أزمة الكورونا مواجهة المجهول

سهيل العرفاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6543 - 2020 / 4 / 22 - 17:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

أزمة الكورونا
مواجهة المجهول


الأزمة الصحيَة التَي يعيشها العالم بأكمله و اللتي تسبَبت في شل َ كامل للنَشاطات و خاصَة النَقل و التنقَل ، لهذه الأزمة أبعاد عديدة ، سياسيَة و إقتصاديَة و إجتماعيَة .

قرَرت العديد من البلدان اللَجوء إلى الحجر الصحَي و إذا كان هذا هو الحلَ الوحيد الممكن . تتزايد إجراءات الحجر في المدن الأكثر تأثراً بالفيروس التَاجي و حظر التجوَل و عزلها و إذا كان الحجر الصَحي العام أو الذَاتي هو الخيار الوحيد الممكن ، فإنَ تنفيذه هو "إشكالي" إلى حدَ ما. الأزمة الصحيَة ، تظهر من خلال تفاقم عدم المساواة الاجتماعيَة وعدم الثقة في السَياسة و تؤدَي إلى زعزعة استقرار الدول الهشَة . حتىَ الآن لا وجود للقاح والطريقة الوحيدة لتخفيف ذروة المرض هو الإلتزام بالحجر الصَحي ، وبالتَالي تجنَب تدفَق المرضى إلى أنظمة الرَعاية الصحية الهشَة بالفعل. سننتقل الكورونا من قضيَة صحيَة إلى مشكلة الحفاظ على النَظام. وفي النَهاية ، سينتهي بنا الأمر إلى مشكلة سياسية ، لأنَها ستؤدي إلى تفاقم كلَ الإحباطات الموجودة في النَظام الاجتماعي. في المخيال الجماعي ، يُنظر إلى فيروس الكورونا على أنه وباء يجلبه الأشخاص الذين يستقلون الطائرة ، و من قبل الأغنياء . وبالتالي يُنظر إلى طلب الاحتواء أو الحجر من الدولة على أنه قرار تعسَفي ، يُتخذ بسبب الأغنياء وعلى حساب الفقراء و بالتَالي هناك تصوَر طبقي للاحتواء أو الحجر، والذي سيغذي الكراهيَة المعاديَة للسياسة. هذا موجود بالفعل في النَظام الاجتماعي وسيؤدي إلى أعمال شغب و تمرَد.

الصورة تبدو قاتمة بعض الشيء لكن لن تصبح الدول الضَعيفة قويَة بين عشيَة وضحاها حتَى و إن تمكَنت من السيطرة على المرض. هنا ، الدولة موجودة فقط كمؤسَسة للمحافظة على المواطنين ، لكنها تكشف دائما عن نقاط ضعفها ، و هذا لن يتغيَر مع Covid-19 .
تتحوَل الأزمة الصحيَة إلى أزمة اجتماعيَة لا سيما أنها تتطوَر في بيئات تتميَز بالفعل بعدم المساواة القويَة. في المدن ، إذا كنت من الطبقة الوسطى ، إذا كان لديك منزل أو حديقة ، فلن تواجه الحجر بنفس الطريقة كما لو كنت تعيش في أحياء من الطبقة العاملة في أحياء مكتظَة بالسكَان أو في الأحياء الفقيرة.
ربَما ستكون الكورونا فرصة للقيام بعمليَة الاسترداد الابستمولوجي في المجال العلمي. الكورونا و التحليل العلمي يلتقيان في العلوم الانسانية و المسار الإبستمولوجي أو القراءة النقدية للعلم ، حيث تنظر الابستمولوجيا إلى العلم على أنه أزمة أخطاء تستلزم المراجعات و تستلزم الإصلاح و الترميم .على مستوى ثقافي ، ستتغير ثقافة النظافة ، و بالتالي سيستهلك الأفراد منتوجات النظافة أكثر فأكثر ، كما سيقع الإستثمار في المواد الطبية والشبه طبية. على مستوى ثقافي جيوسياسي ستنتشر السياسات القومية و العودة إلى الوطنية و ترك التحالفات و الإتحادات أو مراجعتها. على مستوى إجتماعي سيصبح العمل عن بعد قيمة و شرط أساسي للعمل ، وربما ستغلق المنظمات و المكتبات و توفَر خدماتها عن بعد . سينتهي الأمر بخروج إيطاليا من الإتحاد الأوروبي ، سيواجه الإتحاد الأوروبي أزمة إقتصادية و سيسعى إلى إسترجاع ما خسره في أزمة الكرونا و ربما لن يقدر على المواجهة و سيطلب المساعدات من أمريكيا . مع سقوط الإتحاد الاوروبي نتيجة مقاومة هذا الفيروس ، ستتأثر البلدان التي كانت مستعمرات في إفريقيا و البلدان الفرنكوفونية وهنا يعاد توزيع العالم. أزمة العرض و الطلب، يولَد صدمة العرض ، وهو ما يمكنَنا من إنتاج أقل من ذي قبل. الصين مصنع للعالم ، وحقيقة وجود جزء كبير من السكَان الصينيين ملتزمين بالحجر الصَحي ، ومنه ، نلاحظ استحالة التصدير ... تعتمد أوروبا على الصَين ، حيث يتمَ تصنيع العديد من العناصر والمكوَنات التقنيَة في الصين وهذا ما يؤدَي إلى تداعيَات على إنتاج الشَركات ، ممَا يخلق شعورًا بعدم اليقين لدى المستهلك ، وبالتالي فإنَ الاستهلاك يسبَب الانخفاض في العرض.
وبعيدًا عن المسائل الاقتصادية ، هناك أيضًا مسألة القدرة على الاستمرار لعدَة أسابيع بعيدا عن ظروف الاختلاط المتفاقم . سيؤدَي هذا إلى الكثير من التوتَرات داخل الأسرة ، والكثير من النَزاعات في الجوار أيضًا. وقبل كل شيء ، المزيد من التوتَر مع الشرطة.

بعد الأزمة الصحية والاحتواء التام ، سيأتي الوقت لإحياء من شأنه تسريع التغييرات الاقتصادية والمجتمعية التي بدأت ، والتي تمَ الكشف عنها أيضًا من خلال أزمة فيروس كورونا.
إن الأزمة دائما ما تكون مسرَعة للتغيير و لن تكون أزمة الفيروس إستثناءً. لقد عرفنا جميعاً لفترة طويلة أن العولمة المفرطة للتجارة تهاجم الأسس الاجتماعيَة لمجتمعاتنا وتسهم في التنمية غير المستدامة لاقتصادنا. يمكن لأزمة الفيروس تسريع هذا الاتجاه نحو عولمة أقل وتشجيع التنمية المستدامة لإقتصادانا . يمكن أن تصبح سلسلة الإنتاج إقليميَة مرَة أخرى مع الحاجة إلى صناعة قريبة من مكان الاستهلاك. لفترة طويلة
و لسوء الحظَ يتغذى القلق و عدم اليقين و يمتلأ عقل الإنسان بسيناريوهات مجهولة و الحالات المرعبة التي تبقينا في حالة من التوتَر المستمر. القلق هو ردَ فعل نفسي مفرط يمكن أن يجعل التهديدات الأكثر غموضًا وغير المحتملة والتي يمكن إدارتها تبدو مؤكَدة بشكل لا يصدَق أو لا يمكن إدارتها على الإطلاق.القلق يجعلنا نشعر بالعجز والضعف والغموض، كلَ ذلك يزيد من شعورنا بالضعف ويجعلنا أقلَ احتمالًا لإتَخاذ إجراء. و هنا يكمن مفتاح إدارة قلقنا في إتَخاذ إجراءات. ومع ذلك ، نحن نعيش في ظروف غير مسبوقة وصعبة للغاية. كلَنا سنمَر بلحظات من القلق والذعر والغضب . في الأشهر القادمة ، سنرى سكَان العالم لا يغادرون منازلهم دون سبب عاجل و هذا ما ستجعل الحياة الحضريَة تجربة جديدة: سيحافظ الناس على إتَصالات اجتماعيَة مكثَفة ولكن دون لقاء جسدي ، في المدن الكبيرة ، سيتَم تجهيز جميع المباني بشبكات أنترنيت واسعة النَطاق. وبالتَالي سوف يصبح العمل عن بعد ظاهرة واسعة الانتشار . إذا تمَ التحقق من هذا السيناريو ، فإنَ الفيروس التاجي سيكون صانع الموت في عالم الصناعي بالأساس كما أنَ التجمَعات الجماهيريَة بقايا من الماضي.

#سهيل_العرفاوي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات