|
»ثلاثية« المصريين بين الوطن والمهجر
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1580 - 2006 / 6 / 13 - 11:42
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
البعثة التي أوفدها مجلس الأعمال الكندي ــ المصري إلي كندا، منذ الاثنين الماضي، والتي اختتمت أنشطتها أمس، ليست أول بعثة تجارية مصرية، فقد سبقتها وفود كثيرة ذهبت إلي مشارق الأرض ومغاربها، وقامت بــ »طرق الأبواب« و»القفز من الشبابيك« هنا وهناك، وحقق بعضها نتائج إيجابية بدرجة تزيد أو تقل، وعاد بعضها الآخر بــ »خفي حنين«. الجديد مع بعثة كندا والتي رافقتها الزميلة نجلاء ذكري نائب رئيس تحرير الأهرام والزميل محمد الهواري نائب رئيس تحرير »الأخبار«، فضلاً عن كاتب هذه السطور، انها، في حدود علمي، أول بعثة تشترك فيها الحكومة مع ممثلي القطاع الخاص من رجال الأعمال، أو أول بعثة تكون فيها »الشراكة« بين الحكومة والقطاع الخاص بهذا القدر غير المسبوق من التنسيق والتكافؤ والكفاءة والتساند الوظيفي. وعلي غير العادة.. لم يكن اسهام الحكومة بيروقراطيا أو شكلياً، وإنما كان تمثيلاً حقيقياً، وعلي أعلي مستوي، من خلال وزيرين من الحكومة هما فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي وعثمان محمد عثمان وزير التخطيط والتنمية المحلية، ومعهما السفير عمرو مصطفي كمال حلمي ممثلا عن وزارة الخارجية، والدكتور صفوت النحاس رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وعضو مجلس الشوري، وأحمد الخادم رئيس هيئة تنشيط السياحة، ووفاء صبحي إبراهيم وكيل أول الوزارة ورئيس المكتب الفني بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وشاهين سراج الدين رئيس بنك التنمية الصناعية. هذا الجانب الحكومي الرسمي، الذي يضم شخصيات مسئولة مرموقة ورفيعة المستوي ومتنوعة الاختصاصات والمسئوليات، يشكل نصف المشهد الذي تجسد نصفه الآخر في كوكبة من رجال الأعمال برئاسة المهندس معتز رسلان رئيس مجلس الأعمال الكندي ــ المصري. وهذه النخبة من رجال الأعمال تميزت بثلاث سمات: الأولي: سمة متعلقة بــ »الكم«، حيث وصل عدد المشاركين في البعثة هذا العام ضعف العدد المشارك في بعثة العام الماضي. الثانية: سمة متعلقة بــ »الكيف«، حيث تميزت بالتنوع وغطت قطاعات متعددة في العمل الاقتصادي والتجاري. الثالثة: أن معظم الاسماء لشخصيات خارج دائرة العدد المحدود من رجال الأعمال الذي استحوذ خلال السنوات الماضية علي الأضواء والتحدث باسم مجتمع البيزنس في مصر، وجاء دخول أسماء جديدة ظلت سنوات طويلة قابعة في الظل أو جالسة علي الخطوط الجانبية ليعطي حيوية لجماعة رجال الأعمال التي أصابها التكلس شأنها شأن معظم الأشياء والمؤسسات والفئات في مصر.. ولعل صعود شخصيات من الصف الثاني أن يكون بادرة لتجديد الدماء والأفكار والرؤي والقيادات في القطاع الخاص بعد أن أصابته عدوي كثير من أمراض الحكومة لأسباب كثيرة ليس هذا مجال الحديث عنها. والأهم من هذه الطبيعة »المختلطة« للبعثة أن هذه التركيبة غير المألوفة لا يمكن الحديث عنها كما لو كانت وفداً للقطاع الخاص بقيادة حكومية. فواقع الحال الذي تجسد علي الأراضي الكندية »شراكة مصرية« كفء ومتكافئة بين ممثلي الحكومة ورموز القطاع الخاص. وربما يعود بعض الفضل في ذلك إلي مزايا شخصية للوزيرين اللذين مثلا الحكومة في هذه البعثة حيث لم يفرضا حضورهما بــ »فرمانات« وزارية أو بحكم سلطة الكرسي الوزاري الذي يجلسان عليه، وإنما من خلال قدرتهما علي الإقناع ومد جسور التفاهم والتحلي بفضيلة الاصغاء والاستماع إلي الآراء والاقتراحات والانتقادات، فضلاً عن بذل الجهد الشاق والمضني الذي لم نألفه من أباطرة البيروقراطية. ويكفي أن نتذكر أن السفر من القاهرة إلي كندا رحلة شاقة تستغرق أكثر من ثلاث عشرة ساعة متصلة. وما كدنا نفرغ حقائبنا في تورنتو حتي أعدنا إغلاقها بعد ليلتين للسفر بالطائرة إلي العاصمة أوتاوا التي بقينا فيها ليلة واحدة، شددنا بعدها الرحال بالأتوبيس إلي مونتريال لقضاء ثلاث ليالٍ. وفي كل من المدن الثلاث كان في انتظار البعثة جدول مكدس بالاجتماعات الثنائية ومتعددة الأطراف. وإذا كان مظهر الدكتور عثمان محمد عثمان وبنيته التي تبدو من الظاهر قوية تبعث علي الاعتقاد بقدرته علي احتمال هذا الشقاء، فإن المواصفات الأنثوية للوزيرة فايزة أبو النجا كانت تدعو للاشفاق عليها من هذا الجهد الفظيع، لكن المفاجأة أنها قامت به والابتسامة تعلو شفتيها! وكان أداؤها ــ رغم هذا الاجهاد المريع ــ إيجابياً ورشيقاً جعلها موضع إعجاب الكنديين وفخر المصريين. * * * الجديد أيضاً في هذه البعثة أنها لم تكن مجرد بعثة »تجارية« بالمعني الضيق تسعي إلي ترويج الاستثمار في مصر وتعظيم التجارة معها، بل انها وضعت هذه الأهداف في إطار رؤية أشمل للتنمية في مصر، وعدم حصر هذه التنمية في الحدود الاقتصادية فقط وإنما النظر إليها في الآفاق الرحبة للتنمية البشرية بكل أبعادها ومقتضياتها. ولهذا وجدنا جدول أعمال البعثة ــ كما أوضحنا ذلك في رسائلنا السابقة وكما سنوضحه فيما بعد ــ لا يقتصر علي موضوعات التجارة والاستثمار والبيزنس وإنما يمتد إلي لقاءات مع رؤساء الجامعات وعمداء الكليات ومديري مراكز البحوث، ولا يتوقف عند الصادرات والواردات وإنما يهتم بالطفولة المبكرة كما يهتم بنقل التكنولوجيا وتوطينها في مصر، وتوفير منح لطلبة الجامعات والماجستير والدكتوراة، وإيجاد فرص للعمل والتدريب للعمال والفلاحين المصريين عبر المحيط في كندا. ولا أريد أن أسرف في التشاؤم وأعزو هذه المساعي الحميدة غير المألوفة في حكوماتنا المتعاقبة إلي التركيبة الشخصية للوزيرين، فهما في نهاية المطاف لا يمثلان نفسيهما.. بل يمثلان الحكومة. * * * الجديد كذلك في هذه البعثة انها لم تحبس نفسها في حدود القيام بــ »واجب« الاتصال بالكنديين والنقاش معهم من أجل تعظيم التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك، وإنما بادرت بالاتصال بالجالية المصرية المقيمة في كندا.. ولم يكن هذا الاتصال بالمصادفة، بل كان مقصوداً وموضوعاً منذ اللحظة الأولي في جدول أعمال البعثة قبل سفرها من القاهرة إلي كندا. بل ان الاهتمام بلقاء الجالية المصرية لم يكن مجرد »سد خانة« بل قصد البرنامج الموضوع - مع سبق الاصرار - ان تجتمع البعثة مع الكنديين من أصل مصري مرتين، لا مرة واحدة وحدث هذا بالفعل في تورنتو ثم تكرر في مونتريال. وفي المدينتين حرص الوزيران علي الحضور، والاستماع إلي مطالب وشكاوي وانتقادات الجالية المصرية، في حوار ديمقراطي بالغ الصراحة والسخونة. وعلي غير العادة أيضا - في ضوء خبرتنا مع المسئولين المصريين - لم يغضب الوزيران من الأسئلة الانتقادية، ولم يتبرما من الملاحظات المحرجة.. بل استمعا بكل هدوء علي مدار أكثر من ثلاث ساعات في كل لقاء، وقاما بالرد علي الأسئلة والانتقادات من الشكاوي باستضافة وبقدر كبير من الموضوعية والصراحة حتي عندما أصر بعض ابناء الجالية المصرية علي فتح ملفات ملغومة مثل ملف الاقباط، والقضاة، والاحزاب ومشاكل الديمقراطية في مصر. واعترف بأنني قد أصبت بالدهشة عندما رأيت الوزيرين لا يتهربان من الاجابة عن هذه الأسئلة المحرجة، بحجة انها خارج اختصاصهما، بل حاولا الاجابة عنها من وجهة نظرهما. حتي عندما تجاوز بعض الحاضرين حدود الموضوعية، وربما آداب الحوار أيضاً، قال عثمان محمد عثمان وفايزة أبو النجا انهما يتفهمان غيرة المصريين علي وطنهم، ويتفهمان أن شدة حب مصر هي سبب شدة الخوف عليها، وان شدة الخوف علي مصر هي سبب حدة الانتقادات في كثير من الأحيان. ورداً علي بعض الشكاوي مثل بطالة المصريين الكنديين بالحصول علي بطاقة الرقم القومي والمشاركة في الانتخابات المصرية، لم يتردد الوزيران في القول بأنهما سينقلان هذه المطالب إلي الجهات المختصة في مصر، وفي كل الأحوال تجنب الوزيران الدفاع الأعمي عن سياسات الحكومة بالحق والباطل، بل قالا بصريح العبارة ان هناك اخطاء وتحديات كثيرة، كما توجد أوضاع مقلوبة يجب تغييرها وأن هذا هو مبرر الاصلاح الدستوري والسياسي والاقتصادي المنشود. باختصار ظهرت في اللقاءات مع الجالية المصرية أمور جديدة لم نألفها من قبل اولها الحرص علي لقاء المصريين المغتربين، وثانيها النظر إلي هؤلاء باعتبارهم »ثروة قومية« - بنص تعبير فايزة أبو النجا - يجب عدم إهدارها بل يلزم الاستفادة منها علي أفضل وجه، وثالثها اعتماد الحوار الديمقراطي سبيلا أساسياً لعلاج التراكمات المسكوت عنها سنين وعقوداً متصلة. وبدلاً من استمرار سياسة صنع اذن من طين وأخري من عجين ازاء هذه التراكمات المسكوت عنها قالت فايزة أبو النجا إنه من غير المعقول ان ندعو الكنديين للاستثمار في مصر، بينما نتجاهل رجال الأعمال من أبناء الجالية المصرية، مضيفة ان نجاحنا في حث هؤلاء علي الاستثمار في وطنهم الأم هو الشرط الأول للنجاح في اجتذاب الكنديين وغيرهم من المستثمرين الأجانب، وان النجاح في هذه المهمة لن يتأتي بالكلام والشعارات المعسولة وانما بمواجهة الحقائق وحل المشاكل واعتماد الشفافية سبيلا للتخاطب مع المصريين المغتربين. * * * باختصار.. وضعتنا بعثة مجلس الأعمال الكندي ــ المصري أمام ثلاثية من الأمور التي لم نألفها من قبل: * »الشراكة« الكفء والمتكافئة بين الحكومة والقطاع الخاص. * الحرص علي التساند الوظيفي بين متطلبات الاستثمار وبين مقتضيات التنمية البشرية الشاملة. * التضافر بين السياسة والاقتصاد علي أجندة بعثة تجارية. وهي ثلاثية ظهرت تجلياتها في المدن الكندية الثلاث: تورنتو واوتاوا ومونتريال.. ونأمل ألا تسقط ثلاثية التقادم والإهمال والنسيان.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حاجة تقرف!
-
ماليزيا تغادر سبنسة العالم الثالث.. وتلحق بقطار التقدم عام 2
...
-
الخصخصة.. وسنينها - 1
-
الخصخصة.. وسنينها - 2
-
أتوبيسات الغلابة .. منجم ذهب!
-
لماذا يتحول كل خلاف إلى عداء مستحكم؟!
-
أمريكا.. غوريللا النفط العالمي
-
هل يعود شهبندر التجار .. بأزياء ديموقراطية؟!
-
.. كى تبقى القاهرة حاضرة الحواضر .. وبستان العالم
-
حراس التراث الحى .. يستغيثون!
-
مصر متخلفة بثلاثين عاماً عن الدول التى تشجع الاستثمار!
-
صورة أقوى من الكلام
-
ليس دفاعاً عن البهائية .. والبهائيين
-
الديموقراطية أحط شىء فى العالم
-
فعلها الهندي الأحمر المتمرد!
-
اطلبوا الحريات.. ولو من الكويت
-
قطارات من أجل الحوادث
-
إسرائيل تخطط لإعادة احتلال سيناء!
-
وضع أقفال من حديد على أفواه الصحفيين.. أسلحة فاسدة
-
كلام -هجايص- .. وكلام من دهب!
المزيد.....
-
مصر: الدولار يسجل أعلى مستوى أمام الجنيه منذ التعويم.. ومصرف
...
-
مدينة أمريكية تستقبل 2025 بنسف فندق.. ما علاقة صدام حسين وإي
...
-
الطيران الروسي يشن غارة قوية على تجمع للقوات الأوكرانية في ز
...
-
استراتيجية جديدة لتكوين عادات جيدة والتخلص من السيئة
-
كتائب القسام تعلن عن إيقاع جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح به
...
-
الجيشان المصري والسعودي يختتمان تدريبات -السهم الثاقب- برماي
...
-
-التلغراف-: طلب لزيلينسكي يثير غضب البريطانيين وسخريتهم
-
أنور قرقاش: ستبقى الإمارات دار الأمان وواحة الاستقرار
-
سابقة تاريخية.. الشيوخ المصري يرفع الحصانة عن رئيس رابطة الأ
...
-
منذ الصباح.. -حزب الله- يشن هجمات صاروخية متواصلة وغير مسبوق
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|