|
المراجعة والتراجع والرجوع في الحب عشوائيات في الحب – العشوائية 30
سمير محمد ايوب
الحوار المتمدن-العدد: 6552 - 2020 / 5 / 2 - 14:49
المحور:
الادب والفن
المراجعة والتراجع والرجوع في الحب عشوائيات في الحب – العشوائية 30 في السنة الخامسة من زواجنا ، رزقنا بأول اطفالنا الخمس . مع القادم الاول ، تناسلت ظروفٌ داخليّة بيني وزوجتي . بين التلاقي والتباعد تآكل الكثير من الوئام . وانتزع الخصام مكانا له بيننا . رغم العديد من الاجراس ، احتفر دهاليزه وامتدّ عقوقه ، إلى نّواح متشعبة في حياتنا . بتنا مع كل مولود جديد ، في ظروف تبتكر اشياء متعددة . ابعادها تثير تأويلات مكتنزة بالإيذاء دون أن تقوُلُ شيئا . إيذاء أعاد تشكيل ملامح علاقاتنا الحسية والعاطفية والنّفْسيّة والذهنيّة . حتى غدا السلام الايجابي بيننا ، لَحظاتا مارقة متباعدة ، جف وجدانها وقلت حيلها . لم تَعُدْ المكونات المجهرية للعاصفة ، لَيَنةَ الأظافر ولا حتى ناعمة . اشْتَدَّ عودها وبانت ملامحُها. اتخذت زوجتي من التلهي بالاولاد ، متكأ لاهمالها بنفسها وبي وبعلاقاتنا . مع كل وليد ، باتت لُغة اهمالها شّديدة التحديد ، دلالات رُموزِها مثقلة بوجع متوهج وكثيف . تجامَحَت خُطى زوجتي فيما أسمته واجبات الأمومة . أثْخَنت في ايذاء ذاتها بالاهمال العفوي والمتعمد . رجمت علاقاتنا الزوجية والعاطفية بِوابِل عدم الاهتمام . وشكّكت حتى بجدوى الاهتمامات المتوازية . لم يعد بمقدوري ان اصعر قلبي عما أتذوق من مرارات . فلاح في خاطري الاحتياج للتبرأ والخلاص منها . لم تعد مَعْصيةِ التجاهل الصمت هي الحل الامثل . فإمّا البقاء خارجَ زّمن الاهتمام ، أو الارتقاء لِمواجهتِه . قلَّبْتُ وجهيَ في كلِّ اتجاه . ملتمسا ما يُسْعِفُني مِنْ وسائل التّخَطّي . بِصبرٍ جميلٍ بحثتُ عن زمنٍ مَفْقودٍ ، سَليلاً للفائتِ أو مُراوغا له . ونبَّشتُ عن زمنٍ آخر ، مُبْتَكَرا مُنقطعاً عمّا أعيش . هاجَت مواجِعي وماجَت . وتعالَت أصواتُها بصريح القول ، تُؤكدُ أنّ الترميم لن يعيد ما سَبَق ، وتنكِر سُلْطةَ الواقع وعصمتَه ، بعد ان حَطِّمَ القديمَ تَعمُّداً وعن جهل . وانصرف من الشّبيه إلى المُخْتلِف . وخَلَصْت إلى أنّ الاهتمام الزائد الخاطئ بالاولاد ، هو آفةُ الخلل . لم تكن زوجتي لقيطة في حياتي ، فهي ام اولادي ورفيقتي لثلاثين عاما . فقررت الإيلاف بينها وبيني . بانفصال منصف لا ينكرها ، ولا يطلق النارعليها ، ولا يسلقها بألسنةٍ حداد . للعلم يا شيخنا ، لم أكن حين قررت ، قد نجحت في استنبات علاقة بديلة ، مع العلم أيضا ، أنني ممن يؤمنون ان هكذا استنبات ، هو من مقتضيات المشهد الجديد ، التي قد تسهم في تعزيزه . كبر الاولاد ، وبات اصغرهم على وشك التخرج من جامعته . حين مللت اللامبالاة . قبل أكثر من شهر ، بعد العشاء ، آوى الاولاد كلٌّ إلى سريره . وهي تجلس قبالتي في صالة المعيشة ، حسمت امري ، وقلت لها : أعتذر عما سأقول مضطرا ، قررت ان لا نكمل المشوار معا . لا تقلقي من النواحي المادية . ساترك لكم جل ما أملك . لتعيشوا ببحبوحة كما انتم . بدت متماسكة كعادتها . ودون أن تدافع عن نفسها قالت : وفي البال حكاية تشبه حكايتنا ، سأفعل مثل ما فعلت ، واطلب منك شهرا إضافيا واحدا ، نعيشه كأسرة . سألتها متعجبا عما يمكن ان يحدثه هذا الشهر من تغيير في النتيجة . قالت بوجع بّيّنٍ : إعتبره مكافاة نهاية الخدمة . بعد تفكير سريع ، وافقت . بشيءٍ من الانكسار، وضبابُ دمعٍ يلوح في عينيها ، قالت بصوت متهدج : وأنا أشكرك ، أتمنى عليك أن تحرص على الغداء معنا كلَّ يوم . وأن تحملني من بعده إلى غرفتنا . أبديتُ استغرابي بحيدة من طلبها . فقالت هذه أول مرة وآخر مرة ، أطلب منك شيئا خاصا . أرجوك أن تقبل . وافقت على مضضٍ ونفاذ صبر ، عاقدا العزم على تمضية هذا الشهر كيفما كان ، كعتبة لا بد منها للتحرر . مع موعد الغداء في اليوم التالي عدت . واتخذت موقعي على راس المائدة . أتابع أولادي وهم يساعدون أمَّهُم في ترتيب المائدة وتجهيزها بأناقة . إختلست النظر بشكل متواصل لهم . فمنذ أكثر من شهر لم تجمعنا مائدة مشتركة . كنت أُنْصِتُ بإعجاب لحوارهم مع والدتهم . بعد انتهاء الغداء إستأذنوا . بقيت منتظرا زوجتي لأحملها وفق الاتفاق إلى غرفتنا . ما أن اطلت عائدة من المطبخ ، حملتها بين ذراعي وانا احس بالضيق . أوصلتها إلى الغرفة ، وخرجت مسرعا إلى المقهى . وتكررت في اليوم التالي ، نفس الوقائع تقريبا . كنت أظن أنني سأتعب من حمل زوجتي إلى غرفة النوم . ولكني انتبهت لأول مرة الى هزالها وخفة وزنها وجمالها الهادئ ، رغم تجاوزها الخمسين من عمرها . و في اليوم التالي ، تأملت وأنا أحملها ، شعرها ، واكتشفت كما كثيرا من الفضة يغزوه . كنت في الاسبوع الاول ، أرجع إلى البيت متضايقا . ولكني صرت بعد ذلك ، أنتظر موعد الرجوع . وبعد اسبوعين من سريان الاتفاق ، وجدت نفسي غير راغب في الخروج من البيت . صرت بعد أن اوصلها الى غرفتها ، أتناول كتابا وأجلس بجانبها أقرأ فيه . إنتبهت بعد دقائق من جلوسي ، أنها تتناول بعض الأدوية من جوارها . سألتها عنها فأجابت : إنه مسكن للصداع . فتابعت القراءة . في اليوم العشرين ، وأنا أحملها كالعادة ، طوَّقَت عنقيَ بذراعيها مبتسمة . لم تضايقني هذه الحركة ، ولم أستعجل مُضيَّ الوقت . وجدتُ نفسي بعد أيام أُخَرٍ ، أعتذر من شلة الأصحاب عن الخروج . معللا ذلك بضرورة البقاء في البيت كلَّ يوم . وكانت المفاجأة قبل ثلاث ايام من انتهاء مهلة الشهر . كان رنين الهاتف ملحا في الصباح . تناولت سماعته لأجيب ، فقد كانت زوجتي في الحديقة الخلفية لدارتنا . سمعت على الطرف الاخر صوتا نسائيا ، يقول بعد التعارف: يا سيدي لِمَ تُماطلُ زوجتُك في الحضور إلى المشفى لاتمام عمليتها . أنا طبيبتها المعالجة ، مضطرة للسفر بعد أربع ايام . ولا بد أن استأصل لها الورم الخبيث من معدتها . إنَّ وضعها بالغ الخطورة يا سيدي ، والعملية بالغة التعقيد ، وعليها الامتثال لحقائق الطب . كنت مذهولا أنصت . وشريط الاتفاق يمضي مسرعا امام بصيرتي . فالايام المتبقية على سفر طبيبتها ، هي الأيام المتبقية من اتفاقنا . والدواء الذي تتناوله لم يكن مسكنا لصداع كما قالت ، بل مخدرا لوجع تتعايش معه . طلبت من الطبيبة الجراحة تأكيد الحجز . واعدا احضارها اليوم الى المشفى . ما أن اقفلت الهاتف ، ركضت اليها في الحديقة ودموعي تسبقني . احتضنت رأسها . إنحنيت على جبينها وقبَّلْتُه . أفاقت مرتبكه من ذهولها ،لا تدري بما جرى وما يجري . أمْسكتُ بكلتي يديها وقبلتهما . فسألتني مستغربة ما بك ؟ قلت عاتبا ودموعي تتسلل بسخاء : لِمَ أخفيت مرضَكِ عنّي ؟ لِمَ اخترت أن نعيش مهلة الشهر معا بهذه الطريقة ، بدل أن تسارعي إلى العلاج ؟ إحتضنتي وقالت وهي تشهق : ما الفائدة من الشفاء ، ومواصلة العيش لوحدي من بعدِك ؟ إتفقت والأولاد على أننا بشوقٍ لنعيش معك ولو لشهر . وبالفعل كان هذا الشهر ، أحسن مكافأة نهاية خدمة لنا . قلت : أسأل رب الفضة في رأسك ، وأسأل رب تعبك بتربية أولادنا لوحدك ، ورب كل حبة مُسكن أخذتيها بصمت دون أن أحس بك ، أن يمُدَّ في عمرك ، علنا معا نعوض شيئا مما فاتنا . خرجنا نسابق الريح إلى المشفى . أتممنا إجراءات الدخول . وعند ظهر اليوم التالي ، سارعت الطبيبة وهي تبتسم ابتسامة الواثق من الفرح ، إلى بشارتنا بنجاح العملية . إختلطت دموع حمد الله بدموع شكر الطبيبة . ولكن النجاح الاكبر ، كان يا شيخنا في حياتنا التي ابتدأت حينها . كنت صامتا ، ورفيقي لعشرات السنين ، في مقارعة العدو الصهيوامريكي ، يروي لي عبر الهاتف من غزة العزة حكايته قائلا : قرأت عشوائيتك رقم 29 ، عن الخذلان الذي لا يصدأ ، أوجعتني كثيرا . فقررت أنا وزوجتي واولادنا ، أن اروي لك حكايتنا . فما رأيك يا شيخنا بما سمعت ؟! قلت والكثير من الدموع يشارك شفتيَّ : يابخت من لا زال لديه فرصة للمراجعة والتراجع . الاردن – 26/4/2020
#سمير_محمد_ايوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خِذلانٌ لا يَصدأ عشوائيات في الحب – العشوائية 29
-
ملامح وأقنعة عشوائيات في الحب العشوائية 28
-
جدلُ الركودِ والتحرك في الحب عشوائيات في الحب – العشوائية 27
-
جدل القلب والعقل عشوائيات في الحب - العشوائية 26 إ
-
يا أمة تضحك منْ جهلها الامم إنه الله ، يا عشاق الحياة
-
الحب الصاخب عشوائيات في الحب – العشوائية 25
-
البشرية بين مَوتٍ وبائيٍّ ، وأنانيةٍ أعقد يا أمة تضحك من ج
...
-
رب ضارة نافعة يا امة تضحك من جهلها الامم
-
تورُّمُ الشَّراكات عشوائيات في الحب – الثالثة والعشرون
-
بعضُ الحب مُؤذٍ عشوائيات في الحب – العشوائية 22
-
سَلَفِيَّةٌ في الحب عشوائيات في الحب - العشوائية 21
-
وكما انت تعال ... عشوائيات في الحب – العشوائية العشرون
-
إبْحَثْ عنِ امرأة عشوائيات في الحب - العشوائية 19
-
حكاية بِرٍّ
-
وحْدَها تَعْرِفُ ... ! عشوائيات في الحب – العشوائية 17
-
إنها صَفعةُ القرن ، يا أمة تضحك من جهلها الأمم
-
نَحْلُ الحب وذُبابه عشوائيات في الحب - العشوائية 17
-
لا عزاء لأغبياء الامة ولا لحمقاها يا امة تضحك من جهلها كل ا
...
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|