طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 6559 - 2020 / 5 / 9 - 07:52
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
العولمة مصطلح شائع اليوم. لسوء الحظ فإنه يشوش أكثر مما يوضح, لا سيما في إخفاء سيادة الإمبريالية على الساحة العالمية. يجب علينا أن نفهم أن الصورة الحالية للعولمة مشبعة بالأيديولوجيا كما يتجسد ذلك في إعلان مارجريت تاتشر TINA (There is no alternative)، لا يوجد أي خيار سوى النيوليبرالية المعولمة, والأيديولوجية تنبع من الدول الرأسمالية الرئيسية والنظريات التي تروجها بكل عناد الدوائر الغربية المحافضة، الشركات الكبيرة, والأثرياء والمؤسسات الغنية. وهم يزعمون أن تحرير قوى السوق أمر مفيد ولا مفر منه على المدى البعيد. مثل هذه الاستخدامات للعولمة هي أيديولوجية بمعنى أنها تكرس قيم ليبرالية السوق الحرة وتضفي الشرعية على الهيمنة العالمية للشركات الرأسمالية.
يعتقد دعاة هذه النيوليبرالية العالمية أنه من الضروري إخضاع الدول لمتطلبات تراكم رأس المال. على الرغم من أن هذا الرأي برز للوجود على المسرح الدولي في سنوات 1980 على ايدي مارغريت تاتشر ورونالد ريغان, الا انه سرعان ما انتشر الى بقع عديدة اخرى في العالم انتشار النار في الهشيم (وخصوصا بعد او بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي), حيث دعى وروج له على نطاق واسع العديد من النخب السياسية والاقتصادية حول العالم. وغزو العراق عام 2003 الذي كان سيحقق الحلم الرأسمالي حسب مجلة الرأسمالية العالمية (الايكونومست) كان تجسيدا لهذه الآيديولوجية.
Iraq s economic liberalisation, Let s all go to the yard sale
If it all works out, Iraq will be a capitalist s dream
https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2003/09/25/lets-all-go-to-the-yard-sale
ولكن نفس المجلة تزعم الآن ان العراق لربما في طريقه الى الانهيار!
Dark times ahead
The risk that Iraq might fall apart
https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2020/04/11/the-risk-that-iraq-might-fall-apart
تتحكم في العولمة الرأسمالية يد السوق الخفية التي تدير نظاما جبارا باردا برودة الموت لا مكان فيه للعواطف ولا يكترث بالبشر. انها شمولية على اعلى المستويات وصنو لاعتى الفاشيات.
لذا ينبغي إعادة صياغة اللغة كي يتم نقل الإمبريالية من الهامش إلى المركز، ويجب علينا التخلي عن الخطاب البرئ وإضفاء الرومانسية على مُثل العولمة واسواقها. ملخص عن مخطط التجار الأحرار الذي قدمه William Finnegan على صفحات مجلة Harper´s يقول "لا توجد أيديولوجية للحرية أو الديمقراطية. إنه نظام تحكم. إنه اقتصاد إمبريالي." وضع الإمبريالية، وبصفة خاصة إمبريالية الولايات المتحدة ، في مركز الصدارة يقضي بنا التمعن في الخطاب الحديث للمحافظين الجدد المتميز بنبرة الانتصار.
The economics of empire
By William Finnegan
https://harpers.org/archive/2003/05/the-economics-of-empire/
وهنالك إجماعً متزايدً ومثيرً للقلق بين المحافظين الجدد يحتفي بالولايات المتحدة الامريكية كقوة إمبريالية. على الرغم من أنه قد يبدو وكأنه منظور غير تقليدي بشكل غريب, إلا أنه موضوع أنيق يتناوله نقاد اليوم الذين يعتبرونه حقيقة بداهة. على سبيل المثال, كتب Robert D. Kaplan مقالا في عام 2003 بعنوان Supremacy by Stealth (التفوق عن طريق السرية) بان هناك عشرة قواعد لإدارة العالم و يقول "انها عبارة مبتذلة هذه الأيام قول أن الولايات المتحدة تمتلك إمبراطورية عالمية مختلفة عن امبراطورية بريطانيا او امبراطورية روما, لكنها إمبراطورية مع ذلك. لقد حان الوقت لتجاوز ما هو واضح للعيان .. والا كيف يمكن التعامل على مستوى تكتيكي لادارة عالم مشاكس". ويؤكد انه على الرغم من أن قادة أمريكا ينكرون أن الولايات المتحدة لديها نوايا إمبريالية حقيقية, فإن كولومبيا - التي لا تزال بعيدة جدًا عن الوعي العام - توضح الواقع الامبريالي للوضع العالمي لأميريكا . "إن كولومبيا ليست سوى واحدة من الأماكن النائية التي لدينا وجود عسكري نشط فيها. وقد لاحظ إريك غروين Erich Stephen Gruen (مؤرخ امريكي متخصص في العصور القديمة, ط.ا) أن توسع روما في جميع أنحاء ساحل البحر الأبيض المتوسط ------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------ربما لم يكن مدفوعًا بشهية الفتح في حد ذاته ولكن لأنها كانت تعتقد أنه ضروري لأمن الوطن الأساسي. وينطبق الشيء نفسه على الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم, في عصر المسافات المنهارة. هذه الإمبريالية الأمريكية خالية من المستعمرات, مصممة لعصر نفاث (طائرات نفاثة. ط.ا) ومعلومات حيث تخفف الحركات الجماعية للناس ورأس المال المعنى التقليدي للسيادة. على الرغم من أننا لا نؤسس أنفسنا بشكل دائم على الأرض في العديد من المواقع, كما فعل البريطانيون, فإن الاعتماد على معداتنا العسكرية والتدريب والصيانة المصاحبة لها (التي لا يعد البازار الدولي بديلًا عنها) يساعد على ربط الأنظمة بالنسبة لنا مع ذلك. بدلاً من جيش التجنيد الجماعي الذي خاض الحرب العالمية الثانية, لدينا الآن قوات مسلحة محترفة, تتمتع بالحياة العسكرية من أجل مصلحتها الخاصة: سمة مميزة للجيش الإمبريالي-الامبراطوري, كما أشار المؤرخ بايرون فارويل, Byron Edgar Farwell (مؤرخ عسكري امريكي توفي في عام 1999 ) في كتابه "جيش السيد كيبلينغ" Mr. Kipling s Army (1981)"
Supremacy by Stealth
https://www.theatlantic.com/magazine/archive/2003/07/supremacy-by-stealth/302760/
يلعب مفهوم "الإمبريالية" دورًا محوريًا في التحليل الماركسي للأحداث الدولية المعاصرة, ولكن العديد من الثوريين ظاهريا ليس لديهم سوى فكرة غامضة عن أصل هذه الظاهرة وتطورها التاريخي وميزاتها الأساسية. لسنوات, رفض الإيديولوجيون الليبراليون مصطلح الامبريالية على أنه تعبير يساري عفا عليه الزمن وعديم المعنى, على افتراض أن الإمبريالية انتهت عندما حصلت الممتلكات السابقة لفرنسا وبريطانيا والقوى الاستعمارية الأخرى على الاستقلال في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية.
والواقع أن "إنهاء الاستعمار" في فترة ما بعد الحرب لم يفعل سوى أكثر من إخفاء التفاوتات الهيكلية لنظام عالمي تم تشكيله من خلال النهب الجماعي والعبودية والاعتداءات على الشعوب الأصلية. أدرجت الإمبراطوريات الاستعمارية قسراً ممتلكاتها في الخارج في نظام تجاري مصمم لنقل الثروة من المحيط إلى المركز. مع اكتساب المستعمرات السابقة استقلالًا سياسيًا رسميًا, أفسح الاستعمار العلني الطريق أمام الاستعمار الجديد بوساطة السوق, وتغيير شكل العلاقات التي لا تزال تتسم بالهيمنة والقمع, ولكن ليس جوهرها.
ردا على التدخلات العسكرية الأخيرة واسعة النطاق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط وأفغانستان, لم يعترف العديد من الأكاديميين البرجوازيين البارزين فقط بفكرة الإمبريالية العالمية كآلية للتقدم الاجتماعي, بل اعتنقوها ايضا. في الفترة التي سبقت غزو العراق عام 2003 ، لاحظ كاتب العمود المحافظ في صحيفة واشنطن بوست تشارلز كراوثامر أن "الناس يخرجون الآن من الخزانة كلمة الامبريالية "(نيويورك تايمز ، 31 مارس 2002). تراوح المناصرن للفوائد المفترضة للإمبريالية من المؤرخ المحافظ البريطاني الجديد بول جونسون إلى رئيس الأمن القومي الأمريكي السابق زبيغنيو بريجنسكي ومايكل إجناتيف ، وهو أستاذ سابق في مجال حقوق الإنسان بجامعة هارفارد وكان زعيم الحزب الليبرالي الحاكم في كندا.
يستخدم الماركسيون مصطلح "الإمبريالية" كتوصيف للرأسمالية العالمية في مرحلة نضجها او اعلى مراحلها- نظام اجتماعي مدفوع بضرورات تعظيم الربح لتعميق وتوسيع اللامساواة الاجتماعية باستمرار, سواء في الداخل أو في الخارج. وفقًا لتقرير كريدي سويس "Global Wealth Report 2015":
"اتسع عدم المساواة في الثروة في أعقاب الأزمة المالية [2008] ولم يكن هذا العام استثناءا. أدى ارتفاع أسعار الأسهم هذا العام وحجم الأصول المالية في البلدان الغنية إلى دفع ثروة بعض الدول والأغنى إلى أعلى, مما أدى إلى زيادة التفاوت في الثروة. تمتلك نسبة مئوية قليلة من أصحاب الثروة الآن أكثر بقليل من نصف ثروة العالم وأغنى عشرة بالمائة منهم يمتلك 87.7 في المائة من هذه الثروة".
Global Wealth Report 2015
Credit Suisse
وصف المؤرخ الماركسي البريطاني إريك هوبسباوم كيف عمقت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر بشكل كبير الميزات التكنولوجية الأولية التي تتمتع بها القوى الرأسمالية الرائدة في أوروبا على ممتلكاتها الاستعمارية:
“كانت التكنولوجيا سببا رئيسيا لهذه الفجوة, وعززتها ليس فقط اقتصاديًا ولكن سياسيًا. بعد قرن من الثورة الفرنسية, أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الدول الفقيرة والمتخلفة يمكن هزيمتها بسهولة و(ما لم تكن كبيرة جدًا) و يمكن غزوها بسبب التدني التقني لأسلحتها. كان هذا امرا جديدًا نسبيًا. كان غزو نابليون لمصر في عام 1798 قد شهد حرب الجيشين الفرنسي والمملوكي بعضهما البعض بمعدات مماثلة ... ومع ذلك ، فإن الثورة الصناعية في العقود الوسطى من القرن ... امالت التوازن أكثر لصالح العالم "المتقدم" من خلال المتفجرات العالية التقنية والنقل البخاري, الخ".
The Age of Empire: 1875–1914
Eric Hobsbawm
قد يسخر الكلاسيكيون من فكرة أن "أميريكا الديمقراطية" لديها الكثير من القواسم المشتركة مع روما الاستبدادية لأغسطس أو نيرون. لكن المعسكر الامبريالي, على الرغم من زعمه انه من غير المرجح أن تصح المقارنة, فإن أميريكا غالبا ما تصرفت كإمبريالية الغزاة. فكما قال المؤرخ البريطاني من جامعة يل Paul Kennedy "من الوقت الذي وصل فيه المستوطنون الأوائل إلى فرجينيا قادمين من إنجلترا وبدئوا بالتحرك غربا, كانت هذه أمة إمبريالية الغزاة".
يستمر سلوك أميريكا الإمبريالي حتى اليوم. "إن الولايات المتحدة لديها قواعد أو حقوق قواعد في 40 دولة. في الهجوم على القاعدة وطالبان, نقلت الولايات المتحدة السفن الحربية من بريطانيا واليابان، ألمانيا وجنوب إسبانيا وإيطاليا."
اليوم ، يعترف العلماء المتخصصون في الإمبريالية بأن أميريكا تميل إلى العمل ليس من خلال القوة الوحشية, ولكن من خلال الوسائل الاقتصادية والثقافية والسياسية. "الفكرة أنه من الأسهل "أمركة" الآخرين بدلا من شن الحرب عليهم".
وهم يقولون: "نحن إمبراطورية جذابة يريد الجميع الانضمام إليها".
ولهذا ، كما يقول عشاق الإمبريالية، فان العالم بحاجة الى السلام الذي ترسيه اميريكا في عالم فوضوي، مع دول مارقة وإرهابية. ولا ندري نحن كيف نوفق بين سلام اميريكا المزعوم ومبدئها في الفوضى الخلاقة!
الولايات المتحدة المهيمنة عالميا تقدم أفضل أمل لعالم ينعم بالسلام والاستقرار, هم يزعمون!
ويقول احد عشاق الامبريالية "هناك جانب إيجابي للإمبريالية ". "إنها في بعض الاحيان اكثر الانظمة حنانا".
EMILY EAKIN
http://www.driftline.org/cgi-bin/archive/archive_msg.cgi?file=spoon-archives/postcolonial.archive/postcolonial_2002/postcolonial.0203&msgnum=379&start=35619&end=35860
وهي الام الحنون!
والبعض, وعددهم في منطقتنا قد يفوق عدد ضحايا وباء الكورونا عالميا, يعتقد انها كذلك في كل الاحيان (وليس في بعضه). ولكن انتقادهم لها (بعض الاحيان) هو من باب رفع العتب ليس الا.
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟