا صلة وثيقة بالظرف العالمي الحالي. يأتي نشر هذه المادة في سياق التنويه بهذا العمل الهام من ناحية موضوعه ومن ناحية طريقة معالجته لهذا الموضوع، ومع أنَّ أسلوب هارفي سلس وممتع وثري في آن فقراءة هذا الكتاب اليوم تجعل منه أيسر للفهم وأكثر حيوية نتيجة الدلائل الملموسة على محتواه والتي أفرزتها حالة جائحة الكورونا. ___________________ تمهيد يدور هذا الكتاب حول تدفق رأس المال. يقوم رأس المال مقام دماء الحياة التي تجري في الجسد السياسي لِما ندعوها مجتمعات رأسمالية، إذْ ينتشر في كل زاوية وركن من المعمورة كجدولٍ منساب أحيانًا وأحيانًا أخرى كسيلٍ جارف. وبفضل هذا التدفق فإنَّنا، أي مَن يحيون في ظل الرأسمالية، نحصل على خبزنا اليومي بالإضافة لمنازلنا وسياراتنا وهواتفنا الخليوية وقمصاننا وأحذيتنا وغيرها من السلع التي نحتاجها لمعيشتنا اليومية. فمن خلال هذه التدفقات يجري توليد الثروة التي يُقدَّم على أساسها العديد من الخدمات التي تقيم أودنا وتسلينا وتعلّمنا وتبعث فينا الحياة وتطهرنا. وبفرض الضرائب على هذا التدفق تزيد الدول من سلطانها وبأسها العسكري وقدرتها على ضمان مستوى معيشةٍ لائق لمواطنيها. قاطع أو أبطِئ، أو ما هو أسوأ من ذلك، أوقف هذا التدفق فعندئذٍ سنواجه أزمةً رأسمالية يتعذر فيها استمرار الحياة اليومية وفق الأسلوب الذي اعتدنا عليه. وعليه، فإنَّ فهمنا لتدفق رأس المال ومساراته المتعرجة والمنطق الغريب لسلوكه يُعتبر شديد الأهمية بغية فهم الظروف التي نعيش في ظلها. وفي فجر الرأسمالية، جاهد الاقتصاديون السياسيون من كافة التوجهات لفهم هذه التدفقات، وبدأ يظهر فهمٌ نقدي لكيفية عمل الرأسمالية. لكننا، في الآونة الأخيرة، انحرفنا بعيدًا عن مثل هذا الفهم النقدي. وبدلًا من ذلك، صِغنا نماذج رياضية معقدة ووعثنا في تحليل البيانات وتمحيص الجداول وتفصيل التفاصيل ودفن أي تصورٍ منهجي لطبيعة تدفق رأس المال تحت أكوامٍ من الورق والتقارير والتنبؤات. عندما سألت صاحبة الجلالة الملكة إليزابيث الثانية الاقتصاديين في كلية لندن للاقتصاد في نوفمبر 2008، كيف لم يستشعروا اقتراب الأزمة الحالية؟ (سؤالٌ على كل لسان، ولكن وحدها ملكة إقطاعية بوسعها طرحه وتوقع إجابةٍ ما) لم يكن لدى الاقتصاديين ردٌ جاهز. مجتمعين تحت قبة الأكاديمية البريطانية، لم يتمخض عنهم إلّا اعتراف جماعي أرسلوه في خطابٍ لجلالتها، عقب ستة أشهرٍ من الدراسة، والتأمل والتشاور المكثف مع صنّاع السياسة الرئيسيين، ومفاده أنَّهم أغفلوا بطريقة أو بأخرى ما أسموه "المخاطر النظامية"، مثلهم مثل أي شخص آخر فقد سقطوا في "سياسة إنكار". لكن ما الذي كانوا ينكرونه؟ يعود الفضل لسميِّ وليم هارفي “William Harvey” (المولود مثلي في "كينت الشرقية" ) في كونه أول امرئٍ يبيِّن بشكلٍ صائب ومنهجي كيفية دوران الدم في جسم الإنسان. وعلى هذا الأساس تقدمت الأبحاث الطبية لتكشف عن كيفية حدوث الجلطات وغيرها من الأمراض التي قد تُضعِف، إنْ لم تُنهي، طاقة الحياة في الجسد البشري. عندما يتوقف جريان [أو تدفق] الدم يموت الجسد. وبطبيعة الحال، ففهمنا الطبي اليوم أكثر تطورًا مقارنةً بما كان يمكن لهارفي أنْ يتخيله. ومع ذلك، فمعرفتنا ما زالت ترتكز على النتائج المُحكَمة، التي كان أول من أرساها. لجأ اقتصاديونا وقادة الأعمال وصناع السياسة في سياق معالجتهم للهزات الخطيرة في قلب الجسد السياسي إما إلى بعث الممارسات القديمة أو تطبيق التصورات المابعد حداثية، في ظل غياب أيّ تصورٍ للطبيعة المنهجية لتدفق رأس المال. فعلى المقلب الأول، تستمر المؤسسات الدولية ومقدمي الائتمان في امتصاص، على شاكلة العَلَقَة، ما يمكن امتصاصه من دماء الناس حول العالم –بغض النظر عن مدى فقرهم– عبر ما يُعرف ببرامج "التكييف الهيكلي" وكافة الاستراتيجيات الأخرى (كأن يضاعفوا، فجأةً، الرسوم على بطاقتنا الائتمانية). وعلى المقلب الآخر، يُغرِق محافظو البنك المركزي اقتصاداتهم ويضخمون بفائض السيولة الجسد السياسي العالمي أملًا بأنَّ عمليات الضخ هذه ستُداوي مرضًا يقتضي تشخيصًا وتدخلاتٍ أكثر راديكالية. أحاول في هذا الكتاب استعادة بعض الفهم حول ما يعنيه تدفق رأس المال. فلئِن كان بوسعنا تحصيل فهمٍ أفضل للاضطرابات والدمار اللذان نتعرَّض لهما اليوم، فلعلنا نهتدي لِما يجب القيام به حيال ذلك. ديفيد هارفي نيويورك، أكتوبر 2009
#علاء_سند_بريك_هنيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فائض القيمة
-
بيان صحفي للحزب الشيوعي الإيرلندي بخصوص السترات الصفراء- 11/
...
-
حكاية النيوليبرالية
-
أساليب صراع الإنتلجنسيا البرجوازية ضد العمال- (الجزء الثالث
...
-
أساليب صراع الإنتلجنسيا البرجوازية ضد العمال- (الجزء الثاني)
-
أساليب صراع الإنتلجنسيا البرجوازية ضد العمال- (الجزء الأول)
المزيد.....
-
حق الإضراب مكسب تاريخي للطبقة العاملة فوق الحسابات
-
تمرير مشروع القانون التكبيلي للإضراب في ظل اختلال موازين الق
...
-
مصر تتجه لإلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية على البورصة.. ومصدر
...
-
الخلفيات النيوليبرالية للقانون التنظيمي للإضراب
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تعبر عن اعتزازها
...
-
فرنسا: هل انهار تحالف اليسار؟
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 590
-
علماء: النحل يستطيع العد من اليسار إلى اليمين مثل البشر
-
محتجون في بنغلاديش يحرقون منزل والد رئيسة الوزراء السابقة
-
الشيوعي العراقي يدين مخطط التهجير والتطهير العرقي في قطاع غز
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|