أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - المشرقي القادم من شريط حدودي محتل















المزيد.....

المشرقي القادم من شريط حدودي محتل


ضحى عبدالرؤوف المل

الحوار المتمدن-العدد: 6552 - 2020 / 5 / 2 - 17:59
المحور: الادب والفن
    


قراءة في مجموعة قصصية بعنوان " غريتا" للروائي والقاص "الياس العطروني"
تبدأ القراءة في مجموعة العطروني القصصية، ولا تدرك النهاية حتى بوصولك الى الكلمة الاخيرة فيها، لانها تشكل باستدارتها البداية والنهاية. ولأن في الجملة القصصية محاور عديدة من الذكريات وصولا الى انبلاج الحياة حتى السياحة تحت التراب بمزيج غرائبي متمسك بشرقيته الى ابعد حدود عالم " غريتا " السمراء التي سألت : " والنساء؟ نقربهن بالزواج " ، باختزال وتبسيط وبحنكة انسانية واثقة من ميولها الشرقية التي تفخر بها، فما بين غريتا وغريتا حميمية قاص يشتاق لسرو قريته، وهو ذاك المشرقي القادم من شريط حدودي محتل .، عادات وتقاليد يرفضها في بلاد الاغتراب، ويتقبلها في موطنه الذي يزداد له حنينا، ونحت ننجذب نحو عمق افكاره القصصية الموحية بعهد الدم الملوث الذي اصابه بوباء مميت، فالايحاءات في القصة ترتبط بالبعد التكويني لبلدين تختلف فيهما العادات والتقاليد، حتى المفهوم الانساني المرتبط بدلالات شريط حدودي محتل، وبدوي اسباني متحضر احبه لانه " يدرس تاريخ العالم في جامعات النهار، ويمسد جلود الثيران في حظائر المساء" فهل يحاول العطروني استحداث مكونات قصصية ترتبط بالتراث، وبتمسك ذي معنى يستنزف الشكل القصصي المستحدث، ويضعه ضمن مراحل التغيرات التي تطرأ على الانسان في غربته الداخلية والخارجية.
وعي سردي في " قصة غريتا "ذات البناء الفني المحكم بعناصره القصصية وطابعها التراثي والرمزي والاجتماعي، من حيث التماسك بقضية فروقات الاديان، والالتزام العربي بمبادئه الدينية الى اقصى الحدود، ولو من خلال الذكريات التي يجملها الانسان في طيات مخزونه النفسي، ليحيا اللحظة بقوة تضعه امام محكمة ذاتية تتشكل عند اول نائبة جعلته يشعر بأنه " في تفاهة بخار على زجاج" وضمن هشاشة البخار وقدرته على تغطية نقاوة الزجاج.، ليكون هو وغريتا عنصرين مختلفين لا يلتقيان. الا ضمن ظروف باردة وحارة تتعاكس من خلالها كينونة كل منهما.، لان غريتا اسيانية السمرة، حيث لم يكتمل حبها له لانه المدافع الاول عن ايام ابيه ومن قبله، وفي هذه صورة العربي المتمسك باصوله، وبمفاهيم الاجداد منذ الازل " كنت فقط أدافع عن أيام أبي ومن قبله" وفي هذه خاصية عربية تفيض بالاحساس العربي الاصيل، ونخوته التي لم تنجو من عهد دم قضى على حياته.
يفاجىء الحدث القصصي القارىء في قصة " غريتا" الغنية بعناصر فنية بانورامية ترسم دهشتها على عز فرحهم واحتدام نشوتهم حيث راحوا يبكون، وما بين التكثيف والاختزال ثمة قصة " ليس فيها روائح البيد، ولا هواء الواحات، ولا حدو الرواحل" فالتداخل والتفاعل الفني يتخذ من الارهاصات القصصية وجودا له.اذ يصعب تحديد النهاية ما لم تصل الى السطر الاخير، لتتسارع خطى القراءة ضمن التباطىء المبني على فهم الرموز في لعبة انتهت بغرز " السيف الرفيع في مقتل الثور المكتئب" الذي جعله يتذكر شعبه المحب الذي " لن يقف يوما بمجمله ليشمت بمقتل ثور" فالتلميحات المبطنة في اعماقها تحمل صورا اخرى عن العهود المتينة، واواصر الميثاق الغليظ الذي لا ينساه العربي مدى الحياة. ليصعب تحديد الزمن ، لان الماضي هو الحاضر بقوة، والمستقبل يحمل سياحة جسد تحت التراب ، فهل تمكن القاص والروائي " الياس العطروني" من اختصار حكاية الشرق والغرب في عهد دم مزج بين اثنين مختلفين وبلدين، لكل منهما خاصيته الاجتماعية؟
نعيش الطفولة والشباب في زمن الكهولة ونوائبه التي جعلته يرى بلاده، وقد تخشبت سحنتها، ليفصل بين ايام صغره القريبة والبعيدة جدارافاصل من الندم على عهد دم اقامه ، كي يحافظ على مفاهيمه الشرقية التي تمنعه من اقامة علاقات غير شرعية مع امراة اجنبية لا تنتمي الى اصوله المشرقية او الدينية. لكنه لم ينج من شرور بلاد غزاها الفساد، وتسرب الى دمه. لانه استخدم دواء لعدم الفراق سمعه من والدته التي سمعته من والدتها التي سمعته من..." اجرح اصبعي وتجرحين اصبعك، نلصق الجراحين، يتحد دمي ودمك، يصبحان دما واحدا..وهذا في عهد الدم" عهد زاد في اضمحلاله مع الثواني والدقائق، ولم ندرك انه السيدا الذي اصابه بمقتل، كما اصاب الثور السيف الذي انغرز في مقتل نبع منه خيط دم رفيع يشبه ذاك الخيط الذي صهر دمه مع دم غريتا.
قصة حملت مؤثراتها قوة نفسية على القارىء بتناصها ورؤيتها وموضوعيتها الفنية ذات القدرة على ربط الصور الحركية المرئية امام القارىء، وكانه الثور الذي اصاب الحضور بالنحيب المشابه لنحيبه، ونحيب " غريتا" ولو بالواقعية التي تخيم على الحدث ضمن المواقف الانسانية التي تحاكي شعور ذاك المشرقي الذي حدد صفاته بالآتي من شريط حدودي محتل. ليستمد المكان وجوده الزمني ضمن فترة عمرية مضت ، حملت معها الذكرى بمرارتها مستعرضا مشهدا تلو المشهد، حيث تتشابه الومضات في الذاكرة التي تنجلي امامها التفاصيل الغائبة عن لحظة الماضي، والتي انكشفت فيما بعد ولكن بعد فوات الآوان .
ايديولوجيا قصصية بدأ بها العطروني قصته عبر النص الصادق بتأثيراته الغير مباشرة على المعاناة التي تتسبب بها عهد الدم، وهو الذي ترك غريتا ، لانها ليست على دينه وتراثه وقيمه التي يحملها في دم افسدته مشاكسة طفولية منحت القصة بعداً آخر لمفهوم مرض السيدا لمن يصاب به ببساطة وتلقائية وبراءة.، لان في سؤالها له عن النساء الجواب الشافي " نقربهن بالزواج" وهذه نقطة فاصلة لا نقاش فيها تشير الى المبادىء التي يحملها في جذوره الضاربة بعمق الحياة، وبالقضايا الاساسية التي نشأ عليها، فالقصة ذات تكنيك فني اجتماعي، لعبت الحداثة القصصية دورا فيها ضمن الاختزال والرمز والالتفاف وراء المعنى، والربط بين الصور ببراعة قاص لم ينجرف وراء عالمه السردي. انما توقف بضراوة عند الانسان المتمسك باصوله وتربيته ونبل عواطفه ومشاعره، فهو لم يصطنع شخوصه انما استخرجهم من مخيلة الذاكرة، وهو في طريقه للسياحة تحت التراب ضمن معنى محفوف برحلة حقيقية ينتظرها بعد مأساة تفوق مأساة الهجر ليقول :" هذه البلاد ليست بلادي الآن، وبلادك ليست بلادي أيضا، لا بلاد لي."
شخصية قصصية مثقلة بالمبادىء التي تميز بها المشرقي بكل عنفوانه وشهامته، وقدرته على تخطي المحرمات بأنواعها، ورغم كل هذا يصاب بمرض لا ناقة له فيه ولا جمل . انما مفارقات في احداث مجللة بالاسى تتصف بالموضوعية، وبفلسفة اخلاقية واعية في سلوكياتها ، لتؤدي دورها ضمن النسيج القصصي المحبوك بحنكة قلم بحث عن لحظات انسانية جمعت بتأويلاتها المخاوف اللاشعورية التي اظهرها عندما تمسك بياقة قميص الطبيب، اذ يعتمد على الرؤى السيكولوجية والواقع المأزوم، والتهويمات ذات الجوهر المجازي المتسم بخصوصية السرد الداخلي المبطن بدينامية الحداثة القصصية .
[email protected]



#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاعرات من الدول العربية في اليوم العالمي للمرأة والشعر
- مكانة الشعر في الفصل بين المفردات العاطفية وبناء منطق القصيد ...
- القوة الثقافية في تحديات قوى الدول الكبرى وصناع الحروب
- دورة حياة ووجود واحدة
- لحظة الكشف الاصيلة
- تحطيم القيم الموضوعية بعض مظاهر ادب الحروب
- الحياة الاجتماعية في ظروف المناطق الغامضة
- الحرب والكشف الذاتي لعقد الانسان
- قوة التعبير البصري المحمل بالدعم اللوني وحبكة اللوحة التشكيل ...
- رمزية ادب الحرب في كشف دواخل الانسان
- مبدأ الصدمة وسقوط الانسانية في متاهات الحروب
- النفس الانسانية وامكانية اعادتها الى النهج الصحيح من خلال ال ...
- نقطة ارتكاز قراءة في كتاب- السياسة الدولية في الشرق الأوسط - ...
- الإدارة الثقافية للحوارات... مفهوم الحرية كل متكامل
- مؤثرات القضية الفلسطينية وتاثيرها على فن البوستر الفلسطيني
- ازمنة ارتبطت بامكنة شاهدها - ديفيد روبرتس- بعين الفنان وبصير ...
- تنظيمات لونية ذات انعكاس مرئي متناقض مع الشكل
- البناء الفني في شكل الانسان
- التفاصيل النحتية المرتكزة على ديناميكية لا محدودة
- المشهد الحسي الانطباعي المتكون من نظرة واقعية


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - المشرقي القادم من شريط حدودي محتل