أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - فقدانات ولَقايا















المزيد.....

فقدانات ولَقايا


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 6543 - 2020 / 4 / 21 - 21:51
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



Losses and Findings
في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي رواها كمال بن يوسف بن حبيب صدقة الصباحي (تميم بن يوسف بن حوڤف تسدكه هصفري) [١٩٢٦ ٢٠١٧، من مُسنّي الطائفة الحولونية، ناسخ أسفار توراوات، صلوات وشريعة بخط ّيده الجميل، شيخ صلاة] بالعربية على مسامع الأمين (بنياميم ١٩٤٤- )، الذي بدوره نقلها إلى العبرية، نقّحها، اعتنى بأسلوبها ونشرها في الدورية السامرية أ. ب.- أخبار السامرة، عدد ١٢٤٨١٢٤٩، ١ أيلول ٢٠١٧، ص. ٥٨٦٠. هذه الدورية التي تصدُر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية والبرتغالية) بالخطّ اللاتيني.

بدأت هذه الدورية السامرية في الصُّدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري من المائة والستّين بيتًا في نابلس وحولون، قُرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّةً تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن، الشقيقَين، الأمين وحُسني (بِنْياميم ويفت)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

”إخوة في الجسد والنفس

إذا ظنّ شخص ما أنّنا كنّا نلعَق العسل في شبابنا فهو خاطىء ومضلّل. عندما انتقلنا للسكن من نابلس إلى يافا، لم يكن بحوزتنا نقود للخبز حتّى. قرّرنا، أخي جلال (كڤود) وأنا الجدّ في العمل للحصول على قُوتنا بكرامة. وقد ساعدَنا، عند قدومنا، العمّ حسني بن إبراهيم بن فرج صدقة الصباحي (يفت بن أبراهام بن مرحيب تسدكه هصفري) المعروف بالكنية ”سيدو“، إلّا أنّه لم يطرأ على بالنا التسوّل.

علِمنا أنّه لا بدّ من القيام بعمل شاق مُضن. ومهما كان الوضع صعبًا آنذاك فإنّه بمثابة لا شيء مقارنة بما كان بعد ذلك. قرارنا كان الوقوف على أرجُلنا؛ لم نتبغدد في اختيار العمل فالمهمّ كان العيش ومتابعة المسيرة بدون الحاجة لنِعم أحد. إنّنا لم نتقزّز من أيّ شغل أو حرفة، كنّا دائمًا مستعدَّين للعمل.

ليس عن هذه الأمور، وددتُ أن أقصّ عليكم، بل عن حادثة أوصلتني إلى اليأس. اشتغلنا، أخي وأنا معًا دائمًا طَوال الحياة إلى الآن، ساعد الواحدُ الآخر. وأخي نشيط جدّا، أَتضرّع لله أن يمنحه الشفاء التامّ. كلمة أخي الأكبر منّي، كانت دومًا واحدة، كلمته كلمة. وعندما كان يشعُر بالألم أحسستُ به أنا أيضًا، واهتممتُ رأسًا بمداواته.

كنّا نوفّر المال قدر الإمكان بعد النفقات على الملابس والطعام؛ اتّكل عليّ أخي بصورة عمياء. كان يُودع بيدي كلّ قرش وعمِلت جُهدي للتوفير، لأنّي أدركتُ بأنّه سيأتي يوم أحتاج فيه لكلّ قرش ليتمكّن كلانا من بناء أسرة. لقد طاردَنا الخوف من القلّة طَوال الوقت.
بعد تواجُدنا بيافا بسنتين تسنّى لنا توفير ٨٦٠ (ثمانمائة وستّين) ليرة؛ وبوسعك أن تتصوّر أيّة ثروة عظيمة كانت هذه في تلك الأيّام. سكنّا في ذلك الوقت مع العمّ حُسني بن إبراهيم على سطح بيت عالٍ في شارع إيلات الواقع على حدود يافا-تل أبيب، وسكن في البيت نفسه أيضًا أبناء العم فارس (پرص) صدقة - نظمي (يعقوب) وإسحق وسرور (سسون) .

الفقدان

اعتدت وضع النقود في مَِحفظة (جِزدان) في جيبي، في ذلك الزمن لم تكن بنوك ولا أسهم وما شابه ذلك. كلّ شخص حفِظ ما جنى في جيبه؛ وحفظت مال كلينا بجيبي. ذات يوم، بعد الانتهاء من العمل، عُدت إلى البيت راكبًا الدراجة. شعرت بالعطش فتوقّفت عند كِشك لشرب كازوز بنصف مليم، أو ربّما بمليم واحد لا أذكر؛ دفعت ثم تابعت مشواري إلى البيت.

بينما كنتُ أصعَد الدرجاتِ، وضعت يدي على الجيبة كعادتي لتحسّس المَحفظة ففوجئت وذُهلت جدًّا، إنّها كانت خالية؛ تجمّدتُ، تخشّبت رِجلاي؛ لم أقدِر لا على الصعود ولا على النزول. بعد ذلك استعدت حيلي وقفزت نحو الخلف، ركبت درّاجتي وهرولت مذهولًا إلى الكشك.

سألت صاحب الكشك بصوت مرتجف في ما إذا رأى جِزداني فأجابني بالنفي، هزّ كتفيه وهزّ رأسه يمينا وشمالا، إنّه لم يره ولو رآه لقال لي. وجهي كان شاحبًا كالليمون، لم أكثرت بشكاوى صاحب الكشك؛ فتّشت كل زوايا الكُِشك، فوق منضدته وتحتها آملًا أن أعثر على الجِزدان ولكن دون جدوى. أخذ كلّ جسمي يرتجف؛ فكّرت كيف اختفت وتبخّرت سنتا عمل شاق، وُفّر فيها كلّ قرش. خِفت من لحظة لقاء أخي جلال وإخباره بفقدان المال. خفت أن يصيبه سوء؛ كنت في حيرة من نفسي. قلبت كلّ الكشك ولم أعثُر على شيء. بدأ صاحب الكشك بالتعاطف معي وبفهم وضعي وانضمّ للبحث والتنقيب. تحدّث بثقة تامّة أن لا علم له بالأمر البتّة. اقترح عليّ التوجّه للشرطة وإبلاغها عمّا فقده قبل فوات الأوان.

ركِبت درّاجتي، أحسستُ أنّ الطريق لعِمارة الشرطة بعيدة، بالرغم من أنّها تبعُد بضع مئات الأمتار. قدّمتُ تقريرًا للمناوب؛ استجوبني عمّا كان في الجِزدان فقلت له: شهادات ونقود مشيرًا إلى مقدارها. فتح المناوب عينيه مذهولًا لسماع المبلغ. من فضلك قلتُ له أبلغوني حالا إذا وجدتم شيئًا ما. نزلت الدرجات باكيًا، محطمًا، مكتئبا. دُمّرت كلّ حياتي.

جرْجرت رِجليّ وركبت الدرّاجة. رجوت بألّا أصل البيت أبدا، لأنّني علمتُ أنّني لن أقوى على النظر إلى عيني أخي. صعدت الدرج بتثاقل. أحد أفراد العائلة فتح لي الباب ورمقني بنظرة تنضح ازدراء. ماذا، أقد علموا؟ دخلت البيت بدون أن أنبِس ببنت شفة. وكان أخي جلال ينتظرني في آخر الرِواق، وعلى ما يبدو، كان قلقًا عليّ لأنّي تأخّرتُ بسبب ما جرى. عندما رأيته، انصبّت كلّ رغبتي في أن تفغر الأرض فاها وتبلعني.

اللقيا

”تعال جانبًا للحظة، عليّ أن أُكلّمك“، قال لي أخي. ”ما الخطْب؟“ - اضطربت لسماع قوله. ”أُنظر، يجب أن أشتري شيئًا ما وأحتاج مالًا كثيرا؛ إنّي بحاجة لما ادّخرت من مال؛ في الواقع هذا لا يكفي ولكنّه يساعد“ - قال لي أخي للتوّ.

”ولكن لماذا الآن بالذات أنت بحاجة للمال؟“ - حاولت أن أحظى ببعض الوقت. ”لا ترفع صوتك“ - قال أخي- ”لا أودّ أن يتدخّل أحد بشؤوننا“. دعنا نكظم ذلك؛ أعطني المال وأنا أعتني بما تبقّى. لم أعرف بما أجيب أخي؛ حلّت أصعب لحظة. عليّ الاعتراف بفُقدان الجِزدان. خيّم الهدوء على الغرفة لثوان. انتظر أخي إجابتي ولكنّ لساني انعقد. مدّ أخي يده إلى الخِزانة وأخرج شيئًا ما وقال: أُنظر ما وجدتُ، أتعرف خاصّة من هذا؟

رفعتُ رأسي ونظرت؛ لم أُصدّق عينيّ. إنّّه الجِزدان. ”لم أُرِد كتم ذلك أكثر من اللزوم؛ خشيت أن يطالك سوء، لذلك أسرعت لأُريك الجِزدان“، قال أخي ذلك مبتسما. امتلأت عيناي بدموع الارتياح. أخذ أخي يؤنّبني بهدوء؛ كيف فعلتَ ذلك؟ أضعتَ ثمرة عمل سنتين. علمت أنّه مصيب. ناولَني الجِزْدان وأردف قائلا ”إحذر لئلّا يتكرّر ذلك.“

تبيّن، أنّ أحد الجيران عثر على الجِزدان وسلّمه لأخي. سألته في ما إذا كافأه حتّى عشر ليرات فتكفيه لزمن طويل. من كان يفكّر في إعطاء مكافأة لواجد اللقيا؟ ضحك أخي. ”تمحورت كلّ أفكاري حول عدم عودتك إلى البيت بسبب الفقدان؛ رجوعك بالنسبة لي كان أهمّ من كلّ مال الدنيا.“

أين يُمكن العثور على سامريين طيّبين اليوم، مثل هذا الجار الذي وجد الجِزْدان وأعاده لصاحبه؟ وهذا ما قلته دومًا، الله موجود في السماء وعلى الأرض سامريون طيّبون“.



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لمحة عن الكتابة لدى الشعوب السامية
- ويكون إذ يصرُخ إليّ فأسمع
- تدحرجات الساعة
- مملحة ومبهرة
- من هم الأغيار الذين قال عنهم حكماء اليهود
- عندما طلب أبو حفظي طبقًا ثانيًا ٱنهار عفيف
- حكمة التجارة وأجرُها
- عيّنة من عبرية الجيش الإسرائيلي العامّيّة
- ذكريات دوّنها الكاهن الأكب يعقوب بن عزّي عن جدّه ورحلة والده ...
- تتمّة تاريخ أبي الفتح السامري
- إلى متى هذا ااستخفاف بلغتنا القومية
- قصص أبي جلل - خضوع وأجرُه بجانبه
- قصة أبي جلال - الخاتم
- مقتط
- طرائف مختارة
- الله لا ينسى الطيّبين
- أبو فارس طرد الروح الشرّيرة
- تعويذة امرأة حائض
- منتدى المحرقة الدولي يجب أن يُلغي اشتراكَ حكومة إسرائيل بسبب ...
- سرّ ثراء فرج (مرحيب) صدقة


المزيد.....




- سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع ...
- مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ ...
- كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
- حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع ...
- البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان ...
- أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
- مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
- أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - فقدانات ولَقايا