أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الباسوسي - خلف نافذة 2020














المزيد.....

خلف نافذة 2020


احمد الباسوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6540 - 2020 / 4 / 17 - 10:58
المحور: الادب والفن
    


للازمنة رائحة تجذبك احيانا فتحضنها وترتاح، وتضربك على قفاك احيانا أخرى فتركلك بقوة خارج السماء، في هذا الزمان لم يعد ثمة شيء في العالم جدير بالركض والتسجيل، هذا زمان معبق برائحة البصل، انتثرت مع انفراجة البوابة العتيقة الضخمة التي تم بناؤها منذ عدة قرون اعتقادا انها سوف تحمي الأرض من تسلل الذئاب والحرذان. رائحة البصل فاحت في جنبات الكوكب بعد ان فرت الايام، لم يعد هناك ورق يمكن ان تنزعه من نتيجة الحائط، لم يكن هذا الأمر مجرد نذير شؤم وتطير، بل كان عبورا مستحيلا مكنه من التسلل داخل اريجها، وفاح مع الوان الطيف التي تخنق الطيور والزهور والمسنين هذه الأيام. مكث داخل ايامه ردحا عظيما من الزمن، لا يستطيع التحرك ولا القعود. الجميع يتحركون داخل ايامهم في خفة ونشاط، بينما يشعر بالجمود وثقل ملحوظ، حركة الناس في الشوارع تخبره ان الزمن يتحرك للامام، بينما هو عالق الى الأبد في داخله. انهم يتحدثون عن وباء جديد، يقولون انه ماكر جدا، نجح في المرور بخفة من فرجة البوابة الضخمة، رصدوه تحت المجهر بصعوبة، شبه الطاقية الصوف التي يغطي بها الفلاحون رؤسهم النحيلة، بدت هذه الطاقية مدببة مرشقة بنتوءات أو عصي قصيرة حولت منظرها الى تاج ملكي عظيم، اطلقوا عليه في المعامل اسم "فيروس التاج" أو مرض كورونا 19 المستجد، يتحرك بخفة مذهلة داخل حلوق الناس وصدورهم، قرر ان يضع حدا لأعداد العجائز والضعفاء المرضى المساكين فوق سطح الكوكب، جاء رجع الصدى من الغيب يقول " ان مكانهم لا بد ان يكون تحت الأرض، لقد تجاوزوا الوقت المسموح لهم. بقائهم فوقها أصبح أمرا غير مرغوب فيه الآن.
رائحة البصل تزكم الانوف مازالت، الشوارع بدت خالية ومظلمة، تكاد تطبق على القلوب وتزعج الانفاس. الخيارات تقلصت مثل الأيام. شعر كأنه يجول داخل نفسه، كان الشارع خالي من الدبيب والخيالات في الضاحية النائية شرق العاصمة العجوز، كأنه داخل جب، غوره يتمدد من دون نهاية، وانه يسبح في بحيرة من الذكريات والاوهام والاحلام. نفق الطيران الذي ضبط نفسه متلبسا بالركض داخله لايوجد به صوت صريخ ابن يومين، العالم اصبح صامت فجأة، حركت الحياة توقفت. الزمن الذي يمتطيه منذ ساعة لم يعد له وجود. لكن صوت صراخ حفيده الرضيع الذي خرج من بطن امه منذ عدة اسابيع طفق يعوي داخل اذنه بانفلات. عيناه لم تقدرا على مساعدته في استكشاف ما تحت قدميه، غموض الواقع حوله يتسع، فم الشباك الذي احتضنه اطاره المعدني الحديث لم يعد يسرب الضوء، سطوة العتمة هاجمت اعمدة الانارة الحكومية واعمدة الانارة في داخله. بانت الرؤية والوضوح، دخل العام الجديد شاهرا قفازا قويا يلاكم به الأرض والناس. لم يعد الركض داخل نفق الطيران في هذه اللحظة مجديا لعجوز فارق السبعون وغارق في ظلام العتمة ومراقبة الزمن الذي يحركه بندول ساعة عجوز خرفان. صوت الرضيع انفلت أكثر مع سيادة الظلام داخل الشقة، ولا أصوات بشرية أخرى. شرفة الشباك المظلمة استعادته من الركض داخل نفق شارع الطيران بنفس سرعة العتمة، ذاب في ظلام الزمن المرتجع. كان يركض هناك داخل أزقة ضيقة قديمة وأصوات تطرق طبلة أذنه نجح في تمييزها، وحجارة وجدران من الطين، وصبية حفاة ممصوصين يلهون بنزق، ويركضون خلف كرة من الشراب داخل الزقاق، وكانت هناك رائحة غريبة تفوح من جدران وأرضية الزقاق الطينية، تحملها نسمات قيظ الشمس، لكن مشبعة بالدفء والحنين والحياة. ترى من يكون عدو الانسان الأعظم الآن الزمن، أم وباء كورونا؟. حركة الأرض اصبحت بلا هدف ولا نهاية، التحول من الركض في نفق الطيران الى الركض داخل الدماغ يشبه الجنون. ربما كانت الحياة الأفضل قابعة داخلنا دون ان ندري أو نتحسب، هكذا رأي قبل استفاقته البطيئة، وهكذا قبض كفه بقوة على حرف الشباك المعدني، وهكذا أعلن قبل ان يهبط من رحلته خلف النافذة، ذلك الشيء الوحيد المتبقي له في عالمه وكذلك رحلاته العكسية عبر الزمن. ان وباء الكورونا جاء لكي يترك رسالة غامضة للعالم، قد نعثر عليها يوما في أحد انفاق الطيران في العالم، وان الزمن قد يتوقف أو يضطرب، لكن يظل يقهر الكائنات ويفتت عظامهم. ارتجفت اطرافه اليابسة قليلا، التقط صوان الأذن صوت الرضيع خلال ذلك النسيج العبثي من الموجات والاشارات والرموز والألوان. الضوء تسحبت سرابيله من داخل الشقة، كهرباء اعمدة الانارة الحكومية ايقظته من غفوته داخل اطار الشباك المعدني واضاءت رأسه تماما، لم يعد هناك سوى شبح رجل كان يتحرك في الخلفية بملابسه الداخليه من دون هدف أو اتجاه، اقترب أكثر من النافذة، تطلع للكون خلالها، قال لنفسه "لعلها لحظة افاقة ممنوحة للنجاة، ولعلها لحظة انهيار سرمدية فوق احتمال رؤيتنا لما يجري خلف النافذة". ما تزال لقطات الزمن تتابع، والسبعيني فائق العقل يتحرك ببطء، يرسم صورا جديدة، ويأخذ لقطات جديدة، ويصنع، ويشهد أحداثا جديدة، يتم طباعتها داخل مستقبلات ذاكرته في رأسه، يستعيد بها زمانه وأيامه، يراها عبر النافذة كلما ولج اليها، وجذبته روائحها ونكهتها التي تدفئ أيامه الباقية.
القاهرة ابريل 2020



#احمد_الباسوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثوار غاضبون وتاريخ معلق
- أنا ومراهقي
- خرزات الضوء (قصة قصيرة)
- الهزيمة والعدم في فقاعات الصابون للكاتبة فاتن فاروق
- ثلاثة مشاهد قصصية
- عائدة من السماء
- الديك الرومي قصة قصيرة
- كاميرات آدمية (قصة قصيرة)
- أزمة في الطب النفسي أم ازمة في الثقافة المصرية
- دراسة نقدية عن كتاب : ايام من الهمس والجنون يوميات معالج نفس ...
- كتاب نظرات مضيئة في القصة والرواية والنقد الأدبي للكاتب المب ...
- المصريون البسطاء بين مصر القديمة ومصر الحديثة، قراءة في كتاب ...
- ام كلثوم والشيخ كشك وعبقرية المصريون
- تجليات الرمز وتشكيل النصوص بالكلمة
- سائق الحافلة
- أفهم (قصة قصيرة)
- الكمساري (قصة قصيرة)
- طلعت رضوان والسباحة ضد التيار
- دراما رمضان 2016 وسياق متحي للثورات
- رجل المقشة


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الباسوسي - خلف نافذة 2020