|
(فجر الاسلام) وموضوع الزرادشتية(2)
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 6554 - 2020 / 5 / 4 - 21:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
والعقاد يضيف الى ما قاله أحمد أمين: "وخلاصة ما جاء به «زرادشت» من جديد في الديانة أنه أنكر الوثنية وجعل الخير المحض من صفات الله، ونزل بإله الشر إلى ما دون منزلة المساواة بينه وبين الإله الأعلى، وبشر بالثواب وأنذر بالعقاب، وقال بأن خلق الروح سابق لخلق الجسد، وحاول جهده أن يقصر الربانية على إله واحد موصوف بأرفع ما يفهمه أبناء زمانه من صفات التنزيه". (راجع: عباس محمود العقاد كتاب "الله" ص 89 الطبعة الثامنة دار المعارف) ونفهم من هذا: إن الزرادشتية دين توحيد، بل لعلهم اول من قال بذلك، وقولهم بالثواب والعقاب هو عين ما يقول به الاسلام، وحتى تنزيه الله، وهو من تقر به الديانتين. فالتشابه واضح هنا، وهذه اضافة لما ذكرناه قبل قليل. ويوضح أمين "وكان الإنسان موضع نزاع بين الروحين؛ لأنه مخلوقُ مَزْادَا، ولكنه خلقه حر الإرادة، فكان في الإمكان أن يخضع للقوى الشريرة، والإنسان في حياته تتجاذبه القوتان، فإن هو اعتنق دينًا حقًّا، وعمل عملًا صالحًا، وطهر بدنه ونفسه، فقد أخزى روح الشر، ونصر روح الخير واستحق الثواب من «مزدا»، وإلا قوَّى روح الشر وأسخط عليه «مزدا». الدنيا والآخرة: ثم يقول أمين من أن زرادشت يرى:" للإنسان حياتان: حياة أولى في الدنيا، وحياة أخرى بعد الموت، ونصيبه في حياته الآخرة نتيجة لأعماله في حياته الأولى، قد أحصيت أعماله في كتاب، وعدت سيئاته ديونًا عليه؛ وفي الأيام الثلاثة التي تعقب الموت تُحَلِّقُ نفس الإنسان فوق جسده، وتنعم أو تشقى تبعًا لأعماله، ومن أجل هذا تقام الشعائر الدينية في هذه الأيام إيناسًا للنفس، وعند الحساب تمر النفس على صراط ممدود على شَفير جهنم، وهو للمؤمن عريض سهل المجاز، وللكافر أرقُّ من الشعرة؛ فمن آمن وعمل صالحًا جاز الصراط بسلام؛ ولقي «أهورا» فأحسن لقاءه، وأنزله منزلًا كريمًا، وإلا سقط في الجحيم وصار عبدًا لأهْرِمَنْ، وإن تعادلت سيئاته وحسناته ذهب الروح إلى الأعراف إلى يوم الفصل". وهذه عين ما جاء به الاسلام، كأنه من مصدر واحد، بمعنى أن زرادشت فعلا كان نبيا مرسل، حاله حال بقية الانبياء. ثم لا ننسى أن سلمان الفارسي كان على دين الزرادشتية قبل أن يعتنق الاسلام، وقد جاء بتعليمات كثيرة فارسية وادخلها الى ثقافات العرب. حتى أنه في معركة الخندق حث المسلمين الاوائل بحفر خندق لصد هجوم العدو، في معركة الخندق، ففعلوا، ولما رأى العدو ذلك اصابه العجب والذهول، وقالوا أن هذه المكيدة ما كانت يعرفها العرب، حتى تخاصم المهاجرون والانصار كلٌ يقول سلمان منا، فبلغ فيهم نزاع، فحل النبي هذا النزاع وقال كلمته المشهورة: "سلمان منّا أهل البيت". وربما سيقول قائل: وما علاقة سلمان الفارسي بهذا الربط أو هذه المقاربة؟. ونقول أن ثمة علاقة وشيجة بين هذا وذاك هي لا تخفى على الواعي المدقق، والمفكر الحذق. هل ثمة حية بعد الموت؟: ثم يشرح امين بعض مبادئ الزرادشتية فيقول: "وقد غيّب على الإنسان في حياته الدنيا ما أُعِدَّ له بعد موته، ولم يعلم الخير من الشر، فكان من رحمة الله أن أرسل رسولًا يهدي به الناس؛ وفي الأساطير الزردشتية أن النبوة نزلت أولًا على جَمْشِيد ملك الفرس، ولكن لم يستطع حملها، فحملها زردشت، فكان الله يكلمه وينزل عليه الوحي". وهذا تطبيقا لقول الآية: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) الأحزاب / 72. وليس فقط هذا، بل "ويعلم زردشت أن يوم القيامة قريب، وأن نهاية هذه الحياة ليست بعيدة وسيستجمع «مزدا» قوته، ويضرب إله الشر ضربة قاضية، ويعذبه بالجحيم هو ومن أطاعه". وللزرادشتية فلسفتها الخاصة كبقية الديانات، الوضعية والسماوية على حد سواه، فيذكر أحمد أمين إنه "بجانب هذه التعاليم الدينية نرى للديانة الزردشتية أبحاثًا فيما وراء المادة، ولكن لم يكن بحثهم فيها شاملًا - كالذي كان عند اليونان- بل كان بحثًا جزئيًّا مفرقًا؛ كذلك نرى لهم في هذا خاصية تشبه التي كانت للعرب بعد الإسلام، وهي امتزاج أبحاثهم - فيما وراء المادة- بالدين والتوفيق بينهما، ولم يبحثوا فيها بحثًا مستقلًّا كما فعل اليونان مثلًا. مفهوم النفس لدى الزرادشتية: يختلف الفلاسفة في مسألة النفس وخلدوها وماهيتها اختلافا كبيرًا، وفي هذا الاختلاف مباحث طويلة وسجالات قائمة، ليس في هذا المبحث متسعا من الوقت لطرحها. ويرى احمد امين:" فمن أبحاثهم الفلسفية بحثهم في النفس، فالديانة الزردشتية ترى أن نفس الإنسان قد خلقها الله بعد أن لم تكن، وتستطيع أن تنال الحياة الأبدية السعيدة إذا حاربت الشرور في العالم الأرضي، وقد منحها الله حرية الإرادة، فهي تستطيع أن تختار الخير أو الشر، وللنفس الإنسانية قوى مختلفة: (١) الضمير أو الوجدان. (٢) القوة الحيوية. (٣) القوة العقلية. (٤) القوة الروحية. (٥) القوة الواقية … إلخ. وفي نهاية طرحه هذا يتساءل أحمد أمين : "وبعدُ؛ فهل دين زردشت ثَنْوِي يرى أن العالم يحكمه إلهان: إله الخير وإله الشر وأن لكل إله ذاتًا مستقلة؟ أو هو موحد يرى أن العالم يحكمه إله واحد، وأن ما في العالم من خير وشر، وما فيه من قوتين متنازعتين ليستا إلا مظهرين أو أثرين لإله واحد؟ اختلف الباحثون في الإجابة عن هذا السؤال، فيرى كثيرون أنه ثنوي كما يدل عليه ظاهر كلامه، وقد ذهب إلى هذا الرأي بعض كُتَّاب الفَرَنج ومنهم مَن كتب في دائرة المعارف البريطانية مادة زردشت؛ ومنهم من يرى أنه موحد، وإلى ذلك ذهب الشهرستاني والقَلْقَشَنْدِي في صبح الأعشى وغيرهما، ويقول الأستاذ هُوجْ Haug: «إن زردشت كان من الناحية اللاهوتية موحدًا، ومن الناحية الفلسفية ثنويًّا»، ولعله يرد من قوله هذا أنه من ناحية العقيدة الدينية كان يرى أن للعالم إلهًا واحدًا، ولكن إذا تعرض لشرح فلسفة العالم وما فيه من خير وشر يتطاحنان وما إلى ذلك فهو ثنوي يرى أن في العالم قوتين". وباعتقادنا إن بعض مؤرخي الاسلام كانوا غير منصفين، ولا تسودهم روح الدقة العلمية في نقل اخبار الزرادشتية، لاعتبارات كثيرة، ومنها تحايلهم على هذه الديانة فينظرون اليها نظرة تشوبها الشك والريبة، طالما أنها تخالف بعض الشيء ما جاء به الدين الاسلامي، فيعدونهم مشركين أو ثنويين على ما قال احمد امين وغيره. ونختم بحثنا بقول العقاد وهو رأي فيه انصاف واضح:" فالله في مذهب زرادشت موصوف بأشرف صفات الكمال التي يترقى إليها عقل بشري يدين على حسب نشأته بالثنائية وقدم العنصرين في الوجود. فالخير عند زرادشت غالب دائم، والشر مغلوب منظور إلى أجل مسمى، وما زال «أهرمن» يهبط في مراتب القدرة والكفاية على هذا المذهب حتى عاد كالمخلوق الذي ينازع الخالق سلطانه، ولا محيص له في النهاية من الخذلان". (المصدر السابق: ص 91) واذا كان هذا كما قال العقاد حقًا، وهو مما لا نشك فيه طرفة عين، قد اقره الاسلام واصبح من اولوياته.
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(فجر الاسلام) وموضوع الزرادشتية(1)
-
التصوّف في نظر العقاد
-
هل مكيافيللي يؤمن بالحظ؟
-
علي الوردي وحديث المتصوّفة
-
ظاهرة الانتحار: تحليل ترانسندنتالي
-
كورونا الفتاوى تقتُل فيلسوف الاشراق
-
تائهون بأحلامٍ منفية
-
كوفيد - 19 : تحليل ترانسنتدالي
-
السعداوي: الأنثى هي الأصل 1/ 2
-
السعداوي: الأنثى هي الأصل 2/ 2
-
صراع الدين والعلم 2 / 2
-
صراع الدين والعلم 1/ 2
-
أنهم يحرقون سرڤيتوس!
-
مفهوم(البغاء) عند نوال السعداوي1/2
-
مفهوم(البغاء) عند نوال السعداوي1/1
-
بحث في الدين (2)
-
مبحث في الدين (1)
-
ماهي قيمة الانسان اذا لم يسمو بطابع وجوده؟
-
ابن الفلاح الذي صار الاب الثاني للفلسفة المثالية الحديثة
-
من هو الاسكافي الاعجوبة الذي اصبح من عظماء الانسانية
المزيد.....
-
منها النفط والغاز.. الصين تفرض رسوما جمركية على واردات أمريك
...
-
القناة -14-: ارتفاع عدد إصابات عملية تياسيير إلى 8 بينها حا
...
-
بينها -طعام لداعش- في سوريا.. البيت الأبيض ينشر قائمة بنفقا
...
-
لافروف: شعار -الولايات المتحدة أولا- يتناغم مع شعارات هتلر
-
كيف تعمل النقطة الزرقاء الصغيرة في دماغك على تنظيم نومك؟
-
أ ب: الصين تعلن فرض رسوم إضافية على العديد من المنتجات الأمر
...
-
روسيا تطلب اجتماع مجلس الأمن لبحث أزمة أوكرانيا
-
-كان- عن مسؤولين إسرائيليين: مستعدون للقبول ببقاء -حماس- لكن
...
-
وسائل إعلام أوكرانية تبلغ عن انفجارات في كييف
-
حرب الغواصات.. كانوا ذئابا في البحر وسكارى في البر!
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|