|
الفلسطيني تحت ضرس الإعلام العربي
شجاع الصفدي
(Shojaa Alsafadi)
الحوار المتمدن-العدد: 6550 - 2020 / 4 / 29 - 04:45
المحور:
القضية الفلسطينية
على مدار سنوات الثورة الفلسطينية ضد الاحتلال تعرض الفلسطينيون كافة لهجمات إعلامية فظيعة ، طعنوا في وطنيتهم وفي نخوتهم وفي انتمائهم، حتى أصبح الأمر معتادا ، كانت معظم تلك الهجمات ممنهجة وموجهة من الأنظمة العربية ، وتتغير الموجة حسب طبيعة العلاقة بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وهذا النظام أو ذاك . اعتاد الفلسطينيون على المستوى الشعبي ذلك، كانت ظروف إقامتهم في بعض الدول العربية تضطرهم للتأقلم وتحمل الإساءات التي تحدث لهم بسبب التحامل الشعبي الذي تكوّنه الهجمات الإعلامية البغيضة . على المستوى السياسي أو القيادي كان السلوك تجاه ذلك متباينا ، وتختلف الردود بقوتها حسب المصلحة المتعلقة بالأنظمة واستراتيجية المنفعة ، كان ذلك سببه عدم وجود قاعدة ارتكاز ثابتة في أي دولة عربية ، وأي موقف يتخذ من المنظمة سيكون له انعكاس سلبي جدا على كافة الفلسطينيين في الشتات ، وهذا ما حدث بعد موقف منظمة التحرير من غزو الكويت ، وربما أدى للذهاب إلى أوسلو نتيجة انغلاق كثير من الأبواب في وجه الزعيم عرفات في تلك الفترة . بعد تأسيس السلطة الفلسطينية اختلفت المواقف ، كانت السلطة تعتمد بالكامل تقريبا على المساعدات العربية والدول المانحة ، مما فتح المجال لكل جهاز مخابرات عربي أو غربي أن يكون له رجالاته داخل هيكلية السلطة بشكل أو بآخر ، وذلك جعل عرفات مهادنا إلى حد كبير مع الأنظمة العربية ويوصل الرسائل لتلك الأنظمة من خلال رجالاتهم الذين لم يكونوا بعيدين عن عين الزعيم أبدا . خلال تلك السنوات توقفت أسطوانة بيع الفلسطينيين لأراضيهم ، والأسطوانات الأخرى الرديئة التي تسيء لكل فلسطيني ، وبات التعامل مع الفلسطينيين مقبولا نوعا ما أيضا ، واختفت الهجمات الإعلامية الموجهة التي كانت تنطلق من وقت لآخر وتؤلّب الشعوب ضد الفلسطينيين . في عهد الرئيس محمود عباس انتُهجت سياسة حيادية تماما تجاه المواقف العربية ، حتى وصف البعض ذلك بالحياد المبالغ فيه بسبب المواقف المهادنة تماما لدول عربية تدخلت بشكل مباشر في دعم الانقسام وكان لها دور بارز في ترسيخ ذلك الانقسام ، لكن موقف السلطة الرسمي لم يتغير ولم يسمح بمهاجمة تلك الأنظمة بشكل رسمي على الإطلاق . لكن في السنوات الأخيرة وخاصة ما بعد مرحلة ما يسمى بالربيع العربي والثورات المفاجئة ، عادت الحملات الإعلامية لتصدر المشهد بشراسة ، وخلقت أجواء غير مسبوقة من الحقد والضغينة ضد الفلسطينيين ، استغلت بعض تصرفات التنظيمات الفلسطينية لتكون سببا في حرب إعلامية ضروس ضد كل ما هو فلسطيني ، تعرض الفلسطينيون للأذى والإهانة في كل دولة عربية زاروها أو مروا خلال حدودها أو أقاموا فيها ، كل ما له صلة بالفلسطيني أصبح مستهدفا و عدوا لدودا بعد أن كان أخا عروبيا يتعاطف الجميع مع قضيته . كان الموقف الرسمي الفلسطيني سلبيا تجاه ذلك للأسف طوال الوقت ، ولم تقم الجهات المختصة بحملات مضادة تدحض وتفند الروايات ضد الفلسطينيين ، بل هناك من ساهم في تأجيج الأحقاد بجهل أو بتعمد لمآرب مختلفة . هذه الحملات ضد الفلسطينيين لم تقتصر على الموقف الإعلامي الموجّه ، فقد ألقت بظلالها على شرائح كثيرة من المثقفين والكتاب والمنتفعين ، وفي عصر السوشيال ميديا بات انتشار أي موقف أو مقطع مصوّر لأي شخص يهاجم الفلسطينيين وينعتهم بأقبح الاوصاف ، ينتشر انتشار النار في الهشيم، وتبدأ معارك التعليقات بين فلسطينيين ومواطنين من دول عربية ، هذا يسب ويشتم ، وهذا يخوّن ويلعن ، وفي وسط هذه النيران ، لم يغب الاحتلال عن المشهد ، فلا يمكن تفويت أي فرصة لتأجيج الفتن وبث الكراهية ، لذلك تعمل فرق صهيونية مختصة على كل الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي وتقوم بنشر تعليقات بشعة ومستفزة تزيد من حمى الخلافات والتي بات تداركها يحتاج إلى وعي مجتمعي كبير ، ونهج رسمي مختلف عن موقف المتفرج . كما أن التغيرات التي حدثت في الأنظمة العربية جعلت مسيرة التطبيع تمضي بسرعة الضوء ، ولم يعد ذلك يخفى على أحد ، حيث أن توجهات تطبيعية على الصعيد الفني والثقافي والسياسي أيضا باتت واضحة تماما ، وبعد أن كان أي نشاط تطبيعي يحدث على استحياء ، بات كل شيء على المكشوف ، وأصبحت هناك أعمال فنية وصروح إعلامية عملاقة تحث على التخلي عن أي شيء يتعلق بقضية فلسطين ، واتباع المصالح مع كيان الاحتلال الغاصب ، وتشريع ذلك تماما وعدم اعتباره سلوكا مشينا أو مدانا سواء قانونيا أو أخلاقيا . ورغم كل العتب على الذي يمكن أن يحمله الشعب الفلسطيني تجاه الأشقاء ، إلا أن عدم تحمل المسؤولية عن وصول الأمور لهذه الهاوية خطأ كبير ، فالفلسطينيون أيضا يتحملون جزءا كبيرا من مسؤولية تدهور العلاقات مع بعض الشعوب العربية ، نتيجة عدم وجود استراتيجية إعلامية موحدة ، كما أن الأحزاب لعبت دورا سلبيا ، فليس دورها وليس مطلوبا منها اتخاذ مواقف وإطلاق تصريحات معادية لأي بلد عربي بأي شكل من الأشكال . باعتقادي أن الفلسطينيين انتهجوا نهجا خاطئا في ردود الأفعال الحادة تجاه بعض المطبّعين وبعض السوشيالجية الباحثين عن الشهرة على حساب قضية استفزازية ، والخطأ يكمن في أن الفرد لا يجب أن يكون سببا في محاربة شعب ، والموقف من النظام لا يجب أن يصبح مادة دسمة لتحقير الشعب بأكمله ، وعلى سبيل المثال ، حين يخرج ناشط سعودي ويهاجم الفلسطينيين ، تجد أن الرد الفلسطيني يشمل السعودية أرضا وشعبا وقيادة !! ، وهذا ليس صوابا على الإطلاق ، إذا كنت تريد أن تعطي حجما لما يقوله أحد النشطاء المغرضين ، خصص ردك ولا تجعل السيئة تعم شعبه كاملا، فتلعن السعودية وشعبها وتبحث عن أدنى العبارات لوصفهم ، هذه ليست بطولة في شيء ، ولا هكذا تدافع عن شعبك وتنقل صورتك الحقيقية التي يجب أن ترسخها في أذهان الأشقاء ، لن يلومك أحد إن هاجمت المسئ كما تشاء ، لكن خلط الحابل بالنابل هو ما دمر النسيج العربي وأفسد العلاقات مع الأشقاء العرب تماما ، هذا السلوك يعتبره البعض بطولة ، فيما هو الحماقة بعينها ، كما أن هناك نقطة أخرى ، أنت لا تسمح لأحد أن يتدخل في من يكون رئيسك ، فما شأنك كفلسطيني في السعودية أو مصر أو غيرها !! ، إذا هاجم إعلامي مصري أو سعودي أو كويتي شعبك وبلادك ، خصص ردك واجعله مقتصرا بالحجة والبرهان على شخص المسئ ، ولا تربطه بشعبه وبلاده ورئيسه أبدا . ونقطة أخرى يجب ألا نغفل عنها ، أنت رسول بلادك أينما ذهبت ، إذا مارست التسول الكاذب في بلد تزوره لقضاء غرض ما ، فأنت تعطي انطباعا أن شعبك بالكامل كاذب ومتسول مثلك وتسئ لمسيرة شعبك النضالية برمتها ، لذلك فإن محاسبة الذات أولا هي الواجبة ، ومن ثم العمل على ضبط الألسنة الخارجة عن النص ، كما يجب تخصيص فريق عمل إعلامي بارع يمكنه خلق رأي عام عربي داعم للفلسطينيين ، يتبنى موقفهم ويدافع عنهم ، كما يجب مساندة كل إعلامي أو مثقف أو ناشط عربي يدعم القضية الفلسطينية ويعرف موقف الفلسطينيين الوطنيين الحقيقيين ، ويميز بين المزيف المتصنع وبين الوطني المخلص غير المساوم . هناك جانب من الوعي الشعبي العربي تجاه القضية لا يجب فقدانه بسبب سلوكيات متهورة ، والعمل على نشر كل موقف عربي إيجابي وتجاهل المواقف السلبية بدلا من تبنيها والمساعدة على نشرها حتى لو كان الهدف لمهاجمة أصحابها . حين تنشر شيئا إيجابيا فأنت تساند شعبك وبلادك لأن الإيجابية تعم، وإذا نشرت كل مقطع أو تصريح مسيء ، فأنت تروّج مجانا وتعمل لدى خصمك وتخدم أغراضه الدنيئة . وأخيرا ، ليس مطلوبا من أي عربي سوى الموقف المعنوي ،وكل من ينادي بحمل البنادق والقتال في فلسطين من الفصائل يدرك جيدا أنه غير واقعي ، شعب فلسطين يؤمن تماما أنه أحق بها وأحق بالدفاع عنها ، ولا أظن الأجيال السابقة نسيت قضيتها ، ولا الأجيال الحالية ستنسى ولا القادمة ستطمس الهوية الفلسطينية مهما حدث ومهما كانت الظروف المحيطة شائكة وعسيرة .
#شجاع_الصفدي (هاشتاغ)
Shojaa_Alsafadi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلاح الإعلام بين الحنكة وسوء الاستخدام
-
وليد الصدفة
-
خديعة الحرب الكبرى
-
قطاع غزة والانتخابات الإسرائيلية المقبلة
-
دمكَ ماء
-
القضية ما بين نقل السفارة وتحديد عدد اللاجئين
-
الشعوب العربية ولعنة الديمقراطية
-
الخامس من يوليو علامة فارقة في تاريخ اتحاد الكتاب الفلسطينيي
...
-
معادلة القصف بالقصف بين الواقع والمكابرة
-
نادلة الغاب
-
قرار إلغاء الامتحانات النهائية وآثاره السلبية
-
المصالحة الضيّقة حد التمزق
-
شعب من حجارة الشطرنج
-
بطانة الرئيس بين عملقة وتقزيم الخصوم
-
غزة التي تؤرق العالم!
-
قُلْ يا وردُ ما تشاء
-
عملاء ولكن،،،
-
دعوةٌ للخاتمة
-
غزة ولعنة الاتهامات
-
عشرٌ في النار
المزيد.....
-
المدافن الجماعية في سوريا ودور -حفار القبور-.. آخر التطورات
...
-
أكبر خطر يهدد سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول الفصائل للحكم.
...
-
كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يرفض حضور التحقيق في قضية -الأحك
...
-
الدفاع المدني بغزة: مقتل شخص وإصابة 5 بقصف إسرائيلي على منطق
...
-
فلسطينيون يقاضون بلينكن والخارجية الأمريكية لدعمهم الجيش الإ
...
-
نصائح طبية لعلاج فطريات الأظافر بطرق منزلية بسيطة
-
عاش قبل عصر الديناصورات.. العثور على حفرية لأقدم كائن ثديي ع
...
-
كيف تميز بين الأسباب المختلفة لالتهاب الحلق؟
-
آبل تطور حواسب وهواتف قابلة للطي
-
العلماء الروس يطورون نظاما لمراقبة النفايات الفضائية الدقيقة
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|