|
جينات الشهوة
إياد الغفري
الحوار المتمدن-العدد: 6552 - 2020 / 5 / 2 - 06:47
المحور:
الادب والفن
كتب نديم الوزة نصاً تحت اسم شهوة الآنسة صوفي، وقامت دار تونسية بنشر النص تحت اسم رواية، يتم بيعها بعشرين دينار تونسي، وقال المؤلف في حوار معه أجرته السيدة سماح عادل ونشرته في موقع كتابات عن روايته المذكورة:
"...بينما رواية (شهوة الآنسة صوفي) تقارب حياتي ما بعد الحداثية في إحدى ضواحي اللاذقية، من أفق إنساني ينتصر لحرية الإنسان وحقّه في العيش السعيد والكريم بين رجل وامرأة يقيمان علاقة جادة ربما تفضي إلى الزواج، غير خاضعة للاستبداد الاجتماعي وتقاليده الحمقاء، ولا تتاجر بالإباحية بقدر عيشها بسلام ومجانية بعيداً عن الفظاظة والعنف....."
من يقرأ لهنري ميلر، كولون ويلسون أو ألبرتو مورافيا يمكن له الاطلاع على الشكل الإباحي الذي تناولوه في أعمالهم التي يمكن لنا وصفها بالأدبية، فالإباحية فن يمكن استغلاله لتأدية رسالة، بينما السوقية والفظاظة شيء آخر.
تصريح الشاعر نديم الوزة لمحاورته في موقع كتابات، شجعني لقراءة الرواية الناجمة عن "أفق إنساني ينتصر لحرية الإنسان".
النسخة التي قرأت كانت مما أرسله المؤلف لبعض هواة المطالعة ليستشف رأيهم بنتاجه، وهذا ما اعتبرته دعوة لسماع الرأي الآخر في نص الكاتب، وهي خطوة تحسب له، حيث أن معظم أدباء سوريا يحتقرون النقد ويهربون منه وكأنه بعير أجرب.
النص يقع في 199 صفحة غير مرقمة بصيغة ملف أكروبات، باستثناء الصفحات الفارغة والغلاف، وبوسطي ثمانية عشر سطراً يحتوي كل منها سبع كلمات يكون عدد كلمات الرواية أقل من عشرين ألف كلمة.
افتتح الكاتب روايته بنص استفزازي، نقتبسه وهو من السطر الرابع في الرواية وحتى نهاية السطر السابع:
" أتلمّس قضيبي المنتصب بتلذذ، تتلاحق أجساد جميلات عاريات إلى خيالي. أصغي إلى أصوات العصافير في حديقة البناية، أنتعش بفوضويتها."
الصورة التي يصدم الكاتب القارئ بها ليست شاعرية، بل هي استفزازية، ويمكن أن تعتبر ثورية في استفزازيتها، حيث أن المؤلف لم يدع مجالاً للقارئ ليتفكر في سيرورة النص، فالانتصاب بدأ من السطور الأولى.
يلي النص السطحي لتوصيف حالة الانتصاب المصاحبة للاستيقاظ، سرد يصور تسوق الأديب للحاجات اليومية كالسجائر والأطعمة والمشروبات، سرد ما هو إلا محسنات أدخلها الراوي الشاعر على نصه لملء الفراغات بين تواترات الحدث الأهم المتكرر.
الحدوتة التي يتكلم عنها النص، هي كيفية تعرف نديم الشاعر على معجبة تصغره بالعمر، كيف عرض عليها المساعدة بحمل أكياس بقالتها للمنزل، فوافقت وأدخلته منزلها الذي حولته لمعبد لتقديس قصيدة سبق للشاعر أن كتبها، ويعيد الشاعر طباعة نصها القصير في الصفحة 14 ثم يبدأ الجنس، يبدأ كما اعتدنا أن نقول في دمشق "اشتغل النيك كحرب اليابان".
أقتبس من حوار الأديب في كتابات قوله عن الرواية:
"...ولا تتاجر بالإباحية بقدر عيشها بسلام ومجانية بعيداً عن الفظاظة والعنف..."
للأسف فإن القارئ لا يجد في أول مائة وسبعين صفحة إلا مقاطع جنس، جنس مبتذل وغير مهيج على الإطلاق، فظاظة تتكرر لدرجة أن القارئ يشعر بأنه قد قرأ التعبير السمج أكثر من مرة بينما يضاجع نديم الآنسة صوفي، فيراقص لسانه لسانها، يداعب بظرها، يعصر ثدييها، أو يلحمسها، ويقذف منيه داخل رحمها.
"يستخدم الشاعر كلمة "يلحمسها" للأنثى ولا أعرف ما الذي يقصده بالضبط، ويستخدم مصطلح "محموسة" لشرائح الدجاج، بصراحة قدراتي اللغوية تقف عاجزة عن فهم الشعرية الكامنة هنا"
يكاد القارئ أن يعتقد أن بعض المقاطع هي نسخ ولصق من مضاجعة سابقة في صفحات سابقة، توصيف الجنس وكيفية اصطدام عانة الشاعر، بأرداف الآنسة يتكرر بشكل ممل في صفحات الرواية الهزيلة. ***
الشاعر يمارس الجنس في أول مائة وسبعين صفحة من روايته ويتناول الشأن السوري في الصفحات العشرين الأخيرة، بشرى سارة، لكن الفرحة لا تدوم حيث أن نرجسية الأديب تتخفى وراء تحول النص للشأن العام، فيصبح الشأن السوري والمقتلة السورية، مجرد عرض لرأيه الشخصي بما يحدث، رأي مهم يطلبه منه ناشر صحيفة تدفع للشاعر السكير مقابل نصوصه بدون تسويف، رأي يسطره الكاتب من خلال مقال يجب أن يعلم القارئ أنه سيرسله للناشر وهو لا يعلم إن كان سينشر أم لا، لكنه يدين فيه النظام والمسلحين والمعارضة والثقافة والأدب والفن والشعر والأديان، وسبب التحول للشأن العام هو انشغال الآنسة صوفي بشأن آخر يمنعها من الممارسة في هذا النهار.
اختزال المأساة السورية لتكون خاتمة رواية يضاجع فيها الكاتب صديقته علناً، ويسرد بفظاظة وسوقية متناهيتين كيفية تغوطه، وضراط صديقته، ويصف بالتفصيل كيف مارس معها الجنس عشرات المرات خلال أيام، لهو مصيبة كبيرة؛ لكن المصيبة الأكبر هي أن يكتب أحدهم نص كهذا فتقوم دار نشر بنشر الرواية، والمصيبة تهون لو أن الكاتب لم يسوق لنصه مع محاورته في صفحة كتابات التي أجزم بأنها لم تقرأ النص، لا هي ولا القائمين على الصفحة.
لم يكن الشأن السوري هو ختام الرواية حيث أن نرجسية الكاتب وبعد قرابة عشرة صفحات تدفعه ينهي حديثه عن الشأن العام، فينهي روايته على طريقة مسلسلات الدراما والتشويق المكسيكية مستغلاً الصفحات العشر الأخيرة ليترك القارئ يتفكر بقضية كونية وأسئلة وجودية أعمق:
هل سيتزوج نديم من صوفي أم لا.
المقاطع المتكررة التي يصف بها الكاتب استمناء يقوم به داخل فروج النساء، تعكس شخصية غير مستقرة، وتشوه في فهم الجنس، تكرار وصف الكاتب لعملية تغوطه وإفراغ معدته، تثير الاشمئزاز والقرف كما في الأسطر الخمسة الأخيرة من سابع صفحة:
"أشعر أن أمعائي تتحرك. أسكب ما تبقى من القهوة. أضع الكوب وعلبة الدخان أمامي على السيراميك، أنزل كيلوتي، وأجلس على مقعد المرحاض. تفرقع الغازات، تنزل قطعة طويلة متماسكة، أنظر إليها باستغراب...."
ترد في الرواية عشرات المضاجعات التي يجمعها الابتذال بالإضافة للوصف الساذج، وصف لا إيروتيكي للعملية الجنسية، تفاصيل غير مثيرة عن ملابس الضحية الداخلية.
الآنسة يفترض أن تكون شريكة المضاجعات المتكررة لكنا نحسبها على الله ضحية كأي قارئ للعمل، أحاول البحث عن أي قيمة في الرواية فلا أجد إلا توصيفات متكررة للتبول والاستنجاء، توصيف شكل البراز وشرح عملية التغوط ثم التشطيف بعد قضاء الحاجة، حالات انتصاب متعذر تتمكن الآنسة صوفي من تفاديها بمهارات مكتسبة، عشرات فناجين القهوة، كؤوس الراح، ووجبات المطاعم الجاهزة التي تفصل بين عمليات المضاجعة المتكررة التي هي صلب الرواية ومبتغاها.
***
طبيب صديق لا يعرف الأديب ولا يعنيه الإساءة لمشاعره قال لي ملخصاً عندما سألته عن محتوى الرواية:
باختصار يا سيدي فينا نلخص الرواية بجملة: نكتها، بستها، نكتها، شخيت، تشطفت، نكتها، أكلنا، شربنا، نكتها، نمنا، خريت، شربت قهوة، لحست لها، مصت لي، نكتها، تمشينا، نكتها، شخيت، نكتها، نمنا، فقنا، نكتها، بالحديقة، نكتها، نمنا، تعشينا ونكتها.....
عندما سألت الصديق ثانية إن كان يهزل، قال لي: "لأ، بس رش كروزين دخان بنص الجملة مشان الحلال والحرام"
***
تذكرت بعد انتهائي من قراءة النص حكايات شباب الحارة، بعد ممارستهم للجنس، تبجحهم ووصفهم لكيفية الممارسة، بعضهم كان أشد شاعرية من شاعرنا في توصيف الجماع،
وتذكرت قصة رواها لي مخرج من أبناء السويداء، عن شاب تم طلبه لخدمة العلم، فاتفق مع عشيقته على اللقاء بعد المغيب ليودعها.
لكون الشاب شاعر، فقير، ولكون الحب يقتله، يرتجل قصيدة، ربما تكون أكثر بلاغة من رواية صديقنا، وكما كانت الصفحات الأخيرة من الرواية مخصصة للشأن العام والأسئلة الكونية، فشاعر السويداء لا ينسى الهم والشأن العام في قصيدته، ويفتتح النص بالأسئلة الكونية الوجودية.
يتوجب التأكيد في نهاية هذه المقاربة النقدية المتواضعة على أن قصيدة شاعر السويداء المجهول، لها حظ أكبر لنيل جائزة نوبل للآداب من حظ ما نزه الروائي الشاعر نديم الوزة.
عنوان القصيدة: وأخيراً سقطت الأقنعة. قصيدة لشاعر مجهول من ريف السويداء. طرفة: هي عشيقة الشاعر المجهول. المكان: بايكة عمي بو صالح. الحدث: أثناء الممارسة تبين اهتراء ثوب العشيقة الداخلي، مما يعكس الحالة الاقتصادية للريف السوري مطلع ثمانينات القرن المنصرم. الزمان: أمسية خريفية.
*** القصيدة:
وأخيراً سقطت الأقنعة. وبانت الشلحة المقطعة. يا بنت يا طرفة، ليش طرفك مسقعة؟ وتسلم لي يا وطني.
***
خلاصة:
الأدب الإيروتيكي فن لا يمكن لكل من هب ودب التعدي عليه، الشبق الذكوري الذي ورثناه من مجتمعاتنا، يصعب أن يتحول لأدب إيروتيكي بمجرد سرد مغامراتنا الجنسية ونشرها.
معايير طباعة دور النشر للكتب، مسألة تحتاج للتمحيص، وإلا فإن ملايين الكلمات غير المجدية ستلتهم غابات هذا الكوكب عبثاً.
الأدب لا ينتقل بالوراثة كما تثبت الحالة السورية، فإن كان الخال ناقداً أدبياً وصحفياً مقيماً في باريس، فهذا لا يشفع لابن أخته أن يفتعل الرواية، إن كان الوالد المرحوم مسرحياً، فهذا لا يغفر مآسي محاولات ابنته الأدبية، إن كان الأخ رساماً وشاعراً، فعلى الأخت أن تعلم أنها لا تستطيع تطويع الكلمات، وكذلك الأخ الشقيق، حتى ولو كانت له سلطة على دور نشر وصحف ترأس تحريرها بفضل المنظمات الفلسطينية التي حملت إلى تونس ما حملت بعد أن غادرت بيروت، فإن طبعه لروايتك هو نقطة سوداء يضيفها لتاريخه.
أهم ميزات الأديب قبل التواضع هي الملكة النقدية التي تؤهله لمعرفة إن كان ما ينتجه أدباً أم رجم طير أبابيل، أما أن تقترف أنثى الشعر لأنها زوجة مخرج، أو الرواية لأنها معارضة، فهذا جرم بحق الأدب لا يمكن السكوت عنه.
رحم الله شاعراً عرف قدره فوقف قبله.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا وارحمنا يا ارحم الراحمين.
إياد الغفري - ألمانيا 02 أيار 2020
#إياد_الغفري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القضاء والحساب
-
محاكمات كوبلنز
-
هواية الثورة
-
الشخصنة والثورة
-
الأمل
-
الشعر والأحلام
-
الإلحاد القويم
-
جبل المشتى والمراهقة
-
العصفرة
-
إدلب
-
رامي مخلوف
-
هوموسابيانات
-
فراس السواح ومقصلة الثورة السورية
-
تشابه أسماء
-
السبعة وذمتها
-
كلمات عن رجال تحت الشمس
-
الماريشال
-
قولوا والله
-
دمشق - باريس - دمشق
-
مطولة تشرينية
المزيد.....
-
الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
-
فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف
...
-
تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
-
دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة
...
-
Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق
...
-
الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف
...
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|