|
محمد عمارة من صفوف البناء التحتي للمادة إلى صفوف المدافعين عن التراث التقليدي ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6545 - 2020 / 4 / 24 - 16:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ في العموم ،الموت يظل بارعاً في إختطاف الأضواء ، ليبقى اللاعب الأمهر في زاوية الظلام ، مهما على كعب اللاعبين الآخرين ، وللموت رهبته لا رهبة يضاهيه ، لكن عندما يُصيب قامة تتفق عليها العامة ويختلف حولها القلة ، يضاعف الموت من رهبته ، بل يُصيب تحديداً الوسط الفكري الذي كان ينتمي له محمد عمارة بشكل مباشر ، فالراحل دون أدنى شك كان حالة إشكالية فريدة في زمن وصفى بالتعثر الفكري ، وبالتالي مثل هذه الشخصية تمنح للمراقب أن يتناولها بمهنية وبعيداً عن التقديس ، الذي يحرم عادةً القارئ والكاتب والناقد من تسليط الضوء على الإنجاز العملي والمعرفي أو خلاصة المناظرات الفكرية ، ولعمارة خصوصية ايضاً ، مكنتهُ في الحقيقة من تأسيس علم المناظرات الفكرية والفلسفية ، لأنه كان قد أمضى سنوات طويلة في الفكر الماركسي ودفع بسبب الدفاع عن الماركسية سنوات من عمره في السجن قبل أن ينتقل إلى السلفية ويصبح أحد ركائزها في هذا العصر ، لكن ايضاً ، لم يكن إرتداده عن الماركسية بالأمر العابر أو أن الانتقال مجرد حالة تخبط أو منافع ، بل جذريته الاعتقادية بالماركسية ، تشير عن حالة الانسداد الذي وصل إليها وكانت هي لا سواها وراء انتقاله للمربع الإسلامي ، وهو يعي جيداً بأنه سيواجه تراث فكري هائل من التباينات وحرب دائرة منذ زمن طويل بين المعتزلة والصوفية والحنبلية .
طبعاً ، إنتقاله إلى صفوف السلفية وتصدره لمواجهة العديد من الأفكار المخالفة للفكرة السلفي ، يعتبر بالإرتداد المزدوج ، لأن يساريون الماركسية يعتبرون أنفسهم يمثلون ضمنياً المعتزلة القدماء ، وبالتالي ، تحول بشكل أتوماتيكياً إلى مصدر مكثر في الإنتاج للفكر المضاد وأصبح أكثر المفكرين إنتاجاً وأكثرهم دئباً وتنوعاً ومتفرغاً ، بالرغم من سلسلة عروض قدمها الخط السلفي ليكون أحد أساتذتهم داخل جامعاتهم أو أكاديمياتهم ، إذن رفضه المستمر لوظيفة الأستذة تدلل عن بعده الفكري المتحرر اولاً وايضاً كان رافض لفكرة الوجود في مربع يتساوى مع الآخرين ، الذي يحرمه من التميز .
لقد اُتهمَّ من قِبلّ الخط التجديديين بالانحياز إلى التراث التقليدي وعدم تقديمه إضافة نوعية على هذا التراث الإسلامي وعلى الأخص السلفي ، رغم إعترافهم بأنه قارئ عميق للنظريات الفكرية والفلسفات ولديه القدرة على تفكيك النصوص التى يعتمد عليها المفكرين العرب ، وبالتالي ، هو إتهام لا يقتصر على جهة ، بل هو إتهام متبادل بين التراثين والمقلدين ، بل ذهب عمارة إلى أبعد من ذلك ، عندما جردهم من صفة مفكرين وإعتبرهم مجرد عبء على النشاط الفكري البشري ، ( المكرور ) ، في المقابل إعتبرته الجهة الاخرى ، كواحد من المرممين لجدار ابو حامد الغزالي الذي أراد إيقاف حركة التجديد وخلع العقلانية عن المجتمع وإطفاء أي محاولة تنويرية في إطار فرض السلفية ، لكن هناك حقيقة لا يختلف عليه إثنين ، عندما تصدر ادوارد سعيد للمشروع الاستعماري المتجدد من خلال كتاباته ونشر أفكاره ، لم يجد في الوسط المفكرين الإسلامين من ينتقده ، لأنه حرك مسألة متفق حولها وطنياً وقومياً وإسلامياً ، وهذا يفسر لماذا سارع محمد عمارة بالتخندق في جبهة مواجهة أفكار المستجدين والتى تهدف إلى تفكيك أصول العقيدة التى بدورها حامية الثقافة العربية ، وبالتالي ، هناك خلط مُتعمد بين حرية الفكر من أجل التجديد والتجديد من أجل تمزيق التوحيد ، وهذا ما أشار إليه في تنويهه عن نصر ابوحامد زيد ، صاحب كتاب الإشكالي الشهير ( مفهوم النص ) لقد نفى عنه أي إرتباط غير وطني ، بل وضعه في خانة الوطنيين والمدافعون عن القومية العربية والعروبة وتصديه للمشروع الاستعماري ، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً ، مع إبقاء عليه وصف محاولته نقد العقائد الأساسية للإسلام والثوابت ، بل رفض تكفيره واستعان بمقولة الغزالي ( لا يسارع إلى التكفير إلا الجهلة ) .
لكن ، لا يمكن غسل كُتب نصر ابوحامد التى مست الثوابت وأرادت بناء من خارج العقائد أفكار بهدف تسللها إلى الداخل ، صحيح أنها تلطخت بالذم والتقديح العالي والواسع ، الذي يحاول الصانع غسل يديه مسبقاً من الجريمة ، لكن ايضاً من حق الباحث البحث في الشهادة إياها ، لأن على سبيل المثال ، نابليون بونابرت ، كان قد أسلم وترأس هئية علماء الأزهر أثناء احتلاله لمصر ، وهنا تأتي مهمة الباحث في إظهار التناقض بين الشهادة المعلنة وخلفية الإدعاء والأهداف المرّجوة من الفكر المنشور ، لأن نصر ابو حامد في كتابه مفهموم النص ، أقامه على الفكر الماركسي في النهج ، بنى بناء تحتي / مادي الذي أفرز من الفكر فرزاً فوقياً ، وهنا قدم واقعية القرآن على تنزيله ، أي أنه نفى أسبقيته في اللوح المحفوظ وجعله نتاج وصناعة الواقع المكي والمديني والثقافي ، وبالتالي أعاد القرآن إلى واقعية ثقافة بنيت خلال عشرين عام ، بل أعاد ذلك المفهوم إلى الخلاف الجوهري بين المعتزلة والحنابلة والأشاعرة وبالمناسبة ، اشعرية اليوم لا ينتسبون في الواقع لأبو حسن الأشعري ، لأن ابو الحسن ، بعد تأليفه كتابي الإبانة عن أصول الديانة ومقالات الإسلامية ، تخلى عن الفكر المعتزلة ورجع لأهل السنة والجماعة وبالتالي ، الأولى انتساب اشاعرة اليوم إلى الرازي وابن فورك لأنهما المادتين اللتين يعود لهما الأشاعرة ، إلا أن في واقع الحقيقة لم يكن هناك اختلاف بينهم على وجوده في اللوح المحفوظ ، بل الاختلاف كان على شكل الحفظ ، تماماً كما هو الاختلاف على الاستواء ، فالاستواء معلوم والكيف مجهول ، والدخول والنبش في مثل هذه الأمور ، لن تأتي بشيء جديد ، أي أن التجديد شيء والحرية شيء آخر وإعادة التشكيل شيء مختلف ، إذن ، هناك فرق بين الحرية وتغير العقائد ، فالعقيدة لا تتغير ، على سبيل المثال ، قل هو الله أحد ، التوحيد هنا لا يمكن تغيره في سياق التفسير ولا في سياق مفهوم النص ، لكن عندما يُمرر ابو حامد قولاً بأن القرآن نص تاريخي لا يتضمن معنى مفارقاً جوهرياً ثابتاً ، يصبح التدخل هنا فرض على أي عالم لكي يبين الفارق بين تنزيل القرأن والواقعية التى يدعيها نصر ابو حامد ، وهذا الادعاء في النهاية له أهدافه ، لقد صنف كتاب مفهوم النص ، القرآن ضمن صنفين ، الأول انتقائي ، عندما أشار عن انتقائيته التى تقبل الأجزاء وتعيد توظيفها وتأويلها وبين أجزاء أخرى مرفوضة فتم تصنيفها في خانة الانحراف الناتج عن الضلال ، باختصار ، لقد تبنى الطرح الاستشراقي الذي يدعي بأن القرأن ليس سوى هرطقات من التوراة والإنجيل وبالتالي ، هو مادة تاريخية ناتجة عن الثقافة الواقعية .
على نحو آخر ، مسألة أخرى ليست بعيدةً عن مصيدة لجوهر الوحي والنبوة ، كما هو ثابت قرآنياً ، الوحي والنبوة معجزتين ، وليس كما يقال في أفكار المعتزلة وسلالتهم الممتدة حتى يومنا هذا ، بأنهما ثمرة من ثمرات الثقافة والواقع ، وبالتالي ، ادرجوهما بمعجزة مفارقة للواقع ، أي أنهما مرتبطان بالخيال وهذا باختصار يندرج في باب عالم الجن وعلاقته بالإنسان وقد أشار القران في سورة الجن ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) ، إذ أن ذلك قد اعتمد عند المستشرقين اولاً وبعض كُتاب العرب المتأثرين بهم ثانياً ، بأن التفسير المفهمي والمنطقي للنبوة هو الخيال الذي ينتقل من عالم البشر إلى عالم الملائكة ، فينتقل من خلال فاعلية المخيلة الإنسانية التى ترتفع قوتها عند الأنبياء من سواهم من البشر العاديين ، فمخيلة الأنبياء تأتي في المرتبة الأولى والعارفون يأتون في المرتبة التى يلها وبعدهم الشعراء ، جميعهم قادرون على استخدام فاعلية مخيلتهم في اليقظة والنوم على حدا سواء ، إذن حسب البناء الماركسي الذي اعتمد من البعض ، وذهبوا في تطبيقه في تصورات إسلامية ، فإن النبوة في ظل هذا التصور تكون ظاهرة فوقية مفارقة ، وتجربة خاصة أو حالة من حالات الفاعلية الخلاقة ، وبالتالي خلاصة هذا التصور الذي ينزع صفة تنزيل القرآن على أنه كلام حُفظ في اللوح منذ الأزل وأُنزل في وقت كان محدداً مسبقاً ، يؤكد التصور عن أصل المخيلة الفاعلة التى تعتبر بأن القرأن ظاهرة ، لم تكن مفارقة للواقع أو تُمثل تجاوزاً لقوانينه ، بل كانت جزء من مفاهيم الثقافة ونبعاً لموضعتها وتطوراتها ، وبالتالي اطلقوا أمثال نصر ابوحامد على النبي محمد صل الله عليه وسلم ، بأنه ابن الواقع ، الذي يجرده مسألة الوحي وتنزيل الكتاب ، وبالتالي يتحول أتوماتيكياً دون أن ينطقون بذلك ، بخاتم المتخيلين ، وعندما يقدم الطرف الآخر ، سلسلة حجج قرآنية تنفي كل ذلك ، يقول المتفلس باختصار لم أقصد ما فهمَّ ، بل هناك من اتهم محمد عمارة بأنه متشدد ولا يستوعب طرح الآخرين ، لأنه فقط ، قدم دلائل قطيعة تُثبت بطلان كل هذه الادعاءات والأطروحات أو لمجرد استطاع تفكيكها وكشف أصولها .
ليس من جديد سوى فضيلة التذكير ، بأن الاجتهاد ليس فضيلة إسلامية بقدر أنه فريضة ، لكن ما يجرى منذ المعتزلة ، هو أشبه بمحاولات حثيثة يرغب منها تحويل الدين الإسلامي إلى ايديولوجية وإلى فكر إنساني بعد ما باءت محاولات تحريفه بالفشل . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كانط المتخبط والعرب المتخبطون بكانط ...
-
ابو محمود الصباح من غرفة عملية صيدا يرد على تصريح مردخاي غور
...
-
خلطة الحرية والفلسفة والتحوّل ، تمهد للانتحار ...
-
فقط أبن الحرة من يُدير الأزمات بنجاح ...
-
محاولة ركيكة مثل صاحبها ...
-
البحث عن الهوية ، شعاراً مازال قيد البحث لم يتحقق ...
-
إعادة النظر بالبيداغوجيا التقليدية ..
-
الأفكار العلمية والفلسفية ممكنة في زمن معين ومستحيلة في زمن
...
-
الرأسمالية الليبرالية والرأسمالية بلا ليبرالية ...
-
مازالت أنماط التفكير لأجهزة الاستخبارات العالمية تتشابه بالأ
...
-
من على الرف إلى الحياة الكاملة ...
-
جندرة الحيوان كانت مقدمة لجندرة البشرية ...
-
وزير قلق ووزير مرتاح والفرف بين بكين وواشنطن
-
كورونا بين القرض الحسن والربوي ...
-
عندما تمطر السماء والأرض ترفض الإستجابة ...
-
الغزالي بين من الإختزال والإسهاب ...
-
الغزالي بين الإختزال والإسهاب ...
-
الخطوات الاحترازية عامل أساسي في تقليل الإصابات ...
-
الذكرى التاسعة لانتفاضة الشعب السوري ..
-
لا خطر يعادل خطره ...
المزيد.....
-
الصحة الفلسطينية تكشف موعد إعادة فتح معبر رفح لإجلاء المرضى
...
-
إسبانيا: القبض على -عصابة إجرامية- سرقت 10 ملايين يورو من من
...
-
العثور على الصندوق الأسود لطائرة الخطوط الجوية الأمريكية الم
...
-
ابتكار لفحص الهرمونات بالهاتف المحمول
-
لبنان.. شخص يقتحم موكب تشييع قتيل في -حزب الله- ويصدم عددا م
...
-
المغرب يعلن رفضه دعم إيران للحوثيين
-
رئيسة الوزراء الدنماركية: ما زلنا لا نعرف من أين سنحصل على ا
...
-
مصادر أوروبية: سيسمح لـ50 جريحا فلسطينيا بمغادرة غزة في السا
...
-
التساقط الكثيف للشعر قد يكون مؤشرا لأمراض مزمنة
-
أردوغان: تركيا متمسّكة بالقضاء على جميع التنظيمات الإرهابية
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|