أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بهلول الكظماوي - الشيني















المزيد.....

الشيني


بهلول الكظماوي

الحوار المتمدن-العدد: 1581 - 2006 / 6 / 14 - 08:38
المحور: كتابات ساخرة
    


( بغداديات )
بتوقيع : بهلول الكظماوي
( ألشيني )
بسم الله الرحمن الرحيم
انّ الذين فرّقوا دينهم و كانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثمّ ينبئهم بما كانوا يفعلون . صدق الله العلي العظيم .
عبّاس الشيني , كان شاباً يافعاً في مقتبل العمر ولم يتجاوز السبعة عشر ربيعاً, كان يدرس في الصف الخامس الثانوي , القسم العلمي , فقير , يتيم , فقد أباه و هو لم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من العمر0
0ومع ذلك واصل دراسته و ظلّ مواظباً عليها
وحينما حانت العطلة الصيفية للمدارس ظهر عباس عندنا في سوق باب الآغا التجاري وافتتح بسطة هي عبارة عن ( بلم ) بانيو صغير من الصفيح ملئه بتشكيلة من ( بطالة البارد ) قناني المياه الغازيّة , ببسي كولا , كوكا كولا , فانتا , سبراي , سفن آب ....الخ , و كلمّا ذاب الثلج يضع عباس ثلجاً إضافيا لتبريد قنانيه من المشروبات الغازيّة التي يبيعها على المارّة و على أصحاب الدكاكين و المحلاّت في سوقنا التجاري 0
و كثيراً ما طرده أصحاب المحلاّت التي ( بسّط ) افترش عباس الأرض ببضاعته إمام محلاتهم , وأخيراً حلّ مقابل محلنا فطيّبنا خاطره و حميناه من حواسم ذلك الزمان حيث لم يكن مصطلح الحواسم قد ابتدع آنذاك , بل كان مصطلح ( أكّالة العشت ) أي الذين يأكلون و يشربون بالقوّة القاهرة و بدون أن يدفعوا أي مبلغ لقاء ما استهلكوه وهي عملية ابتزاز أشبه بـ ( الخاوة ) الإتاوة التي يأخذها الأقوياء الذين لا ذمّة لهم من الضعفاء العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم0
كان عباس الذي لا نعرف لقبه ولا اسم أبيه , كان ظريفاً طريفاً , صاحب نكتة , وقد وضع حبلها على غاربها ( دهري , أو سريحي ) كما تسميّه اللهجة العاميّة البغدادية . أي لا يأبه لضغوط الحياة و مشاكل الدنيا إن هي أشرقت أو هي أغربت0
وفي يوم من الأيّام وعلى عادته من ( الفطارة ) البلادة و ( الدهوريّه ) و ضربه لهموم الحياة عرض الحائط , طلب من ( صانعي ) عاملي أن يؤسس له شركة تليق بحلمه الذي يصبوا اليه , فاقترحت أنا بدوري على صانعي هذا , وكان يجيد الخط العربي ان يخطّ له ( قطعة ) لوحة كارتونيّة بأسم شركته وأسميتها ( شركة تراب حنطة ) نسبة إلى ما يسقط من فضلات سنابل الحنطة اليابسة من قشور و سيقان على شكل أتربة تستعملها ربّات البيوت قديماً في العراق لتنظيف الأواني و الصحون و قدور المطبخ حيث فيه ( تراب الحنطة ) قابلية على امتصاص الدهون و الأوساخ , و ذلك قبل ظهور مسحوق الصابون ( التايد و الاومو ...الخ ) و حتى بعد ظهوره بقليل في بداية الخمسينات0
فرح عباس أبو الببسي الذي اكتسب شهرة و تسمية جديدة هي ( عباس تراب حنطة ) , كما فرح بالكارتونة التي خطها ( صانعي ) عاملي و بما كتبه عليها و علقها فوق رأسه على الحائط الذي وقف جنبه لبيع مشروباته الغازيّة0
مرّ مصوّر جوّال نادى عليه عباس فطلب منه التقاط صورة له إمام بسطته , فظهرت الصورة و اللافتة ( شركة تراب حنطة ) خلفه وهو ( عبوسي ) يقف إمامها بكل زهو وافتخار0
وقعت مجلة اسمها ( تجارة الشرق الأوسط ) وهي مجلّة تجارية بريطانية تصدر باللغة العربية , ولا أتذكر إن كانت تردني أسبوعيا أو شهرياً0
أحبّ عباس أن تكون له مراسلاته مع الشركات التجارية مثلنا تماماً , وفعلاً حقّقت له ما أراد فسجّلت له اشتراكاً على عنوان مخزني بدل محلّي الذي أنا عندي اشتراك عليه في المجلّة , وما هي الاّ اسبوع و تصله نسخة منها لتتوالى النسخ الاخرى تباعاً بأسم شركة تراب حنطة0
و تمضي أيّام العطلة الصيفية متسارعة , فلم يبق من شهورها الأربعة الاّ شهر واحد او اقل بقليل , ورغم إن عباس هذا قد تعوّدنا عليه و تعوّد علينا و أحببناه وأحبّنا , ولكن المثل المصري الذي تعلّمه عبوسي من الافلام يقول : ( الحلو ما يكملش ) , هذا المثل احكم قبضته من عباس إذ رجع إليه اثنان من الذين كانوا يطردونه من الجلوس و ( التبسيط ) بسط بضاعته إمام محلاتهم , رجعوا إليه يتملّقوا له لغرض كسبه إليهم0
0لأن عباس امّه من مذهب و أبوه من مذهب آخر
ولا أتذكر ألان هل كان والده شيعياً أم سنياً ؟ و كذلك والدته لا أتذكرها أكانت من الشيعة أم من السنّة ؟ .
كلّ ما نعرفه انهما كانا من مذهبين مختلفين ولكنهما مسلمين متوافقين وقد نزحا من مدينة الكوت المتعايشة مذهبياً و قومياً ليسكنا في مدينة الحرية المتعايشة مذهبياً أيضا, وكانا ( أبواه ) يحب بعضهما بعضاً و لم يشعرا بأية فوارق غير انّ الموت فرّق بينهما0
و لمّا كان يسأل عباس عن مذهبه من قبل اللئيمين الاثنين من أبناء السوق المؤلّف من مئات التجار و أصحاب المحلات والمخازن التجارية كان يجيبهم عباس بأنّه ( شيني ) أي إن مذهبه مركّب من الشيعي و السنّي في آن واحد0
و بالطبع كان هذين الشخصين اللئيمين أحدهما محسوباً على متعصّبي الشيعة و الثاني محسوباً على متعصّبي السنّة و كانا مكروهين من أبناء السوق الذين يعدّون بالمئات بسبب تعصب كلّ منهما إلى مذهبه بعكس أبناء السوق الذين كانوا أكثر من متعايشين , بل يوجد فينا المسيحيين و الصابئة , ولم نفرّق بيننا في يوم من الأيام كمسلمين أو غير مسلمين0
المشكلة الكبرى إن الاثنين المتصارعين على كسب عباس سواءً كان الشيعي منهم أم السني كانا من اصول غير عراقية ولم يمض على اقامتهما في العراق الا عشرين سنة أو اكثر بقليل , بعد أن قدموا الى العراق خاليي الوفاض واشتغلوا بداية بالحمالة ( حمالين ) ثم تطوّروا إلى الدلالة , ثم امتلكوا محلات و أصبحوا تجّاراً بفترة وجيزة بفضل طيبة و مساعدة أبناء السوق لهم0
وتمضي إجازة العطلة الصيفية للمدارس و يودّعنا عباس الشيني و لكن إلى غير رجعة , وانقطعت أخباره , حتى سألنا من يعرفه في منطقة سكناه ( مدينة الحريّة ) فأخبرونا أنه رحل راجعاً مع امّه إلى مدينته الكوت0
و تمضي السنون , وأكون أنا في زيارة لبريطانيا لاشاهد شخصاً على مشارف الأربعين من عمره وقد قلب شعر رأسه إلى الخلف صانعاً منه جديلة , نسمّيها بالعاميّة العراقية ( ذيل الحصان ) و قد وضع قرطاً في إحدى إذنيه , يلبس سروالاً و سترة من الجلد ماداً يده و هو راكضاً ورائي مستعطياً طالباً للإحسان , وكان في حالة أشبه بمن تعاطي مخدراً أو مسكراً , فقد تدلّى من فمه ( الرهوالة
) الزبد وكلامه بطيء كأنّه مخدّر , فأمعنت النظر فيه لإحساسي بأنّي أعرفه منذ زمان بعيد , أو اشبّهه بشخص كنت قد عرفته قديماً .
وإذا به عباس أو ( عبوسي ) ألشيني , صاحب شركة تراب حنطة0
سألته ماذا دهاك يا عباس ؟
وبعد أن عرفني أجهش بالبكاء لاعناً اليوم الذي تعرّف فيه على سوقنا في باب ألآغا و على ذلكما الملعونين الأجنبيين ألذين استعرقا و اندسّا في سوقنا التجاري و المتعصّبين كلّ لمذهبه المغاير للآخر0
لقد ضاع الولد ( عباس ) ما بين الدخيلين على السوق وعلى العراق , بل هو ( عباس ) ضحية كل الدخلاء على الدين سواءً أكانوا مدعي التشيع أو مدّعي التسنّن منهم , فالدين لله , و القبلة واحدة وكتابنا واحد و الصلاة والصيام واحدة و الحج و الزكاة و .... و.... الخ كلّها متشابهة في الاصول رغم الفوارق الطفيفة في الفروع الناتجة من الاجتهادات التي تنبع في منطقة الفراغ التي تركها الشارع المقدّس خالية من النص الشريف لأجل أعمال العقل لأرادة إلهية ترمي إلى تحريك الفكر حتى لا يكون المجتمع راكداً بعيداً عن التطوّر الفكري و الحضاري و لهذا ورد في الحديث الشريف
0(اختلاف امتي رحمة)
نرجع لقصة لقائي بعباس مرّة اخرى في لندن بعد اكثر من عشرين سنة وهو على هذه الحالة التي يرثى لها
و لمّا لم يكن لديّ متّسع من الوقت للمغادرة ( وفقاً لبطاقة الرجوع ) لم يكن إمامي الاّ أن ابيّن له على عجل إن هذين المدّعين ألأثنين لم يكونا عراقيين , بقدر ما فسحت لهم طيبة العراقيين و تسامحهم هي التي فسحت لهم المجال في العيش بيننا وان هذين المستعرقين لم يتجاوزا الاّ اثنين بوسط سوق تجاري كبير يضم مائآت من المحلاّت و المخازن التجارية أصحابها من العراقيين الأقحاح الذين جلّهم ينتسبون إلى قبائل عربية عراقية عريقة و ذكرت له ( لعباس ) أشهرها مثل قبيلة شمّر و قبيلة عنزة و الجبور و الجنابات و خزاعة و زبيد و تميم و ربيعة .....الخ و كلّهم يتكونون من السنّة و الشيعة على حدّ سواء , وان لم يكونوا أبناء عمومة فهم أبناء خؤولة بينهما تناسب و أصهار , ولم يشهد تأريخ العراق السياسي أو الاجتماعي أيّة تفرقة مذهبية على طول هذا التأريخ ما عدى بعض المحطات القلقة ببعض المشاحنات المذهبية بسبب تدخلات العناصر الأجنبية من غير العراقيين ( و هنا أؤكّد جازماً إن كانت قد حدثت بعض التشنجات المذهبية فهي حتماً صناعة أجنبية من غير العراقيين0
و مثل ما هو موجود في القبائل العراقية العربية من انساب عمومة وخؤولة كذلك الحال في القبائل الكردية والتركمانية , حتى نجد الكثير من اخوتنا الأكراد و التركمان من ينتسبون و بكثرة إلى الخزاعل و ربيعة والبيات إضافة للسادة البرزنجية والسادة الكسنزانية الذي يرجع نسبهم إلى الحسين بن علي ( ع ) مّما يدلّ على أن العراقيين كلّهم أشبه بأبناء بقبيلة واحدة .
الخلاصة :
نظراً لعدم بقاء متسع من الوقت لدي لمغادرة لندن أعطيت له ( لعباس ) ما أستطيع عليه من مال و ودعته داعياً له بالهداية لاعناً و إياه كلّ من يفرّق صفوف المسلمين من أي مذهب كان
0كائناً من يكون
ختاماً أسأل الله العلي القدير بحقّ عزته و جلاله أن يوحد صفوف العراقيين مسلمين وأصحاب كتاب , عرباً و أكراداً و تركمانا ....الخ , كل العراقيين بكل فئآتهم و تكويناتهم بدون أستثناء و أن يبعد عنهم عيون الحاقدين و شرور الحاسدين وأن يحقق لهم دولة القانون والعدالة الاجتماعية بعيداً عن الاحتلال و التدخلات الأجنبية , انّه سميع مجيب
و دمتم لأخيكم : بهلول الكظماوي0
امستردام في 13-6-2006
e-mail:[email protected]
:توثيق :
الصراع العثماني الصفوي ليس صراعاً عراقياً بقدر ما هو صراع بين دولتين تتنافسان زعامة المنطقة فيما بينهما و لا دخل للعراق و العراقيين فيه , كما ان كلّ المؤسسين و قادة حزب البعث, ميشيل عفلق, اكرم الحوراني , منيف الرزاز , شبلي العيسمي , زيد حيدر , علي غنام, قاسم سلام ... الخ كلهم ليسوا عراقيين , كذلك قيادات ما يسمى بالعرب الافغان و منهم ابو مصعب الامريكاوي ... الخ كلهم ليسوا بعراقيين ,,



#بهلول_الكظماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بين كريّم و صديّم
- دفتر عبد كور
- السعلوّة
- صايه و صرمايه
- دكة عبسي
- الى الذين ستنتف لحاهم
- نص بيضه
- الخبز اليابس
- حارف رويسه
- طهارة الجامع
- بيضات كاكه حمه
- فحل, لو نثية
- بيت شلفاطه
- مشتهيه او مستحيه
- أتحاد خلف بن امين و عليوي خريكه
- الميّت ميّتنه ... او نعرفه اشلون مشعول صفحه
- ملّه فطم
- بغداديات
- عملهه عملة جحا بباب الجامع
- عرب وين او طنبوره وين


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بهلول الكظماوي - الشيني