بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 6556 - 2020 / 5 / 6 - 16:50
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مباحث في الاستخبارات ( 221)
ادارة المصالح
بشير الوندي
------------
مدخل
------------
في العلاقات الدولية هناك علاقات , وصداقات , وعداوات , واحلاف , ومعاهدات , الا ان تلك العلاقات ليست ثابتة كما ان جوهرها لايشترط ان يتطابق مع مظهرها , وهنا يبرز دور الخدمة الخارجية لأجهزة المخابرات لتشخص وتنفذ وتدير مصالح بلادها داخل البلد المستهدف وهو مانعني به ادارة المصالح .
--------------------------
بين الشفط والضخ
--------------------------
اول مايخطر ببال المواطن حين يسمع بجهاز المخابرات المختص بالخدمة الخارجية , فإن اول مرادف لها يتخيله هو التجسس على البلد المستهدف , الا ان الحقيقة هي غير ذلك , فان الخدمة الخارجية لاتنحصر بجمع المعلومات الخارجية , وانما بتشخيص وتنفيذ وادارة مصالح بلادها في البلد الهدف وهو مانسميه بالعلاقات الدولية وادارة المصالح (انظر مبحث ٣٦ الاستخبارات والدبلوماسية , مبحث ٧١ الخدمة الخارجية ).
ان عمل الجهاز الاستخباري الخارجي يشبه الى درجة كبيرة عمل المضخات , فكما ان هنالك مضخة تشفط , واخرى تضخ , فكذلك هي الخدمة الخارجية , فيها جانب مهمته يشفط المعلومات , وجانب مهمته ضخ منتجات استخبارية في بلد العدو , فللخدمة الخارجية مساران هما :
الاول : مسار التجسس , سواء كان بتنظيم شبكة استخبارية , تجنيد مصادر , معرفه الاسرار , بناء القوة , الاستعداد , اختراق منظومة القوات المسلحة , فعملية التجسس عملية شفط للمعلومات يقوم بها جواسيس ينصب كل عملهم وقدراتهم وتدريباتهم بالكيفية التي يتمكنون بها من الوصول الى الاسرار والحصول عليها خلف الابواب المغلقة وفي الخزائن والحواسيب وافواه من يمتلكون الاسرار والعملاء وغيرهم , وهو شق مهم جداً , الا انه لايمثل الا جزء وجانب بسيط من العمل المخابراتي المحترف , وهو مايتمثل بمايشبه عملية المضخة الشافطة .
الثاني : مسار رعاية المصالح وهو جانب خطير وواسع وضخم و يحتاج الى جهود جبارة ومهارات متنوعة وكبيرة , بما يشبه عملية الضخ , حيث تتم في هذا المسار كافة اشكال الزعزعة والسيطرة والامساك بتلابيب البلد المستهدف , وهي عملية معقدة وكبيرة ومتنوعة ومتغيرة وتحتاج الى تخصصات محترفة متنوعة .
فعملية رعاية المصالح يكون التجسس جانب مساعد فيها , فالجهاز المخابراتي يحتاج لرعاية وادارة مصلحة البلاد ان يستهدف في بلد العدو اعمال من نوع :
1- بناء لوبي من الجالية للتأثير على مصدر القرار .
2- جمع المعلومات عن المصالح التجارية والاقتصادية والفجوات الاجتماعية وبناء القوة والاستعداد ونقاط القوة والضعف .
3- العمل على استثمار مزدوجي الجنسية .
4- بناء علاقات مع القادة العسكريين والامنيين والاعلاميين.
5- معرفة المشاريع والعقود التجارية وخارطتها.
6- تقييم المجتمع .
7- مراقبة اعلام البلد المستهدف و قياس قابلياته.
8- معرفة مدى الاستقرار السياسي وطرق ضربه .
9- تحديد هواجس ومخاوف النظام .
10- حصر مفكري البلد , والطبقه السياسية والعسكرية والاقتصادية والاحزاب ونتاجاتها .
11 – دراسة موارد البلاد الطبيعية والبيانات الاقتصادية و التضخم والناتج القومي والدخل الفردي والمستوى المعاشي و دورة المال.
12- دراسة المعتقدات والموروثات والثقافة العامة ونقاط الاختلاف.
13 – دراسة نشاط الاجهزة الاستخبارية للبلد المستهدف.
14- دراسة علاقات البلد المستهدف مع المحيط ودول الجوار .
15- دراسة العقد الاستراتيجية للبلد ( ونعني بالعقد الاستراتيجية هي المشاكل الداخلية المزمنة التي لا يمكن حلها بغير تفكيك الدولة , مثلاً القضية الكوردية في تركيا فهي عقدة وليست مشكلة وحلولها صعبة , وكذلك الشيعة في السعودية وغير ذلك ) .
16- تحديد اهم المواقع الاستراتيجية والحكومية ومحطات الطاقة والمعسكرات ومواقع الحرب الالكترونية ومراكز الاتصالات والطرق والجسور المهمة والمخازن والمطارات العسكرية ومواقع الاستخبارات ومستودعات الاسلحة والذخيرة ومراكز التدريب والتحشيد والمراكز البايولوجية , وهي ضمن مالايقل عن ٥٠٠ هدف مهم .
فكل هذه المسارات والمعلومات والبيانات , وغيرها كثير , هي من واجبات الخدمة الخارجية التي يجب ان تقوم بها محطات الاستخبارات الخارجية في الدول الهدف (انظر مبحث ٧١ الخدمة الخارجية)
فلابد في البداية ان يحدد للجهاز المخابراتي خارطة مصالح مع الدول المستهدفة وهي تختلف من بلد لآخر , فكما ان الرقعة الجغرافيه للجريمة تختلف من محافظة الى اخرى , او ولاية الى اخرى , او من حدود الى حدود اخرى , فان رقعة المصالح ايضا تختلف , فلعل مصالحنا في بلد ما تقتضي تضعيف الحكومة , او ضرب الاقتصاد , او الاخلال في طبقات المجتمع , او بث الاشاعة , او السيطرة على الموارد , او حماية النظام , او زيادة النفوذ في المؤسسة السياسية , او السيطرة الاستخبارية الكاملة , او جعل البلد الهدف ساحة صراع مع بلد اخر , او تقوية اللحمه الوطنية في ذاك البلد او تفتيتها , وغير ذلك .
وكما نلاحظ فإن خارطة المصالح تختلف عن مسار الجهد المعلوماتي التجسسي الذي هو عامل دعم لها ليس اساس عملها الواسع , لذا فان الخدمة الخارجية تختلف من بلد الى اخر , وحتى العناصر العاملة فيه تختلف عن التي تعمل في الجهد الاستخباري للخدمة الخارجية , فكل محطات الخدمة الخارجية تحتاج لعناصر استخباراتية محترفة في التجسس , لكن بالنسبة للمصالح , فانها تحتاج الى خبراء بحسب الاختصاص كما في حالة خبراء اثارة الفوضى والاضطرابات وخبراء مختصون في زرع الفتنة والاشاعة واخرون متخصصون في افساد المنظومة السياسية وفي ضرب الهوية الوطنية وآخرون في طرق تفكيك اهتمام المواطنين بعقائدهم الدينية ونشر الرذيلة , وغير ذلك من التخصصات الدقيقة .
ومن هنا نلاحظ ان محطة الاستخبارات المحترفة فيها شقان من المتخصصين عند تواجدها في بلد ما :
الشق الاول :عناصر استخبارات محترفة , يستلبون ويشفطون المعلومات .
الشق الثاني : عناصر ادارة المصالح , ومهمتهم بحسب تخصصاتهم هو الفعل على الارض سواء في ضخ الشقاق والنزاعات وزرع الفتن والفوضى والاضطرابات والافساد السياسي والتأليب وحتى العمليات السرية ( اغتيال اختطاف استهداف ) , وغير ذلك من افعال على الارض , كل في اختصاصه.
ولكون واجب ادارة المصالح هو مسار ضخم وهام في الاجهزة المخابراتية المحترفة , لذا يكاد يكون هو الواجب الرئيسي والاهم للجهاز , اي جهاز الاستخبارات الخارجي واجبه الرئيسي هو الخدمة الخارجية والتي تسمى بادارة المصالح في البلد المستهدف واحد جوانبها هو جمع المعلومات , لذا فان اختصار الخدمة الخارجية بجمع المعلومات هو خطأ شائع , فالدول المحترفة لا تثقل الجهاز الخارجي بعدة واجبات بل تكتفي بتعريف واجب الخدمة الخارجية , او يقال احيانا خدمة فقط , لانه واجب كبير جدا , ولاننسى ان الاجهزة الاستخبارية المحترفة تعمل في اكثر من بلد , وبعضها تعمل في معظم دول العالم .
------------------------------------------
تغير الاهداف والمثال الامريكي
------------------------------------------
ان ادارة المصالح تختلف من بلد لأخر بحسب الحاجة من كل بلد مستهدف , بل قد تتغير في البلد الواحد مما يتطلب تبديل الخبراء العاملين فيها , فمثلاً كانت المصلحة تكمن في التشدد الديني وحماية مصادر الطاقة في السعودية قبل عهد محمد بن سلمان , لذا كانت ادارة مصالح الCIA في فترة الحرب الباردة تتطلب التشدد الديني في السعودية , ولكن بعد ذلك تغير الامر اثر انهيار الاتحاد السوفيتي واحداث 11 سبتمبر , حتى وصلت ادارة المصالح تتطلب خبراء في تفكيك التشدد والانتقال بالمجتمع السعودي الى المصارعة الحرة والموسيقى وحفلات النوادي الليلية .
وغالباً ما تغلف ادارة المصالح وغاياتها واهدافها فهي من الاسرار بالنسبة للمخابرات الدولية وتظهر شيء فيما تخفي عكسه , ففي العراق كانت ادارة المصالح المناطة بمحطة الاستخبارات الامريكية بأن يكون العراق ساحة صراع وان يبقى قلقاً ومسيطر عليه ( ادارة الفوضى ) وان لايتم به اي اعمار , فلم يقم الامريكان منذ احتلال العراق وصرف المليارات , كما يدعون , ببناء مدرسة واحدة او مستشفى او طريق او جسر حتى في زمن حكومة بريمر , اي ان مصالحهم كانت تقضي بعدم اعمار العراق , فحتى الكهرباء لم يتدخلوا لاصلاحها , فلم يكن ضمن اهدافهم اعمار العراق , فحتى عندما كانت تحكم البلد بشكل مباشر لم تشجع او تعمل على تشييد اي شيء يذكر لها سوى قواعدها وسفارتها العملاقة وهو امر تشترك فيه كل دول الجوار ايضاً , فكل شيء جديد استحدث , على قلته , كان باموال عراقية او قروض عراقية او قطاع خاص , وحتى اليوم لا تعرف الحكومة العراقية حجم التواجد الامريكي الدبلوماسي وليس العسكري , ولماذا هم بالالاف , فهل تواجدهم للعراق ام من العراق
ان المصلحة الامريكية وادارة مصالحها التي تنفذها تتمثل في تأزيم العراق وجعله ساحة تآمر ومعارك وقتال وحرب بالإنابة وقتل الروح الوطنية وان تبقى البنى التحتيه مدمرة واضعاف الحكومة وتغويل المسلحين , والتغلغل في عقول الشباب بحجة دورات التنمية البشرية , لكنها لم تبتعثهم لدراسة الطب والهندسة والعلوم والتكنلوجيا.
ومما لاشك فيه ان المصالح هي من تحكم السياسات والافعال وليست المبادىء , لذا على الاستخبارات الوطنية في اي بلد ان تكون ذكية وان تدرك مايحاك لها من ادارة لمصالح العدو , فبلد كالعراق حين تدرك اجهزته اهم مصالح واهداف دول الجوار والدول الكبرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية , عندها تستطيع فهم الخطوات الاستخبارية الاجنبية والتنبؤ بها ومعرفة الدوافع والاسباب والمسببات والنتائج والاستعداد لها .
------------------------------------------
الخدمة الخارجية والدبلوماسية
------------------------------------------
ان العمل الدبلوماسي هو عمل مشترك بين الاستخبارات والخارجية , وتشكل تقارير السفارات ٨٠ ٪ من المعلومات عن البلد الهدف , فالاستخبارات الخارجية تضع وتصيغ معيار دبلوماسي لكل بلد ضمن التوازن الاستراتيجي لتحديد نوع النظرة اليه كحليف , اوصديق , او عدو , او عدو محتمل .
ان الدبلوماسية والاستخبارات هما وجها عملة واحدة للعلاقات الخارجية , يكون فيه الوجه اللامع واللطيف هو الدبلوماسية بينما تمثل الاستخبارات الوجه الثاني المظلم , وهذا الجانب المظلم هو المعني بدراسة البلد ويفهم المصالح فيه ويبحث عنها ثم يحيطها بمجموعة اذرع معلوماتية لكي يسعى الى تنفيذها بأنواع من الاغلفة البريئة في ظاهرها ,
ان ادارة العلاقات الدولية هي واجب وزارة الخارجية , لكن ادارة المصالح ضمن العلاقات هو شأن الخدمة الخارجية في الاستخبارات , فهناك ظاهر وباطن وعلن وسر ومكشوف ومكتوم , فالاسرار هي المصالح , اما الدبلوماسية العلنية فهي مجرد دعاية واعلام , فترى بلد يشجب العنف في سوريا مثلاً , لكنه يدعم الفصائل بالسلاح , وبلد يعيد علاقاته ويفتح سفارته في العراق لكنه يدعم سراً فصائل مسلحة , وفي بعض الاحيان تعلن سفارة دولة عظمى صداقتها للدولة , بينما تعمل استخباراتها للاطاحه بالحكومة كما هو الحال في العراق .
والواقع ان العلاقات الدولية ومواثيق الامم المتحدة هي في حقيقتها تصريف اعلامي مزوق للرأي العالمي المبني على المصالح والذي يدار في داخل الاجهزة المخابراتية وبأدوات سرية فيها شكل علني ملطّف من الدبلوماسية العلنية .
ان الدول الكبرى في كوكبنا والتي لا تتجاوز عشرة دول هي من تتلاعب بمصالح الدول الاخرى على حساب مصالحها , فكل دولة تبحث عن مصالحها , وتلك المصالح الجيو سياسية والوطنية والاستراتيجية تفرض العمل في الخفاء وتغطية المصالح بعناوين ثانوية , فالمصالح تتحول الى اهداف يجب نيلها والحصول عليها , وهنا تتحرك الاستخبارات الخارجية لتتبع خارطة طريق لادارة المصالح حيث لاوجود لعدو دائم ولا صديق دائم , وقلما يوجد تطابق في الموقفين الدبلوماسي والاستخباري , فالكل ينظر الى المصلحة واين تكمن سواء في استدراج العدو , او مهادنة العدو , او اغفاله , او الافادة منه , او خداعه , او جره الى معارك جانبية , او اخافته , او ازعاجه , او شن حرب نفسيه عليه , او زيادة انفاقه العسكري , او حصاره
ومن المؤكد ان بوصلة العلاقات مبنية على المصالح وتدور اينما دارت دون ان تهتم بالقيم والاصول والاخلاق والانسانية , لذا فان الخدمة الخارجيه ليست فقط للتجسس بل لرعاية وحماية المصالح , فحلف الناتو يرى ان من مصلحته ضم تركيا كمصد للاتحاد السوفيتي( سابقا) , لكن اعضاءه غير معنيين بادخال تركيا ضمن الاتحاد الاوروبي لاسباب كثيرة منها ماهو ديموغرافي .
وخلاصة القول ان الدور الحقيقي للدبلوماسية الخارجية يتمثل في التغطية على الاهداف والمصالح الحقيقية للبلاد في تعاملها مع البلد المستهدف , والذي تديرها المخابرات الخارجية .
----------مباحث في الاستخبارات ( 220)
ادارة المصالح
بشير الوندي
------------
مدخل
------------
في العلاقات الدولية هناك علاقات , وصداقات , وعداوات , واحلاف , ومعاهدات , الا ان تلك العلاقات ليست ثابتة كما ان جوهرها لايشترط ان يتطابق مع مظهرها , وهنا يبرز دور الخدمة الخارجية لأجهزة المخابرات لتشخص وتنفذ وتدير مصالح بلادها داخل البلد المستهدف وهو مانعني به ادارة المصالح .
--------------------------
بين الشفط والضخ
--------------------------
اول مايخطر ببال المواطن حين يسمع بجهاز المخابرات المختص بالخدمة الخارجية , فإن اول مرادف لها يتخيله هو التجسس على البلد المستهدف , الا ان الحقيقة هي غير ذلك , فان الخدمة الخارجية لاتنحصر بجمع المعلومات الخارجية , وانما بتشخيص وتنفيذ وادارة مصالح بلادها في البلد الهدف وهو مانسميه بالعلاقات الدولية وادارة المصالح (انظر مبحث ٣٦ الاستخبارات والدبلوماسية , مبحث ٧١ الخدمة الخارجية ).
ان عمل الجهاز الاستخباري الخارجي يشبه الى درجة كبيرة عمل المضخات , فكما ان هنالك مضخة تشفط , واخرى تضخ , فكذلك هي الخدمة الخارجية , فيها جانب مهمته يشفط المعلومات , وجانب مهمته ضخ منتجات استخبارية في بلد العدو , فللخدمة الخارجية مساران هما :
الاول : مسار التجسس , سواء كان بتنظيم شبكة استخبارية , تجنيد مصادر , معرفه الاسرار , بناء القوة , الاستعداد , اختراق منظومة القوات المسلحة , فعملية التجسس عملية شفط للمعلومات يقوم بها جواسيس ينصب كل عملهم وقدراتهم وتدريباتهم بالكيفية التي يتمكنون بها من الوصول الى الاسرار والحصول عليها خلف الابواب المغلقة وفي الخزائن والحواسيب وافواه من يمتلكون الاسرار والعملاء وغيرهم , وهو شق مهم جداً , الا انه لايمثل الا جزء وجانب بسيط من العمل المخابراتي المحترف , وهو مايتمثل بمايشبه عملية المضخة الشافطة .
الثاني : مسار رعاية المصالح وهو جانب خطير وواسع وضخم و يحتاج الى جهود جبارة ومهارات متنوعة وكبيرة , بما يشبه عملية الضخ , حيث تتم في هذا المسار كافة اشكال الزعزعة والسيطرة والامساك بتلابيب البلد المستهدف , وهي عملية معقدة وكبيرة ومتنوعة ومتغيرة وتحتاج الى تخصصات محترفة متنوعة .
فعملية رعاية المصالح يكون التجسس جانب مساعد فيها , فالجهاز المخابراتي يحتاج لرعاية وادارة مصلحة البلاد ان يستهدف في بلد العدو اعمال من نوع :
1- بناء لوبي من الجالية للتأثير على مصدر القرار .
2- جمع المعلومات عن المصالح التجارية والاقتصادية والفجوات الاجتماعية وبناء القوة والاستعداد ونقاط القوة والضعف .
3- العمل على استثمار مزدوجي الجنسية .
4- بناء علاقات مع القادة العسكريين والامنيين والاعلاميين.
5- معرفة المشاريع والعقود التجارية وخارطتها.
6- تقييم المجتمع .
7- مراقبة اعلام البلد المستهدف و قياس قابلياته.
8- معرفة مدى الاستقرار السياسي وطرق ضربه .
9- تحديد هواجس ومخاوف النظام .
10- حصر مفكري البلد , والطبقه السياسية والعسكرية والاقتصادية والاحزاب ونتاجاتها .
11 – دراسة موارد البلاد الطبيعية والبيانات الاقتصادية و التضخم والناتج القومي والدخل الفردي والمستوى المعاشي و دورة المال.
12- دراسة المعتقدات والموروثات والثقافة العامة ونقاط الاختلاف.
13 – دراسة نشاط الاجهزة الاستخبارية للبلد المستهدف.
14- دراسة علاقات البلد المستهدف مع المحيط ودول الجوار .
15- دراسة العقد الاستراتيجية للبلد ( ونعني بالعقد الاستراتيجية هي المشاكل الداخلية المزمنة التي لا يمكن حلها بغير تفكيك الدولة , مثلاً القضية الكوردية في تركيا فهي عقدة وليست مشكلة وحلولها صعبة , وكذلك الشيعة في السعودية وغير ذلك ) .
16- تحديد اهم المواقع الاستراتيجية والحكومية ومحطات الطاقة والمعسكرات ومواقع الحرب الالكترونية ومراكز الاتصالات والطرق والجسور المهمة والمخازن والمطارات العسكرية ومواقع الاستخبارات ومستودعات الاسلحة والذخيرة ومراكز التدريب والتحشيد والمراكز البايولوجية , وهي ضمن مالايقل عن ٥٠٠ هدف مهم .
فكل هذه المسارات والمعلومات والبيانات , وغيرها كثير , هي من واجبات الخدمة الخارجية التي يجب ان تقوم بها محطات الاستخبارات الخارجية في الدول الهدف (انظر مبحث ٧١ الخدمة الخارجية)
فلابد في البداية ان يحدد للجهاز المخابراتي خارطة مصالح مع الدول المستهدفة وهي تختلف من بلد لآخر , فكما ان الرقعة الجغرافيه للجريمة تختلف من محافظة الى اخرى , او ولاية الى اخرى , او من حدود الى حدود اخرى , فان رقعة المصالح ايضا تختلف , فلعل مصالحنا في بلد ما تقتضي تضعيف الحكومة , او ضرب الاقتصاد , او الاخلال في طبقات المجتمع , او بث الاشاعة , او السيطرة على الموارد , او حماية النظام , او زيادة النفوذ في المؤسسة السياسية , او السيطرة الاستخبارية الكاملة , او جعل البلد الهدف ساحة صراع مع بلد اخر , او تقوية اللحمه الوطنية في ذاك البلد او تفتيتها , وغير ذلك .
وكما نلاحظ فإن خارطة المصالح تختلف عن مسار الجهد المعلوماتي التجسسي الذي هو عامل دعم لها ليس اساس عملها الواسع , لذا فان الخدمة الخارجية تختلف من بلد الى اخر , وحتى العناصر العاملة فيه تختلف عن التي تعمل في الجهد الاستخباري للخدمة الخارجية , فكل محطات الخدمة الخارجية تحتاج لعناصر استخباراتية محترفة في التجسس , لكن بالنسبة للمصالح , فانها تحتاج الى خبراء بحسب الاختصاص كما في حالة خبراء اثارة الفوضى والاضطرابات وخبراء مختصون في زرع الفتنة والاشاعة واخرون متخصصون في افساد المنظومة السياسية وفي ضرب الهوية الوطنية وآخرون في طرق تفكيك اهتمام المواطنين بعقائدهم الدينية ونشر الرذيلة , وغير ذلك من التخصصات الدقيقة .
ومن هنا نلاحظ ان محطة الاستخبارات المحترفة فيها شقان من المتخصصين عند تواجدها في بلد ما :
الشق الاول :عناصر استخبارات محترفة , يستلبون ويشفطون المعلومات .
الشق الثاني : عناصر ادارة المصالح , ومهمتهم بحسب تخصصاتهم هو الفعل على الارض سواء في ضخ الشقاق والنزاعات وزرع الفتن والفوضى والاضطرابات والافساد السياسي والتأليب وحتى العمليات السرية ( اغتيال اختطاف استهداف ) , وغير ذلك من افعال على الارض , كل في اختصاصه.
ولكون واجب ادارة المصالح هو مسار ضخم وهام في الاجهزة المخابراتية المحترفة , لذا يكاد يكون هو الواجب الرئيسي والاهم للجهاز , اي جهاز الاستخبارات الخارجي واجبه الرئيسي هو الخدمة الخارجية والتي تسمى بادارة المصالح في البلد المستهدف واحد جوانبها هو جمع المعلومات , لذا فان اختصار الخدمة الخارجية بجمع المعلومات هو خطأ شائع , فالدول المحترفة لا تثقل الجهاز الخارجي بعدة واجبات بل تكتفي بتعريف واجب الخدمة الخارجية , او يقال احيانا خدمة فقط , لانه واجب كبير جدا , ولاننسى ان الاجهزة الاستخبارية المحترفة تعمل في اكثر من بلد , وبعضها تعمل في معظم دول العالم .
------------------------------------------
تغير الاهداف والمثال الامريكي
------------------------------------------
ان ادارة المصالح تختلف من بلد لأخر بحسب الحاجة من كل بلد مستهدف , بل قد تتغير في البلد الواحد مما يتطلب تبديل الخبراء العاملين فيها , فمثلاً كانت المصلحة تكمن في التشدد الديني وحماية مصادر الطاقة في السعودية قبل عهد محمد بن سلمان , لذا كانت ادارة مصالح الCIA في فترة الحرب الباردة تتطلب التشدد الديني في السعودية , ولكن بعد ذلك تغير الامر اثر انهيار الاتحاد السوفيتي واحداث 11 سبتمبر , حتى وصلت ادارة المصالح تتطلب خبراء في تفكيك التشدد والانتقال بالمجتمع السعودي الى المصارعة الحرة والموسيقى وحفلات النوادي الليلية .
وغالباً ما تغلف ادارة المصالح وغاياتها واهدافها فهي من الاسرار بالنسبة للمخابرات الدولية وتظهر شيء فيما تخفي عكسه , ففي العراق كانت ادارة المصالح المناطة بمحطة الاستخبارات الامريكية بأن يكون العراق ساحة صراع وان يبقى قلقاً ومسيطر عليه ( ادارة الفوضى ) وان لايتم به اي اعمار , فلم يقم الامريكان منذ احتلال العراق وصرف المليارات , كما يدعون , ببناء مدرسة واحدة او مستشفى او طريق او جسر حتى في زمن حكومة بريمر , اي ان مصالحهم كانت تقضي بعدم اعمار العراق , فحتى الكهرباء لم يتدخلوا لاصلاحها , فلم يكن ضمن اهدافهم اعمار العراق , فحتى عندما كانت تحكم البلد بشكل مباشر لم تشجع او تعمل على تشييد اي شيء يذكر لها سوى قواعدها وسفارتها العملاقة وهو امر تشترك فيه كل دول الجوار ايضاً , فكل شيء جديد استحدث , على قلته , كان باموال عراقية او قروض عراقية او قطاع خاص , وحتى اليوم لا تعرف الحكومة العراقية حجم التواجد الامريكي الدبلوماسي وليس العسكري , ولماذا هم بالالاف , فهل تواجدهم للعراق ام من العراق
ان المصلحة الامريكية وادارة مصالحها التي تنفذها تتمثل في تأزيم العراق وجعله ساحة تآمر ومعارك وقتال وحرب بالإنابة وقتل الروح الوطنية وان تبقى البنى التحتيه مدمرة واضعاف الحكومة وتغويل المسلحين , والتغلغل في عقول الشباب بحجة دورات التنمية البشرية , لكنها لم تبتعثهم لدراسة الطب والهندسة والعلوم والتكنلوجيا.
ومما لاشك فيه ان المصالح هي من تحكم السياسات والافعال وليست المبادىء , لذا على الاستخبارات الوطنية في اي بلد ان تكون ذكية وان تدرك مايحاك لها من ادارة لمصالح العدو , فبلد كالعراق حين تدرك اجهزته اهم مصالح واهداف دول الجوار والدول الكبرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية , عندها تستطيع فهم الخطوات الاستخبارية الاجنبية والتنبؤ بها ومعرفة الدوافع والاسباب والمسببات والنتائج والاستعداد لها .
------------------------------------------
الخدمة الخارجية والدبلوماسية
------------------------------------------
ان العمل الدبلوماسي هو عمل مشترك بين الاستخبارات والخارجية , وتشكل تقارير السفارات ٨٠ ٪ من المعلومات عن البلد الهدف , فالاستخبارات الخارجية تضع وتصيغ معيار دبلوماسي لكل بلد ضمن التوازن الاستراتيجي لتحديد نوع النظرة اليه كحليف , اوصديق , او عدو , او عدو محتمل .
ان الدبلوماسية والاستخبارات هما وجها عملة واحدة للعلاقات الخارجية , يكون فيه الوجه اللامع واللطيف هو الدبلوماسية بينما تمثل الاستخبارات الوجه الثاني المظلم , وهذا الجانب المظلم هو المعني بدراسة البلد ويفهم المصالح فيه ويبحث عنها ثم يحيطها بمجموعة اذرع معلوماتية لكي يسعى الى تنفيذها بأنواع من الاغلفة البريئة في ظاهرها ,
ان ادارة العلاقات الدولية هي واجب وزارة الخارجية , لكن ادارة المصالح ضمن العلاقات هو شأن الخدمة الخارجية في الاستخبارات , فهناك ظاهر وباطن وعلن وسر ومكشوف ومكتوم , فالاسرار هي المصالح , اما الدبلوماسية العلنية فهي مجرد دعاية واعلام , فترى بلد يشجب العنف في سوريا مثلاً , لكنه يدعم الفصائل بالسلاح , وبلد يعيد علاقاته ويفتح سفارته في العراق لكنه يدعم سراً فصائل مسلحة , وفي بعض الاحيان تعلن سفارة دولة عظمى صداقتها للدولة , بينما تعمل استخباراتها للاطاحه بالحكومة كما هو الحال في العراق .
والواقع ان العلاقات الدولية ومواثيق الامم المتحدة هي في حقيقتها تصريف اعلامي مزوق للرأي العالمي المبني على المصالح والذي يدار في داخل الاجهزة المخابراتية وبأدوات سرية فيها شكل علني ملطّف من الدبلوماسية العلنية .
ان الدول الكبرى في كوكبنا والتي لا تتجاوز عشرة دول هي من تتلاعب بمصالح الدول الاخرى على حساب مصالحها , فكل دولة تبحث عن مصالحها , وتلك المصالح الجيو سياسية والوطنية والاستراتيجية تفرض العمل في الخفاء وتغطية المصالح بعناوين ثانوية , فالمصالح تتحول الى اهداف يجب نيلها والحصول عليها , وهنا تتحرك الاستخبارات الخارجية لتتبع خارطة طريق لادارة المصالح حيث لاوجود لعدو دائم ولا صديق دائم , وقلما يوجد تطابق في الموقفين الدبلوماسي والاستخباري , فالكل ينظر الى المصلحة واين تكمن سواء في استدراج العدو , او مهادنة العدو , او اغفاله , او الافادة منه , او خداعه , او جره الى معارك جانبية , او اخافته , او ازعاجه , او شن حرب نفسيه عليه , او زيادة انفاقه العسكري , او حصاره
ومن المؤكد ان بوصلة العلاقات مبنية على المصالح وتدور اينما دارت دون ان تهتم بالقيم والاصول والاخلاق والانسانية , لذا فان الخدمة الخارجيه ليست فقط للتجسس بل لرعاية وحماية المصالح , فحلف الناتو يرى ان من مصلحته ضم تركيا كمصد للاتحاد السوفيتي( سابقا) , لكن اعضاءه غير معنيين بادخال تركيا ضمن الاتحاد الاوروبي لاسباب كثيرة منها ماهو ديموغرافي .
وخلاصة القول ان الدور الحقيقي للدبلوماسية الخارجية يتمثل في التغطية على الاهداف والمصالح الحقيقية للبلاد في تعاملها مع البلد المستهدف , والذي تديرها المخابرات الخارجية .
----------
خلاصة
----------
ان مايشاع عن اختصار الخدمة الخارجية بالاعمال التجسسية هو خطأ فادح وشائع , فالعمل المخابراتي اكبر من ذلك بكثير , فاذا كان العمل المخابراتي الخارجي او الخدمة الخارجية هي ماكنة , فان احدى مسنناتها هو العمل التجسسي , اما العمل الخارجي الحقيقي للمخابرات المحترفة فهو في ادارة المصالح واحكام السيطرة , وبما ان المخابرات ذات النطاق الوطني , كما هو حال الدول النامية ومنها العراق , تعمل في نطاق بلادها , فلابد ان تكون من اولوياتها ادراك مايراد لبلادها من قبل الدول الكبرى ودول الجوار , فحينها ستدرك الكثير من المخططات قبل حدوثها وتستطيع التهيؤ لها واحباطها , والله الموفق.
خلاصة
----------
ان مايشاع عن اختصار الخدمة الخارجية بالاعمال التجسسية هو خطأ فادح وشائع , فالعمل المخابراتي اكبر من ذلك بكثير , فاذا كان العمل المخابراتي الخارجي او الخدمة الخارجية هي ماكنة , فان احدى مسنناتها هو العمل التجسسي , اما العمل الخارجي الحقيقي للمخابرات المحترفة فهو في ادارة المصالح واحكام السيطرة , وبما ان المخابرات ذات النطاق الوطني , كما هو حال الدول النامية ومنها العراق , تعمل في نطاق بلادها , فلابد ان تكون من اولوياتها ادراك مايراد لبلادها من قبل الدول الكبرى ودول الجوار , فحينها ستدرك الكثير من المخططات قبل حدوثها وتستطيع التهيؤ لها واحباطها , والله الموفق.
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟