|
حصاد الحقل الإلكتروني
علي دريوسي
الحوار المتمدن-العدد: 6537 - 2020 / 4 / 14 - 23:36
المحور:
الادب والفن
في حوالي الساعة السادسة صباحاً شقّ صوت نينويّ حزين قادم من مذياع سيارة مسرعة صمت الضيعة إلى نصفين، كان صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، المطرب والملحِّن الأهم في العالم الإسلامي حتى بنظر الملحدين واللامتدينين، صوت جَنائِزيّ قادر على تفتيق الجروح المدملة، قادر على شفط سوائل التعب والظلم والمرض من الأجساد المُنهكة، موسيقى عالية موجعة تهزّ الأركان والوجدان، تختلج في الأعماق، تحضّ على الابتهال، على شُرُود الذِّهن والتأمل، على التدخين وشرب القهوة والكحول. **
وكان الزمن يومئذ زمن خريف البطريرك، زمن الذبول الذي لم يلتفت إليه أحد، وكنت تشعر أنّ كل شيء يسير من حولك كما العادة، يذهب الموظفون إلى المكاتب، العمال إلى الورشات والمعامل، الفلاحون إلى الحقول، التلاميذ إلى المدارس، الطلاب إلى الجامعات، المصلون إلى الجوامع، العساكر إلى الثكنات، تتحرّك السيارات والباصات العتيقة والسرافيس الحديثة في الشوراع مُطلقة العنان لدخانها وضجيجها، تتسوّق الناس حاجاتها الضرورية جداً، وباء الفقر منتشر في كل مكان واليأْس من الخير باد على الوجوه، لا أحد يرفع صوته وإلا يصير عبرة لمن سيخطر على ذهنه لاحقاً أن يفكر في رفع عَقِيرته، عمّ الهدوء في البلد، كنت تشعر أنّ هناك شيء ما يلوح في الأفق، شيء ما سيحدث، تشعر أنّ هناك ضجيج في كل مكان رغم الصمت المخيِّم على الناس، كنت تشعر برغبة كل شخص في الاِنفجار والصراخ والاِنعتاق، وكنت تحلم مثل كل كائن حيّ أن تبني مستقبلك، وإذ تجلس مع أفراد الأسرة مساءً أو مع الأصدقاء نهاراً، لم يكن ثمَّة ما تتحدَّث به سوى أن تطرح عليهم أسئلة كثيرة وكأنّك تخاطب نفسك: ما الذي يمكننا عمله كي نُحسِّن وضعنا المالي؟ بماذا نستطيع أن نتاجر؟ ما رأيكم لو نعمل في سوق الخضرة؟ هل سمعتم بورشة بناء تبحث عن عمال؟ ماذا يمكن أن نبني؟ ما رأيكم أن نفتح دكاناً؟ كيف لنا أن نعمل في التهريب؟ أسئلة ظلّت دون أجوبة وأمنيات دون تحقيق، ولا عجب إذ أنَّ الزمن زمن خريف البطريرك، زمن انتشار الفقر والمرض والبؤس والإحباط والحزن والهلع في كل شارع وبيت، زمن الخوف والإخصاء والتخفي وحشر الرؤوس في أكياس الصفن. **
كنّا كثيراً ما نقول نتيجة لبساطتنا وفقرنا بإن فلاناً ابن الضابط الفلاني آدمي وشريف وفهمان، لا سيما حين يكون قد قرأ بعض الكتب أو سمع بعض القصائد والأغاني لنزار ومحمود ومظفر وزياد وفيروز مع كأس عرق وسيجارة. من الطبيعي أن يتمتَّع البعض منهم بهذه الصفة السطحية الكاذبة، لأنّ في حوزتهم كل شيء تقريباً: فيلا العائلة بالعاصمة وثانية على شاطئ البحر وثالثة في الجبال ورابعة في الصحراء، سيارة أو أكثر لكل صرصور، مساعدات في الجامعة والدوائر الحكومية كرمى لرتبة الأب، محلات وعلاقات تجارية، حسابات مصرفية، جوازات سفر ورحلات وتنقُّلات في كل مكان وزمان، علاقات اجتماعية ومعارف للمساعدة على تدبير الأمور الحياتية، أصدقاء وصديقات لمدحهم، أفضل المواقع الوظيفية الصالحة للنهب بعد التخرُّج القسري من الجامعة، إعفاءات أو تسهيلات مجنونة أثناء تأدية الخدمة العسكرية، فرص زواج من عائلات تحمل المورثات نفسها، ومزايا أخرى لا تعد ولا تحصى، ناهيك عن إمكانيات الهروب في الحروب والأزمات الوطنية. **
في ظل المجتمع الرقمي تضمحل الحدود وتزول بمفهومها المادي الجغرافي أو النفسي الثقافي. مما يعني أن الفرصة مؤاتية اليوم للكتب الجيدة – باعتبارها سلعة – كي تنتشر وتُقرأ عالمياً أكثر من أي وقت سبق، وأقصد هنا بالدرجة الأولى الرواية التي تتكامل فيها الأجناس الأدبية وتتداخل وتتفاعل مع بعضها، وبالدرجة الثانية القصص الطويلة. المجتمعات الصناعية المتطورة لم تعد تعنيها القصة القصيرة جداً ولا الشعر، كما أعتقد. **
فتحتْ وسائل التواصل الاجتماعي الباب على مصراعيه أمام كل الطامحين للتعبير عما يجول في خواطرهم، إنها إحدى ميزات المجتمع الرقمي، وهذا ما يبدو شيئاً رائعاً، حتى لو لم تكن كل الطيور قادرة على الطيران، ولما لا، لكل إنسان الحق في كتابة أحاسيسه الأدبية وزراعة ما يراه مناسباً في حقله الإلكتروني، في نهاية المطاف وفي موسم القطاف لكل حسب زراعته ووإبداعه. **
لا أحد يعرف كيف سيتطوَّر وضع الوباء بالمعنى الصحي والاجتماعي والاقتصادي، لكن كلنا يعرف أن علينا العيش المشترك معه وبمحبة. **
قرأت اليوم كتاباً اسمه القوقعة، مذكرات عن السجون، شيء لا علاقة له بالأدب إطلاقاً، شيء يشبه أعراض وآلام كورونا في مرحلة الإنعاش. **
لا أستطيع أقصد لا أريد أن أتخيل أن محاضر جامعي أو معلم مدرسة ما في بلد ما يوافق على استلام مهمة أمين فرقة حزبية على التوازي من عمله وفي ذات الكلية أو المدرسة التي يعمل فيها. **
#علي_دريوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيدة كورونا
-
المثلث
-
المنحنى الأُسّيّ
-
الكمَّاشة
-
شيء أحمر كالقلب
-
عن غسيل الزيزفون
-
متفرقات
-
وباء التاج الذهبي
-
الهاربون
-
هدية إلكترونية
-
أسئلة وأجوبة للكويتية
-
لوحده
-
الله كبير
-
طقوس الكتابة عند علي إبراهيم دريوسي
-
ما الذي تفكرُ به أريج؟
-
صورة العائلة
-
مقتطفات
-
عشاء رأس السنة
-
العباءة السوداء
-
فرس النبي
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|