أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمه الهمامي - الحُبُّ فِي زَمَنِ “الكُورُونَة” (إِلَى رَاضِيَة…)















المزيد.....



الحُبُّ فِي زَمَنِ “الكُورُونَة” (إِلَى رَاضِيَة…)


حمه الهمامي
الناطق الرسمي باسم حزب العمال التونسي


الحوار المتمدن-العدد: 6548 - 2020 / 4 / 27 - 09:03
المحور: الادب والفن
    


“إنْ كانَ لَا شَيْءَ سيُنْقِذُنَا مِنَ المَوْتِ،
فَلْيُنقذْنا الحُبُّ منَ الحَيَاةِ عَلَى الأَقلّ”
بابلو نَيْرُودَا

آهٍ يَا حَبِيبَتِي…
يا رَفِيقَةَ الدّرْبِ والعُمْرِ…
العَالَمُ يَغْلِي… يَرتجِفُ… يبحثُ عن ملاذْ…
لا حديثَ إلاَّ عَنْ “صاحِبةِ التّاجْ”،
المِجْهرِيّةِ الرّهيبَة…
لا شيْءَ فِي نَشراتِ الأخبارِ، ولا في خُطبِ “كبارِ العالَمْ”
غيْرَ إحصاءِ الموْتى والمصابينْ…
يا وجَعِي عَلَيْكِ يَا عَزِيزَتِي..
وأنتِ فَوْقَ الأَرِيكَةِ صَامِتةٌ…صَامِتَة…
تُشاهِدين التّلفازَ… تُداهِمُ عينيْكِ العسَليّتينِ …دَمْعةٌ
كلّما سَمِعْتِ صَرَخاتِ الفُقراءِ… والمُحْتاجينَ…والمَرْضَى
تُرِيدينَ أنْ تتكَلّمِي…
أنْ تتحرّكِي…
تخونُكِ الكلِمَة…
تعْوزُكِ الحَركَة…
آهٍ… من هذا الزّمنِ الغدّارْ…

********

راضِية…
منْ لمْ يَسْمَعْ صوْتَ راضِية،
المُجَلجِلَ الهَدَّارْ؟
مَنْ لا يعْرِفُ غَضَبَ راضِية…
وَهْيَ تَسْتَنْكِرُ وتُدِينْ؟
مَنْ لا يَتذَكّرُ “جُوعَ” راضِية
في تلكَ السِّنينْ…
مَنْ لَمْ يَرَ راضِية…
ذاتَ صَبَاحٍ، من صَبَاحَاتِ جانفي المَجِيد…
قَبْل هرُوبِ الطّاغِيَة،
وحَرَسُ الدّاخِلية مَذْعُورٌ…مذْعورْ…
لا يدري ماذا عساهُ يَفْعَلُ…
في وَجْهِ هذِه اللبُؤةِ الشرِسَة، المتحفّزة، التّي بدَتْ لَهُ
في تلكَ اللّحْظَةِ عِمْلاقًا…
بِضَخَامَةِ جبَلِ بوقرنين…
وَهْوَ يَحْرُسُ تُونسَ مِنْ عَلْيَائِه…

*********
آهٍ…يا حَبِيبَتِي…
يا صَفْحَةً مِنْ تاريخٍ مُثْخَنٍ بالجِراحْ…
ومُثْقَلٍ بالأَوْجَاعِ وَالصِّراعاتِ والتّضْحِياتْ…
ومُفْعمٍ باِلأَمَلِ…
ومُكَلّلٍ بالاِنْتِصاراتْ…
لا تجْزَعِي…
تَكَلّمْتِ… حينَ كانَ الكلامُ عِنْوانا لِلْحَيَاةِ،
والصَّمْتُ عِنْوانًا لِلْموْتْ…
أجْهَرْتِ بالغَضَبِ،
حينَ كانَ “الفرحُ الدّائمُ” “واجبا من الواجبات” في
“جُمْهُورِيّةِ العَهْدِ الجَدِيدْ”…
صُلْتِ وجُلْتِ حين كان الخَوْفُ عقِيدةً…
كنتِ وَحْدكِ تُزَلْزِلِينَ أرْكانَ الطُّغْيَانِ…
آهِ يا حبيبتي…
أرَاكِ اليَوْمَ صامتةً… صامتةً…
يَنْهَشُكِ القَهْرُ…
أصواتُ الفُقراءِ المُحْتجِّينَ تخْترِقُ سماءَ الأحْيَاءِ الشّعبيّة…
من “حيّ التّضَامُن”… إلى “دُوَّارِ هِيشِر”… إلى “الكَبّارِيّة”…
لا أكلَ ولاَ دَواءَ ولا شُغْلَ…
وامرأةٌ في الجَمْعِ تَصْرُخُ ردًّا على مسؤول يُحَذِّرُ مِنَ “الوباءِ القَاتلْ”
“الجوعُ يَقْتُلُ أيْضًا…”
شبابُ “مَكْثَرَ” يَحْتَرِقُ أَمامَ المُعْتَمَدِيّة…(1)
وطَوَابِيرُ المُحْتاجِينَ أمَام مراكزِ البَرِيدِ…
يَنتظِرُونَ “مُسَاعداتِ الحُكُومَة”…(2)
خِصَامٌ وصُراخٌ واحْتِجاجٌ واحْتكَاكٌ وفَوْضَى …
لا أحَدَ يَأْبَهُ بـ”الكورونة”…الّتِي قدْ تَأْتِي أو لاَ تَأْتِي
ولكنَّ الجُوعَ القَاتِلَ قَدْ مرَّ مِنْ هُنا واستَوْطَنَ…
تُشاهدِينَ كلَّ شيْءٍ… وتُدْرِكِين كُلّ شيْء…
وأنتِ جالسةٌ فوْقَ الأَرِيكةِ… لا تُجِيبينَ
تُداهِمُ عَيْنيْكِ العَسَليَّتَيْنِ… دَمْعةٌ…
قَلْبُكِ لا يَحْتَمِلُ صَرَخَاتِ الفُقَراءِ وأَنْتِ لاَ تَقْدِرِينَ
على أنْ تَكُونِي، كمَا كنْتِ، صوْتَهُمْ…
صَرْخَتَهُمْ…
ثوْرَتَهُمْ…

********

آهٍ مِنَ المرضِ الغدَّارِ يا حَبيبَتي …
“اِحْرِمِينِي الخُبْزَ إنْ شِئْتِ…
اِحْرِمِينِي الهَوَاءَ…
لكِنْ لا تَحْرِمِينِي ضَحْكَتَكِ…” (3)
أُدَغْدِغُكِ كالطّفْلَة….
تُدَغْدِغُكِ صغيرَتُنَا “سارّة”…
فَتَمْلَئِينَ البَيْتَ قَهْقَهَةً…
تَعُودينَ كَمَا كُنْتِ…
عَيْناكِ…
“عيناكِ (اللّتانِ) مِنْ شِدّةِ عُمْقِهِمَا…
أَضَعْتُ فِيهِمَا ذَاكِرَتِي” (4)
تَشِيَانِ بالفرَحِ …
ولكنْ سرْعَانَ ما يمتزجُ الفرحُ بالحُزْن…
وبالقَلَقِ عنْ مصيرِ الإنْسَانِ…
في بَلدي…
عظيمةٌ أنْتِ…
“لا أحْتاجُ سَفَرًا كَيْ أَرَى الأشْياءْ…
فِيكِ أَنْتِ أَرَى الحَياةَ كُلَّهَا…” (5)
آهٍ يَا حَبيبَتِي… وَيَا سَنَدِي…فِي زَمَنِ الضِّيقْ
وَكَمْ عِشْتُ فِي الضِّيقِ…
بلْ هلْ عِشتُ فِي غَيْرِ الضِّيقْ؟
لا تَخَافِي…
فأنْتِ الخَوْفُ للخْوْفِ
لا تحْزَنِي…
فأنْت الفرحُ الجَارِفُ لِلْحُزْنِ…
لا تيْأَسِي…
فأنْتِ اليَأْسُ لِلْيَأْسِ…
لا تَجْزَعِي…
فأنْتِ الموتُ القاتلُ للمَوْتِ…
لتَحْيا الحَياةُ
وتُزْهِرُ وردةٌ بيضاءُ
في شُرْفَةِ القَلْبِ…
يمرُّ المرُّ…
ينْبلِجُ الصُّبْحُ… مِنْ ظُلْمةِ اللّيْلِ… مِنْ خُيُوطِ الفَجْرِ
عَبْرَ أَشِعّةِ الشَّمْسِ التّي تنْسَرِبُ كُلَّ يوْم،
من شُقُوقِ سِتَارِ اللَّوْحِ القَديمِ،
إلى غُرْفة نَوْمِنا في الطّابقِ الثّاني…
يمُرّ المرُّ
ويَأْتي الحُلْوُ…

*******
آهٍ يا حبيبتي…
لا تَخافي، لا تحْزني، لا تيْأَسي،
لا تجْزَعي…
وغنّي… وارْقُصي…
ما تزالين صَغيرة…
“في رُوحِكِ لا تُوجدُ شعْرةٌ شائبةٌ واحدة…”(6)
غنّي وارْقُصي…
“على هذهِ الأرْضِ ما يَسْتَحِقُّ الحياةْ”
وَأنْت، سيّدتي،
تسْتَحِقِّينَ الحياةْ
وأنَا…:
“لأنّكِ سيِّدَتِي،
أَسْتحقُّ الحياة”(7)
اضْحَكي واهْنئي…
لسْتِ وحْدَكِ…
إنّني أَسْمَعُ صوْتَكِ،
أَحِسُّ غَضَبَكِ،
أَرَى صَوْلاتِكِ…
في كلِّ ضجيجِ الوَطَنِ…
اضْحَكي واهْنَئِي…
لكِ رفيقاتٌ من نارْ…
لكِ السَّمراءُ والشّقراءُ والسوداءُ والشّهباءُ…
لكِ رفاقٌ من نارْ…
لكِ الجنوبيُّ والشماليُّ والشرقيُّ والغربيُّ…
والوسطيُّ القيروانيُّ، القصْرينيُّ، البوزيديُّ الثائرْ…
همْ صوتُكِ المكبوتُ…
غَضَبُكِ المَكْتُومُ…
حرفُكِ المَحْبُوسُ فِي حَلْقِكِ…
قَبْضَتُكِ التِّي لا تَلينْ…

********

وأنا… الحاضرُ دَوْما إلى جنبِكِ
“زَنْدُكِ”… ظِلُّكِ…
أنا طَوْعُ أمْرِكْ…
لا تخافِي…يا عزيزَتِي…
ما تزالُ لنَا فِي الدُّنْيَا
أشواطٌ وأشواطْ…
“أجملُ الأيّامِ
هيَ تلكَ الّتِي لَمْ نَعِشْها بعْدْ
وأجْملُ القصائِدِ،
هِيَ تِلْكَ الّتِي لمْ أكْتُبْهَا لكِ بعْدْ”(8)
وأَجْمَلُ الأُغْنِيَاتْ
هيَ تلكَ التِي لمْ نُغَنِّهاَ لكِ بَعْدْ
وأَجْمَلُ القُبُلاَتْ
هيَ تلْكَ الّتِي لمْ أرْسُمْهَا علَى شفتَيْكِ بَعْدْ…
وأَعْظَمُ المَعَاركِ
هيَ تِلْكَ التِي لمْ نخُضْهَا بعدْ….

********

آهٍ يا حَبِيبَتِي …
يا لها مِنْ أيّامٍ هذِهِ الأيامْ…
كلّ شيْءٍ لم يَعُدْ كما كانَ…
يَا لِصَاحِبَة التّاجِ من كائنٍ مجْنُونْ
حَلّتْ كابوسًا بِلَا مَوْعِدٍ وبِلا مُقدّماتْ…
اختارَتْ وَحْدَها السَّاعَة…
قرّرت وَحْدَهَا مَوْعِدَ الاِخْتِبَارْ،
حَطّمَتِ المُطْلَقاتْ…
وضَعتِ الإنْسانَ أمامَ حقِيقَتِهِ…
وجدَ الإنْسَانُ نَفْسَهُ عارِيًا… لا شيْءَ يَحْمِيهْ…
أُغْلقتْ مكّةُ والمساجِدْ…
أُغْلِقَ الفاتيكانُ والكنائسْ…
أُغْلقتْ معَابدُ بوذا والهنْدُوسِ والسِّيخِ واليهودْ…
أُغِلقَتْ مزاراتُ النّجَفِ وكرْبلاَء…
أُغْلِقتْ “قْم”… و”الأزهر” و”الزيتونةُ” “وجامعُ القروييّن”…
تركَ “خادمُ الحَرمين” مكّةَ والمدينةَ…
واخْتَفى فِي جزيرة نائِيّة…
اِنْعَزَلَ البَابَا فِي مِحْرابِهِ… لاَ يدْري ما يفعلْ…
ولا يدري إنْ كان لا يزال للدُّعَاءِ مَعْنَى
فِي هذِهِ الأيَّامْ…
حتّى مُفتي البلادِ التونسيّةِ أَعْلنَ في بيانٍ لِلْعُمُومْ
ألّاَ دُخولَ في الإسْلامِ هذِهِ الأيّامْ…
وحْدَهَا “صاحِبَةُ التَّاجْ”…
هِيَ الحاكمُ، الحَكمُ، الحُكْمُ…
تُرْهِبُ، تُرْعِبُ…
تَرَى ولاَ تُرَى…
لا تَطْلبُ الإذنَ ولا تَسْتَحِي…
تُسافِرُ مِنْ قارَّةٍ إلَى قارَّة…
قالتْ لهُمْ:
“طوبَى لِي بعَوْلَمَتِكُمْ…
هكذا أجِدُكُمْ مُجمّعين…
هكذا تُجنّبونني مشقّة البحث عنكم…”
يا لها مِنْ مَلْعُونة…
تَضْربُ أنّى اشْتَهَتْ…
والناّسُ في حيرة يرتَجِفُونْ…
كمّاماتٌ وقُفّازاتٌ ومُطَهِّراتٌ…
ورئاساتٌ وحكوماتٌ وهيئاتٌ علميّةٌ وهيئاتُ أركانٍ
وبوليسٌ وحَرَسٌ وميليشياتٌ،
ومُنظّماتٌ أمميّةٌ… واجتماعاتٌ في القِمَّةِ…
وغلقٌ للحُدودِ… الداخليّة والخارجيّة… وإفراغٌ للمطاراتِ…
وأوامرُ للنّاسِ…أنِ ابْقَوْا في ديارِكُمْ… و”افْرَنْقعوا عنّا”
وابتعدُوا بَعْضُكُمْ عنْ بعْضْ…
وإلاّ حكّمنا فيكم الجيشَ… والبوليسَ والحرسَ والعسسَ
وسلّطْنَا عليكُمُ الغرامات…
لتحترموا العزْلَ العامّ والتام والشّامل والكاملَ و…و…و…
حتّى اللّغةُ تغيّرتْ مُفْرَداتُهَا…
يا لها منْ حَرْبٍ … سريالية.ّ..
أكثر من نصف البشريّةِ محبوسٌ… معْزُولٌ… مَقْهُورْ
خوفا من كائِنٍ لا يُرَى…
يا للسُّخريّة…
جيوشٌ ولا جيوشْ،
بوليسٌ ولا بوليسْ،
حرسٌ ولا حرسْ…
اِعْتَادُوا الضّربَ،
إطْلاقَ النّارِ،
وَضْعَ الأغْلالِ…
واليومَ يُطاردُهم شبحٌ بلا جسمٍ ولا يديْنِ وَلاَ…وَلاَ…
يا لَلْمهْزَلَة…
العَزْلُ تحوّلَ منْ عقابٍ إلى “دواء”…
لا تسْليمَ ولا قُبَلَ ولا ضمَّ حبيبٍ لحَبِيبِهْ…
لا همْسَ عشّاق ولا شدَّ يديْن…
ولا تِجْوالَ في السّاحَاتِ والحَدائِقِ والمتَاحِفْ…
لا حفلاتْ….
ولا أعراسْ…
ولا مآتِمْ…
المدارس والجامعات أغلقتْ
المتَاجرُ… والمقاهيَ والخمّاراتُ أُغْلقتْ
(يَا لِفَرْحَةِ بَاعَةِ الخَمْرِ خِلْسَةً)
وحدها السجونُ لم تُغْلَقْ…
(آهٍ من السجون…التي تَلْتهِمُ…تَلْتَهِمُ…
بلا ملَلِ…)
وقواريرُ المُطهّرات صارتْ أثْمَنَ
منْ عطورِ “إيف سان لوران”
و”أزّارو” و”غُوتْشي”…
لا عُروضَ للموضةِ، لا فساتينَ ولا قُبّعاتٍ ولا أحْذية…
كلٌّ يبْحثُ عن الكمّاماتِ… دولٌ…شركاتٌ
الكمّاماتُ تُقرْصَنُ في البحار… وفي الأجْواءْ…
اخْطف إنّها الكمّاماتْ…هي الذَهَبُ وهي النفْطُ…وهي اللؤلؤ
حتّى الكلابُ اندهشت…
لماذا يتنَازَعُ البشرُ الكمَّاماتْ؟
هل استَكْلَبُوا…؟
هلْ أصابهُمْ داءٌ وأصْبحُوا يتّقونَ عضَّ بعضِهم بعْضَا؟
والحروبُ…آهٍ من الحروبْ…
الحُروبُ والنّزاعاتُ خفّتْ دُونَ مُفاوضَاتْ…

********

يا لَلْملعونة
حتّى “ترامب” الثرثارُ، العرِبيدُ، المُعرْبِدُ، السليطُ، العنيدُ، العُدوانيُّ، الغدّارُ،
المتغطرسُ، الظلاّمُ، الكذّابُ،
الطّاعونُ البشريُّ،
قلَّ كلامُهُ…اِرْتَخَى كَتِفاهُ…انْتَفَشَ ريشُهُ…غارت عَيْناه…
انتابهُ الذّعرُ…
صاح أمام الكاميرات: “إنّها لا تُرى”…
يا لَلسُّخريّة…
الوَحْشُ الذي جهّزَ نفْسَه بالطّائرات والصَّوارِيخِ والقنَابِلِ النَّوَوِيّةِ…
لتدْمِيرِ الأَرْضِ والحَيَاة…
أَسْقط مِنْ حِسَابِه “المِجْهَريَّةَ”… التِي لا تُرى…
ولمَّا ضَرَبَتْ فِي الصِّينْ…
سَخر مِنْهَا…تَحدَّاهَا…سمَّاها “الصِّينِيّة”…
حتّى لا يَخْشَاهَا “الأَمِرِيكاني”…
لأنّ أمريكا “يَحْمِيهَا الرَبّ”،
تُؤْذِي ولا تُؤْذَى،
لكنَّ “المِجْهريَّةَ” سافرت إلى الوحْشِ…
أرعَبَتْهُ… ركّعَتْهُ… عَلّمَتْهُ…
ألّاَ جدوَى من القنابِلِ والمدافِعِ والصّوارِيخِ العابرَة للقارّات،
والغوّاصَاتِ والمخابراتِ…
مع “صاحبة التّاج”…

********

“ألا أيُّها الظّالمُ المُسْتَبدُّ
حبيبُ الظلام، عدوُّ الحياهْ
سَخِرت بأنّات شعْبٍ ضعيفٍ
وكفُّكَ مخْضُوبَةٌ مِنْ دماهْ
حذارِ فتحتَ الرّمادِ اللهيبُ
ومن يَبذُرِ الشّوْكَ يَجْنِ الجِرَاحْ
سَيَجْرِفُكَ السّيلُ سيلُ الدِّماءِ
ويأكُلُكَ العاصِفُ المُشْتَعِلْ”(9)

******

آهٍ يا عزيزتي…
يا ساكنةَ القلْبِ والعقْلِ والجِسْمِ والرُّوحِ
يا رافِعَةَ الكَمّاماتْ…
حينَ كانتِ الكمّاماتُ لا تُرى…
فِي بلدي…
حين كان النّاسُ يتكمّمُون في اللّيلِ
وفي النّهار…
وفي الصّبح والمساء…
حين كان الخَوْفُ وباءً عامًّا…
وأنت، “لَلّاَتِي”، سيِّدتِي، تِرْيَاقُ الخَوْفِ…
والشَّمْعَةُ الّتِي تضِيئُ
في ظلماتِ الوَطنِ…
كنتِ صوْتَ منْ لا صوْتَ لَهُ…
كان صَوْتُكِ يخْتَرِقُ أَسْوارَ قَرْطَاجَ و”الدّاخلية” وسُجونَ البِلَادِ
برمّتِهَا…

********

يا لها من أيّامٍ هذِهِ الأيامُ…
وجد الإنسانُ نفْسَه وحيدا أمامَ مَصِيرِهِ…
لا آلهةٌ ولا ملائكةٌ ولا أنبياءُ للإنقاذْ…
لا أئمّةٌ ولا أولياءٌ ولا فقهاءٌ ولا صالحُونَ ولا قِدّيسُونَ
ولا رهبانٌ ولا أحبارٌ ولا…ولا…
ناهيكَ أنَّ فيروز الهادئةَ، الرّصِينةَ، الحَكِيمَةَ، الصّامِتةُ،
نطقتْ…مُتذَرّعَةً إلى السّماء:
“يا ربُّ لماذا تَقِفُ بَعِيدًا،
لِمَاذا تَخْتَفِي فِي أزْمِنَةِ الضّيقْ…”

*********

وشيوخُ الفِتْنَة …يا لِشيوخِ الفِتْنَةِ…
لا أحدَ مِنهم يَسْمَعُ… أو يجيبْ
لا أحدَ مِنْهم يرغبُ في “جنّات عَدْن”
لا أحدَ مِنْهُمْ يَشْتَهِي حورَ عِينٍ “أبكارا، عُرُبًا، أتْرَابَا”…
“كأنّهُنَّ الياقوتُ والمَرْجانْ”
ولا أنهارا “من خمرٍ لذّةٍ للشّارِبين”
لا أحدَ منهم يتوقُ،
كما يردّدون في دعواتِهم وتذرّعاتِهم،
إلى لُقْيا مُحَمَّدٍ… أو موسى أو عيسى…
كلُّهمْ راغِبُونَ في “الحياة الفانية”…
وفي “وسخ الدنيا”…
كلّهم يَخْتبِئونَ ويَسْأَلُونَ عنْ موْعِدِ إحْضَارِ اللِّقَاحْ…
الآخِرَةُ يا عَزِيزَتي…
تركُوهَا، كما ترَكُوهَا دَوْمَا، لِلْفُقَرَاء…
يُلْهُونهم بها… عن “شقاء الدّنيا”…
وعَنْ “وسخِ الدّنْيا”…

********
وجد الإنسانُ نَفْسَهُ في العَرَاء…
*********

كلُّ الأوهام سقطتْ…
صاح “رَهينُ المَحْبَسَيْنِ” مِنْ مَعَرَّةِ النعمان، بِإِدْلِبَ الشَّهِيدَة،
“أفيقوا، أفِيقُوا يا غُواةُ….”(10)

*********

ظهر طيفُ “غاليليو” من وراء غَيْمَةٍ فِي السّمَاء
كان الرّجُل يطُوفُ قَلِقًا…كأنّه خارِجٌ…
منْ مُحاكمِةٍ أُخْرَى…
وبِتُهْمَةٍ أُخْرَى..
أَخْرَجَ شَيْئًا “ما” مِنْ جِرَابِه…
قرأ بيانا بِاسْمِ العُلَمَاء:
“نُقْسِمُ أنّنا،
ما فكّرْنا يوْمًا في إيذائِكُمْ
ولا فِي تَدْمِيرِ طبيعَتِكُمْ
أَردْنا لَكُمُ العافيةَ والسّعَادَة…
أرَدْنَاكُمْ أَسْيَادًا علَى مَصائِرِكُمْ
أحْرَارًا، لا عَبِيدًا للجَهْلِ والخَوْفِ…
والجوِع والعطشِ واليأْسِ والمَلَلِ…
اِسْأَلُوا مَنْ حَوَّلَ…العلم رُعْبًا وكَابُوسَا…
إشباعا للجشَعِ…
ومَقْتًا للبشَرِ…
فلا لَوْمَ إِلاّ علَى مَنْ يَقْبَلُ “الهانة”
ويُسْلِمُ أَمْرَهُ للوَحْشِ…

******

كَانَتْ صاحِبَةُ التَّاجِ أكثرَ اِنْتِبَاها لـ”غاليليو” من البشر…
تمتمت:
“وأنا أشهدُ…
أنّنِي لا أخْشَى من البشَرِ إلاّ العُلَمَاءَ…
دعْنِي أسْتغِلُّ جَهْلَ الحَمْقَى
وجَشَعَ السُّفَهَاء…
ما أَسْعدَنِي بكَ يا “ترامب”…
ما أَسْعدَنِي بكُمْ يا وُحوشَ العالمْ…”

********

المصانِعُ أُغْلِقَتْ…
والعمالةُ سُرِّحَتْ…
والسِّلَعُ مكدَّسةٌ فِي المَوانِئِ والمَطَاراتِ والمَحَطّاتِ البِرّيّة
والبُورْصَاتُ اضْطَربَتْ…
وَالأَسْواقُ كَسَدَتْ…
ولا حديثَ إلاَّ عنْ حِساباتِ الرِّبْحِ والخسارة…
وعنْ مَوْعِدِ “العَوْدَة”…
صاحِبة التّاجِ المِجهريّة
كشفَت الأَعْوَارَ وَالأَمْرَاضَ…
عرّتْ جرائِمَ الوَحْش…
أنِتِجْ…أَنتجْ…أنْتِجْ…
وبَعْدْ؟
سَوّقْ…سوِّقْ…سَوِّقْ…
وبَعْد؟
اِستَهْلِكْ…اِستهلكْ…اسْتهلِكْ…
وبعْدْ؟
بطونٌ مُنْتفِخَةٌ، وقُلُوبٌ مَريضَةٌ، وُسُكّري…
وبعْدْ؟
اِرْبحْ…اِرْبحْ…اِرْبحْ…
وبعْدْ؟
كلّما كَبُرَتْ ثرْوَةُ القِلّة
كبُرَ بؤسُ الكَثْرَة
الوحْشُ يَكْبُرُ…يَنْتفِخُ…
يتسلَّحُ…يَقْتُلُ…
يبثُّ الفِتْنَة…
كلُّ مَا جِيء بِهِ للتقارب أوِ التّعايشِ…
أقْوامٌ وأدْيَانٌ وأمَمٌ وشُعُوبْ الخ…
استَعْمَله الوحْشُ ابنُ الوحْشِ للتَّفْرِقَة…
ماذا ترَكتُمْ للأرْضِ ولمَنْ سيخْلفُونَكُمْ مِنْ بَعْدْ؟

******

آه…آه…آه
قمْ “إليوت” (11) منْ قَبْرِكَ واُكْتُبْ مِنْ جَدِيدْ:
إنّهَا “الأَرْضُ الخَرَابْ”(12)
دمّرُوا الإنْسَانْ…
لا شيْءَ بقِيَ مِنَ الإنْسَانِ في الإنْسَانْ
الوحْشُ انْزرَعَ في العُقُولِ وفي القُلُوبِ…
الحبُّ حسابٌ في البَنْك
والأُخوّةُ سِلْعَةٌ فِي الرُّفُوفْ
والحُرّيَّةُ… غِطاءٌ للعُبوديَّةِ الجَدِيدة
والحَقِيقَةُ هيَ الكِذْبَةُ الّتِي تَفرِضُهَا عليك…
مَخَابِرُ “صُنْعِ” الآراءْ…
فقرٌ
جُوعٌ
عَطَشٌ
مَرَضٌ
جَهْلٌ
حَرْبٌ

******

وَلاَ شَيْءَ يَنْقُصُ الإِنْسَانَ كَيْ
يَكُونَ إنْسَانَا…
عدا وَعْي الوَحْش المُسْتَبِدّ…المُتَمَدِّدِ فِي الأَرْضْ
وَفِي السّمَاء…

********

قُمْ “إليوت” مِنْ قَبْرِكَ واُكْتبْ مِنْ جَدِيد:
“إِنّهَا الأَرْضُ الخَرَاب”…
أفْقَدُوا الزَّهْرَ أَرِيجَهْ
أفْقَدُوا التفّاحَ طعْمَهْ،
أَفْقَدُوا المَاءَ صَفَاهْ،
أَفْقَدُوا الجوَّ نَقَاهْ،
عتّموهْ …
زُرْقَةُ البَحْرِ سوادا حوَّلُوهَا…
نفقَ الحوتُ…نفق السَّمَكُ…
أمُّنَا الأَرْض…
خَرَّبُوها…أَفْرَغُوا جَوْفَها…
أخَذُوا مِنْه الذَّهبَ والماس والنُّحاس والغاز والنّفْط…
وكُلَّ الخَيْرَاتْ…
دَسُّوا مكانَها أوساخهم… عفّنوا أَحْشَاءَها
أُمُّنا الأرْض…
أَحْرقُوا غاباتها… قطّعوا أشْجارَها…
هجّروا سكّانها…
شاحتِ الأرْضُ…قلَّ المَاء…
انْحَبَستِ الحَرارة…اِنقَرضَتِ الأَنْوَاعْ…
الأرْضُ يكادُ يَنْطبق بعضُهَا على بَعْضْ
والوحشُ ما يزال …يدفعُ العالم نَحْوَ الهَلاكْ…

********

إمّا… وإمّا
إمّا الإنسانُ وإمّا الوحش…
صَرَخَتِ الشَّهِيدَةُ مِنْ أَعْمَاقِ برلين التي اغتيلَتْ فيها:
“إمّا الاشتراكيّةُ وإماّ البربريّة”(13)
قُمْ أيُّها الإنسانُ واقرَأْ باسمك:
ألاّ خلاصَ إلاّ بالخلاصِ
منَ الوحْشِ،
قمْ أيّها الإنسانُ…
واعْمَلْ بنَفْسِكَ ولِنَفْسِكْ،
وارْحَمِ الأرضَ…
ففِي الأرْضِ مَا يَكْفِي الجَمِيعْ…
ومَا يُسْعِدُ الجميعْ
قُمْ…

*******

آهٍ يا حبيبتي…
يا وجَعِي عليكِ وعلى وطنِي…
وطَني المحبوبُ نهشُوهْ…
ذبَحُوهْ…
فقّروهُ…وباعوهُ…
ولم يَبْقَ فِي وطني سوى…
خَيْطٍ من الأمَلِ…
سوى ثَوْرَةٍ…لِلْفُقَراءِ تَنْزعُ الأَلَمَ…
وتُبْعِدُ الأذى…
من الطّرِيقْ…

*******

آهٍ يا حبيبَتِي… التِي تُحِبّينَ فلسطين
وأنَا العَارِفُ أنّهمْ
“لَوْ وضَعُوكِ في الجَنّةِ لصُحْتِ آهِ يا فلسْطين…” (14)
أتذْكُرِين ذاتَ يوم منْ أيّام آذار الجميلْ
حينَ قرَّرَ الدكتاتور دعْوةَ شارون إلى تونس
لحضورِ ندوة عالميّة…
أتذكُرِين حين هاجمتْكِ الوُحُوش…
لأنّكِ اختَرقْتِ الصَّمْتَ وخرجْت…
كان دمك يسيل، يًغطّي وجْهك، يُرَقرقُ في عينيك
وأنت تصْرَخين: “لنْ تطأ قدما شارون أرض تونس”؟ (15)
وكان لكِ مَا أَرَدتِ…
لمْ يأْتِ شارون…ولمْ تُدَنَّس أرضُ تونس بنَعْليه…
فلسطين التي تحبّينَ يا عزيزتي
ماضية…ماضية بلا انْحِناء…
كلّما ضاقت بها الدنيا…
وسّع الضيقَ
طفلٌ أو سجين أو امرأة أو فِدائيٌّ لا يستكين…
يموت الغازي ويمّحِي… ولا تموت فلسطين

*********

يا وجعي عليكِ يا حبيبتي
وأنتِ الحالمَةُ دوما بدجلة والفرات
وبغداد الرشيدِ والمأمونْ،
وجدِّنا المُعْتزلي،
آه عليك يا عراقْ…
“ما مرَّ عامٌ والعراقُ ليْسَ فِيهِ جُوعْ”…(16)
مذْ زاره هولاكو القرن الواحد والعشرين…
ودنّس الأرضَ وسَرِقَ التّاريخَ…
قمْ يا عراقُ…
“أَكَادُ أسْمَعُ العِرَاقَ يذْخرُ الرُّعُودْ
ويَخْزِنُ البُرُوقَ في السُّهولِ والجِبَالْ…
وكلُّ دَمْعَةٍ منَ الجِيَاعِ والعُرَاةْ
وكلُّ قَطْرةٍ تُرَاقُ مِنْ دَمِ العبيدْ
فَهْيَ ابتسامٌ فِي انْتِظَارِ مَبْسَمٍ جديدْ
أو حُلْمةٌ تورَّدَتْ عَلَى فَمِ الوَلِيدْ
فِي عَالَمِ الغَدِ الفَتِيِّ، وَاهِبُ الحَيَاةْ” (17)

*******

يا وجَعِي علَيْكَ أيُّهَا اليَمَنُ السَّعيد
ويَا لِيبِيَا عُمر المُخْتَار
ويَا سوريَّة التاريخ…
عَبَثٌ…عَبَثٌ…عَبَثٌ…
ما يَجْرِي….

*******

“خُلِقْتَ طلِيقًا كطَيْفِ النّسِيمِ
وحُرًّا كنُورِ الضُّحَى فِي سَمَاهْ…
فَمَا لَكَ تَرْضَى بِذُلِّ القُيُودِ
وَتَحْنِي لِمَنْ كَبَّلُوكَ الجِبَاهْ…
ألاَ انْهَضْ وسِرْ فِي سَبِيلِ الحَيَاهْ
فَمَنْ نَامَ لَمْ تَنْتَظِرْهُ الحَيَاهْ…” (18)

******

ابْتسَمتْ راضِية… وهْي تُصْغِي إلى كلمَاتي…
أوْمَأَتْ بصوْتٍ خافِتٍ…
“لُبْنَان…
أحبّكَ يا لبنان…
يا مثيلَ وطَني في العِشْقِ والثورَة…
النار تَتقد عندنا في موسم الشّتاء…
ونارك تستعِرُ فِي الصَّيْفِ…
يا لبنان…
يا مَنْ كرّمْتَ وجْهِي… في زمن القُبْحِ والهَزيمَة…
وفي زمَنِ الطُّغْيَانْ…
يا مَنْ كرَّمت وجْهِي… وجهَ الإنْسَانْ
يا مَنْ رفَعْتَنِي، ذاتَ صَيْفٍ قائظ…مِنْ عَامِ ستّةٍ وألفين،
إلَى عِلّيّين…حتَّى أَصْبَحْتُ،
لا أرَى في الأرضِ
إلّاكَ يا لُبنان…

***********

لم تتوقّفْ راضِية عَنِ الكَلَامِ …
نظرت غربا…همستْ…
يا أحِبّتي في المغرب…
يَا “خديجة”… يا “فاطمة الزهراء”…
ويَا كُلّ رفِيقَاتِي ورِفَاقِي…
لي عندكم جدٌّ…من “الرّيف”…
خَطّ لي “نَهْجًا”…
وعلَّمني أنْ “ليس في قضيّة الحرّيةِ وسَطٌ”(19)
وأَوْصانِي ألاّ أخونَ عَهْدًا
ولا أبيعَ وطنَا…
ولا أنسى “ريفيّا” مظلوما
يَقْبَعُ خَلْفَ القُضْبَانْ…

********

آهٍ…آهٍ…آهٍ
يا عزيزَتِي… يا لها من أيّامٍ
هذه الأيّامُ…
في العالم “جزِيرةٌ صغيرة”…
اِسمهَا “كوبا”…
ستّونَ عاما وهولاكو يحاصِرُها…(20)
ستّون عاما وشعْبها صامدٌ…صامِدْ…
لمّا جاءت “المِجْهَريّة” الرّهيبة
وهاجمَتْ هولاكو في عُقْرِ دارِهِ،
“الجزيرة الصّغيرة”…
عرضت على شعب هولاكو المِسْكينْ
أن تُسَاعِدَهْ…
لأنّ هولاكو لا يوفّرُ لشعبه لا الدّواءَ ولا العلاجَ…
لأنّ الحياةَ في بلاد هولاكو تُحْسَبُ بالدّولار…
ومن لا مالَ لهْ… لا حياةَ لَهْ…
كوبا “الصغيرة”…
أرسلت الأطبّاء إلى “روما”
لأنّ شقيقاتِ “روما” في “الاتّحاد” شعارهنّ:
“لا صديقَ عندَ الضِّيق”

*******

آه…يا حبيبتي
حُبُّكِ المبْثُوثُ فِي جَسَدِي…
حبّكِ المحْلُولُ في كلِّ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِي…
حبّكِ المَنْثُور في أحشائي وفِي كَبِدِي
حبّكِ المنفوثُ في رِئتيّ، الخَارِجُ الدَّاخِلُ معْ أنفاسي
حُبُّكِ العالقُ بيْنَ الجفْنِ والعَيْن…
يَنْغلقُ عليه الجَفْنُ فِي اللّيْلِ…
وتنفتِحُ عليه العيْنُ في الصُّبْحِ…
لا أنا قيس ولا أنْتِ ليلى…
لا أنا جميل ولا أنْتِ بثينة
لا أنا “روميو” ولا أنْتِ جولييت…
أنت وأنا الحبّ المحقّق…في الدّنيا
لا حاجةَ لنا بالجنون ولا بالموت وجْدا ولا بالاِحْتراقْ
لا حاجة لنا بآخرة كَيْ نصعدَ إلى السّماء
نحن الحبُّ المطلقُ، المحقّقُ في الأَرْض…
نحن الحبُّ الزاحفُ من أعْماق التّارِيخ
كبُرْنا مع عذاباتِ العَبِيدْ
وأوجاعِ الأقنانْ
وتغسّلنا بعرَقِ العُمّالِ والكادِحين
وتكحَّلْنا بآلام “أمّ البنين”
وطفولة تشْقَى من برّ إلى برّ
بحثا عنْ خُبز وطحينْ،
وأقمنا الصّلاة حبّا لفيتنام
وعبادةً لفلسطين…
وتعاهَدْنا على ألاّ نخون…
وألّا نستكينْ…
آه يا جدّنا سبارتاكيس (21)
يا محرّر العبيدْ
ويا سيَّدنا “أبا ذرّ”…(22)
يا نصير الفقراء…
ويا غيفارا (23) السّائر على خطى الأوّلين…
ومضيءَ الطريق للّاحقين،
حلُمتم وحلُمنا وما نزال من الحالمين،
وقديما قال شيخنا الحلاّج (24)
“الحُلْمُ جَنِينُ الوَاقِعِ”
ومُقدِّمَةُ النّصْرِ المُبِينْ…
…..
“النّمرُ مِنْ وَرَقٍ…”
…….
“والرّيحُ آتيةٌ
وبيوتهم قشُّ
والكفُّ عالية
وزُجاجُهُمْ هشُّ…” (25)

******

آه يا حبيبتي…
“يا مُسَكِّنِي، وسَكَنِي، وسَكِينَتِي،
وسَاكِنَتِي وسُكُونِي وسُكُوتِي وسِكَّتِي
وسَكْرَتِي وسُكَّرَتِي وسِرِّي
وسَرِيرَتِي وسَرِيرِي وسُرُورِي” (26)
آه يا حبيبتي…
يا زَوْجَتِي
“يا نَحْلَتِي ذاتَ القَلْبِ الذهَبَيّ…
يا نَحْلَتِي ذاتَ العَيْنيْنِ الأَكْثَرَ عُذُوبَةً مِنَ العَسَل” (27)
سَتَعِيشينَ لِي…
سيَعِيشُ لِي قَلْبُكِ
فكُرُكِ
جِسْمُكِ
آهٍ مِنْ جِسْمِكِ…
“جِسْمُكِ الجَمْرُ جفَّفَ جُرْحِي
جسمُكِ الجِسْرُ شَدَّ لِي صَرْحِي…
جسمُك تجْسِيمِي وَتقْسِيمِي
جِسْمُكِ تَقْوِيمِي وَتنْظِيمِي
جِسْمُكِ تَسْمِيمِي وَتَنْوِيمِي
جِسْمُكِ تَطْعِيمِي وَتَنْغِيمِي
فِي البَدْءِ كانَ الجِسْمُ
وكانَ بدْءُ الجِسْمِ بالجِيمِ”.(28)

*******

آهٍ يا حَبِيبَتِي…
ويَا رَفِيقَتِي…
آهٍ…
لَوْ فَتَّشُوا قَلْبِي…
لَوْ شَقُّوا كَبِدِي
لَوْ حَلّلُوا دَمِي…
لَوْ صَفَّوْا أَنْفَاسِي
لَوْ شَرَّحُوا كًلَّ “سَنْتٍ” مِنْ جَسَدِي…
لَوَجَدُوا فِي كُلِّ مَرَّة…
شيْئًا مِنْكِ…
يبعَثُ فِيَّ الحياةَ…
وَلَوْ نزَعُوهُ مِنِّي…
اِنتَهَيْتُ وانْتَهَتْ فِيَّ الحَياةْ…

*******

يا وَجَعِي عليْكِ… وعلى وطنِي
يا وجَعِي علَى الإِنسانْ …
ويا خوْفِي علَيْه…
إن لم ينهضْ…
إنْ لمْ يتحوَّلْ إلى بُركانْ…
ولكنّي كلّي إيمانٌ،
بِكَ أيّهَا الإنسانْ…
_______
“نُقْطةُ المَاءِ المُسْتَمِرَّة،
تَحْفرُ عُمْقَ الصّخْرَة” (29)

********

هَتَفَ هَاتِفٌ مِنَ الشّمَالِ الغَرْبِيّ…
سِليانيُّ الموْلدِ، جنوبيُّ الهوى،
“أرَى النّخلَ يمشِي فِي الشّوارِعْ
بِحدِيدِ المَصَانِعْ
وَحَصِيدِ المَزَارِعْ
ورَغْمِ اللّيالِي
ورَغْمَ الموَاجِعْ
أَرَى النَّخْلَ عَالِي
ولاَ يَتَرَاجَعْ”(30)

********
آه يا حَبِيبَتِي…
ويا دُرّةَ قلْبي…

*******



أُغْنية أخرى لراضية:
“أُريدُ الغِنَاءَ:
أنْ أَكُونَ زَهْرَةً
لِبَلَدِي
أَنْ يَضَعَنِي عَلَى أُذْنٍ
فلاّحٌ مِنْ بَلَدِي…
أَنْ يَسْتَمِعَ إِليَّ
قَمَرُ بَلَدِي
أَنْ يُبَلّلَنِي بَحْرُ بلدي
وَأَنْهَارُ بَلَدِي
أَنْ تقْطِفَنِي طِفْلَةٌ
مِنْ بَلَدِي…
وَأَنْ تَدْفِنَنِي الأَرْضُ
فِي قَلْبِ بَلَدِي
لأنَّنِي كَمَا تَرَوْنَ
وَحِيدَ(ةٌ)
بِدُونِ بَلَدِي
(مَعَ أَنَّنِي لَسْتُ بِدُونِ بَلَدِي) (31)

*******

في الاختتام
جالت في الخاطر قصيدة:
الصّباحُ الجَدِيد
اسْكُني يا جِراحْ
واسْكُتِي يَا شُجُونْ
ماتَ عهْدُ النُّوَاحْ
وزَمَانُ الجُنُونْ
وأَطلَّ الصّبَاحْ
مِنْ وراءِ القُرُونْ
فِي فُؤَادِي الرَّحِيبْ
مَعْبدٌ لِلْجَمَالْ
شَيّدَتْهُ الحَيَاةْ
بالرّؤى والخيالْ” (32)

*********

“إِنَّ ذَا عَصْرُ ظُلْمَةٍ غَيْرَ أنِّي
مِنْ ورَاءِ الظّلاَمِ شِمْتُ صَبَاحَهْ”(33)

تونس مارس- أفريل 2020

حمّه الهمامي

(1) إشارة إلى الأخوين اللذين احترقا أمام معتمدية مكثر (ولاية سليانة بالشمال الغربي) احتجاجا على الفقر في ذروة أزمة الكورونا.
(2) مع إعلان الحجر الصحي العام في البلاد، قررت الحكومة إسناد منح بمائتي دينار للعائلات الفقيرة تصلها عبر حوالات بريدية تستخلص من مراكز البريد وهو ما سبب تجمعات كبيرة أمام هذه المراكز بما هو متناقض مع الاحتياطات الصحية ضد العدوى. وق اعتبر الناس إعلان الحجر دون ضمان المعيشة للمحتاجين شكلا آخر من أشكال الدفع نحو الموت.
(3) مختارات، بابلو نيرودا، شاعر شيلي، (1904-1973)
(4) “عينا إلْسَا”، لويس أراغون، شاعر فرنسي، (1897-1982).
(5) ) مختارات، بابلو نايرودا
(6) “فلاديمير نا ياكوفسكي، شاعر سوفياتي (1893-1930)
(7) ، محمود درويش، (1941-2008) “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”
(8) ناظم حكمت، شاعر تركي، (1901-1963)، “أجمل الأيام”
(9) أبو القاسم الشابي، (1909- 1934)، “إلى طغاة العالم”.
(10) أبو العلاء المعري، (973-1057)، “لا إمام سوى العقل”
(11) ت. س. إليوت، شاعر أمريكي، أنجليزي (1888-1965).
(12) “الأرض الخراب” أو “الأرض اليباب”: أشهر قصائد الشاعر الأمريكي الأنجليزي ت. س. إليوت
(13) روزا لكسمبورغ، القائدة الشيوعية الألمانية. (1871-1919).
(14) مستعارة من ناظم حكمت: “لو وضعوا الشاعر في الجنة، لصاح آه يا وطني”.
(15) يوم 5 مارس 2005، نزلت راضية النصراوي إلى الشارع بمعية عدد قليل من المناضلات والمناضلين للاتجاج على استضافة بن علي لأريال شارون لحضور القمة العالمية للمعلوماتية. وقد هاجمها البوليس ووجه إليها ضربة على جبينها ما تزال آثارها مرسومة إلى اليوم.
(16) بدر شاكر السياب (1926-1964)، أنشودة المطر
(17)نفس المرجع
(18) أبو القاسم الشابي، “خلقت طليقا”، ديوان أغاني الحياة.
(19) من أٌقوال عبد الكريم الخطابي، الثائر المغربي، (1882-1963)
(20) جمهورية كوبا، تخضع لحصار امبريالي أمريكي جائر منذ انتصار ثورتها عام 1959 بقيادة فيدال كاسترو وأرنستو شي غيافرا. ورغم ذلك فهي لم تخضع. ويحسب لها أنها طورت منظومتي تعليم وصحة يعتبران من الأفضل عالميا.
(21) سبارتاكيس (111 ق.م 71 ق.م) قائد ثورة العبيد ضد حكم الرومان
(22) أبو ذر الغفاري، أحد كبار الصحابة، توفي عام 652م.
(23) أرنستو شي غيفارا، الثائر الأرجنتيني المولد، (1928-1968).
(24) منصور الحلاج: (858-922)
(25) “الريح آتية”، محمد الصغير أولاد أحمد، (1955-2016)
(26) منصور الحلاج: (858-922)
(27) ناظم حكمت، من قصيد “وحيدتي”
(28) محمد الحبيب الزناد، “جسمك”، ديوان “المجزوم بلم”، 1970
(29) ابن حزم الأندلسي، (994-1064)
(30) الطاهر الهمامي، (1947-2009)، أرى النخل يمشي
(31) ) رافاييل ألبرتي ميريلو (1902-1999) شاعر وكاتب مسرحي، إسباني.
(32) أبو القاسم الشابي، الصباح الجديد، ديوان أغاني الحياة
(33) أبو القاسم الشابي، تونس الجميلة، ديوان “أغاني الحياة”.



#حمه_الهمامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مفتوحة إلى السّيّد رئيس الجمهوريّة قيس سعيد
- البيان الانتخابي
- لن نتحالف مع النهضة.. والإخوان تنظيم معاد للشعوب
- في ضرورة الثورة الفكرية
- الحقائق “مرعبة”.. والنهضة “كاد المُريب أن يقول خذوني”
- الأزمة السّياسية والانهيار الوشيك: أفكار للإنقاذ
- كفى دجلا على الشعب
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
- المساواة في الميراث الحقّ لا يجزّأ ولا يؤجّل
- قائد السبسي يمهد لتوريث إبنه
- حوار حول مسألة “عمل الجبهات” وتوحيد اليسار
- بعد 100 عام من “سايكس بيكو” و”وعد بلفور”: الشعوب العربية أما ...
- الذكرى الرابعة لاغتيال شكري بلعيد: جريمة دولة
- أزمة الحكم في تونس، هل الحل في مبادرة “حكومة الوحدة الوطنية“
- مداخلة في ندوة لوموند ديبلوماتيك حول اليسار
- بيان
- سنفتقدك... وسينتصر شعبك - في تأبين شهيد الثورة شكري بلعيد
- نرفض أن يكون الشعب مجرّد «حطب» للثورة
- أنا مع المجلس التأسيسي والنظام البرلماني ..والثروات الأساسية ...
- تونس على مفترق طرق


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمه الهمامي - الحُبُّ فِي زَمَنِ “الكُورُونَة” (إِلَى رَاضِيَة…)