ابتسام يوسف الطاهر
الحوار المتمدن-العدد: 1583 - 2006 / 6 / 16 - 11:47
المحور:
مقابلات و حوارات
خلال المهرجان السينمائي للفيلم العراقي التسجيلي, انتهزنا فرصة وجود الاستاذ ليث عبد الامير في لندن, لنحاوره عن تجربته ولنتعرف من خلاله على السينما العراقية, او لنغني معه (اغنية الغائبين)..
فالفنان ليث عبد الامير من الشباب العراقي الذين لهم بصمات مميزة في الفيلم العراقي التسجيلي والروائي القصير, بالرغم من قلة الانتاج, لكن افلامه بتميزها ووضوح الرؤية فيها تمكن من خلالها اقتحام الوسط الاعلامي الغربي والعربي.
رحل عن العراق في أواخر السبعينات كما هو حال الالاف من العراقيين. درس في الاتحاد السوفيتي ثم في فرنسا. قدم ثلاث افلام روائية قصيرة خلال مرحلة الدراسة منها(حديث الليل, الرئيس ,والموت) واهمها فيلم (المهد) الذي عرض في مهرجان كييف ودمشق السينمائيين, ونال جائزة احسن اخراج في كليهما.
ثم اشتغل على مجموعة من الافلام التسجيلية التي عرضت على القنوات التلفزيونية العربية والفرنسية. مثل رحلة مع الموسيقى, ولادة اوربا, لاتبكي افريقيا, وبياع بغداد وغيرها من الافلام. وفيلمه المميز (اغنية الغائبين) الذي شارك به في مهرجان الفيلم العراقي التسجيلي في لندن 2006. ويعمل الان على كتابة فيلم روائي سيقوم بكتابة السيناريو والاعداد والاخراج ايضا.
اغنية الغائبين
من الافلام التي اثارت جدلا ورؤى متناقضة لدى المشاهدين, فيلم(اغنية الرجال المفقودين), الفيلم الرئيسي للافتتاح ,اوبالاحرى(اغنية الغائبين) حسب الترجمة الصحيحة لعنوان الفيلم الاصلي. كما عرفت من مخرج الفيلم لاحقا.
يأخذنا ليث عبد الامير خلاله برحلة شيقة غير عادية لنغني معه او مع الغائبين. "فقد كان اغنية الغائبين او المغيبين كصورة عن غياب الحقيقة, غياب الصوت العراقي, الحقيقي, وغياب الاغنية العراقية".
نواصل معه رحلته الاستكشافية لعوالم كنا نجهلها, او غصبنا على تجاهلها وتأجيل اكتشافها حيث يقول "كنت كمن يكتشف وطنا جديدا لم اعرفه من قبل".
فمن خلال اللقطات الجميلة والمدروسة لكامرة المخرج نتنقل عبر المشاحيف مع الصيادين في مياه الاهوار التي استعادت حياتها مؤخرا, بعد ان حاول صدام تجفيفها وقتل البيئة هناك وكاد ان يقضي على ظاهرة فريدة من نوعها, ظاهرة احتفاظ ذلك الشعب بطرق العيش من الصيد او بناء بيوت القصب على نفس الطراز السومري القديم.
كما بقيت تلك القرى ملجأ للهاربين من ظلم الحكام كما هو عهدها من ايام السومرين! حيث اهلها احتضنوا ووفروا الحماية من قبل( لسنحاريب) الملك المعارض, الهارب من بطش الملك الاشوري. الى عهد صدام الذي طور وسائل القمع الى ابشع ماعرف التاريخ,حيث لجأ لتجفيف مياه الهور, وقطع القصب, عصب الحياة هناك, لتسهيل عملية التنكيل بالمعارضين له الذين لجأوا للاهوار.
نتابع النساء يتنقلن بمشاحيفهن برشاقة وقدرة مذهلة, فنرى صورة مشرقة لنضال المرأة العراقية وكفاحها من اجل الوقوف بجانب الرجل هناك وهي تساعده وسط ظروف بيئية صعبة وفي احلك مرحلة يمر بها العراق. فالمراة العراقية عانت من وضع شاذ لم يمر على اي شعب من قبل. لكنها صمدت وتحدت كل القمع والحصار والحروب.
بالرغم ان المخرج يؤكد " لم اشأ للفيلم ان يكون سياسيا, فبعد سقوط الصنم, تكاثرت الافلام السياسية عن العراق, عن التدمير والقتل والدمار..فحاولت ان اقترب من الروح العراقية."
لكني وجدت ان الفيلم نجح بنقل الصورة التي اراد توصيلها للمشاهد الغربي او العربي. كذلك نجح بارضاء فضول المدمنين سياسة ايضا. فنقله لصور المتاعب اليومية التي يواجهها الانسان العراقي كل يوم والتي هي امتداد لمعاناته السابقة بكل العقود التي حكم بها صدام. سواء معاناة سكان الاهوار او اهل البصرة, التي نرى بها السياب حزينا وهو يتامل الشواطئ المضطربة بعمال متعبين فقدوا اغاني العشق والحب يوم فقدوا بساتين النخيل التي احرقتها الحروب والقصف. يتامل بحسرة شناشيل البصرة ذات الطراز الفريد, تتهاوى او تكاد ولا تجد من يرممها او يحافظ عليها من الانهيار. هو طرح سياسي لكن اكثرانسانية, بعيدا عن الشعارات الخاوية.
وكان الفيلم سياسيا ايضا, حين ينتقل بنا للناصرية التي منحت الغناء العراقي اجمل الاصوات من ناصر حكيم الى حسين نعمة. والتي غنى لها المطرب اسماعيل شبانة, شقيق العندليب الراحل عبد الحليم حافظ (للناصرية يايمة). نراها اليوم من خلال الفيلم تشبع رغبة ابنائها عشاق الموسيقى والغناء, بتسجيلات للطميات عاشور الغنائية الحزينة! بعد ان ظهرت بدع منع الاغاني والموسيقى, تشبهًا بتجربة ايران الفاشلة. والتي لايمكن ان تعوض عن الابوذية والدارميات التي عرفها وامتاز بها الغناء العراقي.
ثم ينتقل بنا لنستعيد طفولتنا ونحن نتابع مواكب العزاء في عاشوراء او التشابيه التي تصور مشاهد معركة كربلاء. ونتسائل معه بقلق ونحن ننتقل مع كامرته لنتابع اليزيدين واحتفالاتهم وغنائهم الديني, والمسيحيين وطقوسهم وتراتيلهم, ثم المندائيين وهم يصبئون في مياه دجلة العذبة مع تراتيل صلواتهم. "ماذا سيواجه العراقيون؟" وهو يراهم كما يقول: " انهم لاعلاقة لهم بالعراق ككل. فالكل يحتمي بطائفته او قبيلته".
لكن هذا التنوع والتمايز يجعلنا نرى غنى ذلك الشعب غنى العراق, فوجود ذلك التنوع هو ميزة قد لايعرفها الا قليل من الشعوب التي اصطفاها الله , اما استغلال عناصر الشر لتلك الحالة واللعب على الطائفية والقومية كورقة رابحة, بزرع بذور الشر بين تلك الطوائف. لايعني غير الحقد على العراق وحسدهم له, لتفريق ابنائه وتشتيتهم. وهنا يبرز دور الدولة ومهمتها الكبيرة بحماية كل الطوائف وتوفير سبل الحياة الكريمة لهم.
فكما قالت احدى السيدات التي صورها الفيلم, "ان ضاهرة الالتفاف حول الطائفة او القومية, بدأت حين ضعفت الدولة ومؤسساتها, وقد شجعت حكومة صدام عليها خاصة بعد حرب الخليج 1991, حين تخلت الدولة عن الفرد" وتفرغ القائد لبناء القصور وتشكيل فرق العصابات لحمايته. "فلم يكن للفرد خيار في ظل الازمات والتسلط والحصار سوى ان يجد بديلا , وكان له ذلك بالطائفة او العشيرة التي ينتمي لها, والتي حلت محل الدولة التي تخلت عن مهمتها الاساسية بتوفير الحماية والامان والعيش الكريم للمواطن".
وبعيدا عن رمزية المشهد الاخيرالذي اراده المخرج كما ذكر" ان يكون رمزيا, حيث الراعي يرفض بشكل قاطع بيع غنمه, ليكون رسالة للسياسيين لكي لايبيعوا الوطن باي ثمن". فالفيلم نجح بامتياز ليوحد العراق بكل اطيافه من خلال صوت المغنين العذب, الصياد وهو يتهادى صوته, بعذوبة وانسيابية مياه الهور وهو يقطعها بمشحوفه, او الفلاح في الناصرية وهو يصدح بصوته الجميل بين بساتين النخيل بعيدا عن اعين الدخلاء من الحاقدين على الحياة والغناء, الحاقدين على العراق, ونحن نتابع تراتيل اليزيديين والمسيحيين والصابئة والمسلمين من شيعة وسنة وهم يحيون ذكر الله بتلك التراتيل الربانية. فنتجلى معهم ونتمتم اللهم احفظ العراق وقد منحته تلك الهِبات المقدسة. فالعراق هو الذي منح البشرية اولى الاغاني واول الاديان, واول الة موسيقية (الناي).
*الاستاذ ليث عبد الامير, اولااحييك على فيلمك الرائع.ثانيا, قلت ان الفيلم موجه للعين الغربية, وللعرب, لكني رايت انه لي أنا ايضا, فانا ايضا اكتشفت مثلك ومن خلال فيلمك, زوايا لم اكن اعرفها من وطني. كذلك لاحظت عدم استيعاب البعض لرسالة الفيلم وتساؤلهم عن سبب ابتعاده عن الوضع السياسي. فقد كان الفيلم سياسيا ولكن من زاوية اكثر عمقا واكثر انسانية؟
-الحقيقة شعرت ان الجمهور هنا (في لندن), قرأ الفيلم بشكل اكثر دقة وعمق من الذين دعتهم قناة العربية لمناقشة الفيلم بعد عرضه على حلقات. فهناك اتهمني البعض منهم بان "الفيلم سياسي ويؤيد التفرقة الطائفية من خلال تركيزي على تنوعها وتنوع شعائرهم" بل البعض اتهمني بالطعن بوحدة العراق, لاني نقلت اراء من التقيتهم بالفيلم دون تعليق. بينما اردت من خلال الفيلم ان أُعرّف بالوجه الاخر للعراق. الوجه الانساني لكل الطوائف والقوميات, من خلال شعائرهم الدينية وحياتهم اليومية ومعاناتهم بظل الوضع الراهن..وهو غير الوجه الذي تتسابق وسائل الاعلام على نقله, من تفجيرات وتدمير.
*بينما هنا انتقدوا ابتعادك عن السياسة!
-كما قلت انا لم اسعى لطرح موضوع سياسي, فانا فنان لي صوتي الفني وليس لي خطاب سياسي او اديولوجية. حاولت في هذا الفلم ان ابتعد عن السياسة, ان اركز على الصوت العراقي والروح العراقية. لكن كل انسان من حقه ان يفسر العمل او يفهمه من وجهة نظره هو ومن زاوية مختلفة خاصة به. فاردت من خلال تلك الرحلة ان تكون عبر الروح العراقية بثرائها التاريخي والفولكلوري المتنوع, عبر الصوت العراقي الذي نسته او تجاهلته العدسات الاخرى, العربية والغربية وحتى العراقية, وركزت على الاحداث اليومية المباشرة. وهذه ستتغير وتنتهي, بينما الطقوس العراقية والحياة اليومية ستبقى خالدة.
*خلال مشاهدتي للفيلم وجدت ان العنوان مباشر لفكرة او ثيمة الفيلم هو الاغنية العراقية, فالغناء في الفيلم سواء الغناء الروحي العاطفي الوجداني او الديني بكل تراتيله هو الذي يوحد العراق.
- صحيح, تحليلك دقيق حقا, بينما البعض قرأه بشكل مناقض تماما لما اردته وماطرح حقا. فالغناء ثراء للعراق بدا منذ فجر التاريخ, وكلما مر الزمن يتجذر بالهوية العراقية اكثر, وتنوع الاصوات والتراتيل يعني وحدة العراق جسدا وروحا, فاذا حذفنا اي جزء من الصورة ستتخلخل وتصبح مشوهة, واذا استثنينا اي طائفة او قومية ستظهر صورة العراق غير متكاملة. لذا حقا كانت الاغنية هي منطلقي في تصوير اغاني وتراتيل كل الطوائف او معظمها.
*وهذه برأيي سياسة, ان تطرح الامور بشكل انساني بعيدا عن الشعارات, التي صارت اليوم ابتزازا للمشاعر وتلاعبا بعواطف البسطاء بابتعادهاعن المضمون الانساني لها والابتعاد عن المبادئ.
-دعيني اقول شئ, هناك جهل او تجاهل لروح العراق, من قبل الاغلبية. فقد شعرت بخيبة كبيرة وانا اشاهد بعض الافلام الامريكية التي بها جهل كبير لشعب العراق لتاريخه لعاداته. لذا اريد ان اقول لهم وللاوربين, انكم لم تفهموا العراق. وجئتم دون وعي او معلومات مسبقة دون خلفية عن غنى العراق الحضاري والفكري, عن طقوسه وفولكلوره.
فهم لايعرفوا شئ عن مفهوم العشيرة مثلا, الدين واهميته للعراقي..فلابد من اعادة قراءة لكل ذلك, على الاقل ليعرفوا كيف يتعاملوا مع الانسان العراقي. فهذا الجهل هو احد اسباب فشل السياسة الامريكية في العراق.
*اعتقد ان السلطة البائدة, لعبت دورا في ذلك ايضا, من خلال التعتيم الاعلامي, الا فيما يخص (القائد) ونشاطه وحروبه. كذلك منع وسائل الاعلام من الدخول للعراق.
- صحيح, لكن المفروض هذا لايمنع السياسي من البحث الدقيق ولايقف حائلا امام التعرف على الشعب الذي يدعوا انهم (جاءوا لتحريره).
*السينما العراقية, لاحظور لها مثل المسرح, الذي هو الاخر تردى في السنوات الاخيرة. ولكن للفيلم التسجيلي حظور مميز للمخرجين العراقيين المغتربين بشكل خاص, اي الذين حاولوا ان يثبتوا حظورهم خارج العراق. فهل هناك امكانية لتوحيد جهود هؤلاء المبدعين بعمل درامي مميز, يكون خطوة لتاسيس سينما عراقية؟
- العمل السينمائي عمل فردي..وانا بصراحة لست مع فكرة التوحد (ان تتوحد الجهود) فكأنه هناك عقدة اسمها (الوحدة العربية) فلااميل الى شعارات (الوحدة) التي افرغت من معانيها..
*معك حق لكني لم اعن الوحدة بالمفهوم السياسي المتداول ,فاوربا توحدت بالرغم من الاختلاف التاريخي واللغوي, بدون شعارات فقاعية ولا خطب ولاغزوات عسكرية.
بل عنيت توحيد الجهود لعمل كبير. خاصة والمبدعين في المهجر اغتنوا بتجارب وخبرات كبيرة, من خلال تعرفهم على التطور السينمائي في العالم, وهذه حرم منها الشباب الذي لم تتاح له فرصة السفر.
- صحيح ان السينما عمل جماعي, لكن فيها فردية وتميز في ظل حرية التعبير. لذا من الصعب ان تجتمع وجهات نظر مختلفة, وتجارب متباينة في عمل واحد.
اما بخصوص موضوع السينما العراقية, السينما العراقية كادت ان تولد.. هل تعرفي ان اول استوديو سينمائي عربي تاسس في بغداد في اواخر الاربعينات؟ وظهرت افلام في الخمسينات كان ممكن على قلتها, ان تشكل ملامح للسينما العراقية, لكنها قتلت! اي ان السينما العراقية قتلت في المهد, اولا بسبب الاهمال وعدم تقديم الدعم اللازم ثم على يد السلطة الصدامية, التي احتكرت كل الاعمال الابداعية وبشكل مطلق للدعاية للقائد وسياساته, ولارضاء غروره, ثم لجوءه واستعانته بالمخرجين العرب الذين اغدق عليهم الاموال لتحسين صورته من خلال افلام تحكي بشكل مبالغ به عن بطولاته الوهمية.
فالعراق بقي طيلة تلك الفترة الحالكة, بقي مغلقا على العالم الخارجي.. ومن بقي في العراق من المبدعين لم يتمكنوا من العمل بحرية, واي عمل ابداعي لابد له من الحرية لكي ينجح. خاصة بالنسبة للعمل السينمائي, ففي التشكيل والشعر والادب, الامر مختلف, ربما هناك متنفس للتعبير من خلال الرمز. اما الكامرا فالامر مباشر واكثر خطورة لذا احتكرت بشكل مطلق لرسم ملامح الدكتاتور.
ولكن حين سقط الصنم, انتعشت الحركة الثقافية بالرغم من كل محاولات التخريب والقتل اليومي والحروب. فبعد التعتيم الاعلامي والثقافي, خاصة في ظل الحصار, وجد الشباب المتحمس والمتعطش لكل مظاهر الحياة الثقافية, متعطش للحرية, وجد متنفسا للعمل والابداع. فانطلقت حركة سينمائية مشجعة وان كانت تسجيلية, لكنها قد تؤسس لتجربة حقيقية ناضجة لسينما روائية و تسجيلية.
فقد رأوا في السينما اسلوب مفتوح على العالم ومن خلاله بامكانهم محاورة الاخر عبر الصورة والعدسة. وبالرغم من قصر الفترة واضطراب الوضع, فقد وصل الانتاج السينمائي العراقي الى (مئة) فيلم وهذا رقم قياسي, مقارنة بالانتاج العالمي.
لذا انا متفائل ان السينمائيين العراقيين في الداخل او جيل المبدعين في المهجر, سيتمكنوا معا عبر تراكم تجاربهم, من تكوين او تاسيس صورة جديدة للسينما العراقية سيكون لها حظورها وتفردها.
*ماذا عن الدعاوي الجديدة التي تبنتها بعض الاحزاب الدينية, او بعض الشخصيات التي ادمنت التسلط والتخلف, من التي تحرم حتى الموسيقى, الن تكون عائق امام تلك المحاولات؟
- للاسف انه بعد سقوط الصنم ظهرت اصنام اخرى مموهة, متمثلة ببعض الاحزاب الدينية, او بعض عناصر السلطة اضافة لمنظمات وعناصر ارهابية. فالغريب في العراق اليوم ان الكامرة اصبحت وكانها عدوة, وهذا ماعرفته من خلال الزملاء السينمائيين في العراق, خلال تصويري لفيلم (اغنية الغائبين). لكن مع كل تلك المحاولات وهذا الظرف الصعب, هناك شئ ايجابي. هناك الامل الذي يدفع الكل للعمل والمثابرة, ولابد ان يجد السينمائيين لغة خاصة بهم ليحاوروا بها الاخر من خلالها, ويعرضوا بها همومهم وقلقهم.
فوعي الناس اليوم اختلف لماهو افضل, بفضل ثورة الانترنت, فتغيرت كثير من المفاهيم الثقافية واصبح هناك مجال واسع لايصال الصورة او الفكرة بشكل اسرع واكثر ابداعا.
واقول ان الدولة لابد ان تلعب دور ايجابي بتبنيها لمؤسسات المجتمع المدني, وهو نموذج اثبت نجاحه في العالم, وهذ اهم تجربة وصلت للمجتمع العراقي ولابد من انجاحها. فمهما كان شكل الدولة مثالية, علمانية او ديمقراطية او غيرها. لابد للمبدع ان يخرج من عباءة الدولة ومن اطر السلطة, والانتماء لمؤسسات المجتمع المدني. وهناك اتجاه لتنشيط تلك المؤسسات. لذا على الدولة ان تدعم النشاطات الثقافية بعيداعن السلطة الابوية وبدون هيمنة او تدخل.
*بداياتك السينمائية كانت روائية قصيرة, وقد نلت على فلمك (المهد) جوائز. ثم تفرغت تقريبا للافلام التسجيلية او الوثائقية, بالمناسبة ماالفرق بين الافلام الوثائقية والتسجيلية؟. هل بالامكان ان تحدثنا عن فيلمك ذاك؟ وهل العمل التسجيلي اسهل من الروائي؟ اعتذر عن تهاطل الاسئلة فلااريد ان اعطلك وانت مقبل على سفر.
- بالنسبة لفيلم المهد كان فيلم قصير انتجته في السنة الدراسية الاخيرة. اردت فيه ان ادين الديكتاتورية والهجمة الشرسة ضد المثقفين العراقيين من ادباء وسينمائيين. من خلال قراءة سينمائية لاغتيال الشاعر الاسباني لوركا. فكان رمز لاغتيال الكلمة الحرة الصادقة.
اما اتجاهي للفيلم التسجيلي, فالحقيقة كانت بداياتي روائية قصيرة. لكن ظروف عملي والتغرب قربني من الفيلم التسجيلي فاشتغلت عليه لخمسة عشر عام, خلالها وجدتني ارتبط بالعمل التسجيلي اكثر واحبه, بل صرت لااميل للصورة المصطنعة. لذا مشروعي الروائي القادم الذي اعد كتابته الان, سأخرجه بطريقة يكون فيها مزج بين العملين, يسمونها في لغة السينما (اسلوب تفكيكي).
اما من ناحية السهولة, فالفلم التسجيلي اصعب من الروائي تقنيا وانتاجيا, فهناك عامل الزمن, هناك حدث لابد من تتبعه بدقة وبسرعة ومن زاوية تخدم رؤية المخرج. دون اعادة فلا يمكن اعادة المشهد, كما هو في العمل الروائي, حيث هناك متسع من الوقت لاعادة المشاهد حتى الحصول على اللقطة التي ترضي المخرج. ربما السهولة تبدو في عامل التمويل, فالعمل التسجيلي لايكلف كثيرا كما العمل الروائي.
الفرق بين الفيلم التسجيلي والوثائقي, هو ان العمل التسجيلي سيصبح وثائقيا بعد فترة من الزمن.
*هل سيعرض فيلمك (اغنية الغائبين) في بلدان عربية؟, خاصة تلك التي تصدر لنا الارهابيين باسم القومية, مدفوعين باوهام تحركها مصالح شخصية وانانية, بعيدا عن المبادئ والقيم.
_ يهمني ان يعرض على المشاهد العربي, الاردني والفلسطيني بشكل خاص, لازاحة الضباب او لاذابة التصلب في رؤاهم واصرارهم على ادانة الشعب العراقي وتمجيد الجلاد. فهذه ضاهرة فريدة وغريبة, ان يكون المثقفين والاعلاميين واجهة لدعم الديكتاتورية والظلم, ويدافعوا عن صورتها المشوهة لترسيخها .
سيعرض في عمان الاردن في الشهر القادم. وسيعرض في اسبوع السينما الفرنسية المقبل.
#ابتسام_يوسف_الطاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟